المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشرك ومظاهره عند العرب: - تاريخ الفكر الديني الجاهلي

[محمد إبراهيم الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة الطبعة الرابعة

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة:

- ‌مقدمة الطبعة الثانية:

- ‌مقدمة:

- ‌الباب الأول: الشرق السامي وحدة حضارية ودينية

- ‌مدخل

- ‌الشرق وحدة حضارية ودينية:

- ‌نظريات ومذاهب في تحديد موطن الساميين الأصلي:

- ‌الأمة السامية بطونها، وتراثها الحضاري والديني:

- ‌مراجع هذا الباب:

- ‌الباب الثاني: العرب في طورهم التاريخي والسياسي

- ‌عرب" ومدلوله التاريخي:

- ‌رأي المستشرقين وعلماء التوراة:

- ‌الجاهلية:

- ‌أقسام العرب لدى الإخباريين

- ‌مدخل

- ‌العمالقة في العراف وفي مصر

- ‌إبراهيم عليه السلام مؤسس البيت العبري والعربي:

- ‌عرب الشمال عرب عدنان -الإسماعيليون: الحجاز

- ‌ عرب الجنوب عرب قحطان: اليمن

- ‌الدور المعيني:

- ‌ الدور السبئي:

- ‌الدور الحمير الثاني

- ‌الفروق بين القحطانية والإسماعيلية:

- ‌اللغة-الأسماء:

- ‌دول العرب قبل الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ الأنباط، عاصمتها بتراء:

- ‌مملكة تدمر

- ‌مدخل

- ‌من ملوك تدمر:

- ‌فيلسوف "تدمر" لونجينوس:

- ‌دولة الغساسنة، عاصمتها بصرى:

- ‌دولة المناذرة- الحيرة والأنبار-اللخميون في العراق:

- ‌حضارة الحيرة:

- ‌مملكة كندة:

- ‌مراجع هذا الباب:

- ‌الباب الثالث: العرب وروافد الفكر الديني

- ‌العلاقات التجارية والدبلوماسية:

- ‌البتراء:

- ‌ تدمر:

- ‌ دولة الغساسنة:

- ‌ دويلة المناذرة:

- ‌الأفلاطونية المحدثة:

- ‌فيلو الإسكندري" ونشأة الفلسفة الدينية والأصول العرفانية:

- ‌مدرسة إنطاكية

- ‌مدخل

- ‌نيقولاس وظهور الهرطقة في أنطاكية

- ‌برنابا في أنطاكية:

- ‌من أهم جهود برنابا:

- ‌مدرسة نصيبين، مدرس الرها، المدائن-المانوية216

- ‌جنديسابور:

- ‌آراء فلسفية للمستشرقين حول الهلينستية والسامية

- ‌اليهود في بلاد العرب

- ‌مدخل

- ‌عوامل هجرة اليهود إلى الجزيرة العربية:

- ‌ اليهودية في جزيرة العرب:

- ‌مصادر مناقشة العرب للرسول صلى الله عليه وسلم في مصدر القرآن:

- ‌المسيحية في بلاد العرب

- ‌مدخل

- ‌مدرسة الإسكندرية واللاهوت المسيحي:

- ‌الكنيسة السريانية الغربية، آباء الكنيسة اللاتين، أوغسطس 354

- ‌توسع الرهبنة، القديس مارون، أفرام السورياني 306-373:

- ‌كيف دخلت المسيحية مكة والجزيرة العربية:

- ‌ المسيحية والرسول:

- ‌أصحاب الطبيعة الواحدة:

- ‌رواية بحيرا:

- ‌التنظيم الديني:

- ‌الراهب:

- ‌الساعور-الدير:

- ‌المحراب، الهيكل، قنديل:

- ‌أثر النصرانية في الجاهليين:

- ‌الباب الرابع: الصابئة والمجوسية

- ‌تاريخ الصابئة وجغرافيتها الفكرية

- ‌مدخل

- ‌انتقالها إلى جزيرة العرب:

- ‌العرب وعبادة الكواكب:

- ‌معنى الصابئة وأقسامها:

- ‌أقسام الصابئة

- ‌صابئة بوداسف: أو الصابئة المشركون

- ‌صابئة الأشخاص:

- ‌صابئة الهند:

- ‌صابئة الفلاسفة:

- ‌صابئة أهل الكتاب:

- ‌صابئة البطائح:

- ‌حول نسبة مذاهب الصابئة:

- ‌بوداسف:

