الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وبنواحي مصر) من جهة القبلة إلى عقبة أيلة أحياء جذام جمهورهم من العائد [1] وعليهم درك السابلة بتلك الناحية. ولهم على ذلك الأقطاع والعوائد من السلطان.
ويليهم من جهة الشرق بالكرك ونواحيها أحياء بني عقبة من جذام أيضا، ورحالة ناجعة تنتهي رحلتهم الى المدينة النبويّة. وعليهم درك السابلة فيما يليهم. وفيما وراء عقبة أيلة إلى القلزم قبائل من قضاعة ومن القلزم إلى الينبع، مع قبائل من جهينة.
ومن الينبع إلى بدر ونواحيه من زبيد إحدى بطون مذحج، ولهم الأمراء بمكّة من بني حسن حلف ومواخاة. وفيما بين مكّة والمهجم مما يلي اليمن قبائل بني شعبة من كنانة، وفيما بين الكرك وغزّة شرقا قبائل جذام من قضاعة في جموع وافرة، ولهم أمراء أعزّة يقطعهم السلطان على العسكر وحفظ السابلة، وينجعون في المشاتي إلى معان وما يليها من أسافل نجد، مما يلي تيماء، وبعدهم في أرض الشام بنو حارثة بن سنبس وآل مراء من ربيعة إخوة آل فضل الملوك على العرب في برية الشام والعراق ونجد. وأخبرني بعض أمراء حارثة بن سنبس عن بطون. فلنذكر الآن خبر أولاد فضل أمراء الشام والعراق من طيِّئ فنبين [2] أعراب الشام جميعا.
(خبر آل فضل وبني مهنا منهم ودولتهم بالشام والعراق)
هذا الحيّ من العرب يعرفون بآل فضل، وهم رحّالة ما بين الشام والجزيرة وبرية نجد من أرض الحجاز، ينتقلون هكذا بينها في الرحلتين [3] وينتهون في طيِّئ ومعهم أحياء من زبيد وكلب وهزيم ومذحج أحلاف لهم باين بعضهم [4] في الغلب والعدد آل مراء. ويزعمون أنّ فضلا ومراء آل ربيعة، ويزعمون أيضا أن فضلا ينقسم ولده بين آل مهنا وآل علي، وأنّ آل فضل كلهم كانوا بأرض حوران فغلبهم عليها آل مراء وأخرجوهم منها، فنزلوا حمص ونواحيها، وأقامت زبيد من أحلافهم بحوران فهم
[1] وفي نسخة ثانية من العابد.
[2]
وفي نسخة ثانية: فيهم يتبين حال أعراب الشام جميعا.
[3]
اي رحلة الشتاء والصيف.
[4]
وفي النسخة التونسية ويناهضهم في الغلب.
بها حتى الآن لا يفارقونها. قالوا: ثم اتصل آل فضل باللد [1] من السلطنة وولّوهم على أحياء العرب وأقطعوهم على إصلاح السابلة بين الشام والعراق، فاستظهروا برياستهم على آل مراء، وغلبوهم على المشاتي فصار عامة رحلتهم في حدود الشام قريبا من التلول والقرى، لا ينجعون إلى البرية إلا في الأقل.
وكانت معهم أحياء من أفاريق الأعراب يندرجون في لفيفهم وحلفهم من مذحج وعامر وزبيد كما كان لآل فضل. إلا أنّ أكثر من كان من آل مراء أولئك الأحياء وأوفرهم عددا بنو حارثة من إحدى سنى بطون طيِّئ [2] هكذا ذكر الثقة عنهم من رجالاتهم. وحارثة هؤلاء متغلّبون لهذا العهد في تلول الشام لا يجاوزونها إلى القفار.
