الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان الساميون في أعالي جزيرة العرب، وقد خيم بعضهم في البادية بين العراق والشام، فمن تحضر منهم هناك خدم دولتها في الحروب، فكان سكان تلك المدن يسمونهم "آراميين" أي أهل الجبال، وأهل ما بين النهرين يسمونهم "عمورو" أي أهل الغرب؛ لأن بلادهم واقعة غرب الفرات وهو اسمهم القديم في بابل.
وقد يراد بالعمورو أهل غرب الفرات من بدو وحضر إلى البحر المتوسط ثم سموهم "عريبي" أو عرب، ومعناها في اللغة السامية الأصلية "الغربيون" وكانوا يسمون بلادهم "حات عربي" أي بلاد الغربيين أو بلاد العرب.
يقول جورجي زيدان: وبما أن تلك البلاد صحراء بادية صار لفظ "عرب" في اللغات السامية يدل على البادية كما في العبرانية والعربية، ويقول جواد علي: وترى علماء العربية حيارى في تعيين أول من نطق بالعربية، فبينما يذهبون إلى أن "يعرب" كان أول من أعرب في لسانه وتكلم بهذا اللسان العربي، ثم يقولون: ولذلك عرف هذا اللسان باللسان العربي، تراهم يجعلون العربية لسان أهل الجنة ولسان آدم؛ أي أنهم يرجعون عهده إلى مبدأ الخليقة، وقد كانت الخليقة قبل خلق "يعرب" بالطبع بزمان طويل، ثم تراهم يقولون: أول من تكلم بالعربية ونسى لسان أبيه إسماعيل.
ألهم إسماعيل هذا اللسان العربي إلهاما، وكان أول من فتق لسانه بالعربية المبينة وهو ابن أربع عشرة سنة، وإسماعيل هو جد العرب المستعربة على حد قولهم1.
1 الفصل جـ ص14، تاج العروس جـ2 ص352، اللسان جـ2 ص72.
رأي المستشرقين وعلماء التوراة:
أما المستشرقون وعلماء التوراة المحدثون، فقد تتبعوا تأريخ الكلمة وتتبعوا معناها في اللغات السامية، وبحثوا عنها في الكتابات الجاهلية وفي كتابات الآشوريين والبابليين واليونان وغيرهم، فوجدوا أن أقدم نص وردت فيه لفظة عرب هو نص آشوري من أيام الملك "شلمنصر الثالث" ملك آشور، وقد تبين لهم أن لفظة عرب لم تكن تعني عند الآشوريين ما تعنيه عندنا من معنى، بل كانوا يقصدون بها بداوة وإمارة -مشيخة- كانت تحكم في البادية المتاخمة للحدود الآشورية، كان حكمها
يتوسع ويتقلص في البادية تبعًا للظروف السياسية ولقوة شخصية الأمير، وكان يحكمها أمير يلقب نفسه بلقب "ملك" يقال له "جنديبو" أي جندب -كانت صِلاته سيئة بالآشوريين؛ لاشتراكه في تحالف عسكري مع ملك دمشق الآرامي "وأحاب" ملك العبرانيين؛ لضرب ملك آشور، وهذا أول نص فيه ذكر واضح لزعيم عربي1.
ووردت في الكتابات البابلية جملة "ماتو أربي" Matu Arabaai ومعنى "ماتو""متو" أرض فيكون المعنى أرض عربي. أي أرض العرب أو بلاد العرب أو العرب أو العربية أو بلاد الأعراب -بعبير أصدق وأصح؛ إذ قصد بها البادية، وكانت تحفل بالأعراب2- ومراد البابليين أو الآشوريين أو الفرس من العربية أو بلاد العرب البادية التي في غرب نهر الفرات الممتدة إلى تخوم بلاد الشام3، وبهذا المعنى أي معنى البداوة والأعرابية والجفاف والفقر وردت اللفظة في العبرانية وفي لغات سامية أخرى، ويدل ذلك على أن لفظة "عرب" في تلك اللغات المتقاربة هو البداوة وحية البادية أي معنى "أعراب" وإذا راجعنا المواضع التي وردت فيها كلمة "عربي، وعرب" في التوراة نجدها بهذا المعنى تماما، ففي كل المواضع التي وردت فيها في سفر "أشعياء" مثلا نرى أنها استعملت بمعنى بداوة وأعرابية كالذي جاء فيه:"ولا يخيم هناك أعرابي"، و"وحي من جهة بلاد العرب في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الردانيين"، فقصد بلفظة عرب في هذه الآية الأخيرة البادية موطن العزلة والوحشة والخطر، ولم يقصد بها قومية وعلمية لجنس معين بالمعنى المعروف المفهوم4.
ويرى بعض علماء التوراة أن كلمة "عرب" إنما شاعت وانتشرت عند العبرانيين بعد ضعف "الإسماعيليين" وتدهورهم وتغلب الأعراب عليهم، حتى صارت اللفظة مرادفة عندهم لكلمة "إشماعيليين"، ثم تغلبت عليهم فصارت تشملهم مع أن "الإشماعيليين" كانوا أعرابا كذلك أي قبائل بدوية تنتقل من مكان إلى مكان؛ طلبا للمرعى وللماء. وكانت تسكن أيضا في المناطق التي سكنها الأعراب أي أهل البادية، ويرى أولئك العلماء أن كلمة عرب لفظة متأخرة اقتبسها العبرانيون
1 تاريخ الشرق الأدنى ص120 فيليب حتى.