- ‌أصول فكر الصابئة الأولى:

- ‌أنواع الوساطات:

- ‌هياكلهم-رؤساؤهم:

- ‌تعقيب حول فكر الصابئة:

- ‌من قضايا الصابئة وموقف القرآن منها:

- ‌إبراهيم والصابئة:

- ‌الوساطة بين الإنسان والله

- ‌مدخل

- ‌ملاحظات على ما أورده الشهرستاني في المناظرة بين الصابئة والحنفاء:

- ‌ملاحظات على ما ذكره المسعودي:

- ‌الزندقة عند عرب الجاهلية:

- ‌المجوسية أقدم من زرادشت

- ‌زرادشت

- ‌مدخل

- ‌مضمون العقيدة:

- ‌الخير والشر:

- ‌زرادشت وكتاب الأفستا:

- ‌المجوسية والعرب

- ‌مدخل

- ‌علاقة الإسلام بهم:

- ‌القدرية والمجوس:

- ‌سحب الثقة من عبادة الأصنام:

- ‌ المتشككون في أوثانهم:

- ‌الباب الخامس: مكة عاصمةٌ ثقافية ودينية

- ‌الحجاز:

- ‌مكة والصراعات السياسية بين الفرس والرومان:

- ‌بناء البيت والدعوة إلى التوحيد:

- ‌نبي الله إبراهيم والجزيرة العربية:

- ‌إله إبراهيم الخليل غير إله اليهود:

- ‌النبوة الإلهية عربية لفظا ومعنى:

- ‌إلى وايل:

- ‌الاتجاه نحو الوثنية وأصنامها:

- ‌كيف نشأت:

- ‌الأصنام

- ‌اللات

- ‌ العزى:

- ‌ مناة:

- ‌ هبل:

- ‌ ود:

- ‌ سواع:

- ‌ يغوث:

- ‌ يعوق:

- ‌ عميانس:

- ‌ أساف ونائلة-رضى:

- ‌ مناف-ذو الخلصة:

- ‌ سعد-ذو الكفين:

- ‌ ذو الشرى-الأقيصر-نهم:

- ‌عائم-سعير-الغلس-اليعبوب-باجر-المحرق-شمس

- ‌ تيم:

- ‌ مرحب-رئام-الوثن:

- ‌سدنتها:

- ‌اتجاه قريش نحو الزعامة:

- ‌ولاية الكعبة:

- ‌ لقريش محامد تنسب إليهم:

- ‌معاهدتهم التجارية

- ‌ التحمس القرشي

- ‌ نتائج التحمس القرشي:

- ‌تقويم التحمس القرشي:

- ‌موقف القرآن من التحمس:

- ‌الباب السادس: من قضايا الفكر الديني الجاهلي

- ‌نظرات تحليلية في نشأة الديانة الوثنية

- ‌الشرك ومظاهره عند العرب:

- ‌موقفهم من الرسالة:

- ‌التأله والقرابين:

- ‌المقدس وغير المقدس:

- ‌بيوت العبادة:

- ‌رمزياتهم:

- ‌تسخير عالم الأرواح:

- ‌تعقيب:

- ‌المراجع

- ‌فهرس الكتاب:

الفصل: ‌الشرك ومظاهره عند العرب:

نصوص المسند وفي نصوص جاهلية أخرى، وإن من جملة من استعملها:"أبرهة الحبشي" في نصه الشهير، المعروف بنص:"سد مأرب"، وإن قوما من الجاهليين تعبدوا للرحمن.

أما "ولهوزن": فيرى أن عدم ورود أسماء للأصنام في الشعر الجاهلي إلا في النادر، وإلا في حالة القسم، أو في أثناء الإشارة إلى صنم أو موضع عبادة ليس من تغيير الرواة الإسلاميين وتبديلهم لأسماء الأصنام؛ وإنما سببه هو أدب الجاهليين، وعادتهم في عدم الإسراف والإسفاف في ذكر أسماء الآلهة الخاصة، وذلك على سبيل التأدب تجاه الأرباب، فاستعاضوا عن الصنم بلفظة "الله" التي لم تكن تعني إلا معينًا: وإنما تعني ما تعنيه كلمة "رب""وإله"، ومن هنا كثر استعمالها في القسم وفي التمني أو التشفي وأمثال ذلك1.

