الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الخبر عن برغواطة من بطون المصامدة ودولتهم ومبدإ أمرهم وتصاريف أحوالهم)
وهم الجيل الأوّل منهم، كان لهم في صدر الإسلام التقدّم والكثرة وكانوا شعوبا كثيرة مفترقين، وكانت مواطنهم خصوصا من بين المصامدة في بسائط تامسنا وريف البحر المحيط من سلا وأزمور وأنقى وأسقى. وكان كبيرهم لأوّل المائة الثانية من الهجرة طريف أبو صبيح [1] وكان من قوّاد ميسرة الخفير طريف المضفري [2] القائم بدعوة الصفريّة ومعها معزوز بن طالوت. ثم انقرض أمر ميسرة والصفريّة، وبقي طريف قائما بأمرهم بتامسنا، ويقال أيضا إنه تنبّأ وشرّع لهم الشرائع. ثم هلك وولي مكانه ابنه صالح، وقد كان حضر مع أبيه حروب ميسرة وكان من أهل العلم والخير فيهم.
ثم انسلخ من آيات الله، وانتحل دعوى النبوّة، وشرّع لهم الديانة التي كانوا عليها من بعده، وهي معروفة في كتب المؤرّخين. وأدعى أنه نزل عليه قرآن كان يتلو عليهم سورا منه، يسمي منها سورة الديك وسورة الجمل وسورة الفيل وسورة آدم وسورة نوح وكثير من الأنبياء، وسورة هاروت وماروت وإبليس، وسورة غرائب الدنيا، وفيها العلم العظيم بزعمهم، حرّم فيها وحلّل، وشرّع قصّ، وكانوا يقرءونه في صلواتهم، وكانوا يسمّونه صالح المؤمنين كما حكاه البكري عن زمور بن صالح بن هاشم بن وراد الوافد منهم على الحاكم المستنصر الخليفة بقرطبة من قبل ملكهم أبي عيسى بن أبي الأنصاري سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة.
وكان يترجم عنه بجميع خبره داود [3] بن عمر المسطاسي. قال: وكان ظهور صالح هذا في خلافة هشام بن عبد الملك من سنة سبع وعشرين من المائة الثانية من الهجرة. وقد قيل إنّ ظهوره كان لأوّل الهجرة، وأنه إنما انتحل ذلك عنادا ومحاكاة لما بلغه شأن النبيّ صلى الله عليه وسلم والأوّل أصح. ثم زعم أنه المهدي الأكبر الّذي يخرج في آخر الزمان، وأنّ عيسى يكون صاحبه ويصلّي خلفه، وأنّ اسمه في
[1] وفي نسخة أخرى: طريف ابو صالح وكذلك في قبائل الغرب/ 322.
[2]
المضغري أو المطغري ويجوز الوجهين.
[3]
وفي النسخة الباريسية: ذلواد وفي النسخة التونسية داورد.
العرب صالح وفي السريان مالك وفي الأعجمي عالم وفي العبراني روبيا وفي البربري وربا [1] ومعناه الّذي ليس بعده نبي، وخرج إلى المشرق بعد ان ملك أمرهم سبعا وأربعين سنة، ووعدهم أنه يرجع إليهم في دولة السابع منهم، وأوصى بدينه إلى ابنه إلياس، وعهد إليه بموالاة صاحب الأندلس من بني أميّة، وبإظهار دينه إذا قوي أمرهم.
وقام بأمره بعده ابنه إلياس ولم يزل مظهرا للإسلام مسرا لما أوصاه به أبوه من كلمة كفرهم. وكان طاهرا عفيفا زاهدا [2] . وهلك لخمسين سنة من ملكه، وولي أمرهم من بعده ابنه يونس، فأظهر دينهم ودعا إلى كفرهم وقتل من لم يدخل في أمره حتى حرق مدائن تامسنا وما والاها، يقال إنه حرق [3] ثلاثمائة وثمانين مدينة، واستلحم أهلها بالسيف لمخالفتهم إياه، وقتل منهم بموضع يقال له تاملوكاف، هو حجر عال نابت وسط الطريق [4] فقتل سبعة آلاف وسبعمائة وسبعين.
