الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جرمون بن عيسى، ومعهم أبو سعيد بن وانودين شيخ هنتاتة، وعاثوا فيها، فأقلع المأمون عن سبتة يريد الحضرة وهلك في طريقه بوادي أمّ الربيع مفتتح سنة ثلاثين وستمائة وحين إقلاعه دخل أخوه السيد أبو موسى في طاعة ابن هود، وأمكنه من سبتة فأداله منها، والله تعالى أعلم.
(الخبر عن دولة الرشيد بن المأمون)
لمّا هلك المأمون بويع ابنه عبد الواحد ولقّب الرشيد، وكتموا موت أبيه وأغذّوا السير إلى مراكش، ولقيهم يحيى بن الناصر في طريقهم بعد أن استخلف بمراكش أبا سعيد بن وانودين فهزموه، وقتل أكثر من معه. وصبّح الرشيد مراكش فامتنعوا عليه بأشياعهم، ثم خرجوا إليه واستقاموا على بيعته. وكان وصل في صحبته عمه السيد أبو محمد سعد فحلّ من الدولة بمكان، وكان إليه التدبير والحلّ والعقد، وبعد استقرار الرشيد بالحضرة وصل إليه عمر بن وقاريط كبير الهساكرة بمن كان عنده من أولاد المأمون السيّد وإخوته، جاءوا من إشبيليّة عند ثورة أهلها بهم، واستقرّوا بسبتة عند عمهم أبي موسى، ومنها إلى الحضرة عند استيلاء ابن هود على سبتة ومرّوا بهسكورة، وكان ابن وقاريط حذرا من المأمون ومعتقدا أن لا يعود إليه، فتذمّم بصحبة هؤلاء الأولاد، وقدم على الرشيد فتقبّله واعتلق بوصله من السيد أبي محمد سعد وصحبه [1] لمسعود بن حمدان كبير الخلط.
ولما هلك السيد أبو محمد لحق ابن وقاريط بقومه ومعتصمه، وكشف وجه الخلاف، وأخذ بدعوة يحيى بن الناصر، واستنفر له قبائل الموحّدين ونهض إليهم الرشيد سنة إحدى وثلاثين وستمائة واستخلف على الحضرة صهره أبا العلى إدريس وصعد إليهم الجبل، فأوقع بيحيى وجموعه بمكانهم من هزرجة واستولى على معسكرهم. ولحق يحيى ببلاد سجلماسة وانكفأ الرشيد راجعا إلى حضرته، واستأمن له كثير من الموحّدين الذين كانوا مع يحيى بن الناصر فأمّنهم ولحقوا بحضرته. وكان كبيرهم أبو عثمان سعيد بن زكريا الكدميوي، وجاء الباقون على أثره بسعيه بعد أن شرطوا عليه
[1] وفي نسخة أخرى: وصحابة.
إعادة ما كان أزال المأمون من رسوم المهدي فأعيدت. وقدم فيهم أبو بكر بن يعزى التينمللي رسولا عن يوسف بن علي بن يوسف شيخ تين ملّل، ومحمد بن يوزيكن الهنتاني رسولا عن أبي علي بن عزوز، ورجعا إلى مرسليهما بالقبول، فقدما على الحضرة وقدم معهم موسى بن الناصر أخو يحيى وكبيره. وجاء على أثرهم أبو محمد ابن أبي زكريا وأنسوا لإعادة رسوم الدعوة المهدية.
وكان مسعود بن حمدان الخلطي قد أغراه عمر بن وقاريط بالخلاف لصحبة بينهما، وكان مدلّا ببأسه وكثرة جموعه. يقال: إنّ الخلط كانوا يومئذ يناهزون اثني عشر ألفا سوى الرّجل والأتباع والحشود، فمرض في الطاعة وتثاقل عن الوفادة، ولمّا علم بمقام الموحدين أجمع اعتراضهم وقتلهم تمكينا للفرقة والشتات في الدولة فأعمل الرشيد الحيلة في استدعائه، وصرف عساكره إلى باجة [1] لنظر وزيره السيد أبي محمد، حتى خلا لابن حمدان الحوّ وذهب عنه الريب، واستقدمه فأسرع اللحاق بالحضرة، وقدم معه معاوية عم عمر بن وقاريط، فتقبّض عليه وقتل لحينه.
واستدعى مسعود بن حمدان إلى المجلس الخلافي للحديث فتقبّض عليه وعلى أصحابه وقتلوا ساعتئذ بعد جولة وهيعة، وقضى الرشيد حاجة نفسه فيهم. واستقدم وزيره وعساكره من باجة فقدموا، ولما بلغ خبر مقتلهم إلى قومهم قدّموا عليهم يحيى ابن هلال بن حمدان [2] ، وأجلبوا على سائر النواحي، وأخذوا بدعوة يحيى واستقدموه من مكانه بقاصية الصحراء.
