الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الخبر عن مقتل الواثق وولده)
لما انخلع الواثق عن الأمر وتحوّل إلى دار الأقوري فأقام بها أياما. وكان له ثلاثة من الولد أصاغر: الفضل والطاهر، والطيب، فكانوا معه. ثم نمي عنه للسلطان أبي إسحاق أنه يروم الثورة وأنه داخل في ذلك بعض رؤساء النصارى من الجند، فأقلق مكان ترشيحه واعتقله بمكان اعتقال بنيه، وهو من القصبة أيام أخيه المستنصر. ثم بعث إليهم ليلتهم فذبحوا جميعا في شهر صفر سنة تسع وسبعين وستمائة واستوثق له الأمر وأطلق من عنان الإمارة لولده إلى أن كان من شأنهم ما يذكر إن شاء الله تعالى.
(الخبر عن ولاية الأمير أبي فارس ابن السلطان أبي إسحاق على بجاية بعهد أبيه والسبب في ذلك)
كان للسلطان أبي إسحاق من الأبناء خمسة: أبو فارس عبد العزيز وكان أكبرهم، وأبو محمد عبد الواحد، وأبو زكريا يحيى، وخالد، وعمر، وكان السلطان المستنصر قد حبسهم عند فرار أبيهم إلى رياح في أيامه ببعض حجر القصر، وأجرى عليهم رزقا فنشئوا في ظل كفالته وجميم رزقه، إلى أن استولى أبوهم السلطان أبو إسحاق على الملك فطلعوا بآفاقه. وطالت فروعهم في دوحه، واشتملوا على العز واصطنعوا أهل السوابق من الرجال، وأرخى السلطان لهم ظلهم في ذلك. وكان المجلّي فيها كبيرهم أبو فارس لما كان مرشّحا لولاية العهد، وكان ممن اصطنعه وألقى عليه رداء محبته في الناس وعنايته أحمد بن أبي بكر بن سيد الناس اليعمري، وأخوه أبو الحسين لسابقة رعاها لهما، وذلك أنّ أباهما أبا بكر بن سيد الناس، كان من بيوت إشبيليّة حافظا للحديث راوية له، ظاهريّا في فقهه على مذهب داود وأصحابه. وكانت لأهل إشبيليّة خصوصا من بين الأندلس وصلة بالأمير أبي زكريا بن عبد الواحد بن أبي حفص وبنيه، منذ ولايته غرب الأندلس.
فلمّا تكالب الطاغية على الدولة [1] والتهم ثغورها واكتسح بسائطها، وأشفّ إلى قواعدها وأمصارها، أجاز الأعلام وأهل البيوت إلى أرض المغربين وإفريقية. وكان قصدهم إلى تونس أكثر لاستفحال الدولة الحفصية بها. فلما رأى الحافظ أبو بكر اختلال أحوال الأندلس وقبح مصايرها، وخفّة ساكنها، أجمع الرحلة عنها إلى ما كان بتونس من سابقته عند هؤلاء الخلفاء. فأجاز البحر ونزل بتونس فلقاه السلطان تكرمه، وجعل إليه تدريس العلم بالمدرسة عند حمام الهواء التي أنشأتها [2] أمّه أمّ الخلائف.
ونشأ بنوه أحمد وأبو الحسين في جوّ الدولة وحجر كفالتها للاختصاص الّذي كان لأبيهم بها. وعدلوا عن طلب العلم إلى طلب الدنيا، وتشوّقوا إلى مراتب السلطان، واتصلوا بأبناء السلطان أبي إسحاق بمكانهم من حجر القصر حيث أنزلهم عمهم بعد ذهاب أبيهم، فخالطوهم واستخدموا لهم. ولما استولى السلطان على الأمر ورشّح ابنه أبا فارس للعهد، وأجراه على سنن الوزارة فاصطنع أحمد بن سيّد الناس، ونوّه باسمه وخلع عليه ملبوس كرامته. واختصه بلقب حجابته، وأخوه أبو الحسين يناهضه في ذلك عنوة. ونفس ذلك عليهما البطانة فأغروا السلطان أبا إسحاق بابنه وخوّفوه شأنه. وأن أحمد بن سيّد الناس داخله في التوثّب بالدولة. وتولّى كبر هذه السعاية عبد الوهاب بن قائد الكلاعي من علية الكتاب ووجوههم. كان يكتب للعامّة يومئذ، فسطا السلطان بابن سيّد الناس سنة تسع وستين وستمائة آخر ربيع، استدعى إلى باب القصر فتعاورته السيوف هبرا. ووري شلوه ببعض الحفر. وبلغ الخبر إلى الأمير أبي فارس فركب إلى أبيه في لبوس الحزن، فعزّاه أبوه عن ذلك بأنه ظهر لابن سيّد الناس على المكر والخديعة بالدولة. وأماط سواده بيده، ونجا أبو الحسين من هذه المهلكة. واعتقل في لمة من رجال الأمير أبي فارس بعد أن توارى أياما إلى أن أطلق من محبسه، وكان من أمره ما نذكره بعد. واستبلغ السلطان في تأنيس ابنه، ومسح الضغينة عن صدره، فعقد له على بجاية وأعمالها، وأنفذه إليها أميرا مستقلا. وأنفذ معه في رسم الحجابة جدي محمد ابن صاحب أشغاله أبي بكر بن
[1] وفي نسخة أخرى: العدوة.
[2]
وفي نسخة أخرى: أسستها.