ومواطن طيِّئ بنجد قد اتسعت، وكانوا أول خروجهم من اليمن نزلوا جبلي أجا وسلمى، وغلبوا عليهما بني أسد وجاوروهم. وكان لهم من المواطن سميراء وميد [3] من منازل الحاج. ثم انقرض بنو أسد وورثت طيِّئ بلادهم فيما وراء الكرخ من من منازل الحاج. ثم انقرض بنو أسد وورثت طيِّئ بلادهم فيما وراء الكرخ من أرض غفرو [4] وكذلك ورثوا منازل تميم بأرض نجد فيما بين البصرة والكوفة واليمامة. وكذلك ورثوا غطفان ببطن مما يلي وادي القرى.
هكذا قال ابن سعيد. وقال: أشهر الحجازيين منهم الآن بنو لام وبنو نبهان والصولة بالحجاز لبني لام بين المدينة والعراق، ولهم حلف مع بني الحسين أمراء المدينة.
قال: وبنو صخر منهم في جهة تيماء بين الشام وخيبر. قال: وغربة من طيِّئ بنو غربة [5] بن أفلت بن معبد بن عمر بن عنبس بن سلامان، ومن بعد بلادهم حيّ الأنمر والأساور [6] ورثوها من عنزة. ومنازلهم لهذا العهد في مصايفهم بالكيبات [7] وفي مشاتيهم مع بني لام من طيِّئ. وهم أهل غارة وصولة بين الشام والعراق. ومن بطونهم الأجود والبطنين وإخوانهم زبيد نازلون بالموصل، فقد جعل ابن سعيد: زبيد هؤلاء من بطون طيِّئ، ولم يجعلهم من مذحج. رياسة آل فضل في هذا العهد في
[1] بياض بالأصل وفي النسخة التونسية: «ثم اتصل آل فضل بالدول السلطانية» .
[2]
وفي النسخة التونسية: بنو حارثة بن عنبس احدى شعوب طيِّئ.
[3]
وفي نسخة ثانية قيد، والميد من الشعوب الشرقية الفارسية (قبائل الغرب ص 258) .
[4]
وفي النسخة التونسية: من ارض نجد.
[5]
وفي النسخة التونسية: وعزية من طيِّئ بنو عزية.
[6]
وفي النسخة التونسية: سلامات بن بعل، بلادهم عين التمر والأنبار.
[7]
وفي النسخة التونسية: بالكبيات.
بني مهنا، وينسبونه هكذا: كنا بن مايع بن مدسة بن عصية [1] بن فضل بن بدر بن علي بن مفرج بن بدر بن سالم بن قصية بن بدر بن سميع. ويقفون عند سميع.
ويقول زعماؤهم أن سميعا هذا هو الّذي ولدته العباسة أخت الرشيد من جعفر بن يحيى البرمكي. وحاشا للَّه من هذه المقالة في الرشيد وأخته، وفي بنات كبراء العرب من طيِّئ إلى موالي العجم من بني برمك وأمثالهم.
ثم إنّ الموجود تميل رياسته مثل هؤلاء على هذا الحي إذا لم يكونوا من نسبهم. وقد تقدم مثل ذلك في مقدّمات الكتاب.
(وكان مبدأ رياستهم) من أول دولة بني يعقوب. قال العماد الأصبهاني: نزل العادل بمرج دمشق ومعه عيسى بن محمد بن ربيعة شيخ الأعراب في جموع كثيرة. وكانت الرئاسة فيهم لعهد الفاطميين لبني جراح من طيِّئ. وكان كبيرهم مفرج بن دغفل بن جراح. وكان من أقطاعه التي معه وهو الّذي قبض على اسكى [2] مولى بني بويه لما انهزم مع مولاه بختيار بالعراق. وجاء إلى الشام سنة أربع وستين وثلاثمائة وملك دمشق وزحف مع القرامطة لقتال العزيز بن المعز لدين الله صاحب مصر، فهزمهم العزيز وهرب أفتكين فلقيه مفرج بن دغفل، وجاء به إلى العزيز فأكرمه ورقاه في دولته.