وداخلهم في ذلك عمرو بن وقاريط، وزحفوا لحصار الحضرة، وخرجت العساكر لقتالهم ومعهم عبد الصمد بن يلولان فدفع [3] ابن وقاريط في جموعه من العساكر فانهزموا، وأحيط بجند النصارى فقتلوا وتفاقم الأمر بالحضرة، وعدمت الأقوات.
واعتزم الرشيد على الخروج إلى جبال الموحّدين فخرج إليها. وسار منها إلى سجلماسة فملكها، واشتدّ الحصار على مراكش وافتتحها يحيى بن الناصر وقومه من هسكورة والخلط، وسار أمرهم [4] فيها وتغيّرت أحوال الخلافة. وتغلّب على السلطان السيد
[1] وفي نسخة أخرى: حاجة.
[2]
وفي نسخة أخرى: جميدان.
[3]
وفي نسخة أخرى: فرجع.
[4]
وفي نسخة أخرى: أثرهم.
أبو إبراهيم بن أبي حفص الملقّب بأبي حاقة، وفي سنة ثلاث وثلاثين وستمائة خرج الرشيد من سجلماسة بقصد مراكش، وخاطب جرمون بن عيسى وقومه من سفيان، فأجازوا وادي أم الربيع وبرز إليه يحيى في جموعه، والتقى الفريقان فانهزمت جموع يحيى واستحرّ القتل فيهم، ودخل الرشيد إلى الحضرة ظافرا.
وأشار يحيى بن وقاريط على الخلط بالاستصراخ بابن هود صاحب الأندلس، والأخذ بدعوته، فنكثوا بيعة يحيى وبعثوا وفدهم إلى ابن هود صحبة عمر بن وقاريط على الخلط بالاستصراخ فاستقرّ هنالك. وخرج الرشيد من مراكش وفرّ الخلط أمامه، وسار إلى فاس وسرّح وزيره السيد أبا محمد إلى غمارة وفازاز لجباية أموالها، وكان يحيى بن الناصر لما نكث الخلط بيعته لحق بعرب المعقل فأجاروه ووعدوه النصرة، واشتطّوا عليه في المطالب، وأسف بعضهم بالمنع فاغتاله في جهة تازى، وسيق رأسه إلى الرشيد بفاس فبعثه إلى مراكش، وأوعز إلى نائبة بها أبي علي ابن عبد العزيز بقتل العرب الذين كانوا في اعتقاله وهم: حسن بن زيد شيخ العاصم، وقائد وفائد ابنا عامر شيخا بني جابر، فقتلهم وانكفأ الرشيد راجعا إلى حضرته سنة أربع وثلاثين وستمائة وبلغه استيلاء صاحب درعة أبي محمد بن وانودين على سجلماسة، وذلك أنّ الرشيد لما فصل من سجلماسة استخلف عليها يوسف بن علي التينمللي، فاستعمل ابن خالته من بني مردنيش، وهو يحيى بن أرقم بن محمد بن مردنيش، فثار عليه ثائر من صنهاجة وقتله في خبائه. قام ابنه أرقم يطلب الثأر، ولو بلغ منه ما أراد. ثم حدّثته نفسه بالانتقاض خوفا من عزل الرشيد إيّاه فانتقض.
ونهض إليه الرشيد سنة اثنتين وثلاثين وستمائة فلم يزل أبو محمد بن وانودين يعمل الحيلة في استخلاصها حتى تمكّن منها وعفا عن أرقم. وكان ابن وقاريط لمّا فصل إلى ابن هود سنة أربع وثلاثين وستمائة ركب البحر في أسطول ابن هود، وقصد لسلا وبها السيد أبو العلى صهر الرشيد، فكاد ان يغلب عليها. وفي سنة خمس وثلاثين وستمائة بايع أهل إشبيليّة للرشيد ونقضوا طاعة ابن هود، وتولّى كبر ذلك أبو عمر بن الجدّ، واستخفّ [1] بنو حجاج إلى سبتة ووصل وفدهم إلى الحضرة ومرّوا في طريقهم بسبتة، فاقتدى أهلها بهم في بيعة الرشيد، وخلعوا أميرهم اليانشي [2] الثائر بها على
[1] وفي نسخة ثانية: أشخص.
[2]
وفي النسخة الباريسية: البانشتي.
