الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجاورهم من أمم النصرانية، وأقلعوا من جنوة فحطّوا بمرسى المهديّة منتصف اثنتين وتسعين وسبعمائة وطرقوها على حين غفلة وهو على طرف البرّ داخل في البحر كأنه لسان دالع فأرسوا عندها، وضربوا عند أوّل الطرق سورا من الخشب بينه وبين البر حتى صار المعقل في حكمهم، وعالوا عليه بالأبراج وشحنوها بالمقاتلة ليتمكّنوا من قتال البلد ومن يأتيهم من مدد المسلمين، وصنعوا برجا من الخشب من جهة البحر يشرف على أسوار المعقل لتعظم نكايتهم، وتحصّن أهل البلد وقاتلوهم صابرين محتسبين.
وتوافت إليهم الأمداد من نواحي البلد فحال دونهم الفرنجة.
وبلغ الخبر إلى السلطان فأهمّه أمرها وسرّح العساكر تترى إلى مظاهرتهم. ثم خرج أخوه الأمير أبو يحيى زكريا وسائر بنيه فيمن حضره من العساكر فانطلقوا لجهاد هذا العدوّ، واستنفر المقاتلة من الأعراب وغيرهم فاجتمعت بساحتها أمم، وألحّوا على الفرنجة بالقتال ونضح السهام حتى أحجروهم في سورهم. وبرز الفرنجة للقتال فكان بينهم وبين المسلمين جولة جلّى فيها أبناء السلطان، وكاد الأمير أبو فارس منهم أن يتورّط لولا حماية الله التي وقته. ثم تداركت عليهم الحجارة والسهام والنفط من أسوار البلد فاحترق البرج المطل عليها من جهة البحر فوجموا لحريقه. ثم ركبوا من الغد أسطولهم وأقلعوا إلى بلادهم، وخرج أهل المهديّة يتباشرون بالنجاة ويتنادون بشكر الأمراء على ما اعتمدوه في نصرهم، «وَرَدَّ الله الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً، وَكَفَى الله الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ» 33: 25. وأمر الأمير أبو يحيى برمّ ما تثلّم من أسوارها، ولم ما تشعّث منها، وقفل إلى تونس وقد أنجح الله قصدهم وأظهرهم على عدوّه وعدوّهم، والله تعالى ينصر من يشاء وهو القوي العزيز.
(انتقاض قفصة وحصارها)
كان السلطان أبو العبّاس قد ولّى على قفصة عند ما ملكها ابنه الأمير أبا بكر وأقام في خدمته من رجال دولتهم عبد الله التريكي من موالي جدّهم السلطان أبي يحيى فانتظم به أمره وأقام بها حولا. ثم تجافى عن إمارتها ولحق بأبيه بتونس سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة فجعل السلطان أمر قفصة لعبد الله التريكي وولّاه عليها ثقة بغنائه واضطلاعه. ولم يزل بها واليا إلى أن هلك سنة أربع وتسعين وسبعمائة وولّى السلطان
مكانه محمدا ابنه، وكان له إخوة أصاغر أبناء علات فنافسوه في تلك الرتبة وحسدوه عليها، وأغراهم به محمد الدنيدن من قرابة أحمد بن العابد كان ينظر في قسمة الماء بالبلد، وكان فيها عدلا معقلا، فلم تطرقه النكبة كما طرقت قومه، وأبقاه السلطان بالبلد فأغرى هؤلاء الإخوة بأخيهم ووثبوا به فاعتقلوه وأظهروا العصيان. ثم حمله أعيان البلد على البراءة من بني عبد الله التريكي استرابة بهم أن يراجعوا طاعة السلطان فتوثّب بهم وأخرجهم واستصفاهم واستقل برياسة البلد كما كان قومه، والسلطان في خلال ذلك يرعد ويبرق ويواصل الأعذار والإنذار، وهم قد لجّوا في طغيانهم. ثم جمع جنوده واحتشد واستألف الأعراب ووفّر لهم الأعطيات. ونهض إليها حتى نزل بساحتها منتصف خمس وتسعين وسبعمائة وقد استعدّوا وتحصّنوا فألحّ عليهم القتال وأذاقهم النكال، وقطع عنهم الميرة فضيّق محنقهم. ثم عدا على نخلهم يقطعها حتى صرع جذوعها وفسح المجال بين لفافها.
ولما اشتد بهم الحصار وضاق عليهم المخنق، فخرج شيخهم الدنيدن إلى السلطان يعقد معه صلحا على بلده وقومه فغدر به، وحبسه رجاء أن يملك بذلك البلد. وكان بعض بني العابد واسمه عمرو بن الحسن قد انتبذ عن قفصة أيام نكبتهم وأبعد في المغرب، ثم رجع ونزل بأطراف الزاب. ولما استقل الدنيدن بقفصة قدم عليه فأقام معه أياما ثم استراب به وتقبّض عليه وحبسه. فلما غدر به السلطان اجتمعت عليه المشيخة وعقدوا له الإمرة، وبعثوا إلى العرب يسترحمونهم ويعطفونهم على ذخيرتهم فيهم. وسرّبوا إليهم الأموال فتصدّى إلى الدفاع عنهم صولة بن خالد بن حمزة أمير أولاد أبي الليل، وزحف إلى السلطان بمعسكره من ظاهر البلد، وكان أولياؤه من العرب قد أبعدوا عنه في الجهات لانتجاع إبلهم فما راعه إلّا إطلاق صولة برايته في قومه فأجفل واتبعوه. وما زال يكرّ عليهم في بنيه وخواصّه حتى ردّهم على أعقابهم.
وأغذّ السير إلى تونس وهم في اتباعه، ولم يظفروا منه بعقال إلّا ما كان من طعن القنا ووقع السيوف حتى وصل إلى حضرته. ثم ندم صولة على ما كان منه وراسل السلطان بطاعته فلم يقبله، وانحدر إلى مشاتيه سنة ست وتسعين وسبعمائة.
واستدعى ابن يملول إلى صولة فأغراه بحصار توزر وأنزل معه عليها قومه فجلّى الأمير المنتصر ابن السلطان في دفاعهم والامتناع عليهم حتى يئسوا، واضطربت آراؤهم وأفرجوا عنها مفترقين. وصعد صولة إلى التلال للمصيف به، وعاود الرغبة من