الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستخلف على قسنطينة أخاه أبا العبّاس فدخلها ونزل بقصور الملك منها، واقام بها مدّة وعساكر بني مرين قد ملأت عليه الضاحية فدعاه الأولياء إلى الاستبداد وأنه أبلغ في المدافعة والحماية لما كانوا يتوقعون من زحف العساكر إليهم من بجاية، فأجاب وبويع شهر [1] من سنة ست وخمسين، وانعقد أمره. وزحف عبد الله بن عليّ صاحب بجاية إلى قسنطينة من سنته، وفي سنة سبع بعدها فحاصرها ونصب المجانيق. ثم أجفل آخر الإرجاف كما ذكرناه. وتنفّس مخنق الحصار عن قسنطينة، وكان الأمير أبو زيد أخوه لما ذهب مع خالد إلى تونس ونازلها امتنعت عليه، ورجع وقد استبدّ أخوه بأمر قسنطينة فعدل إلى بونة وراسل أبا محمد بن تافراكين في سكنى الحضرة والنزول لهم عن بونة فأجابه ونزل عنها الأمير أبو زيد لعمّه السلطان أبي إسحاق. وتحوّل إلى تونس فأوسعوا له المنازل وأسنوا الجرايات والجوائز، وأقام في كفالة عمّه إلى أن كان من أمره ما نذكره والله أعلم.
(الخبر عن واقعة موسى بن إبراهيم واستيلاء أبي عنان بعد على قسنطينة وما تخلل ذلك من الأحداث)
لما استبدّ السلطان أبو العباس بالأمر وزحفت إليه عساكر بجاية وبني مرين، فأحسن دفاعها عن بلده. وتبين لأهل الضاحية مخايل الظهور فيه فداخله رجالات من سدويكش من أولاد المهدي بن يوسف في غزو موسى بن إبراهيم وكتائبه المجمّرة ببني ياورار، ودعوا إلى ذلك ميمون بن عليّ بن أحمد وكان منحرفا عن أخيه يعقوب ظهير بني مرين ومناصحهم فأجاب. وسرّح السلطان أخاه أبا يحيى زكريا بينهم بمن في جملته من العساكر وصبحوهم في غارة شعواء، فلما شارفوهم ركبوا إليهم فتقدّموا ثم أحجموا واختلّ مصافّهم وأحيط بهم وأثخن قائد العسكر موسى بن إبراهيم بالجراحة واستلحم بنوه زيّان وأبو القاسم ومن إليهم وكانوا أسود هياج وفرسان ملحمة
[1] بياض بالأصل ولم نستطع تحديد هذا الشهر في المراجع التي بين أيدينا. وفي نسخة أخرى سنة خمس وخمسين.
في آخرين من أمثالهم وتتبعوا بالقتل والنهب إلى أن استبيحوا ونجا فلهم إلى بجاية ولحقوا بالسلطان أبي عنّان. ولما بلغه الخبر قام في ركائبه وقعد وفتح ديوان العطاء وبعث وزراءه للحشد في الجهات.
وأعدّ من الجنود وأزاح العلل وشكا له موسى بن إبراهيم قعود عبد الله بن علي صاحب بجاية عن نصره فسخطه ونكبه وعقد مكانه ليحيى بن ميمون بن مصمود، وتلوّم بعده أشهرا في تجهيز العساكر، وبعث السلطان أبو العبّاس أخاه أبا يحيى إلى تونس صريخا لعمّه السلطان أبي إسحاق فأعجله الأمر عن الإياب إليه، وارتحل أبو عنّان في عساكره. ثم بعث في مقدّمته وزيره فارس بن ميمون بن ودرار، وزحف على أثره في ربيع سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، وأغذّ السير إلى قسنطينة وقد نازلها وزيره ابن ودرار قبله. فلما نزل بساحتها وقد طبقوا الأرض الفضاء بجيوشه وعساكره وجم أهل البلد، وأدركهم الدهش فانفضوا وتسلّلوا إليه. وتحيّز السلطان أبو العبّاس إلى القصبة فامتنع بها حتى توثّق لنفسه بالعهد. ثم نزل إليه فلقاه تكرمة ورحبا وأسنى له الفساطيط في جواره. ثم بدا له لأيام قلائل فنقض عهده وأركبه السفن إلى المغرب، وأنزله بسبتة ورتّب عليه الحرس، وبعث خلال ذلك إلى بونة فدخلت في طاعته، وفرّ عنها عمّال الحضرة. ولما استولى عقد على قسنطينة لمنصور بن مخلوف شيخ بني بابان من قبيل [1] بني مرين. ثم بعث رسله إلى أبي محمد بن تافراكين في الأخذ بطاعته والنزول عن تونس فردّهم، وأخرج سلطانه المولى أبا إسحاق مع أولاد أبي الليل ومن إليهم من العرب بعد أن جهّز له العساكر وما يصلح من الآلة والجند، وأقام هو بتونس وأجمع أبو عنّان النهوض إليه، ووفد عليه أولاد مهلهل يستحثّونه لذلك، فسرّح معهم عسكرا في البرّ لنظر يحيى بن رحو بن تاشفين معطي حشود بني [2] تيربيعين من قبائل بني مرين وصاحب الشورى في مجلسه. وسرّح عسكرا آخر في الأسطول لنظر محمد بن يوسف المعروف بالأبكم من بني الأحمر من الملوك بالأندلس لهذا العهد، فسبق الأسطول وصبحوا تونس وقاتلوها يوما أو بعض يوم، وأتيح لهم الظهور فخرج عنها أبو محمد بن تافراكين ولحق بالمهديّة، واستولت عساكر بني مرين على تونس في رمضان سنة ثمان وخمسين وسبعمائة وحقّ لهم الظهور فخرج
[1] وفي نسخة ثانية: من قبائل بني مرين.