ابن هود وقدموا على الحضرة، وولّى عليهم الرشيد أبا علي بن خلاص منهم. ولأيام من مقدمهم وصل عمر بن وقاريط معتقلا من إشبيليّة، أغراهم بالقبض عليه القاضي أبو عبد الله المؤمناني، كان توجّه رسولا إلى ابن هود عن الرشيد، فأمكنهم من ابن وقاريط. وبعث إلى الرشيد في وفد من رسله فاعتقله بأزمور وقتل وصلب برباط هسكورة، بعد أن طيف به على جمل. وانصرف وفد إشبيليّة وسبتة، واستقدم الرشيد رؤساء الخلط فتقبّض عليهم، وبعث عساكره فاستباحوا حللهم وأحياءهم. ثم أمر بقتل مشيختهم وقتل معهم ابن وقاريط، وقطع دابرهم. وفي سنة ست وثلاثين وستمائة وصلت بيعة محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر الثائر بالأندلس على ابن هود. وفي سنة سبع وثلاثين وستمائة اشتدّت الفتنة بالمغرب، وانتشر بنو مرين وقتلوهم قتلا ذريعا. وكان الرشيد استقدم أبا محمد بن وانودين من سجلماسة سنة خمس وثلاثين وستمائة وعقد له على فاس وسجلماسة وغمارة ونواحيها من أرض المغرب، فكان هنالك. ولما انتشر بنو مرين بالمغرب زحف إليهم فهزموه، ثم زحف ثانية وثالثة فهزموه، وأقام في محاربتهم سنتين ورجع إلى الحضرة. واشتدّ عدوان بني مرين بالمغرب، وألحّوا على مكناسة حتى أعطوا الإتاوة لبني حمامة منهم، فأسفوا بني عسكر بذلك، واتصل عيثهم في نواحيها. وفي سنة سبع وثلاثين وخمسمائة قتل الرشيد كاتبه ابن المؤمناني [1] لمداخلة له مع بعض السادة، وهو عمر بن عبد العزيز أخي المنصور، وقف على كتابه إليه بخطه. وغلط الرسول بها فدفعها بدار الخليفة.
وفي سنة أربعين وستمائة بعدها كانت وفاة الرشيد غريقا، زعموا في بعض حوائز [2] القصر. ويقال إنه أخرج من الماء وحمّ لوقته، وكان فيها مهلكه، والله تعالى أعلم.
(الخبر عن دولة السعيد بن المأمون) لمّا هلك الرشيد بويع أخوه أبو الحسن السعيد بتعيين أبي محمد بن وانودين، وتلقّب المقتدر باللَّه [3] واستوزر السيد أبا إسحاق بن السيد أبي إبراهيم ويحيى بن عطوش.
[1] وفي النسخة الباريسية: ابن المأموني.
[2]
وفي النسخة الباريسية: جزاء وفي نسخة أخرى: حوائر، ولعله يقصد أحواز جمع حوز، وهي بركة الماء.
[3]
وفي نسخة أخرى: المعتضد باللَّه.
وتقبّض على جملة من مشيخة الموحّدين واستصفى أموالهم واستخلف لنفسه رؤساء العرب من جشم. واستظهر بجموعهم على أمره وكان شيخ سفيان كانون بن جرمون كبير مجكسة [1] ولأوّل بيعته انتقض عليه أبو علي بن الخلاص البلنسي صاحب سبتة، وكذلك أهل إشبيليّة وبايعوا جميعا للأمير أبي زكريا صاحب إفريقية.
ثم انتقض عليه بسجلماسة عبد الله بن زكريا الهزرجي لمقالة كانت منه يوم بيعة الرشيد اسرّها له فبايع للأمير أبي زكريّا. ثم وصلته في هذه السنة هدية يغمراسن بن زيّان صاحب تلمسان، فنهض الأمير أبو زكريّا صاحب إفريقية بسبب ذلك إلى تلمسان، واستولى عليها. ثم عقد عليها ليغمراسن حسبما نذكر في أخباره. وخرج السعيد من مراكش لتمهيد بلاد المغرب سنة اثنتين وأربعين وتغيّر لسعيد بن زكريّا الكدميوي فتقبّض عليه من معسكره بتانسفت وفرّ أخوه أبو زيد ومعه أبو سعيد العود الرطب، ولحقوا بسجلماسة فاستصفى أموالهم بمراكش، وارتحل بقصد سجلماسة وأخذ واليها عبد الله الهزرجي في أسباب الامتناع، فغدر به أبو زيد بن زكريّا الكدميوي، وداخل أهل سجلماسة في الثورة عليه وملك البلد. واستدعى السيد لها فوصل وقتل الهزرجي. وفرّ أبو سعيد العود الرطب إلى تونس. ثم رجع السعيد إلى المغرب وقتل سعيد بن زكريّا ونزل المقرمدة من أحواز فاس. وعقد المهادنة مع بني مرين وقفل إلى مراكش فتقبّض على أبي محمد بن وانودين واعتقله بأزمور. واعتقل معه يحيى بن مزاحم ويحيى بن عطّوش لنظر ابن ماكسن، فأعمل الحيلة في الفرار من معتقله.
