الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رياستهم جميعا في بني ابايرون [1] واسمه مجدول بن تاقريس بن فراديس بن ونيف بن مكناس. وأجاز منهم إلى العدوة عضد الفتح أمم. وكانت لهم بالأندلس رياسة وكثرة، وخرج منهم على عبد الرحمن الداخل شعيا بن عبد الواحد سنة إحدى وخمسين واعتصم بشنتمرية ودعا لنفسه منتسبا إلى الحسن بن عليّ. وتسمّى عبد الله ابن محمد وتلقّب بالفاطمي، وكانت بينه وبين عبد الرحمن حروب إلى أن غلبه ومما أثر ضلالته. وكان من رجالتهم لعهد دولة الشيعة مصالة بن حبّوس بن منازل اتصل بعبيد الله الشيعي، وكان من أعظم قوّاده وأوليائه، وولّاه تاهرت وافتتح له المغرب وفاس وسجلماسة.
ولما هلك أقام أخاه يصلتين بن حبّوس مقامه في ولاية تاهرت والمغرب. ثم هلك وأقام ابنه حميدا مقامه فانحرف عن الشيعة، ودعا لعبد الرحمن الناصر. واجتمع مع بني خزر أمراء جراوة على ولاية المروانية. ثم أجاز إلى الأندلس وولي الولايات أيام الناصر وابنه الحكم، وولي في بعضها تلمسان بدعوتهم. ثم هلك وأقام ابنه لرصل [2] بن حميد وأخوه يباطن بن يصلتين وعلى ابن عمّه من ماله في ظل الدولة الأموية إلى أن أجاز المظفّر بن أبي عامر إلى المغرب فولي يصل بن حميد سجلماسة كما نذكره. ثم أن رياسة مكناسة بالعدوة انقسمت في بني أبي نزول، وانقسمت مسايل [3] مكناسة بانقسامها. وصارت رياسة مكناسة في مواطن سجلماسة وما إليها من بني واسول بن مصلان بن أبي نزول، ورياسة مكناسة بجهات تازا وتوسول وملوية ومليلة لبني أبي العافية بن أبي نائل بن أبي الضحّاك بن أبي نزول. ولكل واحد من هذين الفريقين في الإسلام دولة وسلطان صاروا به في عداد الملوك كما نذكره.
(الخبر عن دولة بني واسول ملوك سجلماسة وأعمالها من مكناسة)
كان أهل مواطن سجلماسة من مكناسة يدينون لأوّل الإسلام بدين الصّفريّة من
[1] وفي نسخة أخرى: أبي يزول.
[2]
وفي نسخة أخرى: نصل وفي النسخة التونسية يصل وفي النسخة الباريسية فضل.
[3]
وفي نسخة أخرى: قبائل.
الخوارج لقنوه عن أئمتهم ورءوسهم من العرب لما لحقوا من المغرب وأسروا على الامتناع وماجت أقطار المغرب لفتنة ميسرة. فلما اجتمع على هذا المذهب زهاء أربعين من رجالاتهم نقضوا طاعة الخلفاء وولّوا عليهم عيسى بن يزيد الأسود من موالي العرب ورءوس الخوارج. واختطّوا مدينة سجلماسة لأربعين ومائة من الهجرة. ودخل سائر مكناسة من أهل تلك الناحية في دينهم. ثم سخطوا أميرهم عيسى ونقموا عليه كثيرا من أحواله فشدّوه كتافا ووضعوه على قنّة جبل إلى أن هلك سنة خمس وخمسين ومائة واجتمعوا بعده على كبيرهم أبي القاسم سمكو بن واسول بن مصلان [1] بن أبي نزول. كان أبوه سمقو [2] من حملة العلم، ارتحل إلى المدينة فأدرك التابعين وأخذ عن عكرمة مولى ابن عباس، ذكره عريب بن حميد في تاريخه، وكان صاحب ماشية وهو الّذي بايع لعيسى بن يزيد وحمل قومه على طاعته فبايعوه من بعده.
وقاموا بأمره إلى أن هلك سنة سبع وستين ومائة لمنتهى عشر سنين [3] من ولايته.