ولم يزل شأن مفرج هذا وتوفي سنة أربع وأربعمائة. وكان من ولده حسان ومحمود وعلي وجرار. وولي حسان بعده وعظم صيته، وكان بينه وبين خلفاء الفاطميين معزة واستقامة، وهو الّذي هزم الرملة وهزم قائدهم باروق التركي وقتله وسبى نساءه، وهو الّذي مدحه التهامي. ويذكر المسمى وغيره أنّ موطئ دولة العبيديين [3] في قرابة حسان بن مفرج هذا فضل بن ربيعة بن حازم وأخوه بدر بن ربيعة وابنا بدر. ولعل فضلا هذا هو جدّ آل فضل.
(قال ابن الأثير) إن فضل بن ربيعة بن حازم كان آباؤه أصحاب السقاء والبيت المقدس. وكان الفضل تارة مع الفرنج وتارة مع خلفاء مصر. ونكره لذلك طغركين أتابك دمشق وكافل بني تتش فطرده من الشام فنزل على صدقة بن مزيد بالحلة وحالفه. ووصله صدقة بتسعة آلاف دينار. فلما خالف صدقة بن مزيد على السلطان
[1] وفي النسخة التونسية: مهنا بن مانع بن حديثه بن غضية.
[2]
وفي النسخة التونسية: وكان من اقطاعه الرحلة، وهو الّذي قبض على افتكين مولى بني بويه.
[3]
وفي النسخة التونسية: ويذكر المسبحي وغيره من مؤرخي دولة العبيديين.
محمد بن ملك شاه سنة خمسمائة وما بعدها، ووقعت بينهما الفتنة اجتمع له فضل هذا وقرواش بن شرف الدولة ومسلم بن قريش صاحب الموصل وبعض أمراء التركمان، كانوا كلهم أولياء صدقة، فصار في الطلائع بين يدي الحرب، وهربوا إلى السلطان فأكرمهم وخلع عليهم، وأنزل فضل بن ربيعة بدار صدقة بن مزيد ببغداد حتى إذا سار السلطان لقتال صدقة، واستأذنه فضل في الخروج إلى البرية ليأخذ بحجزة صدقة فأذن له وعبر إلى الأنبار، فلم يراجع السلطان بعدها انتهى كلام ابن الأثير.
ويظهر من كلامه وكلام المسبحي أن فضلا هذا وبدرا من آل جراح بلا شك.
ويظهر من سياقة هؤلاء نسبهم أنّ فضلا هذا هو جدهم لأنهم ينسبونه: فضل بن ربيعة بن الجراح. فلعل هؤلاء نسبوا ربيعة إلى مفرج الّذي هو كبير بني الجراح لبعد العهد وقلة المحافظة على مثل هذا من البادية القفر [1] .
وأما نسبة هذا الحي من آل فضل بن ربيعة بن فلاح من مفرج في طيِّئ، فبعضهم يقول: إن الرئاسة في طيِّئ كانت لأياس بن قبيصة من بني سبإ بن عمرو بن الغوث من طيِّئ، وإياس هو الّذي ملكه كسرى على الحيرة بعد آل المنذر لما قتل النعمان بن المنذر، وهو الّذي صالح خالد بن الوليد عن الحيرة على الجزية. ولم تزل الرئاسة على طيِّئ إلى بني قبيصة هؤلاء صدرا من دولة الإسلام. فلعل بني الجراح وآل فضل هؤلاء من أعقابهم، وإن كان انقرض أعقابهم فهم من أقرب الحي إليهم، لأن الرئاسة على الأحياء والشعوب إنما تتصل في أهل العصبية والنسب كما مر أول الكتاب.