2، 3، 4 المفصل جـ1 ص17، ص18، الإصحاح الثالث عشر آية 20 والإصحاح الحادي والعشرون آية 13.
من الآشوريين والبابليين بدليل: ورودها في النصوص الآشورية والبابلية، وهي نصوص يعود عهدها إلى ما قبل التوراة؛ ولشيوعها بعد لفظة "إسماعيليين"، ولأدائها المعنى ذاته المراد من اللفظة ربط بينهما وبين لفظة "إسماعيليين" وصارت نسبا، فصير جد هؤلاء العرب "إشماعيل" وعدوًا من أبناء "إسماعيل"1.
وأول من ذكر العرب من اليونان هو: "إسكيلوس""أشيلس" 525-4526 ق. م. - من أهل الأخبار منهم ذكرهم في كلامه على جيش "أحشويرش" وقال: إنه كان في جيشه ضابط عربي من الرؤساء مشهور، ثم تلاه "هيرودتس" شيخ المؤرخين نحو "484-425 ق. م." فتحدث في موضوعات من تأريخه عن العرب حديث يظهر منه أنه كان على شيء من العلم بهم، وقد أطلق لفظة "ARABAR" على بلاد سيناء وما بعدها إلى ضفاف النيل في بلاد العرب، فلفظة العربية عند اليونان والرومان هي في معنى بلاد العرب، وقد شملت جزيرة العرب وبادية الشام وسكانها هم عرب على اختلاف لغاتهم ولهجاتهم على سبيل التغليب؛ لاعتقادهم أن البداوة كانت هي الغالبة على هذه الأرضين فأطلقوها من ثم على الأرضين المذكورة2، أما النصوص العربية الجنوبية فقد وردت فيها لفظة "أعرب" بمعنى "أعراب" ولم يقصد بها قومية أي علم لهذا الجنس المعروف الذي يشمل كل سكان بلاد العرب من بدو ومن حضر فورد:"وأعرب ملك حضرموت" أي "وأعراب ملك حضرموت"، وورد:"وأعرب ملك سبأ" أي: "وأعراب ملك سبأ"، وكالذي ورد في نص "أبرهة" نائب ملك الحبشة على اليمن؛ ففي كل هذه المواضع ومواضع أخرى وردت بمعنى أعراب، أما أهل المدن والمتحضرون فكانوا يعرفون بمدنهم أو بقبائلهم، وكانت مستقرة في الغالب، ولهذا قيل "سبأ" و"همذان" و"حمير" وقبائل أخرى بمعنى أنها قبائل مستقرة متحضرة تمتاز عن القبائل المتنقلة المسماة "أعراب" في النصوص العربية الجنوبية مما يدل على أن لفظة "عرب""العرب" لم تكن تؤدي معنى الجنس والقومية، وذلك في الكتابات العربية الجنوبية المدونة والواصلة إلينا إلى قبيل الإسلام بقليل "449م-542م".
1 المرجع السابق جـ1 ص20.
2 المراجع السابق جـ1 ص21.
يقول جواد علي: والرأي عندي أن العرب الجنوبيين لم يفهموا هذا المعنى من اللفظة إلا بعد دخولهم الإسلام، ووقوفهم على القرآن الكريم وتكلمهم باللغة التي نزل بها وذلك بفضل الإسلام بالطبع، وقد وردت لفظة "عرب" في النصوص علما لأشخاص1.
وقد عرف البدو -أي سكان البادية بالأعراب في عربية القرآن الكريم، وقد ذكروا في مواضع من كتاب الله، وقد نعتوا فيه بنعوت سيئة تدل على أثر خلق البادية فيهم.
وقد ذكر بعض العلماء أن الأعراب بادية العرب وأنهم سكان البادية2، والنص الوحيد الذي وردت فيه لفظة "العرب" علما على العرب جميعا من حضر وأعراب؛ ونعت فيه لسانهم باللسان العربي، وهو القرآن الكريم، وقد ذهب "د. هـ. ملرا" إلى أن القرآن الكريم هو الذي خصص الكلمة وجعلها علما لقومية تشمل كل العرب، وهو يشك في صحة ورود كلمة عرب علما لقومية الشعر الجاهلي كالذي ورد في شعر لامرئ القيس، وفي الأخبار المدونة في كتب الأدب على ألسنة بعض الجاهليين، ورأْي "ملر" هذا رأي ضعيف لا يستند إلى دليل؛ إذ كيف تعقل مخاطبة القرآن قوما بهذا المعنى لو لم يكن لهم سابق علم به؟
وفي الآيات دلالة واضحة على أن القوم كان لهم إدراك لهذا المعنى قبل الإسلام، وأنهم كانوا ينعتون لسانهم باللسان العربي، وأنهم كانوا يقولون للألسنة الأخرى ألسنة أعجمية؛ قال تعالى:{أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44]، {هَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا} [الأحقاف: 12] . إلخ هذه الآيات؛ ففي هذه الآيات وآيات أخرى دلالة على أن الجاهليين كانوا يطلقون على لسانهم لسانا عربيا، وفي ذلك دليل على وجود الحس بالقومية قبيل الإسلام.
ونحن لا نزال نميز الأعراب عن الحضر ونعدهم طبقة خاصة تختلف عن الحضر، فنطلق عليهم لفظة "عرب" في معنى "بدو وأعراب" أي المعنى الأصلي القديم،
1 المفصل جـ1 ص23، ص24.
2 المفصل جـ1 ص24.