الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بنو عامر بن زغبة)
وأما بنو عامر بن زغبة فمواطنهم في آخر مواطن زغبة من المغرب الأوسط قبلة تلمسان مما يلي المعقل، وكانت مواطنهم من قبل ذلك في آخرها مما يلي المشرق، وكانوا مع بني يزيد حيا جميعا، وكانوا يغلبون غيرهم في مواطن حمزة والدهوس، وبني حسن لميرة أقواتهم في المصيف. ولهم على وطن بني يزيد ضريبة من الزرع متعارفة بين أهله لهذا العهد. يقال: إنها كانت لهم أزمان تغلبهم في ذلك الوطن، وقيل إن أبا بكر بن زغبي في فتنته مع رياح غلبوه على الدهوس من وطنه، فاستصرخ بني عامر فجاءوا لصريخه، وعلى بني يعقوب داود بن عطاف، وعلى بني حميد يعقوب بن معروف، وعلى شافع بن صالح بن بالغ وغلبوا رياحا بعزلان وفرض لهم على وطن بني يزيد ألف غرارة، واستمرت لهم عادة عليهم.
ولما نقلهم يغمراسن إلى مواطنهم هذه لمحاذاة تلمسان ليكونوا حجزا بين المعقل وبين وطنها، استقرّوا هنالك يتقلبون في قفارها في المشاتي، ويظهرون إلى التلول في المرابع والمصايف. وكان فيهم ثلاثة بطون: بنو يعقوب بن عامر وبنو حميد بن عامر وبنو شافع بن عامر، وهم بنو شقارة وبنو مطرف، ولكل واحد من البطنين الآخرين أفخاذ وعمائر، ولبني حميد فصائل أخرى فمنهم: بنو حميد، ومن عبيد الحجز وهم بنو حجاز بن عبيد، وكان له من الولد حجوش وهجيش ابني حجاز. وحجوش حامد ومحمد ورباب.
ومن محمد الولادة بنو ولاد بن محمد. ومن رباب بنو رباب وهم معروفون لهذا العهد. ومن عبيد أيضا العقلة بنو عقيل بن عبيد والمحارزة بنو محرز بن حمزة بن عبيد. وكانت الرئاسة على حميد لعلاق من هؤلاء المحارزة، وهم الذين قبل حجوش جد بني رباب، وكانت الرئاسة على بني عامر كافة لبني يعقوب على عهد يغمراسن وابنه لداود بن هلال بن عطاف بن رداد بن ركيش بن عياد بن منيع بن يعقوب منهم وكان بنو حميد أيضا برئيسهم وشيخهم إلا أنه رديف لشيخ بني يعقوب منهم. وكانت رياسة حميد لأولاد رباب بن حامد بن حجوش بن حجاز بن عبيد ابن حميد ويسمون الحجز. وعلى عهد يغمراسن لمعرف بن سعيد بن رباب منهم،
وهو رديف لداود كما قلناه. ووقعت بين عثمان وبين داود بن عطاف مغاضبة، وسخطه عثمان لما أجاز الأمير أبا زكريا ابن السلطان أبي إسحاق من آل أبي حفص حين فرّ من تلمسان طالب الخروج على الخليفة بتونس، وكان عثمان بن يغمراسن في بيعته، فاعتزم على رجعه فأبى داود من إخفار ذمّته في ذلك. ورحل معه حتى لحق بعطية بن سليمان من شيوخ الزواودة، وتغلب على بجاية وقسنطينة كما يذكر في أخباره.
وأقطع داود بن هلال رعيا لفعلته وطنا من بلاد حمزة يسمى كدارة، وأقام داود هنالك في مجالاتهم الأولى إلى أن نازل يوسف بن يعقوب تلمسان، وطال حصاره لها، فوفد عليه داود مؤمّلا صلاح حاله لديه، وحمله صاحب بجاية رسالة إلى يوسف بن يعقوب فاستراب به من أجلها، فلما قفل من وفادته بعث في أثره خيالة من زناتة بيتوه ببني يبقى [1] في سدّ وقتلوه. وقام بأمره في قومه ابنه سعيد، ونفس مخنق الحصار عن تلمسان. وكان قبل بني مرين وسيلة رعاها لهم بنو عثمان بن يغمراسن فرجعوهم إلى مواطنهم ومع قومهم. وقد اغتر أولاد معرف بن سعيد في غيبتهم تلك يساجلونهم في رياسة بني عامر، وغص كل واحد بمكان صاحبه، واختص بنو معرف بإقبال الدولة عليهم لسلامتهم من الحزازة والخلاف. ونزع سعيد بن داود لأجل هذه الغيرة إلى بني مرين.