(وقال ابن حزم) عند ما ذكر أنساب طيِّئ وأنهم لما خرجوا من اليمن مع بني أسد نزلوا جبلي أجا وسلمى، وأوطنوهما وما بينهما، ونزل بنو أسد ما بينهم وبين العراق. وفضل كثير منهم وهم: بنو حارثة نسبة إلى أمهم [2] ، وتيم الله، وحبيش، والأسعد إخوتهم رحلوا على الجبلين في حرب الفساد فلحقوا بحلب، وحاضر طيِّئ وأوطنوا تلك البلاد إلا بني رومان بن جندب بن خارجة بن سعد، فإنّهم أقاموا بالجبلين فكانوا جبليين [3] ولأهل حلب وحاضر طيِّئ من بني خارجة السهيليون انتهى.
[1] وفي النسخة التونسية: من البادية الغفل.
[2]
وفي النسخة التونسية: وهم بنو خارجة بن سعد بن قطرة، ويقال لهم جديلة نسبة إلى أمهم.
[3]
يبدو من سياق النص ان عبارة سقطت أثناء النسخ، وفي النسخة التونسية: فإنهم أقاموا بالجبلين، فكان يقال لأهل الجبلين: الجبليون ولأهل حلب وحاضر طيِّئ من بني خارجة: السهليون.
فلعل هذه الأحياء الذين بالشام من بني الجراح وآل فضل من بني خارجة هؤلاء الذين ذكر ابن حزم أنهم انتقلوا إلى حلب وحاضر طيِّئ، لأن هذا الموطن أقرب إلى مواطنهم لهذا العهد من مواطن بني الجراح بفلسطين من جبلي أجا وسلمى الّذي هو موضع الآخرين، فاللَّه أعلم أي ذلك يصح من أنسابهم. وتحت خفارتهم بنواحي الفرات ابن كلاب [1] بن ربيعة بن عامر دخلوا مع قبائل عامر بن صعصعة من نجد إلى الجزيرة.
ولما افترق بنو عامر على الممالك الإسلامية اختص هؤلاء بنواحي حلب وملكها منهم بنو صالح بن مرداس من بني عمرو بن كلاب. ثم تلاشى ملكهم ورجعوا عنها الى الأحياء وأقاموا بالفرات تحت خفارة هؤلاء الأمراء من طيِّئ.
(وأما ترتيب رياستهم) على العرب بالشام والعراق منذ دولة بني أيوب العادل وإلى هذا العهد، وهو آخر ست وتسعين وسبعمائة، فقد ذكرنا ذلك في دولة الترك ملوك مصر والشام، وذكرناهم واحدا بعد واحد على ترتيبهم. وسنذكرهم هاهنا على ذلك الترتيب فنقول: كان الأمير لعهد بني أيوب عيسى بن محمد بن ربيعة أيام العادل كما كان بعده حسام الدين مانع بن حارثة بمصر والشام.
وفي سنة ثلاثين وستمائة ولي عليهم بعده ابنه مهنا. ولما ارتجع قطز بن عصية بن فضل أحد ملوك الترك بمصر والشام من أيدي التتر، وهزمهم بعين جالوت، أقطع سلمية لمهنا بن مانع وانتزعها من عمل المنصور بن مظفّر بن شاهنشاه صاحب حماة، ولم أقف على تاريخ وفاة مهنا. ثم ولي الظاهر على أحياء العرب بالشام عند ما استفحل ملك الترك. وسار إلى دمشق لتشييع الخليفة الحاكم عم المستعصم إلى بغداد عيسى بن مهنا بن مانع، وجرّ له الاقطاعات على حفظ السابلة، وحبس ابن عمّه زامل بن عليّ بن ربيعة من آل فضل على سعايته وإغرامه. ولم يزل يغير على أحياء العرب، وصلحوا في أيامه لأنه خالف أباه في الشدّة عليهم، وهرب إليه سنقر الأشقر سنة تسع وسبعين وستمائة وكاتبوا أبغا واستحثوه لملك الشام.
وتوفي عيسى بن مهنا سنة أربع وثمانين وستمائة فولى المنصور قلاون من بعده ابنه مهنا.