وقد ذهب: مستشرقون آخرون إلى صحة ورود لفظة الجلالة في الشعر الجاهلي، كما ذهبوا إلى أن ورودها في القرآن الكريم، أو في الحديث لا يمنع من ورودها في الشعر الجاهلي، ولا يكون سببًا للطعن في ذلك الشعر؛ لأن من الجاهليين من كان يؤمن بوجود "إله" فوق الآلهة عندهم، فورود اسمه في شعرهم ليس بأمر غريب.

1 المفصل ص114، ص115.

ص: 471

‌الشرك ومظاهره عند العرب:

يعرض القرآن الكريم في إشارات إلى أنواع من الشرك كان عليه الجاهليون، وفيه تعريف لمعنى الشرك.

فالشرك في قوله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا} 1

إلخ: عبادة الأصنام المصنوعة من الحجارة أو الخشب، أو المعادن؛ أي: مما لا روح له، وقابل للكسر.

وفي بعض الآيات: إن من أنواع الشرك القول بأن الجنَّ هم شركاء "لله" تعالى، ومن أنواعه أيضا: القول بأن الملائكة هم شركاء "لله" تعالى وبناته.

1 الأعراف آية 191، المفصل ص44.

ص: 471

وفي آيات أخرى: أن من الشرك اتخاذ آلهة أخرى مع "الله"، والآلهة هنا: شيء عام فيه تأليه الكواكب، وعبادة الأشياء غير المنظورة أي: غير المادية، وعبادة الأصنام.

وفي القرآن الكريم جوانب عن: فلسفة القوم، وتعليلهم لعبادة الأصنام واتخاذهم أولياء من دون الله؛ إذ يقولون جوابًا عن الاعتراض الموجه إليهم في عبادة غير "الله"{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} .

ويتبين من هذه الآية، ومن آيات أخرى أن فريقًا من العرب كانوا يعتقدون بوجود الله، وأنه هو الذي خلق الخلق، وأن له السيطرة على تصرفات عباده وحركاتهم، ولكنهم عبدوا الأصنام، وغيرها، واتخذوا الأولياء والشفعاء؛ لتقربهم إلى "الله" زلفى، وفي كتاب "الله": مصطلحات لها علاقة بعبادة الشرك منها:

شركاء: جمع شريك، وأنداد، وأولياء، وولي، وشفعاء، وشهداء فهذه الكلمات، وأمثالها تعبر عن عقائد الجاهليين قبيل الإسلام، وعن اعتقادهم في عبادة أشياء أخرى مع "الله" تعالى كانوا يرون: أنها تستحق العبادة؛ وأنها في مقابل "الله" في العرف الإسلامي؛ أو أنها: مساعدة "لله"1 ولعبادة "الأسلاف" علاقة بعبادة الأصنام.

ويلاحظ: أن عبادة "السلف" تقود أتباعها في بعض الأحيان إلى الاعتقاد بأن قبيلتهم تنتمي إلى صلب جد واحد أصله حيوان في رأي الأكثرين، أو من النجوم في بعض الأحيان، وهذا ما يجعل هذه العقيدة قريبة من الطوطمية.

ومعارفنا عن: عبادة "السلف" عند الجاهليين قليلة؛ ويمكن أن نستنتج من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسوية القبور ونهيه عن اتخاذها مساجد، ومواضع للصلاة أن الجاهليين كانوا يعبدون أرواح أصحاب هذه القبور، ويتقربون إليها.

ولعل في عبارة "قبر ونفس" الواردة في بعض النصوص الجاهلية ما يؤيد هذا الرأي؛ فإن النفس هي الروح2.

1 المفصل جـ6 ص44، ص45.

2 السابق جـ6 ص48.

ص: 472

وقد أشار أهل الأخبار إلى قبور اتخذت مزارات كانت لرجال دين، ولسادات قبائل يقسم الناس بها، ويلوذون بصاحب القبر، ويجتمعون به؛ كالذي كان من أمر ضريح:"تميم بن مرة"؛ وكالذي ذكروه من أمر "اللات" من أنه كان رجلا في الأصل اتخذ قبره معبدا، ثم تحول الرجل إلى صنم.

ونجد في كتب الحديث نهيا عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، وقد أشارت إلى اتخاذ اليهود والنصارى قبور ساداتهم، وأوليائهم مساجد تقربوا إليها لذلك: نهى أهل الإسلام من التشبه بهم في تعظيم القبور1.

كما نهى عن: تكليل القبور وتجصيصها؛ والتكليل: رفع القبر وجعله كالكلة؛ وهي: الصوامع، والقباب التي تبنى على القبور2.