ووفد على السلطان أبي ثابت من ملوكهم يؤمل به الكرة، فلم يصادف لها محلا ورجع إلى قومه. وكانوا مع ذلك حيا جميعا ولم تزل السعاية بينهم تدب حتى عدا إبراهيم بن يعقوب بن معرف على سعيد بن داود فقتله، وتناول قتله ماضي بن ردان من أولاد معرف بن عامر بمجالاته، وتعصب عليه أولاد رباب كافة، فافترق أمر بني عامر وصاروا حيين. بنو يعقوب وبنو حميد، وذلك لعهد أبي حمو موسى بن عثمان من آل زيان، وقام بأمر بني يعقوب بعد سعيد ابنه عثمان. ثم هلك بعد حين إبراهيم بن يعقوب شيخ بني حميد وقام مقامه من قومه ابنه عامر بن إبراهيم، وكان شهما حازما وله ذكر، ونزل المغرب قبل عريف بن يحيى ونزل على السلطان أبي سعيد، وأصهر إليه ابنته فأنكحه عامر إياها وزفها إليه ووصله بمال له خطر، فلم يزل عثمان يحاول أن يثأر منه بأبيه بالفتنة تارة والصلح والاجتماع أخرى حتى غدره في بيته
[1] وفي نسخة أخرى: ليقي.
وقتله، وارتكب فيه الشنعاء التي تنكرها العرب، فتقاطع الفريقان لذلك آخر الدهر. وصارت بنو يعقوب أحلافا لسويد في فتنتهم مع بني حميد هؤلاء. ثم تلاحقت ظواعن سويد بعريف بن يحيى في مكانه عند بني مرين واستطال ولد عامر ابن إبراهيم بقومهم على بني يعقوب فلحقوا بالمغرب، ولم يزالوا به إلى أن جاءوا في عساكر السلطان أبي الحسن، وهلك شيخهم عثمان، قتله أولاد عريف بن سعيد بثأر عامر بن إبراهيم. وولي بعده ابن عمه هجرس بن غانم بن هلال، فكان رديفا له في حياته. ثم هلك وقام بأمرهم بعده عمه سليمان بن داود.
ولما تغلب السلطان أبو الحسن على تلمسان فرّ بنو عامر بن إبراهيم إلى الصحراء، وكان شيخهم لذلك العهد صغير ابنه، واستأنف السلطان على يد عريف بن يحيى سائر بطون حميد وأولاد رباب فخالف صغيرا إخوانه إلى السلطان. وولى عليهم شيخا من بني عمهم عريف بن سعيد، وهو يعقوب بن العباس بن ميمون بن عريف. ووفد بعد ذلك عمر بن إبراهيم عم صغير، فولاه عليهم، واستخدمهم ولحق بنو عامر بن إبراهيم بالزواودة ونزلوا على يعقوب بن علي، ولم يزالوا هناك حتى شبوا نار الفتنة بالدعي بن هيدور الملبس بشبه [1] أبي عبد الرحمن ابن السلطان أبي الحسن.
وأعانه على ذلك أهل الحقود على الدولة والأضغان من الديالم، وأولاد ميمون بن غنم ابن سويد نقموا على الدولة مكان عريف وابنه ونزمار منها، فاجتمعوا وبايعوا لهذا الداعي.
وأو عز السلطان إلى ونزمار بحربهم فنهض إليهم بالعرب كافة، وأوقع بهم وفضهم ومزق جموعهم. وطال مفرّ مقير [2] بن عامر وإخوته في القفار، وأبعدوا في الهرب، قطعوا لعرق الرمل الّذي هو سياج على مجالات العرب، ونزل قليعة والد [3] وأوطنها.
ووفد من بعد ذلك على السلطان أبي الحسن منذ نمي به [4] فقبل وفادته واسترهن أخاه أبا بكر، وصحب السلطان إلى إفريقية وحضر معه واقعة القيروان. ثم رجع إلى قومه وعادوا جميعا إلى لواتة بني يغمراسن، واستخدموا قبائلهم لأبي سعيد عثمان
[1] وفي نسخة أخرى: المهيمن بشعبه.
[2]
وفي نسخة ثانية: صغير.
[3]
وفي النسخة الباريسية: والن. وفي النسخة التونسية والر.
[4]
وفي نسخة أخرى: متذمما.
ابن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن الدائل بتلمسان بعد واقعة القيروان أعوام خمسين وسبعمائة، فكان له ولقومه فيها مكان. ولحق سويد وبنو يعقوب بالمغرب حتى جاءوا في مقدمة السلطان أبي عنان.