ثم سار الأشرف بن قلاون إلى الشام ونزل حمص، ووفد عليه مهنا بن عيسى في
[1] وفي النسخة التونسية: من كلاب بن ربيعة.
جماعة من قومه، فقبض عليه وعلى ابنه موسى وإخوته محمد وفضل ابني مهنا. وبعث بهم إلى مصر فحبسوا بها حتى أفرج عنهم العادل كتبغا عند ما جلس على التخت سنة أربع وتسعين وستمائة، ورجع إلى إمارته. وكان له في أيام الناصر نصرة واستقامة وميلة إلى ملوك التتر بالعراق، ولم يحضر شيئا من وقائع غازان. ولما فرّ أسفر وأقوش الأفرم [1] وأصحابهما سنة عشر وسبعمائة لحقوا به، وساروا من عنده إلى خرشد [2] واستوحش هو من السلطان وأقام في أحيائه منقبضا عن الوفادة.
ووفد أخوه فضل سنة اثنتي عشرة وسبعمائة فرعا له حق وفادته، وولاه على العرب مكان أخيه مهنا، وبقي مهنا مشردا. ثم لحق سنة ست عشرة وسبعمائة بخرشد ملك التتر فأكرمه وأقطعه بالعراق. وهلك خرشد في تلك السنة فرجع مهنا إلى أحيائه، ووفد ابنه أحمد وموسى وأخوه محمد بن عيسى مستعتبين على الناصر ومتطارحين عليه، فأكرم وفادتهم وأنزلهم بالقصر الأبلق، وشملهم بالإحسان وأعتب مهنا وردّه إلى إمارته وأقطاعه، وذلك سنة سبع عشرة وسبعمائة وحج هذه السنة ابنه عيسى وأخوه محمد وجماعة من آل فضل في اثني عشر ألف راحلة. ثم رجع مهنا إلى دينه في ممالأة التتر والاجلاب على الشام. واتصل ذلك منه فنقم السلطان عليه، وسخط عليه قومه أجمع. وتقدم إلى أبواب الشام سنة عشرين وسبعمائة بعد مرجعه من الحج، فطرد آل فضل عن البلاد وأدال منهم مالكا على عدالته بينهم [3] وولى منهم على أحياء العرب محمد بن أبي بكر، وصرف أقطاع مهنا وولده إلى محمد وولده فأقام مهنا على ذلك مدّة.
ثم وفد سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة مع الأفضل بن المؤيد صاحب حماة متوسلا به ومتطارحا على السلطان، فأقبل عليه وردّ عليه أقطاعه وإمارته.
(وذكر لي) بعض أمراء الكبراء [4] بمصر فيمن أدرك وفادته أو حدث بها: أنه تجافى في هذه الوفادة من قبول شيء من السلطان، حتى أنه ساق عنده النياق الحلوبة
[1] وفي نسخة ثانية: ولما انتقض قر استقر وأقوش الأفرم.
[2]
وفي نسخة ثانية: خربندا ولم نجد لها ذكر، ولعلها خرشيد وهي بليدة على سواحل فارس يدخل إليها في خليج من البحر نحو فرسخ في المراكب (معجم البلدان) .
[3]
وفي النسخة التونسية: وأدال منهم بال علي عديلة نسبهم.
[4]
وفي النسخة التونسية: بعض كبار الأمراء.
والعراب، وأنه لم يغش باب أحد من أرباب الدولة ولا سأل منهم شيئا من حاجاته، ثم رجع إلى أحيائه وتوفي سنة اربع وثلاثين وسبعمائة فولي ابنه مظفر الدين موسى، وتوفي سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة عقب مهلك الناصر، وولي مكانه أخوه سليمان.
