الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليّ بن عمر بن أبي الليل فحكمه في أمره وأشركه في سلطانه، وأفرده برياسة العرب وأجرّه الرسن، وسرّب إليه الأموال، وكثر بذلك زبون العرب واختلافهم عليه، فاجتمع على التقويض عن إفريقية ونفض اليد من الخلافة، فجمع الأموال والذخيرة، وباع ما كان بمودعاتهم من الآنية والفرش والخرثيّ والماعون والمتاع، حتى الكتب التي كان الأمير أبو زكريا الأكبر جمعها واستجاد أصولها ودواوينها، أخرجت للورّاقين فبيعت بدكاكين سوقهم. فجمع من ذلك زعموا قناطير من الذهب تجاوز العشرين قنطارا وجوالقين من حصى الدرّ والياقوت، وخرج من تونس إلى قابس موريا بمشارفة عملها فاتح سنة سبع عشرة وسبعمائة بعد أن رتّب الحامية بالحضرة وباجة والحمامات، واستخلف بالحضرة أبا الحسن بن وانودين وانتهى إلى قابس فأقام بها، وصرف القمال في جهاتها إلى أن كان من بيعة ولده بتونس كما نذكره بعد إن شاء الله تعالى.
(الخبر عن نهوض السلطان أبي بكر الى الحضرة ورجوعه إلى قسنطينة)
لما رجع [1] السلطان من هوّارة إلى قسنطينة سنة ست عشرة وسبعمائة كما قدّمناه استبلغ في جهاد حركة أخرى إلى تونس، فاحتشد وقسّم العطاء وأزاح العلل، واعترض الجنود على طبقاتهم من زناتة والعرب وسدويكش. واستخلف على قسنطينة الحاجب محمد بن القالون وبعث إلى حاجبه الأعظم أبي عبد الرحمن بن عمر [2] بمكانه من إمارة بجاية في مدد المال للنفقات والأعطيات. فبعث إليه منصور بن فضل بن مزني عامل الزاب، وكان ابن عمر لما رأى من كفايته وأنه جمّاعة للمال، استضاف له عمل جبل أوراس والحصنة وسدويكش وعياض وسائر أعمال الضاحية، فكانت أعمال الجباية كلّها لنظره، وأموالها في حساب دخله وخرجه، فبعثه ابن عمر ليقيم إنفاق السلطان. واستخلفه على خطة حجابته، وارتحل السلطان من قسنطينة في جمادى سنة سبع عشرة وسبعمائة يطوي المراحل. ولقيه في طريقه وفود العرب،
[1] وفي نسخة أخرى: خرج.
[2]
وفي النسخة الباريسية ابن عمرو في النسخة التونسية ابن غمر
وانتهى إلى باجة مستغيثا [1] حاميتها إلى تونس.
وكان السلطان أبو يحيى اللحياني قد خرج عنها إلى قابس كما قدّمناه، واستخلف عليها أبا الحسن بن وانودين، وبعث إليه بنهوض السلطان أبي بكر إلى تونس، وأنه محتاج إلى المدافعة، فاعتذر لهم اللحياني بما قبله من الأموال، وأطلق يدهم في الجيش والمال، فأركبوا واستلحقوا ورتّبوا الديوان، وأخرجوا ابنه محمدا ويكنى أبا ضربة فأطلقوه من اعتقاله.
ولقيهم الخبر بإشراف السلطان أبي بكر على باجة، فخرجوا جميعا من تونس، وخالفهم إلى السلطان مولاهم ابن عمر بن أبي الليل. كان مضطغنا على الدولة متربّصا بها، لما كان اللحياني يؤثر عليه أخاه حمزة، فلقي السلطان في دوين باجة، فأعطاه صفقته واستحثّه، ووصل إلى تونس، فنزل روض السنافرة [2] من رياض السلطان في شعبان من سنة سبع عشرة وسبعمائة وخرج إليه الملأ وتردّدوا في البيعة بعض الشيء انتظارا لشأن أبي ضربة وأصحابه. وكان من خبرهم أنّ السلطان لما أغذ السير من باجة بادر حمزة بن عمر إلى بطانة اللحياني وأوليائه بتونس، فلقيهم وقد خرجوا عنها، فأشار عليهم ببيعة أبي ضربة ابن السلطان اللحياني ومزاحفة القوم به، فبايعوه وزحفوا إلى لقاء السلطان.
ودسّ حمزة إلى أخيه مولاهم أن يزحف بالمعسكر فأجفل السلطان عن مقامته بروض السنافرة لسبعة أيام من احتلاله قبل أن يستكمل البيعة، وارتحل إلى قسنطينة ورجع عنه مولاهم من تخوم وطنه، وسرّح منصور بن مزني إلى عمر ابن عمر بباجة ودخل أبو ضربة بن اللحياني والموحّدون إلى تونس منتصف شعبان من سنته. وبويع بالحضرة البيعة العامّة وتلقّب المستنصر. وأراد أهل تونس على إدارة سور بالأرباض فيكون سياجا عليها، فأجابوه إلى ذلك وشرع فيه، وأوهنه العرب في مطالبهم واشتطّوا عليه في شروطهم إلى أن عاود مولانا السلطان حركته كما نذكر إن شاء الله تعالى.
[1] وفي نسخة أخرى: فانفضّت.
[2]
وفي نسخة أخرى: روض السناجرة.