وخلص ليلا إلى كانون بن جرمون فأركبه وبعث معه من عرب سفيان من أوصله إلى قومه هنتاتة. وراسله السعيد على أثرها وسكنه واعتذر له، وأسعفه بسكنى تافيّوت من حصون عمله [2] بأهله وولده.
ثم انتقض على السعيد كانون بن جرمون وسفيان، وخالفهم إليه بنو جابر والخلط، وخرج من مراكش واستوزر السيّد أبا إسحاق ابن السيّد أبي إبراهيم إسحاق أخي المنصور. واستخلف أخاه أبا زيد على مراكش، وأخاهما أبا حفص عمر على سلا وفصل من مراكش سنة [3] وجمع له أبو يحيى بن عبد الحق جموع بني
[1] وفي نسخة أخرى: كبير مجلسه.
[2]
وفي نسخة أخرى: جبله.
[3]
بياض بالأصل ولم نستطع تحديد السنة في المراجع التي بين أيدينا.
راشد وبني ورا وسفيان، حتى إذا تراءى الفريقان للقاء، خالف كانون بن جرمون الموحّدين إلى أزمور. واستولى عليها ورجع السعيد أدراجه في أتباعه، ففرّ كانون واعترضه السعيد فأوقع به، واستلحم كثيرا من سفيان قومه، واستولى على ماله من مال وماشية، ولحق كانون في فلّ بني مرين ورجع السعيد إلى الحضرة. وفي ثلاث وأربعين وستمائة ثارت العامة بمكناسة على واليها من قبل السعيد فقتلوه. وحذر مشيختها من سطوته فحوّلوا الدعوة إلى الأمير أبي زكريا بن أبي حفص صاحب إفريقية، وبعثوا إليه ببيعتهم، وكانت من إنشاء أبي مطرف بن عميرة، وذلك بمداخلة أبي يحيى بن عبد الحق أمير بني مرين ووفاقه لهم على ذلك. وشارطوا أبا يحيى بن عبد الحق بمال دفعوه إليه على الحماية.
ثم راجعوا أمرهم [1] وأوفدوا صلحاءهم ببيعتهم فرضي عنهم السعيد ورضوا عنه، وفي هذه السنة بعث أهل إشبيليّة وأهل سبتة بطاعتهم للأمير أبي زكريا صاحب إفريقية.
وبعث ابن خلاص بهديته مع ابنه في أسطول أنشأه لذلك فغرق عند إقلاعه من المرسي. وفي سنة ست وأربعين كان استيلاء الطاغية على إشبيليّة لسبع وعشرين من رمضان ولمّا بلغ السيّد بيعة أهل إشبيليّة وسبتة للأمير أبي زكريا إلى ما كان من تغلّبه على تلمسان، وأخذ يغمراسن بدعوته، ثم ما كان من بيعة أهل مكناسة وأهل سجلماسة أعمل نظره في الحركة إلى تلمسان ثم إلى إفريقية. وخرج إلى مراكش في ذي الحجّة من سنة خمس وأربعين وستمائة ووافاه كانون بن جرمون فعاوده الطاعة واستحشد سفيان وجاء في جملة السعيد مع سائر القبائل من جشم.
ولمّا احتلّ السعيد بتازي وافاه وفد بني مرين عن أميرهم أبي يحيى بن عبد الحق، فأعطوه الطاعة وبعثوا معه عسكرا من قومهم مددا له.
ثم ثار السعيد إلى تلمسان فكان مهلكه بتامزردكت على يد بني عبد الواد في صفر سنة ست وأربعين وستمائة حسبما يشرح في أخبارهم. ويقال إنّ ذلك كان بمداخلة من الخلط فاستولوا على المحلة وقتلوا عدوّهم كانون، وانفضّ العسكر إلى المغرب وقد اجتمعوا الى عبد الله بن السعيد واعترضهم بنو مرين بجهات تازي، فقتلوا عبد الله بن السعيد ولحق الفلّ بمراكش فبايعوا المرتضى كما نذكر إن شاء الله تعالى.
[1] وفي نسخة أخرى: رأيهم.