الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الخبر عن شأن العرب ومهلك حمزة ثم إجلاب بنيه على الحضرة وانهزامهم ومقتل معزوز بن همر وما قارن ذلك من الأحداث)
لما ملك السلطان أبو الحسن تلمسان وأعمالها، وقطع دابر آل زيّان واجتثّ أصلهم وجمع كلمة زناتة على طاعته، واستتبعهم عصابة تحت لوائه، ودانت القبائل بالانقياد له ورجفت القلوب لرعبه، ووفد عليه حمزة بن عمر يرغّبه في ممالك إفريقية ويستحثّه لها ديدنه مع أبي تاشفين من قبله، فكفّ بالبأس من غلوائه، وزجره عن خلافه على السلطان وشقاقه. ونهج له بالشفاعة سبيلا إلى معاودة طاعته والعمل بمرضاته، فرجع حمزة إلى السلطان عائذا بحلمه متوسّلا بشفاعة صاحبه راغبا بإذعانه، وقلعه مواد [1] الخلاف من العرب باستقامته فتلقّاه السلطان بالقبول وأسعاف الرغبة والجزاء على المناصحة والمخالصة. ولم يزل حمزة بن عمر من لدن رضى مولانا السلطان عنه وإقباله عليه صحيح الطاعة خالص الطوية مناديا بمظاهرة محمد بن الحكيم قائد عسكره [2] ، وشهاب دولته على تدويخ إفريقية وتدويخ أعمالها وحسم أدواء الفساد منها.
وأخذ الصدقة من جميع ظواعن البدو الناجعة في أقطارها، وجمع الطوائف المتعاصين بالثغور على إلقاء اليد للطاعة والكفّ عن أموال الجباية فكانت لهذا القائد آثار لذلك مهّدت من الدولة وأرغمت أنوف المتعاصين بالاستبداد [3] في القاصية حتى استقام الأمر وانمحت آثار الشقاق فاستولى على المهديّة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وغلب عليها ابن عبد الغفّار المنتزي عليها من أهل رحيش [4] واستولى على تبسة وتقبّض على صاحبها محمد بن عبدون من مشيختها وأودعه سجن المهديّة إلى أن أطلق
[1] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى: زعيما باذعانه وقطع مواد.
[2]
كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى: قائد حربه.
[3]
وفي نسخة أخرى: المتعاطين للاستبداد.
[4]
كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى رجيس.
بعد نكبته، ونازل توزر من بعد ذلك حتى استقام ابن بهلول على طاعته للعصبية، واسترهن ولده، ونازل بسكرة غير مرّة يدافعه يوسف بن منصور من بني مزني بذمّة يدّعيها من السلطان أبي بكر وسلفه. ويعطيه الجباية بدفع ما كان من الاعتلاق بخدمة السلطان أبي الحسن فتجافى عنه ابن الحكيم لذلك بعد استيفاء مغارمه، وزحف إلى بلاد ريغة [1] فافتتح قاعدتها تغرت واستولى على أموالها وذخيرتها وسار إلى جبل أوراس فافتتح الكثير من معاقلة. وعصفت ريح الدولة بأهل الخلاف من كل جانب وجاست عساكر السلطان خلال كل أرض. وفي أثناء ذلك هلك حمزة بن عمر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة على يد ابن عون بن أبي علي من بني كثير [2] أحد بطون بني كعب بطعنة طعنه غيلة فأشواه [3] وقام بأمره من بعده بنوه، وكبيرهم يومئذ عمر، وداخلتهم الظنّة بأن قتله بإملاء الدولة فاعصوصبوا وتآمروا واستجاشوا بأقتالهم أولاد مهلهل فجيّشوا معهم وزحف إليهم ابن الحكيم في عساكر السلطان من زناتة والجند ففلوه واستلحموا كثيرا من وجوههم. ورجع إلى الحضرة فتحصّن بها واتبعوه فنزل بساحتها ثلاثين وسبعمائة وقاتلوا العساكر سبع ليال. ثم اختلفوا ونزل طالب بن مهلهل إلى طاعة السلطان فأجفلوا وخرج السلطان في جمادى من سنته في عساكره وأحزابه من عرب هوّارة فأوقع بهم برقادة من ضواحي القيروان ورجع إلى حضرته آخر رمضان من سنته. وذهبوا مفلولين إلى القفر ومرّوا في طريقهم بالأمير أبي العبّاس بقفصة فرغّبوه بالخلاف على أبيه، وأن يجلبوا به على الحضرة فأملى لهم في ذلك حتى ظفر بالمعز بن مطاع وزير حمزة وكان رأس النفاق والغواية فتقبّض عليه وقتله، وبعث برأسه إلى الحضرة ونصب بها. ووقع ذلك من مولانا السلطان أحسن المواقع.
ووفد بعدها على الحضرة فبايع لها بالعهد في آخر سنته في محفل أشهده الملأ من الخاصة والكافة بإيوان ملكه. وكان يوما مشهودا قرئ فيه سجل العهد على الكافة، وانفصلوا منه داعين للسلطان. وراجع بنو حمزة الطاعة بعدها واستقاموا عليها إلى أن كان من أمرهم ما نذكره إن شاء الله تعالى.
[1] يقال لشعب اوريغة وريغة أو ريغة اختصارا، ويقال لهم هوّارة تغلبيا، وهم بنو اوريغ بن برنس.
[2]
وفي نسخة أخرى: أبي عون علي بن كبير.
[3]
أشواه: أصاب شواه أي أطرافه ولم يصب مقتله، على أنه أراد هنا بمعنى قتله، وجاء بها بمعنى قتله في مواضع أخرى من هذا الكتاب. قال عمر بن الغارض: سهم شهم القوم أشوى وشوى سهم أمحا حكم أحشاي شي. (قاموس)