الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الخبر عن مبدإ أمر المهدي ودعوته وما كان للموحدين القائمين بها على يد بني عبد المؤمن من السلطان والدولة بالعدوتين وإفريقية وبداية ذلك وتصاريفه)
لم يزل أمر هؤلاء المصامدة بجبال درن عظيما، وجماعتهم موفورة وبأسهم قويا، وفي أخبار الفتح من حروبهم عقبة بن نافع وموسى بن نصير حتى استقاموا على الإسلام ما هو معروف مذكور إلى أن أظلتهم دولة لمتونة فكان أمرهم فيها مستفحلا، وشأنهم على أهل السلطان والدولة مهما، حتى لما اختطّوا مدينة مراكش لنزلهم جوار
مواطنهم من درن ليتميزوا عمن سواهم [1] ويذللوا من صعابهم. وفي عنفوان تلك الدولة على عهد علي بن يوسف منها نجم إمامهم العالم الشهير محمد بن تومرت [2] صاحب دولة الموحّدين المشتهر بالمهديّ، أصله من هرغة من بطون المصامدة الذين عددناهم يسمّى أبوه عبد الله وتومرت، وكان يلقّب في صغره أيضا أمغار، وهو محمد ابن عبد الله بن وجلّيد ابن بامصال [3] بن حمزة بن عيسى فيما ذكر ابن رشيق وحقّقه ابن القطّان. وذكر بعض مؤرخي المغرب أنه محمد بن تومرت بن نيطاوس بن ساولا ابن سفيون بن الكلديس بن خالد [4] . وزعم كثير من المؤرّخين أن نسبه في أهل البيت، وأنه محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان ابن سفيان بن صفوان بن جابر بن عطاء بن رباح بن محمد من ولد سليمان بن عبد الله ابن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أخي إدريس الأكبر. الواقع نسب الكثير من بيته في المصامدة وأهل السوس. كذا ذكر ابن نحيل في سليمان هذا، وأنه لحق بالمغرب إثر أخيه إدريس، ونزل تلمسان وافترق ولده في المغرب قال: فمن ولده كل طالبي بالسوس، وقيل بل هو من قرابة إدريس اللاحقين به إلى المغرب، وأن رباحا الّذي في عمود هذا النسب إنما هو ابن يسار العبّاس بن محمد بن الحسن، وعلى الأمرين فإن نسبة الطالبي وقع في هرغة من قبائل المصامدة ورسخت عروقه فيهم، والتحم بعصبيتهم فلبس جلدتهم، وانتسب بنسبتهم وصار في عدادهم.
وكان أهل بيته أهل نسك ورباط. وشبّ محمد هذا قارئا محبا للعلم، وكان يسمى أسافو، ومعناه الضياء لكثرة ما كان يسرج القناديل بالمساجد لملازمتها. وارتحل في طلب العلم إلى المشرق على رأس المائة الخامسة، ومرّ بالأندلس ودخل قرطبة وهي إذ ذاك دار علم. ثم أجاز إلى الإسكندرية وحجّ ودخل العراق ولقي جلّة من العلماء
[1] وفي نسخة أخرى: ليتمرّسوا بهم.
[2]
يوجد شخص اسمه محمد بن عبد الله بن تومرت وهو صاحب كنز العلوم ودر المنظوم في حقائق علم الشريعة ودقائق علم الطبيعة. (توجد منه نسخة في المكتبة الخديوية) ويرى بروكلمان- في كتابه تاريخ الشعوب الإسلامية- أن اسمه الحقيقي هو محمد بن علي بن تومرت وأنه أندلسي توفي سنة 391 هـ، إلا أنه ينسب كنز العلوم هو وهوارت الى المهدي، وسبب الخلط ان في هذا الكتاب نقد نظرية التجسيم.
وقد ذكر ابن الأثير محمد بن تومرت كان معاصرا للمهدي وهو الّذي كان يقترف جرائم القتل الجماعي في عهد المهدي.
[3]
وفي النسخة التونسية تامصال. وفي نسخة ثانية: يامصال.
[4]
وفي نسخة أخرى: محمد بن تومرت بن تيطاوين بن سافلا بن مسيغون ابن ايكلديس بن خالد.
