الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يد هؤلاء المرابطين [1] ، والحمد للَّه رب العالمين. وقد نقل بعض الناس في نسب برغواطة فبعضهم يعده في قبائل زناتة، وآخرون يقولون في صالح إنه يهوديّ من ولد شمعون بن يعقوب نشأ برباط ورحل إلى المشرق، وقرأ على عبد الله المغربي واشتغل بالسحر، وجمع فنونا وقدم المغرب ونزل تامسنا فوجد بها قبائل جهّالا من البربر فأظهر لهم الزهد وسحرهم بلسانه، وموّه عليهم فقصدوه واتّبعوه، فادّعى النبوّة وقيل له برباطي نسبة إلى الموطن الّذي نشأ به، وهو برباط واد بحصن شريش من بلاد الأندلس، فعرّبت العرب هذا الاسم وقالوا برغواط، ذكر ذلك كلّه صاحب كتاب الجوهر وغيره من النسّابين للبربر وهو من الأغاليط البيّنة. وليس القوم من زناتة ويشهد لذلك موطنهم وجوارهم لإخوانهم المصامدة. وأمّا صالح بن طريف فمعروف منهم وليس من غيرهم، ولا يتم الملك والتغلّب على النواحي والقبائل لمنقطع جذمة دخيل في نسبه. سنة الله في عباده وإنما نسب الرجل برغواطة وهم شعب من شعوب المصامدة شعب معروف كما ذكرناه والله ولي المتقين.
(الخبر عن غمارة من بطون المصامدة وما كان فيهم من الدول وتصاريف أحوالهم)
هذا القبيل من بطون المصامدة من ولد غمار بن مصمود، وقيل غمار بن مسطاف [2] ابن مليل بن مصمود وقيل غمار بن أصاد بن مصمود. ويقول بعض العامّة أنهم
[1] كانت المنطقة التي شاعت فيها ديانة برغواطة هي منطقة تامسنا بالمغرب الأقصى الممتدة من نهر سلا (أحد روافد نهر أبي رقراق الحالي) الى نهر أم الربيع، أي ما يعادل المنطقة التي تسكن فيها حاليا قبائل الشاوية وزعير، وكانت في الأصل موطنا لزناتة وزواغة حتى نزل بها طريف صاحب ميسرة الحقير الّذي سنّ لأهلها مذهبا لم يلبث ابنه صالح ان صيّره ديانة، فانضمت اليهم قبائل أخرى عرفوا وإياهم باسم المذهب الّذي يدينون به، وقد استمر هذا المذهب قائما الى منتصف القرن الخامس الهجريّ، ولكن أتباعه بقوا منذ تأسيسه معرّضين لهجمات الإمارات والممالك الإسلامية بالمغرب والأندلس وتنكيلها، ومن أشهر الأمراء والقواد الذين فتكوا بهم الأمير تميم اليفرني بعد سنة 420 هـ والفقيه عبد الله بن ياسين الجزولي داعية الموحدين الّذي استشهد وهو يقاتلهم بكريغلة من أرض زعير سنة 450 هـ. وقد اندثر اسم برغواطة منذ ذلك التاريخ وحلّ محل أتباعه في مواطنهم وشاركهم فيها قبائل عربية طارئة وأخرى بربرية متعرّبة مثل مالك وسفيان وعامر وحصين، والشاوية وزعير. (قبائل المغرب/ 323) .
[2]
سطاف: قبائل المغرب/ 325.
عرب غمروا في تلك الجبال فسمّوا غمارة، وهو مذهب عاميّ، وهم شعوب وقبائل أكثر من أن تحصر. والبطون المشهورة منهم بنو حميد ومثيوه وبنو فال وأغصاوه، وبنو وزروال ومجكسة، وهم آخر مواطنهم يعتمرون رحاب [1] الريف بساحل بحر الدر من عن يمين بسائط المغرب، من لدن غساسة فتكرّر [2] فبادس فتبكيساس فتيطّاوين فسبتة فالقصر الى طنجة خمس مراحل أو أزيد، أوطنوا منها جبالا شاهقة اتصل بعضها ببعض سياجا بعد سياج خمس مراحل أخرى في العرض إلى أن يتخطّى بسائط قصر كتامة ووادي ورغة من بسائط المغرب، ترتدّ عنها الأبصار وتنزل في حافاتها الطيور لا بل الهوام وينفسح في رءوسها وبين قننها الفجاج، سبل السفر ومراتع السائمة وفدن الزراعة وادواح الرياض.
ويتبين لك أنهم من المصامدة بقاء هذا النسب المحيط سمة لبعض شعوبهم يعرفون بمصمودة ساكنين ما بين سبتة وطنجة، وإليهم ينسب قصر المجاز الّذي يعبر منه الخليج البحري إلى بلد طريف، ويعضده أيضا اتصال مواطنهم بمواطن برغواطة من شعوب المصامدة بريف البحر الغربي وهو المحيط، إذ كان بنو حسّان منهم موطنين بذلك الساحل من لدن آزغر وأصيلا إلى أنفى، من هنالك تتصل بهم مواطن برغواطة ودوكالة إلى قبائل درن من المصامدة فما وراءها من بلاد القبلة.
فالمصامدة هم أهل الجبال بالمغرب الأقصى إلّا قليلا منها وغيرهم في البسائط. ولم تزل غمارة هؤلاء بمواطنهم هذه من لدن الفتح، ولم يعلم ما قبل ذلك.
وللمسلمين فيهم أزمان الفتح وقائع الملاحم وأعظمها لموسى بن نصير وهو الّذي حملهم على الإسلام واسترهن أبناءهم وأنزل منهم عسكرا مع طارق بطنجة. وكان أميرهم لذلك العهد يليان وهو الّذي وفد عليه موسى بن نصير وأعانه في غزو الأندلس، وكان منزله سبتة كما نذكره، وذلك قبل استحواء تاتكور [3] وكانت في غمارة هؤلاء بعد الإسلام دول قاموا بها لغيرهم وكان فيهم متنبئون، ولم تزل الخوارج تقصد جبالهم للمنعة فيها، كما نذكره إن شاء الله تعالى [4] .
[1] وفي نسخة ثانية: جبال الريف بساحل البحر الرومي.
[2]
وفي نسخة ثانية: فتكوّر.
[3]
وفي نسخة أخرى نكور.
[4]
كانت مواطن غمارة تمتد على ساحل البحر المتوسط من حد بلاد الريف الى المحيط الأطلسي، ثم تمتد على