الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الخبر عن استيلاء السلطان أبي بكر على الحضرة وإيقاعه بأبي ضربة وفرار أبيه من طرابلس الى المشرق)
لما قفل السلطان من تونس إلى قسنطينة بعث قائد محمد بن سيّد الناس بين يديه إلى بجاية فارتاب لذلك ابن عمر بوصول أمره [1] ، وتنكّر له وشعر السلطان بذلك.
وأغضى له وطالبه في المدد، فاحتفل في الحشد والآلة والأبنية. وبعث إليه سبعة من رجال الدولة بسبعة عساكر وهم: محمد بن سيّد الناس، ومحمد بن الحكم، وظافر السنّان وأخوه من موالي الأمير أبي زكريا الأوسط، ومحمد المديوني ومحمد المجرسي ومحمد البطوي [2] . وبعث له من فحول زناتة وعظمائهم عبد الحق بن عثمان من أعياص بني مرين، كان ارتحل إليه من الأندلس كما نذكر في خبره، وأبا رشيد بن محمد بن يوسف من أعياص بني عبد الواد فيمن كان معهم من قومهم وحاشيتهم.
توافوا بعساكرهم عند السلطان بقسنطينة، فاعتزم على معاودة الزحف إلى تونس، وكان قد اختبر أحوال إفريقية وأحسن في ارتيادها، فخرج في صفر من سنة ثماني عشرة وسبعمائة واستعمل على حجابته أبا عبد الله بن القالون، ويرادفه أبو الحسن بن عمرو وافاه بالأندلس وفد هوّارة وكبيرهم سليمان بن جامع، وأخبروه بأنّ ضربة بن اللحياني انتقل [3] من باجة بعد أن نازلها معتزما على اللقاء، فارتحل مولانا السلطان مغذّا ولقيه مولاهم بن عمر فراجع الطاعة، وارتحلوا في أتباع أبي ضربة وجموعه حتى شارفوا على القيروان، فخرج إليه عاملها ومشيختها فألقوا إليه باليد وأعطوا الطاعة.
وارتحل السلطان راجعا عن اتباع عدوّه إلى الحضرة وقد نزل بها أبو ضربة بن اللحياني من بطانة محمد بن الغلاق ليمانع دونها، فأخرج الرماة إلى ساحتها وقفل العساكر ساعة من النهار. ثم اقتحموها عليه، واستبيح عامّة أرباضها وقتل ابن الغلاق ودخل السلطان إلى الحضرة في ربيع من سنته، فأقام خلالا انعقدت بين العامّة. وقدّم على
[1] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى: فارتاب ابن غمر بوصوله.
[2]
وفي نسخة أخرى: محمد البطوني.
[3]
وفي نسخة أخرى: أجفل.
الشرطة ميمون بن أبي زيد واستخلفه على البلد. ورحل في اتباع أبي ضربة بن اللحياني وجموعه فأوقع بهم بمصبوح [1] من جهات بلاد هوارة.
وقتل من مشيخة الموحّدين أبو عبد الله بن الشهيد من أهل البيت الحفصي، وأبو عبد الله بن ياسين. ومن طبقات الكتّاب أبو الفضل البجائي [2] وتقبّض على شيخ الدولة أبي محمد عبد الله بن يغمور. وقيد إلى السلطان فعفا عنه وقومه [3] ليومه. ثم أعاده إلى خطته بعد ذلك. ورجع السلطان إلى تونس من سنته. وكان السلطان أبو عيسى بن اللحياني لما بلغه الخبر بنهوض السلطان إلى تونس حركته الثانية سنة سبع عشرة وسبعمائة وما كان من بيعة الموحّدين والعرب لابنه أبي ضربة، وارتحل من مقامه بقابس إلى نواحي طرابلس. ثم بلغه رجوع السلطان إلى قسنطينة فأوطن طرابلس فبنى مقعدا لملكه بسور البلد مما يلي البحر سمّاه الطارمة، وبعث العمّال في الجهات لجباية الأموال، وبعث على جبال طرابلس أبا عبد الله بن يعقوب قريب حاجبه ومعه هجرس بن مرغم كبير الجواري من ذئاب [4] فدوّخ البلاد وفتح المعاقل وجبى الأموال وانتهى إلى برقة. واستخدم آل سالم وآل سليمان من عرب ذئاب، ورجع إلى سلطانه بطرابلس ووافاه الجند بانهزام أبي ضربة ابنه، فبعث حاجبه أبا زكريا بن يعقوب ووزيره أبا عبد الله بن ياسين بالأموال لاحتشاد العرب، ففرّقوها في علّاق وذئاب وزحف أبو ضربة إلى القيروان. وبلغ خبره إلى السلطان أبي بكر فخرج من تونس آخر شعبان من سنة ثمان عشرة وسبعمائة فأجفلوا عن القيروان. ثم تذامروا وعقلوا رواحلهم مستميتين بزعمهم حتى أطلّت عليهم العساكر بمكان فجّ النعام، فانفضت جموعهم وشرّدت رواحلهم وارتحلوا منهزمين، والقتل والنهب يأخذ منهم مأخذه. ولجأ أبو ضربة في فلّه إلى المهديّة، وكانوا مقيمين على دعوة أبيه فامتنع منها إلى أن كان من شأنه ما نذكره.
وبلغ خبره إلى أبيه بمكانه من طرابلس فاضطرب معسكره وبعث إلى النصارى في أسطول يحمله إلى الإسكندرية فوافوه بستة أساطيل فاحتمل أهله وولده، وركب
[1] وفي النسخة الباريسية: بمصرح وفي نسخة ثانية بمصوح.
[2]
وفي النسخة الباريسية: التجاني.
[3]
كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة ثانية ونوهه.
[4]
وفي نسخة أخرى: دبّاب وهي الأصح.