الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هم الذين أوجدوا الفكر المسيحي القديم، وخلقوا له نظاما خاصًّا به، وكان الثلاثة:"كلمنت، وأوريجين، وأوغسطين" هم الذين وضعوا العقيدة في الثالوث، وقد أكد الآباء الإغريق على الأفلاطونية الجديدة التي نادى بها أولا "بولس" الرسول، وتمييزها بين عالم المحسوسات الذي هو عالم زائل منقلب وبين عالم الفكر الذي هو ثابت دائم سرمدي؛ وهذا التمييز من شأنه أن يوضح الفرق بين المادة والروح بين الجسد والنفس.
يقول حتى: لقد أضحى العالم "وادي الدموع" الذي يأخذ بيد الإنسان إلى العالم الآخر. كما أن حياة التنسك والتقشف أصبحت في نظر الناس هي الحياة الفضلى.
وعلى نقيض الآباء اليونانيين كان الآباء اللاتين وارثو التقليد الروماني يعنون أولا بتنظيم المجتمع البشري، ووضع الشرائع والقوانين التي تضبط شئونه؛ كما أنهم يعملون على تنظيم الكنيسة كمؤسسة ونظام، وذلك لأن الشعب الروماني كان واقعيًّا في نظرته أكثر من الشعب الإغريقي.
توسع الرهبنة، القديس مارون، أفرام السورياني 306-373:
هم الذين أوجدوا الفكر المسيحي القديم، وخلقوا له نظاما خاصًّا به، وكان الثلاثة:"كلمنت، وأوريجين، وأوغسطين" هم الذين وضعوا العقيدة في الثالوث، وقد أكد الآباء الإغريق على الأفلاطونية الجديدة التي نادى بها أولا "بولس" الرسول، وتمييزها بين عالم المحسوسات الذي هو عالم زائل منقلب وبين عالم الفكر الذي هو ثابت دائم سرمدي؛ وهذا التمييز من شأنه أن يوضح الفرق بين المادة والروح بين الجسد والنفس.
يقول حتى: لقد أضحى العالم "وادي الدموع" الذي يأخذ بيد الإنسان إلى العالم الآخر. كما أن حياة التنسك والتقشف أصبحت في نظر الناس هي الحياة الفضلى.
وعلى نقيض الآباء اليونانيين كان الآباء اللاتين وارثو التقليد الروماني يعنون أولا بتنظيم المجتمع البشري، ووضع الشرائع والقوانين التي تضبط شئونه؛ كما أنهم يعملون على تنظيم الكنيسة كمؤسسة ونظام، وذلك لأن الشعب الروماني كان واقعيًّا في نظرته أكثر من الشعب الإغريقي.
فمنذ إعلان المسيحية دينا رسميا في عهد "قسطنطين" للدولة الرومانية ولمدة قرنين ازدهر عصر "المطارنة والأساقفة" والرهبان والراهبات، والمتنسكين والزهاد، بشكل لم يعهد من قبل، فقد تضاعف عدد الكنائس والأديرة في مصر وعبر سوريا حتى آسيا الصغرى. وكان أسلوب العيش المفضل هو عيش الرهبنة التي نشأت في المسيحية بممارسة التقشف والزهد، ومن الذين أنعشوا حياة التزهد والترهبن:
إن القديس "مارون" مؤسس "الطائفة المارونية" وشفيع كنيستها في لبنان راهبا ناسكا قضى حياته في البرية الواقعة إلى الشمال من أنطاكية.
كان "أفرام السورياني" أولا لاهوتيا في الكنيسة السريانية؛ هو الذي دعاها إلى الرهبنة بين قومه، وهو الذي أنشأ في "الرها" مدرسة اللاهوت، أصبحت فيما بعد أول جامعة في الكنيسة السريانية.
وبهذا شاركت في دخول المسيحية الكنيسة بآبائها اليونانيين في نشر الثقافة اليونانية من جانب، وإسباغ ثوب الثقافة اليونانية على المسيحية من جانب آخر، وبلغ منها أن باتت تفضل قراءة العهد القديم في ترجمته اليونانية.
ثم بدأت جهود فردية تعكف على التوفيق بين العقيدة المسيحية والفلسفة اليونانية، وظنوا أن تضافرها مع الفلسفة يعطيها قوة، ولكن خيب ظنهم انشقاقها العقدي الذي ظهر فيما بعد.