ثم هلك سليمان سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة فولي مكانه شرف الدين عيسى ابن عمه فضل بن عيسى. ثم توفي سنة أربع وأربعين وسبعمائة بالقريتين ودفن عند قبر خالد بن الوليد. وولي مكانه أخوه سيف بن فضل، ثم عزله السلطان بمصر، الكامل ابن الناصر سنة ست وأربعين وسبعمائة وولي مكانه أحمد بن مهنا بن عيسى. ثم جمع سيف بن فضل ولقيه فياض بن مهنا بن عيسى وانهزم سيف. ثم ولي السلطان حسن الناصر في دولته الأولى وهو في كفالة بيبغاروس أحمد بن مهنا فسكنت الفتنة بينهم.
ثم توفي سنة سبع وأربعين فولي مكانه أخوه فياض، وهلك سنة تسع وأربعين وسبعمائة وولي مكانه أخوه خيار بن مهنا، وولاه حسن الناصر في دولته الثانية. ثم انتقض سنة خمس وستين وسبعمائة وأقام سنتين بالقصر عاصيا إلى أن تشفع فيه نائب حماة، فأعيد إلى إمارته. ثم انتقض سنة سبعين وسبعمائة فولى السلطان الأشرف مكانه ابن عمه زامل بن موسى بن عيسى، وجاء إلى نواحي حلب واجتمع إليه بنو كلاب وغيرهم، وعاثوا في البلاد وعلى حلب يومئذ قشتمر المنصوري، فبرز إليهم وانتهى إلى خيمهم، واستاق نعمهم وتخطي إلى الخيام فاستجاشوا بها [1] وهزموا عساكره وقتل قشتمر ابنه في المعركة، تولى هو قتله بيده، وذهب إلى القفر منتقضا فولى الأشرف مكانه ابن عمه معيقل بن فضل بن عيسى [2] . ثم بعث ابن معيقل صاحبه سنة إحدى وسبعين وسبعمائة يستأمن لخيار فآمنه. ثم وفد خيار بن مهنا سنة خمس وسبعين وسبعمائة فرضي عنه السلطان وأعاده إلى إمارته. ثم توفي سنة سبع وسبعين وسبعمائة فولي أخوه مالك إلى أن هلك سنة إحدى وثمانين وسبعمائة، فولى مكانه معيقل بن موسى بن عيسى، وابن مهنا شريكين في إمارتهما. ثم عزلا لسنة وولي بعير بن جابر [3] بن مهنا واسمه محمد، وهو لهذا العهد أمير على آل فضل وجميع أحياء طيِّئ بالشام. والسلطان
[1] وفي النسخة التونسية: فاستماتوا دونها.
[2]
وفي النسخة التونسية: فولي بعده معيقل بن فضل بن عيسى وزامل بن موسى بن عيسى بن مهنا.
[3]
وفي نسخة ثانية: نعير بن خيار بن مهنّا.
الظاهر لعهده يزاحمه بحجر بن محمد بن قارى حتى سخطه [1] . ثم وصل انتقاضه على السلطان وخلافه، وظاهر السلطان على موالاة محمد بن قاري فسخطه، وولّى مكانهما ابن عمهما محمد بن كوكتين ابن عمه موسى بن عساف بن مهنا فقام بأمر العرب وبقي بعير منتبذا بالقفر، وعجز عن الميرة لقلة ما بيده [2] واختلت أحواله، وهو على ذلك لهذا العهد، والله ولي الأمور لا رب سواه.
(ولنرجع) إلى ما بقي من شعوب هذه الطبقة فنقول: كان بنو عامر بن صعصعة كلّهم بنجد، وبنو كلاب في خناصرة [3] والرَّبَذَة من جهات المدينة وكعب بن ربيعة فيما بين تهامة والمدينة وأرض الشام. وبنو هلال بن عامر في بسائط الطائف ما بينه وبين جبل غزوان ونمير بن حامد [4] معهم. وجشم محسوبون منهم بنجد، وانتقلوا كلّهم في الإسلام إلى الجزيرة الفراتية فملك نمير حران ونواحيها. وأقام بنو هلال بالشام إلى أن ظعنوا إلى المغرب كما نذكر في أخبارهم. وبقي منهم بقية بجبل بني هلال المشهور بهم الّذي فيه قلعة صرخد. وأكثرهم اليوم يتعاطون الفلح. وبنو كلاب بن ربيعة
[1] وفي نسخة ثانية: والسلطان الظاهر لعهده يزاحمه بمحمد ابن عمه قاري.
