الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حضارة الحيرة:
كانت الحيرة في عهد "المناذرة اللخميين" من المراكز الحضارية الهامة في مختلف الميادين، فقد كان لموقعها بين العراق والشام وبلاد العرب أثر كبير في احتكاك أهلها بغيرهم من الشعوب؛ فتأثروا بالثقافات العالمية آنذاك كالفارسية واليونانية والسريانية، وكان لمعرفة أهلها باللغة الفارسية أثر كبير في نقل آداب الفرس إليهم؛ وساهم بعض أسرى الروم الذين وقعوا في قبضتهم في نقل علوم اليونان وآدابهم إليهم؛ وكان ملوك الحيرة يشجعون الشعراء ويغدقون الهبات والعطايا عليهم، وغدا بلاطهم مقصد مشاهير شعراء الجاهلية "كالمرقش الأصغر والمتلمس وطرفة بن العبد والمرقش الأكبر وحسان بن ثابت وعمرو بن كلثوم وغيرهم" وكانت الحيرة تزخر بمعاهد العلم ومدارسه؛ فقد تلقى "إيليا" الحيرى مؤسس "دير مار إيليا" في الموصل دراسته الدينية في مدرسة بالحيرة، كما تلقى "مار عبد الكبير" دراسته في إحدى المدارس فيها.
ويذكر ياقوت أن الصبيان في الحيرة كانوا يتعلمون القراءة والكتابة في كنيسة قرية من قراها اسمها "النقيرة"1.
وأما الأديرة والكنائس: فقد كانت كثيرة أيضا في الحيرة والمنطقة المجاورة لها، وكان لتنصر المناذرة أثر كبير في دفعهم لبناء العديد منها. وتحفظ لنا كتب الديارات وتقاويم البلدان أسماء عدد كبير منها، ويعتبر دير "هند الكبرى" من أشهر الأبنية التابعة لهذه الزمرة، وقد بنت هذا الدير "هد أم عمرو بن هند" وهناك دير "هند الصغرى" الذي بنته "هند ابنة النعمان بن المنذر" وأقامت فيه حتى ماتت ودفنت فيه. وعدد كبير آخر غيرها. وقد وصفت الحيرة عند الإخباريين بالبياض فقالوا عنها: الحيرة البيضاء تعبيرا عن حسن عمارتها وطغيان هذا اللون على سائر أبنيتها، وكان أهل الحيرة مللا ونحلا دينية كثيرا فقد كان بينهم الوثنيون الذين يعبدون الأصنام، والصابئة الذين يعبدون الكواكب، والمجوس الذين يعبدون النار، وهذا فضلا عن أتباع النصرانية واليهودية، وكان معظم ناصارى الحيرة نساطرة، ومنهم قلة
1 تاريخ العرب القديم وعصر الرسول ص201.
من اليعاقبة، وكان بدء التبشير بالمسيحية فيها ببطء أو الأمر، ولكنها ما لبثت أن وجدت الكثير من الأنصار.
ويدعي الطبري: أن امرأ القيس كان أول من تنصر من ملوك الحيرة، وقد يكون هذا الخبر غير مؤكد، وكل ما يمكننا الجزم به:"أن المنذر بن ماء السماء" كان نصرانيًّا وتزوج "بهند" وهي نصرانية؛ أيضًا، وقد بنت الدير المعروف، باسم "دير هند الكبرى" وقد حدث صراع بين النساطرة واليعاقبة حول اجتذاب الحيريين إلى مذهبيهما، وقد تفوق النساطة في هذا الصراع واجتذبوا عدد كبيرا من نصارى الحيرة إلى مذهبم1.
ديانة مناذرة الحيرة:
واختلفوا في ديانة ملوك الحيرة فمن قائل: إنهم تنصروا على عهد "امرئ القيس" الأول ابن عمرو في أوائل القرن الرابع. وقائل: إن أول من تنصر "النعمان بن المنذر" في آخر القرن السادس. وبينهما أقوال كثيرة لا سبيل إلى تحقيقها؛ لاختلاف القائلين فيها مثل اختلافهم في عدد ملوكهم وفي تعاقبهم وسني حكمهم2.
ويبدو أن ملوك الحيرة لم يتنصروا عقيدة؛ إنما تنصروا سياسة أي تبعا لولائهم السياسي للرومان لما غلب الرومان على الفرس ودارت الحيرة في فلكهم فترى في سجل الكنيسة الشرقية أن الحيرة كان عليها أسقف لسنة 410م، وأن ملكها حمى النصرانية سنة 420، وترى في الجهة الأخرى: أن النساطرة واليعاقبة اشتد جدالهم في أوائل القرن السادس للميلاد، وتنافسوا في الرئاسة ففاز النساطرة، وملوك الحيرة كانوا إلى أواسط القرن الاد على الوثنية؛ وإن المنذر امرئ القيس بن ماء السماء" كان يقدم ذبائح من البشر إلى العزى، وكان بين نسائه امرأة من غسان اسمها "هند الكبرى" أم عمرو بن هند" كانت مسيحية فبثت مبادئ النصرانية في ابنها فنشأ نصرانيا، يؤيد ذلك ما نقشته على ديرها. ولما ماتت رجع خليفته "قابوس أو المنذر بن
1 تاريخ العرب القديم ص203، 204.
2 العرب قبل الإسلام.