الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الخبر عن مهلك الحاجب ابن عبد العزيز وولاية أبي محمد بن تافراكين من بعد وما كان على تفيئة ذلك من نكبة ابن الحكيم)
هذا الرجل اسمه أحمد بن إسماعيل بن عبد العزيز الغسّاني وكنيته أبو القاسم، وأوصل سلفه من الأندلس انتقلوا إلى مراكش واستخدموا بها للموحّدين، واستقرّ أبوه إسماعيل بتونس. ونشأ أبو القاسم بها واستكتبه الحاجب ابن الدبّاغ ولما دخل السلطان أبو البقاء خالد إلى تونس، ونكب ابن الدبّاغ لجأ ابن عبد العزيز إلى الحاجب ابن عمر، وخرج من تونس إلى قسنطينة واستقرّ ظافر الكبير هنالك فاستخدمه إلى أن غرّب إلى الأندلس كما قدّمناه. واستعمله ابن عمر على الأشغال بقسنطينة سنة ثلاث عشرة وسبعمائة فقام بها وتعلّق بخدمة ابن القالون بعد استبداد ابن عمر ببجاية. فلما وصل السلطان أبو بكر إلى تونس سنة ثمان عشرة وسبعمائة استقدمه ابن القالون واستعمله على أشغال تونس. ثم كانت سعايته في ابن القالون مع المزوار بن عبد العزيز إلى أن فرّ ابن القالون سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وولي الحجابة المزوار بن عبد العزيز، وكان أبو القاسم بن عبد العزيز هذا رديفه لضعف أدواته.
ولما هلك ابن عبد العزيز المزوار بقي أبو القاسم بن عبد العزيز يقيم الرسم إلى أن قدم ابن سيّد الناس، من بجاية، وتقلّد الحجابة كما قدّمناه فغصّ بمكان ابن عبد العزيز هذا وأشخصه عن الحضرة وولّاه أعمال الحامّة [1] ثم استقدم منها عند ما ظهر عبد الواحد اللحياني بجهات قابس فلحق بالسلطان في حركته إلى تيمرزدكت، وأقام في جملة السلطان إلى أن نكب ابن سيّد الناس، وولي الحجابة بالحضرة كما ذكرت ذلك كله من قبل إلى أن هلك فاتح سنة أربع وأربعين وسبعمائة فعقد السلطان على حجابته لشيخ الموحدين أبي محمد بن عبد الله بن تافراكين.
وكان بنو تافراكين هؤلاء من بيوت الموحدين في تين ملّل ومن آيت الخميس. وولي عبد المؤمن كبيرهم عمر بن تافراكين على قابس أوّل ما ملكها الموحدون سنة أربعين
[1] الحامة: خاصة الرجل من أهله وولده (القاموس) .
وخمسمائة إلى أن فتحوا مراكش، فكان عبد المؤمن يستخلفه عليها أيام مغيبه عنها على الإمارة والصلاة. ولما ثار بمراكش عبد العزيز وعيسى ابنا أومغار أخو الإمام المهدي سنة إحدى وخمسين كان مغيبه عنها على أوّل ثورتهم أن اعترضوا عمر بن تافراكين عند ندائه بالصلاة فقتلوه، وفضحهم الصبح فاستلحمهم العامّة، ثم كان ابنه عبد الله بن عمر من بعده من رجالات الموحّدين ومشيختهم. ولما عقد الخليفة يوسف بن عبد المؤمن على قرطبة لأخيه السيّد أبي إسحاق أنزله معه عبد الله بن عمر ابن تافراكين للمشورة مع جماعة من الموحدين كان منهم يوسف بن وانودين، وكان عبد الله المقدّم فيهم وجاء ابنه عمر من بعده مشتغلا بمذهبه مرموقا بتجلته [1] . ولمّا ولي السيد أبو سعيد بن عمر بن عبد المؤمن على إفريقية ولّاه قابس وأعمالها إلى أن استنزله عنها يحيى بن غانية سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة.
