الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فتح الأندلس وشئونها)
ثم صرف عبد المؤمن من قصره إلى الأندلس، وكان من خبرها أنه اتصل بالملثمين مقتل تاشفين بن عليّ، ومنازلة الموحّدين مدينة فاس. وكان علي بن عيسى بن ميمون قائد أسطولهم قد نزع طاعة لمتونة وانتزى بجزيرة قادس، فلحق بعبد المؤمن بمكانه من حصار فاس، ودخل في دعوته وخطب له بجامع فاس [1] أوّل خطبة خطبت لهم بالأندلس عام أربعين وخمسمائة. وبعث أحمد بن قيسي صاحب مرتلّة ومقيم الدعوة بالأندلس أبا بكر بن حبيس [2] رسولا إلى عبد المؤمن فلقيه على تلمسان وأدّى كتاب صاحبه فأنكر ما تضمّنه من النعت بالمهديّ، ولم يجاوب. وكان سدّراتي [3] بن وزير صاحب بطليوس وباجة وغرب الأندلس قد تغلّب على أحمد ابن قيسي هذا، وغلبه على مرتلة فأجاز أحمد بن قيسي البحر إلى عبد المؤمن من بعد فتح مراكش لمداخلة عليّ بن عيسى بن ميمون ونزل بسبتة، فجهّزه يوسف بن مخلوف، ولحق بعبد المؤمن، ورغّبه في ملك الأندلس، وأغراه بالملثّمين فبعث معه عساكر الموحّدين لنظر براز بن محمد المسوقي الناظر إلى عبد المؤمن من جملة تاشفين، وعقد له على حروب من بها من لمتونة والثّوار وأمدّه بعسكر آخر لنظر موسى بن سعيد، وبعده بعسكر آخر لنظر عمر بن صالح الصنهاجي، ولمّا أجازوا إلى الأندلس نازلوا بالغمر بن عزرون من الثّوار بشريش، وكانت له مع ولده [4] . ثم قصدوا لبلة وبها من الثّوار يوسف بن أحمد البطروجي [5] فأعطاهم الطاعة، ثم قصدوا مرتلة، وهي تحت الطاعة لتوحيد صاحبها أحمد بن قيسي. ثم قصدوا شلّب فافتتحوها، وأمكنوا منها ابن قيسي. ثم نهضوا إلى باجة وبطليوس فأطاعهم صاحب سدراتي بن وزير.
ثم براز في عسكر الموحّدين إلى مرتلة حتى انصرم فصل الشتاء فخرج إلى منازلة
[1] وفي نسخة أخرى: قادس.
[2]
وفي نسخة أخرى: حيسن وفي نسخة ثانية قيسي وفي النسخة الباريسية حبيش.
[3]
وفي نسخة أخرى: سدراي.
[4]
وفي نسخة أخرى: ذندة.
[5]
وفي النسخة الباريسية: البطروحي.
إشبيليّة فأطاعه أهل طليطلة [1] وحصن القصر، واجتمع إليه سائر الثّوار وحاصروا إشبيليّة برّا وبحرا إلى أن افتتحوها في شعبان من سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وفرّ الملثمون بها إلى قرمونة وقتل من أدرك منهم. وأتى القتل على عبد الله بن القاضي أبي بكر بن العربيّ في هيعة تلك الدخلة من غير قصد. وكتبوا بالفتح إلى عبد المؤمن بن عليّ. وقدم عليه وفودهم بمراكش يقدمهم القاضي أبو بكر فتقبّل طاعتهم وانصرفوا.
بالجوائز والأقطاعات لجميع الوفد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة.
وهلك القاضي أبو بكر في طريقه ودفن بمقبرة فاس. وكان عبد العزيز وعيسى أخوا المهدي من مشيخة العسكر بأشبيليّة ساء أثرهما بالبلد واستطالت أيديهما على أهله، واستباحوا الدماء والأموال. ثم اعتزما على الفتك بيوسف البطروجي صاحب لبلة فلحق ببلده وأخرج الموحّدين الذين بها، وحوّل الدعوة عنهم. وبعث إلى طليطلة وحصن القصر، ووصل يده بالملثّمين الذين كانوا بالعدوة وارتدّ ابن قيسي في مدينة شلف، وعلي بن عيسى بن ميمون بجزيرة قادس ومحمد بن الحجام بمدينة بطليوس وثبت أبو الغمر بن عزرون على طاعة الموحّدين بشريش [2] ورندة [3] وجهاتهما.
وتغلّب ابن غانية على الجزيرة الخضراء، وانتقض أهل سبتة كما ذكرناه، وضاقت أحوال الموحّدين بأشبيليّة، فخرج منها عيسى وعبد العزيز أخوا المهدي وابن عمهما يصليتن بمن كان معهم. ولحقوا بجبال بستر [4] وجاءهم أبو الغمر بن عزرون، واتصلت أيديهم على حصار الجزيرة حتى افتتحوها وقتلوا من كان بها من لمتونة، ولحق أخو المهدي بمراكش، وبعث عبد المؤمن على إشبيليّة يوسف بن سليمان في
[1] وفي النسخة الباريسية: طلياطلة.