يومئذ وفحول النظار، وأفاد علما واسعا وكان يحدّث نفسه بالدولة لقومه على يده لما كان الكهّان والحزّاء يتحيّنون ظهور دولة يومئذ بالمغرب. ولقي فيما زعموا أبا حامد الغزالي، وفاوضه بذات صدره بذلك فأراده عليه لما كان فيه الإسلام يومئذ بأقطار المغرب من اختلال الدولة وتقويض أركان السلطان الجامع الأمة، المقيم للملّة بعد أن ساء له عمن له من العصابة والقبائل التي يكون بها الاعتزاز والمنعة، ونشأ بها يتم أمر الله في درك البغيّة وظهور الدعوة. وانطوى هذا الإمام راجعا إلى المغرب بحرا متفجّرا من العلم، وشهابا واريا من الدين. وكان قد لقي بالمشرق أئمة الأشعرية من أهل السنّة وأخذ عنهم واستحسن طريقهم في الانتصار للعقائد السلفيّة والذبّ عنها بالحجج العقليّة الدافعة في صدر أهل البدعة. وذهب إلى رأيهم في تأويل المتشابه من الآي والأحاديث بعد أن كان أهل المغرب بمعزل عن أتباعهم في التأويل والأخذ برأيهم فيه اقتداء بالسلف في ترك التأويل وإقرار التشابهات كما جاءت. ففطن أهل المغرب في ذلك وحملهم على القوم بالتأويل والأخذ بمذاهب الأشعرية في كافة العقائد، وأعلن بإمامتهم ووجوب تقليدهم وألف العقائد على رأيهم مثل المرشدة في التوحيد. وكان من رأيه القول بعصمة الإمام على رأي الإمامية من الشيعة، وألف في ذلك كتابه في الإمامية الّذي افتتحه بقوله: أعزّ ما يطلب وصار هذا المفتتح لقبا على ذلك الكتاب، وأحل [1] بطرابلس أول بلاد المغرب معنيا بمذهبه ذلك مظهرا النكير على علماء المغرب في عدولهم عنه، آخذا نفسه بتدريس العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما استطاع، حتى لقي بسبب ذلك أذيّات في نفسه احتسبها من صالح عمله [2] . ولما دخل بجاية وبها يومئذ العزيز بن المنصور بن الناصر بن علناس ابن حماد من أمراء صنهاجة. وكان من المترفين فأغلظ له ولأتباعه بالنكير. وتعرّض يوما لتغيير بعض المنكرات في الطرق، فوقعت بسببها هيعة نكرها السلطان والخاصة وائتمروا به، فخرج منها خائفا ولحق بملالة على فرسخ منها، وبها يومئذ بنو ورياكل من قبائل صنهاجة. وكان لهم اعتزاز ومنعة، فآووه وأجاروه وطلبهم السلطان صاحب بجاية بإسلامه إليه فأبوا وأسخطوه، وأقام بينهم يدرس العلم أياما. وكان يجلس إذا فرغ على صخرة بقارعة الطريق قريبا من ديار ملالة، وهي لهذا العهد
[1] وفي نسخة أخرى: احتلّ.
[2]
وفي نسخة اخرى: اعماله.
معروفة. وهناك لقيه كبير صحابته عبد المؤمن بن علي حاجا مع عمه فأعجب بعلمه، وانتهى عزمه عن وجهه ذلك، واختصّ به وتشمّر للأخذ عنه. وارتحل المهدي إلى المغرب وهو في جملته. ولحق بوانشرس. وصحبه منها البشير من جملة أصحابه. ثم لحق بتلمسان وقد تسامع الناس بخبره فأحضره القاضي بها ابن صاحب الصلاة ووبّخه على منتحله ذلك، وخلافه لأهل قطره. وظنّ أن من العدل نزعه عن ذلك، فصمّ عن قبوله. واستمر على طريقه إلى فاس، ثم إلى مكناسة ونهى بها عن بعض المناكير فأوقع به الشرار من الغوغاء. فأوجعوه ضربا، ولحق بمراكش وأقام بها آخذا في شأنه. ولقي علي بن يوسف بالمسجد الجامع في صلاة الجمعة فوعظه وأغلظ له القول. ولقي ذات يوم الصورة أخت علي بن يوسف حاسرة قناعها على عادة قومها الملّثمين في زي نسائهم فوبخها، ودخلت على أخيها باكية لما نالها من تقريعه، ففاوض الفقهاء في شأنه بما وصل إليه من شهرته. وكانوا ملئوا منه حسدا وحفيظة لما كان ينتحل مذهب الأشعريّة في تأوي المتشابه وينكر عليهم جمودهم على مذهب السلف في إقراره كما جاء. ويرى أن الجمهور لقّنوه تجسيما، ويذهب إلى تكفيرهم بذلك أحد قولي الأشعرية في التكفير فمال الرأي فأغروا الأمير به فأحضره للمناظرة معهم فكان له الفتح والظهور عليهم، وخرج من مجلسه ونذر بالشر منهم فلحق من يومه بأغمات، وغيّر المناكير على عادته وأغرى به أهلها علي بن يوسف وطيّروا إليه بخبره فخرج عنها هو وتلميذه الذين كانوا في صحابته، ودعا إسماعيل بن أيكيك من أصحابه وهو من أنجاد قومه [1] ، وخرج به إلى منجاة من جبال المصامدة. لحق أولا بمسفيوه، ثم بهنتاتة. ولقيه من أشياخهم عمر بن يحيى بن محمد بن وانودين بن علي، وهو أبو حفص ويعرف بيته ابن هنتاتة ببني فاصكات.