وظهر الأثر الفلسفي على القديس بولس -وهو رائد التوفيق بين المسيحية والتراث الفكري عند الشعوب الداخلة فيها في رسائله التي وفق فيها بين المسيحية والفلسفة اليونانية- وظهر جليا: عندما نشبت الخصومات داخل الكنيسة أن صيغت هذه الخصومات في مصطلحات فلسفية يونانية ودارت معاركها وفقًا للأصول الفلسفية.
وقد استخدم القديس بولس -وهو من أهل طرسوس أحد مراكز الرواقية المختارة: لغة تلك المدرسة؛ للتعبير عن المجتمع الروحي الذي ينتظم كل المسيحيين أعضاء، وتتردد باستمرار في رسائله: فكرة رعوية سماوية، وفي عظته في أثينا: اقتبس من أنشودة إفلينشي الرواقي لزيوسن وأعلن في ألفاظ تردد صدى العقائد الأساسية في المذهب الرواقي: أن الله لا يسكن هياكل مصنوعة بالأيدي، وأنه "صنع من دم واحد: جميع أمم الناس؛ ليسكنوا كل وجه الأرض"1
وهكذا منذ البدء أتيح للكنيسة المسيحية أن تكون مبشرة بالثقافة العقلية اليونانية، وبالعقيدة الإنجيلية معًا.
ورأينا وجهة نظر يهودية معاصرة تقول: إن دخول المسيحية في الهلينية: انحراف منها إلى اليسار، وأنهم يدفعون بأنفسهم في استهانة متزايدة نحو التراخي، ويدفعون من جانبهم: الحركة الهلينية في اطراد إلى الأمام.
وبسبب هذه الانتقادات اليهودية: وقعت خصومة2 بين اليهود والمسيحيين.
1 "الأعمال ص9: 28" هو "لأننا أيضا ذريته" يراجع تراث العالم القديم جـ1 ص238.
2 قد سجلت الخصومة بين هاتين الطائفتين في "أعمال الرسل الحواريين".
وأشار القرآن إلى نتائج هذه الخصومة بينهما، فقال:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} "البقرة: 113".
وكانت هذه الخصومة ما يفيد أن المسيحية هي وريثة الهلينية، وذلك عندما سايرت إلى حد كبير تيار الفكر الهليني في الشرق.
وفي النهاية نقول: لقد حققت المسيحية توسعا دينيا، فأصبحت الدولة الرومانية مسيحية بعد وثنيتها اليونانية، وأصبح من المعالم البارزة التي طبعها الشرق على الغرب: أن دان الغرب بدين شرقي، غير أن الغرب أخذها بعد أن طبعها اليونان بطابعهم الفلسفي، مما جعلها فيما بعد إبان عصور النهضة الأوربية محل انتقاد من البعض، ورفض وإنكار من البعض الآخر.
وفي هذا ما يميز الإسلام عنهما: فهو قد انتشر بلغته، وكتابه، وشمل أمما، وشعوبا، فضلوا لغته على لغاتهم، كذلك يتميز بأنه دين دعوة منذ أن نشأ، وفي حياة الرسول نفسه: أرسلت سفراء، وكتب؛ لنشر الدعوة الإسلامية، وكان له من القوة التي كفلت له حمل السيف، على من ناصبه العداء، أو في سبيل تأمين دعوته إذا تعرضت لمناورات الخصوم المعارضين.
وكان من أكبر الآثار الفلسفية على المسيحية: أن صرفت النصارى عن التوحيد دين المسيح، إلى عبادة الصليب، وفي هذا التحول تغير مفهوم المقدس الحقيقي لديها؛ لأن الصلب والصليب لم يكن تشريعا منه.
وعلى أية حال لقد توسعت في مفهوم المقدس حين أدخلت قضايا فلسفية إلى صميم دينها بل إلى صميم عقيدتها.
يقول جيبون:
وخلط الغنوصيون، بالإيمان بالمسيح: كثيرًا من العقائد، والمذاهب الغامضة، تلك اشتقوها من الفلسفة الشرقية، بل حتى من ديانة زرادشت التي تتعلق بخلود المادة، ووجود عنصرين والتسلل الغامض للعالم غير المرئي.
واستطاع هؤلاء الهراطقة الغنوصيون أن يخرجوا بدلا من الناجيل الأربعة التي قررتها الكنيسة بمجموعة كبيرة من التواريخ، التي تلتئم فيها مناقشات المسيح، وحوارييه، وأعمالهم، مع أفكار كل شيعة بعينها.