ولما هلك بنو عبد الواد وافترق جمعهم فرّ صغير إلى الصحراء على عادته، وأقام بالقفر يترقب الخوارج، ولحق به أكثر قومه من بني معرف بن سعيد فأجلب بهم على كل ناحية وخالف أولاد حسين بالمعقل على السلطان أبي عنان أعوام خمسة وخمسين وسبعمائة وما بعدها ونازلوا سجلماسة فكاثرهم وكان معهم، وأوقعت بهم عساكر بني مرين في بعض سني خلائهم وهم بنكور يمتارون فاكتسحوا عامة أموالهم وأثخنوا فيهم قتلا وأسرا. ولم يزالوا كذلك شريدا في الصحراء، وسويد وبنو يعقوب بمكانهم من المجالات، وفي خطهم عند السلطان حتى هلك السلطان أبو عنان وجاء أبو حمو موسى بن يوسف أخو السلطان أبي سعيد عثمان بن عبد الرحمن لطلب ملك قومه بتلمسان، وكان مستقرّا بتونس منذ غلبهم أبو علي على أمرهم، فرحل مقير إلى وطن الزواودة، ونزل على يعقوب بن علي أزمان خلافه على السلطان أبي عنان، وداخله في استخلاص أبي حمو هذا من إيالة الموحدين للإجلاب على وطن تلمسان وبني مرين الذين به، فأرسلوا معه الآلة. ومضى به مقير وصولة بن يعقوب بن علي وزيان ابن عثمان بن سباع وشبل ابن أخيه ملوك بني عثمان. ومن بادية رياح دعار بن عيسى ابن رحاب بقومه من سعيد، وبلغوا معهم إلى تخوم بلادهم فرجع عنهم رياح إلا دعار بن عيسى وشبل بن ملّوك، ومضوا لوجههم. ولقيتهم جموع سويد، وكان الغلب لبني عامر. وقتل يومئذ شيخ سويد بن عيسى بن عريف وأسر أخوه أبو بكر.
ثم من عليه علي بن عمر بن إبراهيم وأطلقه. ولم يتصل الخبر بفاس إلا والناس منصرفون من جنازة السلطان أبي عنان. ثم أجلب أبو حمو بالمغرب على تلمسان فأخذها وغلب عساكر بني مرين عليها، واستوسق ملكه بها. ثم هلك مقير لسنتين أو نحوهما حمل نفسه في جولة فتنة في الحي يروم تسكينها على بعض الفرسان، فاعترضه سنان رمح على غير قصد فأنفذه وهلك لوقته. وولي رياستهم من بعده أخوه خالد بن عامر يرادفه عبد الله ابن أخيه مقير. وخلصت زغبة كلها للسلطان أبي حمو فأساء بني مرين لما كان بينهم من الفتنة واستخدمهم جميعا على مضاربهم وعوائدهم من سويد وبني يعقوب والد يالم والعطاف، حتى إذا كانت فتنة أبي زيان ابن السلطان أبي
سعيد عم أبي حمو كما نذكره في خبرهم جاش مرجل الفتنة من زغبة، واختلفوا على أبي حمو وتقبض على محمد بن عريف أمير سويد لاتهامه إياه بالادهان في أمره، فنزع أخوه أبو بكر وقومه إلى صاحب المغرب عبد العزيز ابن السلطان أبي الحسن سنة سبعين وسبعمائة وجاءوا في قومته واستولى على مواطنهم.
ولحق بنو عامر وأبو حمو بالصحراء، وطال ترددهم فيها وسعى عند أبي حمو في خالد من عمومته وأقاربه عبد الله بن عسكر بن معرف بن يعقوب، ومعرف هو أخو إبراهيم بن يعقوب، وكان عبد الله هذا بطانة للسلطان وعينا، فاستفسد بذلك قلب خالد وتغير ونبذ إليه عهده، ونزع عنه إلى السلطان عبد العزيز. وجاءت به عساكر بني مرين فأوقع بالسلطان أبي حمو ومن معه من العرب.
وهلك عبد العزيز سنة أربع وسبعين وسبعمائة فارتحل إلى المغرب هو وعبد الله ابن أخيه مقير، ولحقهم ساسي بن سليم بن داود شيخ بني يعقوب. كان قومه بني يعقوب قتلوا أبناء محمد بن عريف فحدثت بينهم فتنة، ولحق ساسي هذا وقومه بالمغرب، وصحب خالدا يؤمل به الكرة، ويئسوا من صريخ بني مرين لما بينهم من الفتنة، فرجعوا إلى أوطانهم سنة سبع وسبعين وسبعمائة وأضرموا نار الفتنة، وخرجت إليهم عساكر السلطان أبي حمو مع ابنه أبي تاشفين، وزحف معه سويد والديالم والعطاف فأوقعوا بهم على وادي مينا قبلة القلعة.
