الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلام شبيهة بالعاطفة التي كانت تسيطر على النفوس عند العبرانيين في مرحلة البداوة وهي:
الاعتقاد بتعدد الشياطين وهذا نوع من المذهب النفسي ومن صفاته: شعور الرجل بأنه محاط بقوى خفية يصعب عليه تحديد ماهيتها وتسميتها بأسماء خاصة إلا أنه يعجز دوما عن تشخيصها.
فإن عبادة الأوثان والإيمان بالجن والأغوال -وهي نفوس شريرة تهاجم الإنسان في الوحدة"- كل هذا يشكل أساس الدين ومذهبه الفكري في علاقتهم بالحياة.
وإن تعدد الآلة في صلته الضيقة مع تعدد الشياطين يدل على استعداد العرب القدماء لتشخيص القوة الكامنة في الأشجار وينابيع المياه وتسميتها بأسماء وربطها مع الإلهيات، ومهما يكن منشأ تعدد الآلهة، فلا نرى بدًّا من تقرير أنه أفاد العرب باستثناء بعض النفوس المتزمتة في بعض المراكز الحضارية، وقادهم إلى جعل الدين مصدر تأملات أو بحوث نظرية.
على أن حوادث الحياة والتجارب مع العلم بأن قوى الطبيعة هي الغالبة في الصحراء قد نمت في العربي المحارب قدرية عميقة لا لأن العربي يشبه أيوب الصابر على الأذى؛ بل لأن العربي المحارب بالإضافة إلى المتناقضات في خلقه لا يحتمل أحداث الحياة بصورة سلبية فإنَّ موقفه منها بادئ الأمر هو: موقف المناضل غير أنه إذا وجد أمام المقدور انحنى خاضعا شاعرًا بعقم الجهد أمام هذه القوى الهائلة المنطوية تحت كلمة "الدهر".
وهذا الاستسلام النهائي يملي عليه حكمًا ذات يسارة لا تخلو من السمو موحية إليه بتصرفات عرضية ولكنها مؤثرة جدا في بعض الأحيان، وهكذا كان العربي بارتفاعه فوق نظرته التافهة للوجود قد عوض إلى حد ما عن فقر فكره الديني.
موقف القرآن من التحمس:
إذا كان التحمس مذهب قريش فإن من المتصور لرجل الإصلاح وهو قرشي سوف ينهض بدعوته من هذا المذهب؛ ليجذب أفراد قبيلته إليه من جانب، ويحيي عصبيتها القبلية والدينية من جانب آخر.
كان هذا هو المتصور، ولكن واقع الأمر كان غير ذلك فرسالة الإصلاح التي
اضطلع بعبئها الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن نابعة من تصوره ولا مدفوعا إليها رغبة في زعامة أو رياسة أو جاه حتى تكون وفق ما تصورنا، ولكن كانت رسالة إلهية تبغي الإصلاح ما استطاعت إليه سبيلا، ورسالة هزت كيان القبائل العربية وأوثانها وكان على رأس هذه القبائل جميعًا قبيلته صلى الله عليه وسلم فهدم عصبيتها القبلية والدينية؛ ليحل محلها معاني جديدة في مدلولها الإنساني كمبدأ الإخاء والتضامن والتكافل، نعم هدم بها عصبيتها الدينية فألغى تشريعاتها التي عرفت بالحمس، وأحل محلها دينه وفرض في حجه المساواة، قال تعالى:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199] .
يعني على قريش أن تتساوى مع الناس ي فريضة الحج فيصعدوا معهم إلى عرفات والوقوف عليها والإفاضة منها.
وأنزل الله عليه فيما كانوا قد حرموا على الناس من طعام ولباس عند البيت حين كانوا يطوفون عراة، قوله:
وقال تبارك وتعالى عائبا عليهم سلوكهم الديني: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} 1؛ أي أنهم كانوا يطوفون عراة ويصفقون ويصفرون.
وقال: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} 2.
لأن الحمس لا يدخلون تحت سقف ولا يحول بينهم وبين السماء عتبة باب ولا غيرها، فإن احتاج أحدهم في داره تسنم البيت من ظهره ولم يدخل من الباب فرد الله ذلك عليهم بقوله سبحانه:{وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 3.
ثم بين أنهم يسندون هذه الشعائر إلى ابراهيم.
1 سورة الأنفال الآية 35.
"2، 3" سورة البقرة الآية 189.
وإذا كانت ملة أبيكم إبراهيم فإبراهيم لم يكن من المشركين، وأخيرًا ألغى الوحي الإلهي مظهر البيت القبلي القرشي، ومظهره الوثني، وأتى على مذهب الحمس فعصف به، ثم رفع الوحيُ من شأن البيت الحرام، وجعله مثابة للناس وأمنا، وقبلة للناس جميعا، وأصبحت عالمية البيت الحرام بالإسلام حقيقة مقررة.
أما الأصنام التي كانت منصوبة حول الكعبة فطعنها الرسول بسية قوسه في عيونها، وهو يقول:"جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا"؛ ثم أمر بها فكفئت على وجهها، ثم أخرجت من المسجد فحرقت.
فمن موقف الرسول مع المذهب الأحمس القرشي، وموقفه من الأوثان العربية وأصنامها وأنصابها وضح أن مصدر الإسلام لا يتصل بنسب إلى الوثنية العربية وإنما مصدره الوحي الإلهي.