وكان أباضيا صفريّا. وخطب في عمله للمنصور والمهدي من بني العبّاس. ولمّا هلك ولّوا عليهم ابنه إلياس، وكان يدعى بالوزير. ثم انتقضوا عليه سنة أربع وتسعين ومائة فخلعوه وولّوا مكانه أخاه اليسع بن أبي القاسم وكنيته أبو منصور، فلم يزل أميرا عليهم، وبنى سور سجلماسة لأربع وثلاثين سنة من ولايته. وكان أباضيا صفريّا. وعلى عهده استفحل ملكهم بسجلماسة. وهو الّذي أتمّ بناءها وتشييدها، واختطّ بها المصانع والقصور، وانتقل إليها آخر المائة الثانية، ودوّخ بلاد الصحراء وأخذ الخمس من معادن درعة، وأصهر لعبد الرحمن بن رستم صاحب تاهرت بابنه مدرار في ابنته أروى فأنكحه إياها.
ولما هلك سنة ثمان ومائتين ولي بعده ابنه مدرار ولقبه المنتصر، وطال أمر ولايته.
وكان له ولدان اسم كلّ واحد منهما ميمون، أحدهما لأروى بنت عبد الرحمن بن رستم، وقيل إنّ اسمه أيضا عبد الرحمن. والآخر لبغي [4] وتنازع في الاستبداد على
[1] وفي النسخة الباريسية: مصلات بن أبي يزول.
[2]
وفي النسخة الباريسية: ابو سمقو وفي نسخة أخرى أبو سمكو.
[3]
وفي النسخة التونسية: لاثنتي عشرة سنة من ولايته.
[4]
وفي نسخة ثانية: لتقي.
أبيه، ودامت الحرب بينهما ثلاث سنين. وكانت لأبيهما مدرار صاغية إلى ابن أروى فمال معه حتى غلب أخاه فأخذه وأخرجه عن سجلماسة. ولم يلبث أن خلع أباه واستبد بأمره، ثم ساءت سيرته في قومه ومدينته، فخلعوه وصار الى درعة وأعادوا مدرارا الى أمره. ثم حدّث نفسه بإعادة ابنه ميمون ابن الرستميّة إلى إمارته بصاغية إليه فخلعوه ورجعوا ابنه ميمونا بن التقي، وكان يعرف بالأمير.
ومات مدرار إثر ذلك سنة ثلاث وخمسين ومائتين لخمس وأربعين من ملكه، وأقام ابنه ميمون في استبداده إلى أن هلك سنة ثلاث وستين ومائتين وولي ابنه محمد، وكان أباضيّا وتوفي سنة سبعين ومائتين فولي اليسع بن المنتصر، وقام بأمره ولحق عبيد الله الشيعي وابنه وأبو القاسم بسلجماسة لعهده. وأوعد المعتضد إليه في شأنهما، وكان على طاعته، فاستراب بهما وحبسهما إلى أن غلب الشيعي بني الأغلب، وملك رقادة، فزحف إليه لاستخراج عبيد الله وابنه من محبسه، وخرج إليه اليسع في قومه مكناسة فهزمه أبو عبد الله الشيعي، واقتحم عليه سجلماسة وقتله سنة ست وتسعين ومائتين واستخرج عبيد الله وابنه من محبسهما وبايع لهما. وولّى عبيد الله المهديّ على سجلماسة إبراهيم بن غالب المراسي [1] من رجالات كتامة، وانصرف إلى إفريقية.
ثم انتقض أمراء سجلماسة على واليهم إبراهيم فقتلوه ومن كان معه من كتامة سنة ثمان وتسعين ومائتين وبايعوا الفتح بن ميمون الأمير ابن مدرار ولقبه واسول، وميمون ليس هو ابن المتقي [2] الّذي تقدّم ذكره وكان أباضيا. وهلك قريبا من ولايته لرأس المائة الثالثة، فولي أخوه أحمد واستقام أمره إلى أن زحف مصالة بن حبّوس في جموع كتامة ومكناسة إلى المغرب سنة تسع وثلاثمائة، فدوّخ المغرب وأخذهم بدعوة صاحبه عبيد الله المهدي. وافتتح سجلماسة وتقبّض على صاحبها أحمد بن ميمون بن مدرار وولّى عليها ابن عمّه المعتز بن محمد بن ساور [3] بن مدرار، فلم يلبث أن استبد وبلغها المعتز، وهلك سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة قبيل ملك المهدي، وولي من بعده ابنه أبو المنتصر محمد بن المعتز فمكث عشرا.