(قال زمور) : ورحل يونس إلى المشرق وحجّ، ولم يحج أحد من أهل بيته قبله ولا بعده، وهلك لأربع وأربعين سنة من ملكه، وانتقل الأمر عن بنيه، وولي أمرهم أبو غفير محمد بن معاد بن اليسع بن صالح بن طريف، فاستولى على ملك برغواطة وأخذ بدين آبائه واشتدّت شوكته وعظم أمره، وكانت له في البربر وقائع مشهورة وأيام مذكورة أشار إليها سعيد بن هشام المصمودي في قوله:
قفي قبل التفرّق وأخبرينا
…
وقولي واخبري خبرا يقينا
وهذي أمّة هلكوا وضلّوا
…
وغاروا [5] لاسقوا ماء معينا
يقولون: النبيّ أبو غفير
…
فأخزى الله أمّ الكاذبينا
ألم تسمع ولم تر لؤم بيت [6]
…
على آثار خيلهم ربينا [7]
وهنّ الباكيات فبين ثكلى
…
وعادمة [8] ومسقطة جنينا
[1] وفي النسخة التونسية: وريا.
[2]
وفي النسخة التونسية: زاهدا في الدنيا.
[3]
وفي النسخة التونسية: ضرب.
[4]
وفي النسخة الباريسية: وسط السوق.
[5]
وفي النسخة التونسية: وخابوا.
[6]
وفي النسخة الباريسية: يهث بيت وفي التونسية يوم بيت.
[7]
وفي النسخة التونسية: رنينا.
[8]
وفي النسخة التونسية: وعاوية.
ستعلم أهل تامسنا إذا ما
…
أتوا يوم القيامة مقطعينا
هنالك يونس وبنو أبيه
…
يقودون البرابر حائرينا
إذا زر ياور طافت عليهم
…
جبهتهم بأيدي المنكرينا [1]
فليس اليوم يومكم ولكن
…
ليالي كنتم متيسّرينا
واتخذ أبو غفير من الزوجات أربعا وأربعين، وكان له من الولد مثلها وأكثر. وهلك أخريات المائة الثالثة لتسع وعشرين سنة من ملكه، وولي بعده ابنه أبو الأنصار عبد الله فاقتفى سننه وكان كثير الدّعة مهابا عند ملوك عصره يهادونه ويدافعونه بالمواصلة، وكان يلبس الملحفة والسراويل ويلبس المخيط، ولا يعتم أحد في بلاده إلّا الغرباء. وكان حافظا للجار وفيا بالعهد، وتوفي سنة إحدى وأربعين من المائة الرابعة لأربع وأربعين سنة من ملكه، ودفن بأمسلاخت وبها قبره. وولي بعده ابنه أبو منصور عيسى ابن اثنتين وعشرين سنة، فسار سير آبائه وادّعى النبوّة والكهانة، واشتد أمره وعلا سلطانه ودانت له قبائل المغرب.
(قال زمور) : وكان فيما أوصاه به أبوه: يا بني! أنت سابع الأمراء من أهل بيتك، وأرجو أن يأتيك صالح بن طريف. قال زمور: وكان عسكره يناهز الثلاثة آلاف من برغواطة وعشرة آلاف من سواهم مثل جراوة وزواغة والبرانس ومجاصة [2] ومضغرة ودمّر ومطماطة وبنو وارزكيت. وكان أيضا بنو يفرن وآحدة وركامة [3] وايزمنّ ورصافة ورغصرارة على دينهم، ولم تسجد ملوكهم إلا له منذ كانوا أهـ. كلام زمور وكان لملوك العدوتين في غزو برغواطة هؤلاء وجهادهم أثناء هذا وبعده آثار عظيمة من الأدارسة والأموية والشيعة. ولما أجاز جعفر بن علي من الأندلس إلى المغرب وقلّده المنصور بن أبي عامر عمله سنة ست وستين وثلاثمائة فنزل البصرة، ثم اختلف ذات بينه وبين أخيه يحيى واستمال عليه أخوه الجند وأمراء زناتة، فتجافى له جعفر عن العمل وصرف وجهه إلى جهاد برغواطة معتدّه من صالح عمله، وزحف إليهم في أهل المغرب وكافة الجند الأندلسيّين فلقوه ببسيط [4] بلادهم، وكانت عليه الدبرة،
[1] وفي النسخة التونسية: إذا وريا ورى رمت عليهم جهنم قائد المستكبرينا.
