الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتوقف على استخدامها مصيره في العالم الذي يقع فيما يلي اللحد.. وكان الدين الإيراني ينزع إلى آداب السلوك ولم تكن آلهيته كآلهة الآريين الهنود. معاني مجردة تصورية ولكنهم كانوا شخوصًا خلقيين، ولم يكن هدف الجهد الإنساني الاندماج التألهي في مطلق وحدة الوجود ولكن سعادة أبدية في السماء حيث يحكم أهورا مزدا، وما كانت الحياة الإنسانية وما يلازمها من فروض اجتماعية وأفراح وأحزان بخدعة، ولكنها المجال للعمل في همة والقيام بالواجب الخلقى، وفي اعترافه بقيمة الثقافة الدنيوية واتجاهه إلى غاية يكون فيها الخلاص الفردي، وليس الخلاص القومي، نجد دين إيران يختلف عن دين العبريين وإن تشابه معه في تعليمه الخلقى الرفيع.
وكان الفرس يتسامحون مع الديانات المحلية عندما لا تناصب دينها العداء، ومع هذا فإن عقيدتهم انتشرت صوب الغرب بتوسع إمبراطوريتهم، وفي نقاوته كما نهض به النبي زرداشت، كان دون ريب عقيدة القلة أكثر من أن يكون عقيدة الكثرة، وكان من شأنه بين أيدي المجوس، "وهم طبقة من الكهنة" أن يتدهور إلى فرائض رسمية، بينما أصبحت الجماهير تفسر تعاليمه في صيغ ديانة ما قبل زرداشت القديمة1، وكان مرجع قوته الحقيقية إلى إصراره على المسئولية الخلفية.
1 عاش زرادشت على الراجح حوالي عام 650 ق. م. وتحتوي الأسفار الفارسية المقدسة التي يطلق على مجموعها لفظ أوبتا، وهي ترانيم ربما كتبها النبى نفسه، ويقرب المذهب الزرداشتي من أن يكون توحيدا، وكانت عبادة النار لها شأن عظيم؛ إذ كانت النار أنقي مظهر لأهورا مزدا، ويظهر أن المجوس الأوائل كانوا معادين لمذهب زرداشت ولم يحفل.
زرادشت
مدخل
…
زرادشت:
يقول البيروني: وقد كانت خراسان، وفارس، والعراق، والموصل إلى حدود الشام في القديم على دين "الشمنية" -نحلة هندية- إلى أن نجم "زرداشت" في أذربيجان، ودعا ببلخ إلى المجوسية، وراجت دعوته عند "كشتاسب"، وقام بنشرها ابنه "إسفنديار" في بلاد المشرق والمغرب قهرا وصلحا، ونصب بيوت النيران من الصين إلى الروم، ثم استصفى الملوك بعده فارس والعراق لملتهم فانجلت "الشمنية" عنها إلى مشارق بلخ، وبقي المجوس إلى الآن -زمن البيروني 440- بأرض الهند ويسمون بها "مسك".
وهناك مدرسة واحدة من المدارس الفكرية تنادي بأنه لم يكن له وجود على الإطلاق، وأقدم تاريخ ذكر هو سنة 6000 ق. م. وقد تمسك "بيروسبوس" المؤرخ البابلي الذي عاش في القرن الرابع ق. م. بالرأي القائل بأن: زرادشت: قد ولد حوالي سنة 2000ق. م. ويميل العلماء اليوم إلى الاعتقاد بأن زرادشت لم يولد قبل 660 ق. م. واسم زرادشت Zaradstrs هو: الترجمة الإغريقية لـ "زرداثوسترا" الذي ضمنه "نيشته" في مسرحيته الشعرية المشهورة، كذلك قال: زرادثو سترا، وقد ولد زرادشت في بلاد فارس.