ومن مظاهر الشرك المتجلي في التعبد للأمور الطبيعية، الملموسة: عبادة الشجر، وهي عبادة شائعة معروفة عند الساميين.

وقد أشار ابن الكلبي إلى "نخلة نجران"؛ وهي نخلة عظيمة كان أهل البلد يتعبدون لها، لها عيد في كل سنة؛ فإذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجوده، وحلي النساء، فخرجوا يومًا إليها، وعكفوا عليها يومًا.

ومنها: العزى، وذات أنواط.

يحدثنا أهل الأخبار: عن "ذات أنواط"، فيقولون: ذات أنواط: شجرة خضراء عظيمة كانت الجاهلية تأتيها كل سنة تعظيمًا لها، فتعلق عليها أسلحتها، وتذبح عندها، وكانت قريبة من مكة، وذكر أنهم كانوا إذا حجوا يعلقون أرديتهم عليها، ويدخلون الحرم بغير أردية تعظيمًا للبيت؛ ولذلك: سميت "ذات أنواط".

وقد روى أن بعض الناس قال: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط.

1 السابق ص49، وانظر صحيح مسلم جـ2 ص66 باب عن بناء المساجد على القبور.

2 المفصل جـ6 ص49، اللسان 11/ 595 مادة "ك ل ل".

ص: 473

ونستطيع أن نقول: إن آثار عبادة الشجر لا تزال باقية عند الناس تظهر في امتناع بعضهم، وفي تهيبهم من قطع بعض الشجر، لاعتقادهم أنهم إن فعلوا ذلك أصيبوا بنازلة تنزل بهم، ولذلك تركوا بعض الشجر كالسدر فلم يتعرضوا له بسوء.

وتعبد بعض أهل الجاهلية لبعض الحيوانات؛ فقد ورد أن جماعة الشاعر "زيد الخيل" وهم من طيئ كانوا يتعبدون لجمل أسود، فلما وفد وفدهم على الرسول قال لهم:"ومن الجمل الأسود الذي تعبدونه من دون الله عز وجل".

وورد: أن قوما كانوا بالبحرين كانوا يعبدون الخيل، ذكر أنهم قوم من المجوس كانوا مسلحة لحصن المشقر من أرض البحرين فهم فرس.

وأن بعض القبائل مثل: إياد كانت تتبرك بالناقة1.

1-

منهم من اتخذ آلهة من الأجسام المعدنية كالحجر والذهب والفضة والنحاس.

2-

ومنهم من اتخذه من النبات كالشجر.

3-

ومنهم من اتخذه من الإنسان.

4-

ومنهم من اتخذه من الأجسام البسيطة؛ إما السفلية: كعبدة النار وهم المجوس، أو العلوية: كعبدة الشمس والقمر وسائر الكواكب هم نوع من الصابئة.

5-

ومنهم من قال بالاثنية: النور والظلمة وهم الثنوية.

6-

ومنهم من قال: الملائكة عبارة عن الأرواح الفلكية ولكل إقليم روح من الأرواح الفلكية يديره، وكذا لكل نوع من أنواع هذا العالم فيتخذون لتلك الأرواح صورا وتماثيل ويعبدونها وهم عبدة الملائكة.

1 المفصل جـ6 ص60، رسالة الغفران ص140.

ص: 474

وقد كان صِنف من العرب يعبدون الملائكة وهم بخلاف الصابئة الذين يقدسون الملائكة ولا يعبدونها، ويزعمون أنها بنات الله فكانوا يعبدونها؛ لتشفع لهم إلى الله.

وهم الذين قال الله فيهم: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} 1.

وقال أيضا: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى، أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى، تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم] .

ومنهم من قال: للعالم إلهان:

- أحدهما خير؛ وهو: الله.

- والآخر شر؛ وهو الشيطان.

وهؤلاء هم الذين يشير إليهم القرآن الكريم بقوله: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} 2.

ونهاية القول أن ما كان عليه العرب من مظاهر الشرك المتعددة مختلف إلى حد بعيد، فمنهم من كان يتعمق في عبادته حتى يرى الله وراء حقيقة الوجود، فوجه إليهم القرآن الكريم هذه الأسئلة:{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ، قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} 3.

وقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} 4.

ومن الملاحظات العامة على المظاهر الدينية القديمة التي كانت في البابليين والمصريين القدماء والفرس وحتى اليونان أنها كانت مرتبطة بظواهر علوية، أو سفلية، ارتباط تأليه أو تقديس.

1 سورة النمل الآية 67.

2 سورة النمل آية 51.