[2]
وفي نسخة ثانية: يحيى بن رحو بن تاشفين بن معطي كبير تيربيعين.
عنها أبو محمد بن تافراكين، ولحق يحيى بن رحو بعسكره فدخل البلد وأمضى فيها أوامر السلطان. ثم دعاه أولاد مهلهل إلى الخروج لمباغتة أولاد أبي الليل وسلطانهم فخرج معهم لذلك، وأقام ابن الأحمر وأهل الأسطول بالبلد في خلال ذلك جاهر يعقوب بن علي بالخلاف لما تبيّن من نكر السلطان أبي عنّان وإرهاف حدّه للعرب، ومطالبتهم بالرهن، وقبض أيديهم عن الأتاوات ومسح أعطافه بالمدراة فلم يقبلها، فلحق يعقوب بالرمل، واتّبعه السلطان فأعجزه فعدا على قصوره ومنازله بالبلد والصحراء فخرّبها وانتسفها.
ثم رجع إلى قسنطينة وارتحل منها يريد إفريقية وقد نهض المولى أبو إسحاق بمن معه من العرب للقائه، وانتهوا إلى حصن سبتة. ثم تمشّت رجالات بني مرين وائتمروا في الرجوع عنه حذرا أن يصيبهم بإفريقية ما أصابهم من قبل، فانفضّوا متسلّلين إلى المغرب. ولما خفّ المعسكر من أهله أقصر عن القدوم إلى إفريقية فرجع إلى المغرب بمن بقي معه، واتبع العرب آثاره، وبلغ الخبر إلى أبي محمد بن تافراكين بمكان منجاته من المهديّة فسار إلى تونس. ولما أطلّ عليها ثار أهل البلد بمن كان عندهم من عسكر بني مرين وعمّالهم، فنجوا إلى الأسطول ودخل أبو محمد بن تافراكين إلى الحضرة وأعاد ما طمس من الدولة. ولحق به السلطان أبو إسحاق بعد أن تقدّم الأمير أبو زيد في عسكر الجنود والعرب لاتباع آثار بني مرين ومنازلة قسنطينة، فاتبعهم إلى تخوم عملهم ورجع أبو زيد إلى قسنطينة وقاتلها أياما فامتنعت عليه فانكفأ راجعا إلى الحضرة. ولم يزل مقيما بها إلى أن هلك عفا الله عنه وعنا آمين سنة [1] وكان أخوه يحيى بن زكريا قد لحق بتونس من قبل صريخا كما قلناه، فلما بلغهم أنّ قسنطينة قد أحيط بها تمسّكوا به فلحق به الفلّ من مواليهم وصنائعهم فكانوا معه إلى أن يسّر الله أسباب الخير والسعادة للمسلمين، وأعاد السلطان أبا العبّاس إلى الأمر من بعد مهلك أبي عنّان كما يذكر ومدّ إيالته على الخلق فطلع على الرعايا بالعدل والأمان وشمول العافية والإحسان، وكفّ أيدي العدوان ورفع الناس والدولة في ظلّ ظليل ومرعى جميل كما نذكر إن شاء الله.
[1] بياض بالأصل ولم نستطع تحديد سنة وفاته في المراجع التي بين أيدينا.