"أفيستا" أقدم نص ديني فارسي، من هنا كان من الصعب بالطبع الجزم بالموقع المضبوط -موطن "زرادشت" وتعاليمه، هل هو "باكتريا" أم "مرغيانا"، يرى العالم السوفيتي "مستروفه": بأن مرغيانا "مرو" والبلاد المتاخمة لها هي الاحتمال الأقوى.
ويرى دليله على فرضه هو: أن "أفيستا" يذكر بلدًا هو: "مرو" أي مرغوش بالفارسية، وميرغيانا باليونانية بوصفه البلد الوحيد الذي يتبع أهله قواعد قانونية "آشا" أي أساس الأسس في تعاليم "زرادشت"؛ وهذا القانون تشخيص للنظام الحقوقي الثابت، والذي ترتكز عليه كل الفضائل.. وهذا القول: لا ينسبه كتاب "أفيستا" إلى أي من البلدان التي يتطرق إليها ما عدا "مرو".
وعلى أساس هذه المعطيات وغيرها يؤكد الأكاديمي "مستروفه" قائلا: لذا أرى في هذه الإشارة دليلا يعزز افتراض بأن "مرغيانا" هي أول منطقة تنبت الجماهير الشعبية فيها تعاليم "زرداشت". وفي ختام بحثه يقول: وحاولت أن أثبت بأن مرغيانا والمناطق المتاخمة لها في آسيا الوسطى كانت موطنا للزرادشتية"، وهناك أقوال أخرى لا تزال تفترض فرضيات معاكسة تقول: إن وطن زرادشت هو: بلاد "الميلابين" غربي إيران، حتى أقصى جنوب غربي أفغانستان.
يذهب بعض علماء الآثار إلى افتراض أصل مشترك بين قبائل هضبة إيران الشرقية "تل تيه وبازتيه" وشبه القارة الهندية؛ وذلك أن المكتشفات الأثرية تشير إلى الثنائية الواضحة في المعتقدات المحلية، وتلك نظرية فلسفية أخلاقية تكاد تكون مطابقة لجوهرة تعاليم "زرادشت" ومن معطيات الدراسة لتلك الدراسة استنتج الباحثون الأثريون أن "زرادشت" عاش وأسس تعاليمه في فترة لا تتجاوز القرن السابع ق. م. ففي هذه
الفترة التاريخية عاش "زرادشت" وعن طريق تعاليمه نشأت الزرداشية كمذهب فلسفي وأخلاقي وديني.
ويرى علماء الآثار أن مضمونها يجسد تصورات متطورة جدا للفلسفة الطبيعية، وذلك يقوي افتراضهم أنها لم تنشأ من فراغ، وأن المجتمع الذي نشأت فيه قد قطع شوطا بعيدا في تطوره الذهني فقد كان ثمة أفكار تسبق تطابق ما عليه.
من هنا يرى علماء الآثار أن المبادئ الأساسية للديانة "الزرادشتية" غرفت من مناهل النظرات الفلسفية والأخلاقية المنتشرة قبلها على نطاق واسع في: "باكتريا ومرغيانا".
ولما سمح له في الوقت المناسب بمصاحبة الأرواح كان في استطاعة زرادشت أن يوجه أسئلة إلى "أهورا مازاد" نفسه، فلقد تساءل:"في علم التجسيد، ما هو الشيء الأول في الكمال؟ وأيها الثاني؟ وأيها الثالث؟ " فرد عليه "أهورا مازاد" قائلا: "إن أول كمال هو: الأفكار السديدة، وثانيها: الكلمات الطيبة، وثالثها: الأعمال الصالحة"1 في بدء رسالته، يبدو أن "زرادشت" قد عاش حياة الناسك.
وعلى شاكلة "يوحنا المعمداني" نزح إلى البرية، وعاش على لا شيء اللهم إلا على الجبن والجذور، ثم جاء الإغراء.
