الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تسع عشرة وثلاثمائة، ونزل له الرضي بن عصام عنها وآتاه طاعته وانقرض أمر بني عصام. وصارت سبتة إلى الناصر حتى استولى عليها بعد حين بنو حمّاد واستحدثوا بعدها دولة أخرى كما نذكره.
(الخبر عن بني صالح بن منصور ملوك نكور ودولتهم في غمارة وتصاريف أحوالهم)
لما استولى المسلمون أيام الفتح على بلاد المغرب وعمالاتها واقتسموه وأمدّهم الخلفاء بالبعوث إلى جهاد البربر، وكان فيهم من كل القبائل من العرب. وكان صالح بن منصور الحميري من عرب اليمن في البعث الأوّل. وكان يعرف بالعبد الصالح فاستخلص نكور لنفسه، واقطعه إياها الوليد بن عبد الملك في أعوام إحدى وتسعين من الهجرة، قاله صاحب المقياس، وبلد نكور ينتهي من المشرق إلى زواغة وجراوة ابن أبي الحفيظ [1] مسافة خمسة أيام وتجاوره من هنالك مطماطة، وأهل كدالة، ومرنيسة وغساسة أهل جبل مزك [2] وقلوع جاره التي لبني ورتندي، ولميد وزناتة، وينتهي من المغرب إلى مروان من غمارة، وبني حميد إلى مسطاسة وصنهاجة ومن ورائهم أوربة، حزب فرحون وبني ولميد وزناتة وبني يرنيان وبني واسن حزب قاسم صاحب صا والبحر جوفي نكور على خمسة أميال، فأقام صالح هنالك لما اقتطع أرضها وكثر نسله واجتمع إليه قبائل غمارة وصنهاجة مفتاح وأسلموا على يده وقاموا بأمره، وملك تكسامان [3] ، وانتشر الإسلام فيهم. ثم ثقلت عليهم الشرائع والتكاليف وارتدّوا وأخرجوا صالحا وولّوا عليهم رجلا من نفزة يعرف بالرندي.
ثم تابوا وراجعوا الإسلام وراجعوا صالحا فأقام فيهم إلى أن هلك بتلمسان [4] سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وولي أمره من بعده ابنه المعتصم بن صالح، وكان شهما شريف النفس كثير العبادة. وكان يلي الصلاة والخطبة لهم بنفسه، ثم هلك لأيام
[1] وفي نسخة أخرى: ابن أبي السميع.
[2]
وفي نسخة أخرى: جبل هرك.
[3]
وفي نسخة أخرى: تمسامان.
[4]
وفي نسخة أخرى: بتمسامان.
يسيرة وولي من بعده أخوه إدريس، فاختطّ مدينة نكور في عدوة الوادي ولم يكملها. وهلك سني ثلاث وأربعين ومائة وولي من بعده ابنه سعيد، واستفحل أمره، وكان ينزل مدينة تكسامان، ثم اختط مدينة نكور لأوّل ولايته ونزلها وهي التي تسمى لهذا العهد المزمة بين نهرين أحدهما نكور مخرجه من بلاد كزنارية [1] ومخرجه من مخرج وادي ورغة واحد، والثاني غيس [2] ومخرجه من بلد بني ورياغيل، يجتمع النهران في آكال [3] ، ثم يفترقان إلى البحر ويقال نكور من عدوة الأندلس بزليانة.
وغزا المجوس نكور هذه في أساطيلهم سنة أربع وأربعين ومائة فغلبوا عليها واستباحوها ثمانيا. ثم اجتمع إلى سعيد البرانس، وأخرجوهم عنها، وانتقضت غمارة بعدها على سعيد فخلعوه وولّوا عليهم رجلا منهم اسمه مسكن [4] وتزاحفوا فأظهره الله عليهم وفرّق جماعتهم وقتل مقدّمهم واستوسق أمره إلى أن هلك سنة ثمان وثمانين ومائة لسبع وثلاثين من أيامه. وقام بأمره ابنه صالح بن سعيد فتقبّل مذهب سلفه في الاستقامة والاقتداء وكان له مع البربر حروب ووقائع إلى أن هلك سنة خمسين ومائتين لاثنتين وسبعين سنة من ملكه.
وقام من بعده ابنه سعيد بن صالح وكان أصغر ولده فخرج إليه أخوه عبد الله وعمّه الرضي وظفر بهما بعد حروب كثيرة، فغرّب أخاه إلى المشرق ومات بمكة وأبقى على عمّه الرضي لذمة صهر بينهما. وقتل سائر من ظفر به من عمومته وقرابته، وأنهض لهما [5] سعادة الله بن هارون منهم، ولحق ببني يصليتن أهل جبل أبي الحسن ودلّهم على عورته. وبيّتوا معسكره واستولوا عليه، وأخذوا الآلة، وقتل منهم خلقا، ونجا سعادة الله بتلمسان [6] وتقبّض على أخيه ميمون فضرب عنقه. ثم سار سعادة الله إلى طلب الصلح فأسعفه وأنزله معه مدينة نكور، ثم غزا سعيد بقومه وأهل إيالته من غمارة بلاد بطوية ومرنيسة وقلوع جاره ورتندي وأصهر بأخيه إلى أحمد بن إدريس
[1] وفي نسخة أخرى: كزناية وفي النسخة الباريسية: كزيانة.
[2]
وفي النسخة الباريسية: عيش. وفي نسخة ثانية: عيس.
[3]
وفي نسخة أخرى: آكدال.
[4]
وفي نسخة أخرى: مسكن.
[5]
وفي نسخة أخرى: وامتعض لهم.
