الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أيدي بني حزروق [1] من مغراوة آخر دولتهم ودولة صنهاجة كما ذكرنا. ثم رجّعها ابن مطروح ودخلت في دعوة الموحّدين ومرّت عليها الأيام إلى أن استبدّ بها ابن ثابت ووليها من بعده ابنه في أعوام خمسين وسبعمائة منقطعا عن الحضرة ومقيما رسم الدعوة. وكان تجّار الجنوبيين يتردّدون إليها فاطلعوا على عوراتها وائتمروا في غزوها واتّعدوا لمرساها فوافوه سنة خمس وخمسين وانتشروا بالبلد في حاجاتهم ثم بيّتوها ذات ليلة فصعدوا أسوارها وملكوها عليهم. وهتف هاتفهم بالحرب وقد لبسوا السلاح فارتاعوا وهبّوا من مضاجعهم، فلما رأوهم بالأسوار لم يكن همّهم بالحرب وقد لبسوا السلاح فارتاعوا وهبّوا من مضاجعهم، فلما رأوهم بالأسوار لم يكن همّهم إلا النجاة بأنفسهم. ونجا ثابت بن محمد مقدّمهم إلى حلّة الجوار في أعراب وطنها من دباب إحدى بطون بني سليم، فقتل لدم كان أصابه منهم. ولحق أخويه بالإسكندرية، واستباحها النصارى، واحتملوا في سفنهم ما وجدوا بها من الخرثيّ والمتاع والعقائل والأسرى وأقاموا بها. وداخلهم أبو العباس بن مكي صاحب قابس في فدائها فاشترطوا عليه خمسين ألفا من الذهب العين، فبعث فيها لملك المغرب السلطان أبي عنّان يطرفه بمثوبتها. ثم تعجّلوا عليه فجمع ما عنده واستوهب ما بقي من أهل قابس والحامّه وبلاد الجريد فجمعوها له حسبة ورغبة في الخير. وأمكنه النصارى من طرابلس فملكها واستولى عليها وأزال ما دنّسها من وضر الكفر. وبعث السلطان أبو عنّان بالمال إليه وأن يردّ على الناس ما أعطوه وينفرد بمثوبتها وذكرها فامتنعوا إلا قليلا منهم، ووضع المال عند ابن مكي لذلك، ولم يزل ابن مكي أميرا عليها إلى أن هلك كما نذكره في أخبارهم إن شاء الله تعالى.
(الخبر عن بيعة السلطان أبي العباس أمير المؤمنين ومفتتح أمره السعيدة بقسنطينة)
كان الأمير أبو زيد قد ولي الأمر من بعد أبيه الأمير أبي عبد الله بولاية جدّه الخليفة أبي بكر، وكان إخوته جميعا في جملته، ومنهم السلطان أبو العبّاس أمير المؤمنين لهذا
[1] وفي نسخة ثانية خيزرون واسمه الصحيح خزرون (قبائل المغرب ص 166) .
العهد، والمنفرد بالدعوة الحفصيّة من لدن مهلك أبيهم يرون أنّ الوراثة لهم، وان الأمر فيهم حتى لقد يحكى عن شيخ وقته الوليّ أبي هادي المشهور الذكر، وكان من أهل المكاشفة، أنه قال ذات يوم وقد جاءوا لزيارته بأجمعهم على طريقهم وسنن أسلافهم في التبرّك بالأولياء فدعا لهم الشيخ ما شاء الله ثم قال: البركة إن شاء الله في هذا العش، وأشار إلى الإخوة مجتمعين، وكان الحذاق [1] والمنجّمون أيضا يخبرون بمثلها، ويحومون بوطنهم على أبي العباس منهم لما يتفرّسون فيه من الشواهد والمخايل. فلما كان من منازلة أخيه أبي زيد بتونس سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة ما قدّمناه، ثم ارتحل عنها إلى نفطة وأراد الرجوع إلى قسنطينة للارجاف يسائل [2] السلطان أبا عثمان وأنه زحف إلى آخر عمله من تخوم بجاية، رغب إليه حينئذ أولاد مهلهل أولياؤه من العرب وشيعته حاجبه أبو العباس بن مكي صاحب عمل قابس وجربة أن يستعمل عليهم من إخوته من يقيم معهم لمعاودة تونس بالحصار، فسرّح أخاه مولانا أبا العبّاس فتخلّف معهم لذلك وفي جملته شقيقه أبو يحيى فأقاما بقابس.
وكان صاحب طرابلس محمد بن ثابت قد بعث أسطوله لحصار جربة فدخل الأمير أبو العبّاس بمن معه الجزيرة وخاضوا إليها البحر فأجفل عسكر ابن ثابت وأفرجوا عن الحصن. ثم رجع السلطان إلى قابس وزحف العرب أولاد مهلهل إلى تونس وحاصروها أياما فامتنعت عليهم. ورجع إلى أعمال الجريد وأوفد أخاه أبا يحيى زكريا على السلطان صريخا سنة خمس وخمسين وسبعمائة فلقاه مبرّة ورحبا، وأسنى جائزته وأحسن وعده وانكفأ راجعا عنه إلى وطنه، ومرّ بالحاجب أبي عمر عند إفراجه عن قسنطينة، ولحق بأخيه بمكانه من قاصية إفريقية واتصلت أيديهما على طلب حقهما.
وفي خلال ذلك فسد ما بين أبي محمد بن تافراكين صاحب الأمر بتونس وبين خالد ابن حمزة كبير أولاد أبي الليل فعدل عنه إلى أقتاله وأولاد مهلهل، واستدعاهم للمظاهرة فأقبلوا عليه. وتحيّز خالد إلى السلطان أبي العبّاس وزحفوا معه إلى تونس فنازلوها سنة ست وخمسين وسبعمائة وامتنعت عليهم وأفرجوا عنها واستقدمه أخوه أبو زيد إثر ذلك لينصره من عساكر بني مرين عند ما تكاثفوا عليه، وضاق به الحصار
[1] وفي نسخة أخرى: الحزى جمع حازي وهو الّذي يزاجر الطير ليتكهّن.
[2]
وفي نسخة أخرى: بشأن.