[2]
وفي النسخة التونسية: فقلّ تابعه.
[3]
وفي النسخة التونسية: الخناصرية، والأصح خناصرة: وهي بليدة من أعمال حلب تحاذي قنسرين نحو البادية (معجم البلدان) .
[4]
وفي النسخة التونسية: نمير بن عامر.
ملكوا أرض حلب ومدينتها كما ذكرناه. وبنو كعب بن ربيعة دخلت إلى الشام، منهم قبائل عقيل وقشير وجريش وجعدة، فانقرض الثلاثة في دولة الإسلام ولم يبق إلا بنو عقيل.
(وذكر) ابن حزم: أنّ عددهم يفي عدد جميع مضر. فملك منهم الموصل بنو مالك [1] بعد بني حمدان وتغلب. واستولوا عليها وعلى نواحيها وعلى حلب معها. ثم انقرض ملكهم ورجعوا للبادية، وورثوا مواطن العرب في كل جهة، فمنهم بنو المنتفق بن عامر بن عقيل، وكان بنو مالك بن عقيل في أرض تيماء من نجد، وهم الآن بجهات البصرة في الآجام التي بينها وبين الكوفة المعروفة بالبطائح، والإمارة منهم في بني معروف، وبالمغرب من بني المنتفق أحياء دخلوا مع هلال بن عامر يعرفون بالخلط، ومواطنهم بالمغرب الأقصى ما بين فاس ومراكش.
(وقال الجرجاني) : إن بني المنتفق كلهم يعرفون بالخلط، ويليهم في جنوب البصرة إخوتهم بنو عامر بن عوف بن مالك بن عوف بن عامر، وعوف أخو المنتفق قد غلبوا على البحرين وغمارة [2] وملكوها من يدي أبي الحسن الأصغر بن ثعلب [3] . وكانت هذه المواطن للأزد وبني تميم وعبد القيس، فورث هؤلاء أرضهم فيها وديارهم.
(قال ابن سعيد) : وملكوا أيضا أرض اليمامة من بني كلاب وكان ملوكهم فيها لعهد الخمسين والستمائة بني عصفور. وكان من بني عقيل خفاجة بن عمرو بن عقيل، كان انتقالهم إلى العراق فأقاموا به وملكوا ضواحيه، وكانت لهم مقامات وذكر، وهم أصحاب صولة وكثرة، وهم الآن ما بين دجلة والفرات. ومن عقيل هؤلاء بنو عبادة بن عقيل، ومنهم الأجافل [4] لأن عبادة كان يعرف بالأجفل. وهم لهذا العهد بالعراق مع بني المنتفق. وفي البطائح التي بين البصرة والكوفة وواسط والإمارة فيهم على ما يبلغنا لرجل اسمه ميان بن صالح [5] وهو في عدد ومنعة. وما أدري أهو في بنى معروف أمراء البطائح بني المنتفق، أو من عبادة الأجافل؟ هذه أحوال بني
[1] وفي النسخة التونسية: بنو المقلّد.
[2]
وفي النسخة التونسية: البحرين وعمان.
[3]
بن تغلب. وهذا ما أشرنا إليه في جزء سابق من هذا الكتاب ان ابن خلدون يذكر الثعالبة بدل التغالبة.
وثعلب بدل تغلب.
[4]
وفي النسخة التونسية: الاخائل وهو الأصح، لأن عبادة كان يعرف بالأخيل.
[5]
وفي نسخة ثانية: قبان بن صالح.