قامت الشيطانة "سيندارماد" بالتغرير بـ زرادشت، ولم يتم اللقاء في البرية بل بين أشخاص عاديين قرر زرادشت أن يدرس عاداتهم:"لقد اتجه زرادثو سترا إلى العالم الذي يعيش فيه، عالم الصداقة، مستهدفا أن يراقب تماما ذلك الطريق المعبد للوجود التجسيدي. ثم تقدمت الشيطانة امرأة ذات جسد ذهبي، ناهدة الصدر. لقد طلبت صحبته كما طلبت أن يخاطبها وأن يعاونها".
ولما كان على علم بأن مفاتنها خداعة تماما، طالبها بأن تدير ظهرها ولكنها ردت عليه قائلة: يا زاراثوسترا الأستبماسى، حينما نكن، تكن النساء منا جميلات من الأمام، قبيحات بصورة مخيفة من الخلف، فلا تطالبنى بأن أدير ظهرى" ولكنه
1 المرجع السابق ص 148 تأليف أ. و. ف توملين ترجمة عبد الحميد سليم.
أصر، وبعد أن عارضت للمرة الثالثة، وافقت على أن تدير ظهرها، عندئذ خرجت منها سلالة كريهة من الثعابين والضفادع البرية والسحالي وأم الأربع والأربعين، والضفادع البحرية، على أن المحنة الحقيقية جاءت فيما بعد في صورة هجمات شيطانية عليه، من بينها كان إيلاج رصاص مصهور في معدته، ولكن لم يفلح شيء في زعزعة إيمانه في عدالة الإله الذى تمتع بصحبته أعني "أهورامازدا"، وأخيرا كمكافأة له على تعبده الرواقى أهداه "أهورا مازدا" شخصيا بكتاب الحكمة السماوية الذي سمي فيما بعد باسم "أفيستا Avesta" وكان هذا هو الإنجيل الذي كان يحلم به وهو صبي، وبذا صار للمبعوث الآن إنجيله، وبرغم أن تبشيره قد لقي في بادئ الأمر أذنا صماء؛ لأن الفرس كان لديهم بالفعل آلهتهم وطقوسهم الطبيعية -إلا أن "زرادشت" قد بدأ بالتدريج في اجتذاب مهتدين، وعندما قرر في النهاية أمير فارسى يدعى "فيشتاسبا Vishastspa"، أو هيستاسبس Hystspes أن يعتنق العقيدة الجديدة بدأت حركة تحول دينية قوية؛ لأن هذا الأمير أعلن على الفور عن نيته في نشر العقيدة الزارادشتية في أرجاء مملكته، ولكن خليفة "قمبيز" وكان يعتقد في آلهة الماجيين القدامى Old Magingods سعى لاستئصال شأفة الديانة الزرادشتية، ولكن باعتلاء "داريوس الأول" العرش في سنة 521 ق. م. أعلنت العقيدة الزرادشية ديانة رسمية للفرس، ويعتقد بعض المؤرخين أن الأمير "هيستاسبس" الذي كان أول من صادق زرادشت لم يكن إلا ولد "داريوس" وإذا صح هذا القول فإن هذا ينهض دليلا على أن زارادشت قد ولد في أقدم تاريخ عزي إليه1.
- كانت آلهة الفرس السابقة لعصر "زرادشت" تحمل شبهًا كبيرًا لتلك الآلهة الواردة بالكتب المقدسة الهندية Vedas، وفي الواقع لقد كان كثيرا ما ينادي العلماء الهنود بأن الأفستا Avesta- تكاد تدين بكل تعاليمها الأساسية للفيداس بما في ذلك اسمها، لقد كان "البانثيون Pantheon أو مدفن عظماء الآلهة يضم إلهين عظيمين:
ميثرى Mithre إله الشمس، وأنيتا Anaita إله الأرض والخصوبة، وقد تأكدت أهمية عبادة الخصوبة أكثر من ذلك بعبادة هاووما Hama الإله الثور، الذي
1 المرجع السابق ص 149ص 150 تأليف أ. و. ف توملين.