ثم هلك وولي من بعده ابنه المنتصر سمكو شهرين، وكانت جدّته تدبّر أمره لصغره.
[1] وفي نسخة ثانية: المزاتي.
[2]
وفي النسخة التونسية: وميمون أبوه، هو ابن التقي.
[3]
وفي نسخة أخرى: بسّاور.
ثم ثار عليه ابن عمّه محمد بن الفتح بن ميمون الأمير وتغلّب عليه، وشغب عليه [1] بنو عبيد الله لفتنة ابن أبي العافية وتاهرت، ثم نقلته إلى أبي يزيد بعدهما فدعا محمد ابن الفتح لنفسه مموّها بالدعوة لبني العبّاس. وأخذ بمذاهب أهل السنّة ورفض الخارجيّة، ولقّب الشاكر باللَّه، واتخذ السكة باسمه ولقبه. وكانت تسمّى الدراهم الشاكريّة. كذا ذكره ابن حزم وقال فيه: وكان في غاية العدل حتى إذا فزع له بنو عبيد وحمت الفتنة [2] زحف جوهر الكاتب أيام المعز لدين الله في جموع كتامة وصنهاجة وأوليائهم إلى المغرب سنة سبع وأربعين وثلاثمائة فغلب على سجلماسة وملكها.
وفرّ محمد بن الفتح إلى حصن تاسكرات على أميال من سجلماسة وأقام به.
ثم دخل سجلماسة متنكرا فعرفه رجل من مضغرة وأنذر به، فتقبّض عليه جوهر، وقاده أسيرا إلى القيروان مع أحمد بن بكر صاحب فاس كما نذكره، وقفل إلى القيروان، فلما انتقض المغرب على الشيعة، وفشت بدعة الأمية [3] وأخذ زناتة بطاعة الحكم المنتصر، ثار بسلجماسة قائم من ولد الشاكر وباهي [4] المنتصر باللَّه. ثم وثب عليه أخوه أبو محمد سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة فقتله، وقام بالأمر مكانه. وتلقّب المعتز باللَّه.
وأقام على ذلك مدّة وأمر مكناسة يومئذ قد تداعى إلى الانحلال، وأمر زناتة قد استفحل بالمغرب عليهم إلى أن زحف حرزون [5] بن فلفول من ملوك مغراوة إلى سجلماسة سنة ست وستين وثلاثمائة وأبرز إليه أبو محمد المعتز فهزمه حرزون وقتله، واستولى على بلده وذخيرته، وبعث برأسه إلى قرطبة مع كتاب الفتح. وكان ذلك لأوّل حجابة المنصور بن أبي عامر، فنسب إليه واحتسب له لحدا بقبة [6] ، وعقد لحرزون على سجلماسة، فأقام دعوة هشام بأنحائها فكانت أوّل دعوة أقيمت لهم بالأمصار في المغرب الأقصى، وانقرض أمر بني مدرار ومكناسة من المغرب أجمع
[1] وفي النسخة التونسية: وشغل عنه بنو عبيد الله بفتنة ابن أبي العافية
[2]
وفي النسخة التونسية: حتى إذا فزع له بنو عبيد من الفتن.
[3]
وفي النسخة التونسية: وفشت دعوة الأموية- وهذا أصح-
[4]
وفي النسخة التونسية: باهي وتلقب بالمنتصر باللَّه.
[5]
وفي نسخة ثانية: خزرون.
[6]
وفي نسخة ثانية: واحتسب له جدّا ويمن نقيبة.
وأدال منهم بمغراوة وبني يفرن حسبما يأتي ذكرهم في دولتهم، والأمر للَّه وحده وله البقاء سبحانه وتعالى
.