الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الخبر عن دولة المأمون بن المنصور ومزاحمة يحيى بن الناصر له)
كان المأمون لما بلغه انتقاض الموحّدين والعرب على أخيه، وتلاشى أمره لنفسه بأشبيليّة فبويع وأجابه أكثر الأندلس وبايع السيد أبو زيد صاحب بلنسية وشرق الأندلس.
ثم كان ما قدّمناه من انتقاض الموحّدين على العادل وقتله بالقصر وبيعتهم ليحيى ابن أخيه الناصر، فكاتب ابن يوجان سرّا وعمل على إفساد الدولة، فداخلهم هسكورة والعرب في الغارة على مراكش، وهزم عساكر الموحّدين وفطن ابن الشهيد لتدبير ابن يوجان فقتله بداره. وخرج يحيى بن الناصر إلى معتصمه كما ذكرناه فخلع الموحّدون العادل [1] وبعثوا بيعتهم إلى المأمون.
وتولّى كبر ذلك الحسن أبو عبد الله العريقي [2] والسيد أبو حفص بن أبي حفص فبلغ خبرهم إلى يحيى بن الناصر وابن الشهيد، فنزلوا إلى مراكش سنة ست وعشرين وستمائة وقتلوهم وبايع للمأمون صاحب فاس وصاحب تلمسان محمد بن أبي زيد بن يوجان، وصاحب سبتة أبو موسى بن المنصور، وصاحب بجاية ابن أخته ابن الأطامي [3] وامتنع صاحب إفريقية وكان ذلك سببا لاستبداد الأمير أبي زكريا على ما يذكر. ولم يبق على دعوة يحيى بن الناصر إلا إفريقية وسجلماسة.
وزحف البيّاسي إلى قرطبة فملكها، ثم زحف إلى إشبيليّة فنازل بها المأمون والطاغية معه، بعد أن نزل له عن مخاطة [4] وغيرها من حصون المسلمين فهزمهم المأمون بنواحي إشبيليّة ولحق البياسي بقرطبة فثاروا به إلى حصن المدور، فغدر به وزيره ميورك [5] ، وجاء برأسه إلى المأمون بأشبيليّة. ثم ثار محمد بن يوسف بن هود وملك مرسية واستولى على الكثير من شرق الأندلس كما ذكرناه في أخباره. وزحف إليه المأمون وحاصره وامتنع عليه فرجع إلى إشبيليّة، ثم خرج سنة ست وعشرين وستمائة
[1] حسب مقتضى السياق: يحيى بن الناصر وهكذا في النسخة الباريسية.
[2]
كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى: الغريغر.
[3]
وفي نسخة أخرى: الاطاس.
[4]
كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى: قجاطة.
[5]
كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى: يبورك.
إلى مراكش لما استدعاه أهل المغرب، وبعثوا إليه ببيعاتهم، وبعث إليه هلال بن حميد ان أمير الخلط يستدعيه. واستمدّ الطاغية عسكرا من النصارى وأمره على شروط تقبّلها منه المأمون، وأجاز إلى العدوة. وبادر أهل إشبيليّة بالبيعة لابن هود، واعترضه يحيى بن الناصر فهزمه المأمون واستلحم من كان معه من الموحّدين والعرب، ولحق يحيى بجبل هنتاتة. ثم دخل المأمون الحضرة وأحضر مشيخة الموحّدين وعدّد عليهم فعلاتهم وتقبّض على مائة من أعيانهم فقتلهم، وأصدر كتابه إلى البلدان بمحو اسم المهدي من السكّة والخطبة، والنعي عليه في النداء للصلاة باللغة البربرية، وزيادة النداء لطلوع الفجر وهو:«أصبح وللَّه الحمد» وغير ذلك من السنن التي اختصّ بها المهدي وعبد المؤمن، وجرى على سننها أبناؤه. فأوعز بالنهي عن ذلك كله. وشنّع عليهم في وصفهم الامام المهدي بالمعصوم، وأعاد في ذلك وأبدى.
وأذن للنصارى القادمين معه في بناء الكنيسة بمراكش على شرطهم، فضربوا بها نواقيسهم. واستولى ابن هود بعده على الأندلس، وأخرج منها سائر الموحّدين، وقتلهم العامّة في كل محل [1] . وقتل السيد أبو الربيع ابن أخي المنصور وكان المأمون تركه واليا بقرطبة. واستبد الأمير أبو زكريا بن أبي محمد ابن الشيخ أبي حفص بإفريقية، وخلع طاعته سنة سبع وعشرين وستمائة للسيد أبي عمران ابن عمه محمد الخرصان [2] على بجاية مع أبي عبد الله اللحياني أخي الأمير أبي زكريا. وزحف إليه يحيى بن الناصر فانهزم، ثم ثانية كذلك، واستلحم من كان معه ونصبت رءوسهم بأسوار الحضرة. ولحق يحيى بن الناصر ببلاد درعة وسجلماسة.
ثم انتقض على المأمون أخوه أبو موسى ودعا لنفسه بسبتة وتسمّى بالمؤيد، فخرج المأمون من مراكش وبلغه في طريقه أنّ قبائل بني فازان ومكلاتة حاصروا مكناسة وعاثوا في نواحيها، فسار إليها وحسم عاملها [3] واستمرّ إلى سبتة فحاصرها ثلاثة أشهر، واستمدّ أخوه أبو موسى صاحب الأندلس لابن هود فأمدّه بأساطيله.
وخالف يحيى بن الناصر المأمون إلى الحضرة فاقتحمها مع عرب سفيان وشيخهم
[1] وفي نسخة ثانية: في كل مطر.
[2]
وفي نسخة ثانية: الحرضاني وفي النسخة الباريسية الخرصاني.
[3]
وفي النسخة الباريسية عللها وهي أصح حسب مقتضى السياق.