[2]
شريش. مدينة كانت تدعى عند القوط سرت ceret.وبناحيتها وقعت المعركة الحاسمة بين طارق بن زياد وآخر ملوك الغوط سنة 711 م، وبعدها تم فتح المسلمين للأندلس، وكانت في أيام العرب مدينة مهمة ومركزا ثقافيا مشهورا، وهي اليوم كذلك من أهم مدن اسبانيا. استرجعها الاسبان نهائيا سنة 1264 م. بينها وبين إشبيليّة 97 كلم الى ناحية الجنوب. وكانت في أيام العرب من اعمال كورة البحيرة. (البيّنة/ 34) .
[3]
رنده: اسمها اللاتيني روندا ronda وهي من أقدم مدن اسبانيا، وكانت مزدهرة أيام العرب، تقدّم فيها أدباء وعلماء مشهورون، ولها تاريخ مجيد في الاستماتة دفاعا عن استقلالها. ولم يستطع الاسبان الاستيلاء عليها إلا بعد حصار دام عشرين يوما سنة 1485 قبل غرناطة بسبع سنوات. ونزح أهلها إلى المغرب العربيّ، وتوجد الى الآن عائلات الرندي بالمغرب. تبعد 108 كلم عن جبل طارق باتجاه الشمال وعن مالقة 96 كلم الى ناحية الشرق (البيّنة/ 27) .
[4]
وفي نسخة ثانية: بيستر.
عسكر من الموحّدين وأبقى براز بن محمد على الجباية، فخرج يوسف ودوّخ أعمال البطروجي بلبلة وطليطلة وعمل ابن قيسي بشلب ثم أغار على جبيرة وأطاعه عيسى بن ميمون صاحب شنت مريّة، وغزا معهم وأرسل محمد بن عليّ بن الحاج صاحب بطليوس [1] بهداياه فتقبّلت ورعيت له، ورجع يوسف إلى إشبيليّة. وفي أثناء ذلك استغلظ الطاغية على يحيى بن عليّ بن غانية بقرطبة وألح على جهاته حتى نزل له عن بياسة [2] ورندة، وتغلّب على الاشبونة [3] وطرطوشة [4] ولاردة [5] وافراغة وشنت مريّة وغيرها من حصون الأندلس، وطالب ابن غانية بالزيادة في بيته أو الإفراج له عن قرطبة، فراسل ابن غانية براز بن محمد واجتمعا باستجة [6] وضمن له براز إمداد الخليفة على أن يتخلّى عن قرطبة وقرمونة ويدال منها بجيان فرضي بذلك وتمّ العقد ووصل حطاب عبد المؤمن بإمضائه فارتحل ابن غانية إلى جيان ونازلة الطاغية بها فغدر بأقماطه واقتلعهم بقلعة ابن سعيد وافرج الطاغية عن جيان ولحق هذا بغرناطة وبها ميمون بن بدر اللمتوني في جماعة من المرابطين، قصده ابن غانية ليحمله على مثل حاله مع الموحّدين فكان مهلكه بها في شعبان سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وقبره بها معروف لهذا العهد. وانتهز الطاغية فرصته في قرطبة فزحف إليها ودفع الموحّدون بأشبيليّة أبا الغمر بن عزرون لحمايتها، ووصل إليه مدد يوسف
[1] بطليوس: اسمها القديم بتاليوم Batallium:وهي مدينة على الحدود البرتغالية تبعد عن مجريط نحو 400 كلم. كانت عاصمة لبني الأفطس أيام ملوك الطوائف، وبالقرب منها كانت موقعة الزلاقة. ينسب إليها علماء وأدباء معروفون. وكانت تعتبر من كورة قصر ابن أبي وانس. (البينة/ 23) .
[2]
بياسة: اسمها باللاتينية: فيفاتيا Vivatia وكان لها شأن أيام العرب ونبغ فيها أدباء وعلماء. خرّبها الاسبان بعد استرجاعها سنة 1277 ثم أعيد تجديدها (البينة/ 24) .
[3]
الاشبونة هي عاصمة البرتغال اليوم وكانت تسمى قبل الإسلام أوليسيبو.Ulissipo افتتحها المسلمون سنة 711 وبقي نفوذهم بها إلى سنة 1147، وكانت من كورة البلاطة. (البينة/ 20) .
[4]
طرطوشة، كانت أيام الرومان تدعى tosajuliaAugusta مدينة على شاطئ البحر المتوسط. كانت مركزا بحريا هاما أيام العرب ومدينة علم وأدب استرجعها الاسبان سنة 1148 م وهي الى جنوب برشلونة. كانت تعتبر من كورة البورتات. (البيّنة/ 28) .
[5]
لاردة: كانت تسمى ايلاردة.Elerda فتحها العرب في القرن الثامن وهي على نهر شيقر. كانت من أهم الثغور الشرقية. (البيّنة/ 29) .
[6]
استجة: اسمها في اللاتينية Astigi تقع جنوبي قرطبة لا تزال بها اثار عربية قيّمة وهي على وادي شنيل. (البيّنة/ 20) .