وقتل عبد الله بن مقير وأخوه ملوك في قرابة لهم آخرين، وسار فلهم شريدا إلى الصحراء ولحقوا بالديالم والعطاف، واجتمعوا جميعا إلى سالم بن إبراهيم كبير الثعالبة، وصاحب وطن تيجه [1] . وكان يتوجس لأبي حمو الخيفة فاتفقوا على الخلاف وبعثوا إلى الأمير أبي زيان بمكانه من وطن رياح فجاءهم وتابعوه، وأمكنه سالم من الجزائر. ثم هلك خالد في بعض تلك الأيام فافترق أمرهم، وولي علي بني عامر المسعود بن مقير، وزحف إليهم أبو حمو في سويد وأوليائه من بني عامر.
واستخدم سالم بن إبراهيم، وخرج أبو زيان إلى مكانه من وطن رياح، ولحق المسعود
[1] هي متيجة: بفتح أوله، وكسر ثانية وتشديده ثم ياء مثناة من تحت ثم جيم: بلد في أواخر إفريقية من أعمال بني حماد، قال البكري: الطريق من أشير الى جزائر بني مزغناي ومن أشير الى المدية، وهي بلد جليل قديم، ومنها الى اقزرنة، وهي مدينة على نهر كبير عليه الأرحاء والبساتين ويقال إنها متيجة. (معجم البلدان) قبائل المغرب ص 9.
ابن عامر وقومه بالقفر. ولحق ساسي بن سليم بيعقوب بن علي وقومه من الزواودة.
ثم راجعوا جميعا خدمة السلطان وأوفدوا عليه فأمنهم، وقدموا عليه وأظهروا البر والرحب بالمسعود وساسي، وطوى لهم على السوء. ثم داخل بطانة من بني عامر وسويد في نكبتهم، فأجابوه ومكر بهم، وبعث ابنه أبا تاشفين لقبض الصدقات من قومهم حتى اجتمع له ما أراد من الجموع، فتقبض على المسعود وعشرة من إخوانه بني عامر بن إبراهيم. ونهض أبو تاشفين والعرب جميعا إلى أحياء بني يعقوب وكانوا بسيرات، وقد أرصد لهم سويد بوادي مينا فصبحهم بنو عامر بمكانهم واكتسحوهم. وصار فلهم إلى الصحراء، فاعترضهم أبو تاشفين ببني راشد فلم يبق لهم باقية، ونجا ساسي بن سليم إلى الصحراء في فل قليل من قومه، ونزل على النضر ابن عروة، واستبد برياسة بني عامر سليمان بن إبراهيم بن يعقوب عم مقير ورديفه عبد الله بن عسكر بن معرف بن يعقوب، وهو أقرب مكانا من السلطان وخلعه.
ثم بعث صاحب المغرب السلطان أبو العباس أحمد بن الولي أبا سالم بالشفاعة في المسعود وإخوانه بوسيلة من ونزمار بن عريف بعد أن كان مداخلا لأبي حمو ولإخوانه في نكبتهم، فأطلقهم أبو حمو بتلك الشفاعة، فعادوا إلى الخلاف، وخرجوا إلى الصحراء، واجتمع إليهم الكثير من أولاد إبراهيم بن يعقوب. واجتمع أيضا فل بني يعقوب من مطارحهم إلى شيخهم ساسي بن سليم ونزلوا جميعا مع عروة. وأوفد إخوانه على السلطان أبي العباس صاحب إفريقية لهذا العهد منتدبا به وصريخا على عدوه فتلقاه من البر والإحسان ما يناسبه، وأفاض في وفده العطاء وصرفه بالوعد الجميل.
وشعر بذلك أبو حمو فبعث من عيونه من اغتاله ووفد بعدها على السلطان أبي العباس صاحب إفريقية علي بن عمر بن إبراهيم، وهو ابن عم خالد بن محمد وكبير النفر المخالفين من بني عامر على أبي حمو. ووفد معه سليمان بن شعيب بن عامر فوفدوا عليه بتونس يطلبون صريخه، فأجابهم ووعدهم وأحسب الإحسان والمبرة أمامهم، ورجعوا إلى قومهم. ثم راجع علي بن عمر خدمة أبي حمو وقدمه على بني عامر، وأدال به من سليمان بن إبراهيم بن عامر، فخرج سليمان إلى أهل بيته من ولد عامر بن إبراهيم الذين بالصحراء ونزلوا مع بني يعقوب بأحياء أبي بكر بن عريف، وهو على ذلك لهذا العهد. والله مقدر الليل والنهار أهـ
.