[2]
وفي نسخة أخرى: مجكصة.
[3]
وفي نسخة أخرى: إصادة وركانة.
[4]
وفي نسخة ثانية: وسط.
ونجا بنفسه في فلّ من جنده، ولحق بأخيه بالبصرة. ثم أجاز بعدها إلى المنصو باستدعائه، وترك أخاه يحيى على عمل المغرب. ثم حاربتهم أيضا صنهاجة لمّا غزا بلكّين بن زيري المغرب سنة ثمان وستين وثلاثمائة بعدها وأجفلت زناتة أمامه وانزووا إلى حائط سبتة، وامتنعوا منه بأعوادها فانصرف عنهم إلى جهاد برغواطة، وزحف إليهم فلقيه أبو منصور عيسى بن أبي الأنصار في قومه، وكانت عليهم الهزيمة.
وقتل أبو منصور وأثخن فيهم بلكّين بالقتل، وبعث سبيهم إلى القيروان وأقام بالمغرب يردّد الغزو فيهم إلى سنة اثنتين وسبعين [وثلاثمائة] وانصرف من المغرب فهلك في طريقه إلى القيروان. ولم أقف على من ملك أمرهم بعد أبي منصور. ثم حاربتهم أيضا جنود المنصور بن أبي عامر لما عقد عبد الملك بن المنصور لمولاه واضح إمرة برغواطة هؤلاء فيمن قبله من الأجناد وأمراء النواحي وأهل الولاية، فعظم الأثر فيهم بالقتل والسبي. ثم حاربهم أيضا بنو يفرن لما استقل أبو يعلى بن محمد اليفرني من بعد ذلك بناحية سلا من بلاد المغرب. واقتطعوهم من عمل زيري بن عطية المغراوي بعد ما كان بينهما من الحروب.
وانتساب أولاد يعلى هؤلاء إلى تميم بن زيري بن يعلى في أوّل المائة الخامسة، وكان موطنا بمدينة سلا ومجاورا لبرغواطة، فكان له أثر كبير في جهادهم، وذلك في سني عشرين وأربعمائة، فغلبهم على تامسنا وولّى عليها من قبله بعد أن أثخن فيهم سبيا وقتلا. ثم تراجعوا من بعده إلى أن جاءت دولة لمتونة وخرجوا من مواطنهم بالصحراء إلى بلاد المغرب، وافتتحوا الكثير من معاقل السوس الأقصى وجبال المصامدة. ثم بدا لهم جهاد برغواطة بتامسنا وما إليها من الريف الغربي فزحف إليهم أبو بكر بن عمر أمير لمتونة في المرابطين من قومه، وكانت له فيهم وقائع استشهد في بعضها صاحب الدعوة عبد الله ابن ياسين الكبروي [1] سنة خمسين وأربعمائة، واستمرّ أبو بكر وقومه من بعده على جهادهم حتى استأصلوا شأفتهم ومحوا من الأرض آثارهم وكان صاحب أمرهم لعهد انقراض دولتهم أبو حفص عبد الله من أعقاب أبي منصور عيسى بن أبي الأنصار عبد الله بن أبي غفير محمد بن معاد بن اليسع بن صالح بن طريف، فهلك في حروبهم وعليه كان انقراض أمرهم وقطع دابرهم على
[1] وفي نسخة ثانية: الكزولي أو الجزولي كما في قبائل المغرب/ 323.