[6]
وفي نسخة أخرى: الى تمسامان
بن محمد بن سليمان صاحبه. وأنزله مدينة نكور معه. وتوطأ الأمر لسعيد في تلك النواحي إلى أن خاطبه عبد الله المهدي يدعوه إلى أمره وفي أسفل كتابه لهم:
وإن تستقيموا أستقم بصلاحكم
…
وإن تعدلوا عني أرى قتلكم عدلا
وأعلو بسيفي قاهرا لسيوفكم
…
وأدخلها عفوا واملؤها قتلا
فكتب إليه شاعره الأحمس الطليطلي بأمر يوسف بن صالح أخي الأمير سعيد:
كذبت وبيت الله ما تحسن العدلا
…
ولا علم الرحمن من قولك الفضلا
وما أنت إلّا جاهل ومنافق
…
تمثّل للجهّال في السنّة المثلى
وهمّتنا العليا لدين محمّد
…
وقد جعل الرحمن همّتك السفلى
فكتب عبد الله إلى مصالة بن حبّوس صاحب تاهرت، وأغزى إليه فغزاه سنة أربع وثلاثمائة لأربع وخمسين من دولته، فغلبهم سعيد وقومه أياما. ثم غلبهم مصالة وقتلهم، وبعث برءوسهم إلى رقادة، فطيف بها وركب بقيتهم البحر إلى مالقة، فتوسّع الناصر في إنزالهم إجارتهم واستبلغ في تكريمهم وأقام مصالة بمدينة نكور ستة أشهر. ثم قفل إلى تاهرت وولّى عليها دلول من كتامة، فانفضّ العسكر من حوله، وبلغ الخبر إلى بني سعيد بن صالح وقومهم بمالقة، وهمّ إدريس والمعتصم وصالح، فركبوا السفن إليها، وسبق صالح إليها منهم، فاجتمع البربر بمرسى تكسامان وبايعوه سنة خمس وثلاثمائة، ولقّبوه القيّم لصغره، وزحفوا إلى دلول فظفروا به وبمن معه وقتلوهم، وكتب صالح بالفتح إلى الناصر، وأقام دعوته بأعماله وبعث إليه الناصر بالهدايا والتحف والآلة، ووصل إليه إخوته وسائر قومه وأتوا طاعة.
ولم يزل على هدى أوّليه من الاقتداء إلى أن هلك سنة خمس عشرة وثلاثمائة وولي بعده ابنه عبد البديع، ولقّب المؤيد، وزحف إليه موسى بن أبي العافية القائم بدعوة العبيديين بالمغرب، فحاصره وتغلّب عليه فقتله، واستباح المدينة وخرّبها سنة سبع عشرة وثلاثمائة. ثم راجع إليها وقام بأمرهم أبو نور [1] إسماعيل بن عبد الملك بن عبد الرحمن بن سعيد بن إدريس بن صالح بن منصور وأعاد المدينة التي بناها صالح بن منصور وعمّرها وسكنها ثلاثا. ثم أغزى ميسور مولى أبي القاسم بن عبد الله صندلا مولاه عند ما أناخ على فاس، فبعث عسكرا مع صندل هذا فحاصر جراوة، ثم
[1] وفي نسخة أخرى: أبو أيوب.
عطف على نكور وتحصّن منه إسماعيل بن عبد الملك بفلعة اكدى. وبعث إليه صندل رسله من طريقه فقتلهم فأغذّ السير وقاتله ثمانية أيام.
ثم ظفر به فقتله واستباح القلعة وسباها، واستخلف عليها من كتامة رجلا اسمه مرمازو، ووصل صندل إلى فاس فترافع أهل نكور وبايعوا الموسى بن المعتصم بن محمد بن قرّة بن المعتصم بن صالح بن منصور وكان عند أبي الحسن عند يصليتن وكان يعرف بابن رومي.
وقال صاحب المقياس: هو موسى بن رومي بن عبد السميع بن رومي بن إدريس بن صالح بن إدريس بن صالح بن منصور، وأخذ مرمازو ومن معه وضرب أعناقهم، وبعث برءوسهم إلى الناصر. ثم ثار عليه من أعياص بيته عبد السميع بن جرثم بن إدريس بن صالح بن منصور، فخلعه وأخرجه عن نكور سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ولحق موسى بالأندلس ومعه أهله وولده وأخوه هارون بن رومي وكثير من عمومته وأهل بيته، فمنهم من نزل معه المريّة ومنهم من نزل مالقة. ثم انتقض أهل نكور على عبد السميع وقتلوه. واستدعوا من مالقة جريج [1] بن أحمد بن زيادة الله بن سعيد بن إدريس بن صالح بن منصور، فبادر إليهم وبايعوه سنة ست وثلاثين وثلاثمائة فاستقامت له الأمور وكان على مذهب سلفه في الاقتداء والعمل بمذهب مالك إلى أن مات آخر سنة ستين وثلاثمائة لخمس وعشرين سنة من ملكه، واتصلت الولاية في بنيه إلى أن غلب عليهم أزداجة المتغلّبون على وهران، وزحف أميرهم يعلى بن أبي الفتوح الأزداجي سنة ست وأربعمائة، وقتل سنة عشر فغلبهم على نكور وخرّبها، وانقرض ملكهم بعد ثلاثمائة سنة وأربعة عشر سنة من لدن ولاية صالح، وبقيت في بني يعلى بن أبي الفتوح وأزداجة إلى أعوام ستين وأربعمائة والله مالك الأمور لا إله إلا هو أهـ.
[1] وفي نسخة أخرى: جرثم.