الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قدم عنه عبد الحق بن يوسف بن ياسين على الأشغال ببجاية مع زكريا بن السلطان، أظهر له الجوهري أنّ ذلك بسعايته، وعهد إليه بالوقوف عند أمره والعمل بكتابه، فألقى عبد الحق ذلك إلى الأمير أبي زكريا فقام لها وقعد، وأنف من استبداد الجوهري عليه. ولم تزل هذه وأمثالها تعدّ عليه حتى حقّ عليه القول فسطا به الأمير أبو زكريا وتقبّض عليه سنة تسع وثمانين وستمائة، ووكل امتحانه إلى أعدائه ابن لمان [1] والندرومي، فتجلّد على العذاب وأصبح في بعض أيامه ميتا بمحبسه. ويقال خنق نفسه وألقي شلوه بقارعة الطريق فتفنن أهل الشمات في العبث به، وإلى الله المصير.
(الخبر عن فتح تلمسان ودخول بني عبد الواد في الدعوة الحفصية)
كان الأمير أبو زكريّا منذ استقل بأمر إفريقية واقتطعها عن بني عبد المؤمن كما ذكرناه متطاولا إلى ملك الحضرة بمراكش والاستيلاء على كرسي الدعوة. وكان يرى أن بمظاهرة زناتة له على شأنه يتم له ما يسمو إليه من ذلك، فكان يداخل أمراء زناتة فيه ويرغّبهم ويراسلهم بذلك على الأحياء من بني مرين وبني عبد الواد وتوجين ومغراوة.
وكان يغمراسن منذ تقلّد طاعة آل عبد المؤمن أقام دعوتهم بعمله متحيزا إليهم سلما لوليهم وحربا على عدوهم. وكان الرشيد منهم قد ضاعف له البرّ والخلوص، وخطب منه مزيد الولاية والمصافاة، وعاوده الإتحاف بأنواع الألطاف والهدايا تيمما [2] لمسراته، وميلا إليه عن جانب أقتاله بني مرين المجبلين على المغرب والدولة، فاستكبر السلطان أبو زكريا اتصال الرشيد هذا يغمراسن وألزمهم من جواره بالمحل القريب.
وبينما هو على ذلك إذ وفد عليه عبد القوي أمير بني توجين وبعض ولد منديل [3] بن عبد الرحمن أمراء مغراوة صريخا على يغمراسن فسهّلوا له أمره، وسوّلوا له الاستبداد على تلمسان. وجمع كلمة زناتة، واغداد [4] ذلك ركابا لما يرومه من امتطاء ملك
[1] وفي نسخة أخرى: بعض وفد بني منديل.
[2]
وفي نسخة أخرى: واعتداد.
[3]
كذا، وفي ب: ابن برتمار، وفي نسخة: أخرى برعان.
[4]
وفي النسخة الباريسية: تضمنا وفي نسخة أخر تغمنا وهذا تحريف ظاهر.
الموحّدين بمراكش، وانتظامه في أمره، وسلّما لارتقاء ما يسمو إليه من ملكه، وبابا لولوج المغرب على أهله، فحرّكه إملاؤهم وهزّه إلى النعرة [1] صريخهم، وأهاب بالموحّدين وسائر الأولياء والعساكر إلى الحركة على تلمسان. واستنفر لذلك سائر البدو من الأعراب الذين في طاعته من بني سليم ورياح بظعنهم، فاهطعوا لداعيه [2] .
ونهض سنة تسع وثلاثين وستمائة في عساكر ضخمة وجيوش وافرة. وسرّح إمام حركته عبد القوي بن العبّاس وأولاد منديل بن محمد لحشد من وافى بأوطانهم من أحياء زناتة وذؤبان قبائلهم، وأحياء زغبة أحلافهم من العرب. وضرب معهم موعدا لموافاتهم في تخوم بلادهم. ولما نزل صحراء زاغر قبلة تيطري منتهى مجالات رياح وبني سليم من المغرب، تثاقل العرب عن الرحلة بظعنهم في ركاب السلطان، وتلووا بالمعاذير فألطف الأمير أبو زكريا الحيلة. زعموا في استنهاضهم وتنبيه عزائمهم، فارتحلوا معه حتى نازل تلمسان بجميع عساكر الموحّدين وحشود زناتة وظعن العرب بعد أن كان قدم إلى يغمراسن الرسل من مليانة بالأعذار والدعاء إلى الطاعة، فرجّعهم بالخيبة. ولما حلّت عساكر الموحّدين بساحة البلد، وبرز يغمراسن وجموعه للّقاء بصحبتهم ناشية السلطان بالنبل، فانكشفوا ولاذوا بالجدران وعجزوا عن حماية الأسوار، فاستمكنت المقاتلة من الصعود. ورأى يغمراسن أن قد أحيط بالبلد فقصد باب العقبة من أبواب تلمسان ملتفا في ذويه وخاصته. واعترضه عساكر الموحدين فصمم نحوهم وجندل بعض أبطالهم فأفرجوا له، ولحقوا بالصحراء وتسللت الجيوش إلى البلد من كل حدب، فاقتحموه وعاثوا فيه بقتل النساء والصبيان واكتساح الأموال.
ولما تجلى غشي تلك الهيعة، وخسر تيّار الصدمة، وخمدت نار الحرب، راجع الموحدون بصائرهم وأنعم الأمير أبو زكريا نظره فيمن يقلّده أمر تلمسان والمغرب الأوسط، وينزله بثغرها لإقامة دعوته الدائلة من دعوة بني عبد المؤمن والمدافعة عنها.
واستكبر ذلك أشرافهم وتدافعوه وتبرّأ أمراء زناتة ضعفا عن مقاومة يغمراسن علما بأنّه الفحل الّذي لا يقرع أنفه، ولا يطرق غيله ولا يصد عن فريسته.
وسرّح يغمراسن الغارات في نواحي المعسكر فاختطف الناس من حوله، واطلعوا من
[1] وفي نسخة أخرى: النفرة.
[2]
وفي نسخة أخرى: فأهبطوا الحامية.