وتقول نسّابتهم إن فاصكات هو جد وانودين، ويقال لهنتاتة بلسانهم هنتي فلذلك كان يعرف عمر بهنتي وسيأتي الكلام في تحقيق نسبهم عند ذكر دولتهم. ثم ارتحل المهدي عنهم إلى ايكيلين من بلاد هرغة، فنزل على قومه وذلك سنة خمس عشرة وخمسمائة. وبنى رابطة للعبادة اجتمعت إليه الطلبة والقبائل يعلّمهم المرشدة في التوحيد باللسان البربري. وشاع أمره في صحبته واستدرك فقيه العلمية بمجلس
[1] وفي نسخة أخرى: ودعا إسماعيل بن ايكيك من أصحابه مائتين من انجاد قومه.
الأمير علي بن يوسف وهو مالك بن وهيب أغراه به. وكان حزّاء ينظر في النجوم وكان الكهّان يتحدثون بأن ملكا كائن بالمغرب لأمة من البربر ويتغيّر فيه شكل السكة لقران بين الكوكبين العلويّين من السيارة يقتضي ذلك في أحكامهم، وكان الأمير يتوقّعها، فقال: احتفظوا بالدولة من الرجل فإنه صاحب القران.
والدرهم المربع في كلام سفساف بسجع سوقي يتناقلها الناس نصه وهو: أجعل على رجله كبلا لئلا يسمعك طبلا وأظنه صاحب الدرهم المربّع، فطلبه علي بن يوسف ففقده وسرّح الخيالة في طلبه ففاتهم، وداخل عامل السوس، وهو أبو بكر ابن محمد اللمتوني بعض هرغة في قتله، ونذر بهم إخوانهم فنقلوا الإمام إلى معقل أشياعهم [1] ، وقتلوا من داخل في أمره. ثم دعا المصامدة إلى بيعته على التوحيد، وقتال المجسمين دونه سنة خمسة عشر وخمسمائة، فتقدّم إليها رجالاتهم من العشرة وغيرها. وكان فيهم من هنتاتة أبو حفص عمر بن يحيى وأبو يحيى بن يكيبت ويونس [2] بن وانودين وابن يغمور، ومن تين ملّل أبو حفص عمر بن علي الصناكي ومحمد بن سليمان وعمرو بن تافراتكين [3] وعبد الله بن ملويات. وأهب [4] قبيلة هرغة فدخلوا في أمره كلهم، ثم دخل معهم كيدموية [5] وكنفيسة، ولما كملت بيعته لقّبوه بالمهديّ وكان لقبه قبلها الإمام. وكان يسمى أصحابه الطلبة، وأهل دعوته الموحّدين، ولمّا تمّ له خمسون من أصحابه سمّاهم ايت الخمسين. وزحف إليهم عامل السوس أبو بكر بن محمد اللمتوني بمكانهم من هرغة، فاستجاشوا بإخوانهم من هنتاتة وتين ملّل فاجتمعوا إليهم وأوقعوا بعسكر لمتونة فكانت مقدمة الفتح. وكان الإمام يعدهم بذلك فاستبصروا في أمره، وتسابق كافتهم إلى الدخول في دعوته، وتردّدت عساكر لمتونة إليهم مرّة بعد أخرى ففضّوهم، وانتقل لثلاث سنين من بيعته إلى جبل تين ملّل فأوطنه، وبنى داره ومسجده بينهم حوالي منبع وادي نفيس.
وقاتل من تخلّف عن بيعته من المصامدة حتى استقاموا فقاتل أولا هزرجة وأوقع بهم مرارا، ودانوا بالطاعة. ثم قاتل هسكورة ومعهم أبو دوقة اللمتوني فغلبهم وقفل فاتبعه
[1] وفي نسخة أخرى: امتناعهم.
[2]
وفي نسخة أخرى: يوسف.
[3]
وفي نسخة أخرى: تافركين.
[4]
وفي نسخة أخرى: اوعب.
[5]
وفي نسخة أخرى: كدميوه.