ثم كان منهم بعد ذلك عظماء في الدولة وكبراء من المشيخة آخرهم عبد العزيز بن تافراكين، خالف الموحّدين بمراكش لما نقضوا بيعة المأمون، فاغتالوه في طريقه إلى المسجد عند الآذان للصبح، بما كان محافظا على شهود الجماعات. ورعاها له المأمون في أخيه عبد الحق وبنيه أحمد ومحمد وعمر فلما استلحم الموحّدون وعمهم الجزع ارتحل عبد الحق موريا بالحج ونزل على السلطان المستنصر فأنزله بمكانه من الحضرة وسرّحه بعض الأحايين إلى الحامة لحسم الداء فيها. وقد كان توقّع الخلاف من مشيختها فحسن غناؤه فيها، وقتل أهل الخلاف وحسم العلل، وولّاه السلطان أبو إسحاق على بجاية بعد مقتل محمد بن أبي هلال فاضطلع بها. ولما ولي الدعيّ ابن عمارة أنه سرّحه في عسكر من الموحّدين لقهر العرب وكفّ عداوتهم فأثخن فيهم ما شاء. ولم يزل معروفا بالرياسة مرموقا بالتجلة إلى أن هلك. وكان بنو أخيه عبد العزيز وهم: أحمد ومحمد وعمر جاءوا على أثره من المغرب فنزلوا بالحضرة خير منزل، وغذوا بلبان النعمة والجاه فيها. وكان أحمد كبيرهم، وولّاه السلطان أبو حفص على قفصه ثم على المهدية، ثم استعفى من الولاية فعوفي.
وكان السلطان أبو عصيدة يستخلفه على الحضرة إذا أخرج منها على ما كان لأوّله إلى أن هلك الأوّل المائة الثامنة سنة ثلاث. ونشأ ابناه أبو محمد عبد الله وأبو العبّاس
[1] وفي نسخة أخرى: متقبلا مذهبه مرموقا تجلّته.
أحمد في حجر الدولة وجوّ عنايتها وأصهر عبد الله منهما إلى أبي يعقوب بن زذوتين شيخ الدولة في ابنته فعقد عليها. وأصهر من بعده أخوه أحمد بن أبي محمد بن يعمور في ابنته فعقد له أيضا عليها، واستخلص أبو ضربة بن اللحياني كبيرها أبا محمد عبد الله وآثره بصحبته، فلم يزل معه إلى أن كانت الواقعة عليه بمصوح، وتقبّض على كثير من الموحدين فكان في جملتهم. ومن عليه السلطان أبو بكر ورقّاه في رتب عنايته إلى أن ولّاه الوزارة بعد الشيخ أبي محمد بن القاسم. ثم قدّمه شيخا على الموحّدين بعد مهلك شيخهم أبي عمر بن عثمان سنة اثنتين وأربعين وبعثه إلى ملك المغرب مع ابنه الأمير أبي زكريا صاحب بجاية صريخا على بني عبد الواد فجلّى في خدمة السلطان وعرض سفارته. وتوجّه للإيثار بعدها إليه. واختصّ بالسفارة إلى ملك المغرب سائر أيامه. وغصّ الحاجب ابن سيّد الناس بمكانه، وهمّ بمكروهه فكبح السلطان عنانة عنه، ويقال إنه أفضى إليه بذات صدره من نكبته. ولما انقسمت خطط الدولة من الحرب والتدبير ومخالصة السلطان وتنفيذ أوامره بين ابن عبد العزيز الحاجب وابن الحكيم القائد. كان له هو القدح المعلى في المشورة والتدبير، وكانوا يرجعون إليه ويعوّلون على رأيه، وكان ثالث أثافيهم ومصقلة آرائهم.
ولما هلك ابن عبد العزيز، وكان السلطان قد أضمر نكبة ابن الحكيم، لما كان يتعاطاه من الاستبداد ويحتجنه من أموال السلطان، وأسرّ الحاجب ابن عبد العزيز إلى السلطان زعموا بين يدي مهلكه بالتحذير من ابن الحكيم وسوء دخلته، وأنه فاوضه أيام نزول العرب عليه بساح تونس سنة اثنتين وأربعين كما قدّمناه في الادالة من السلطان ببعض الأعياص من بني أبي دبوس، كانوا معتقلين بالحضرة، ألقاها الغدر على لسانه ضجرا من قعود السلطان عن الخروج بنفسه إلى العرب وسآمة ما هو فيه من الحصار واعتدّها عليه ابن عبد العزيز حتى ألقاها إلى السلطان عند موته، وبريء منها إليه فأودعها إذنا واعية وكان حتف ابن الحكيم فيها. ولمّا هلك وولي شيخ الموحدين أبو محمد بن تافراكين فاوضه في نكبة ابن الحكيم، وكان يتربّض به لما كان بينهما من المنافسة.
وكان ابن الحكيم غائبا عن الحضرة في تدويخ القاصية، وقد نزل جبل أوراس فاقتحمه واقتضى مغارمه وتوغّل في أرض الزاب واستوفى جباية من عامله يوسف بن منصور، وتقدّم إلى ريغة ونازل تغرت وافتتحها، وامتلأت أيدي العساكر من