3 سورة المؤمنون: 85-89.

4 سورة العنكبوت: 63.

ص: 475

الدهريون:

والدهرية هم الذين يقولون بإسناد الحوادث إلى الدهر واستقلال الدهر بالتأثير، والدهر عندهم: هو حركات الفلك، وأن العالم يدار بمقتضى تأثير هذ الحركات والعرب يقولون به ولا صانع سواه.

أما تعريف الدهر عند الإسلاميين: فهو مدة زمان الدنيا.

وعرفه بعضهم بأنه أمد مفعولات الله في الدنيا أو فعله لما قبل الموت.

يقول الألوسي: وزعم بعض من لا تحقيق لهم أن الدهر من أسماء الله، وهو غلط1 وأطلقه العرب بفتح الدال على الملحدين الذين ينكرون الله وتأثيره، أما إذا أرادوا منه الرجل المعمر فإنهم يقولون دُهري بضم الدال2.

وعقيدة الدهرية ترجع أيضا إلى بعض مبادئ الصابئة فهي خمسة:

الرب، النفس، المادة، الدهر، الفضاء.

وجعل الشهرستاني الدهرية من المعطلة فقال: معطلة العرب أصناف: صنف منهم أنكر الخالق والبعث والإعادة وقالوا بالطبع المحيي والدهر المفني وهم الذين أخبر القرآن عنهم في قوله سبحانه: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} 3 [المؤمنون: 37] .

يقول الشهرستاني: إشارة إلى الطبائع المحسوسة في العالم السفلي وقصر الحياة والموت على تركبها وتحللها فالجامع هو الطبع والمهلك هو الدهر: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} 4 فاستدل عليهم بضرورات كرية وىيات فطرية في كثير من السور فقال تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الأعراف: 184] .

وقال: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] .

وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [البقرة: 21] .

1 روح المعاني جـ1 ص69.

2 لسان العرب لابن منظور.

3 وانظر الملل والنحل "2: 246".

4 سورة الجاثية آية 24.

ص: 476

فأثبت الدلالة الضرورية من الخلق على الخالق وأنه قادر على الكمال ابتداء وإعادة.

وروى صاحب الأغاني: يقول عدي بن زيد بلسان حال المقابر، يتضح منها أن لديهم أكثر من معنى للدهر:

من رآنا فليحدث نفسه

إنه موفٍ على قرن زوال

وصروف الدهر لايبقى لها

ولما تأتي به صم الجبال

رب ركب قد أناخوا عندنا

وجياد الخيل تردي في الجلال

عمروا دهرا بعيش حسن

آمنٌ دهرهم غير عجال

ثم أضحوا عصف الدهرُ بهم

وكذاك الدهر يودي بالرجال

وكذاك الدهر يرمي بالفتى

في طلاب العيش حالا بعد حال

جـ- الموحدون:

"وقد نقلت الصحراء أيضًا عدا التقاليد الوثنية تقاليد دين التوحيد، من أتباع الدينين الكبيرين اللذين كان مركزهما على مقربة من حدود الصحراء، فقد هاجر جماعات من اليهود إلى الجنوب ولعل ذلك كان من أيام تخريب الرومان لبيت المقدس وكونوا جاليات صغيرة على الطريق التجاري وفي واحدات الحجاز وكانوا يشتغلون بالزراعة خاصة، وقد أتوا إلى موطنهم الجديد بتقاليد قومهم الدينية والحضارية واتخذوا العربية لغة لهم1".

ولقد كان منهم الموحد المقر بخالقه المصدق للبعث موقنًا بأن الله يثيب المطيع ويعاقب العاصي مثل الذين تخنفوا والذين تهودوا والذين تنصروا.

وبعض القبائل لم تتغير فطرتهم ولا سيما "ربيعة" التي لازمت الحنيفية المشوبة بالأوثان، ومن الأشخاص مثل:

قس بن ساعدة.

وأمية بن أبي الصلت.

ولبيد بن ربيعة.

1 الحضارات السامية ص207.

ص: 477

يقول الشهرستاني:

ومن العرب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، وينتظر النبوة، وكانت لهم سنن وشرائع قد ذكرناها فيما تقدم.

فممن كان يعرف النور الظاهر، بالنسب الطاهر، ويعتقد الدين الحنيفي وينتظر المقدم النبوي زيد بن عمرو بن نفيل، وكان يسند ظهره إلى الكعبة ويقول: أيها الناس هلموا إليَّ؛ فإنه لم يبق على دين إبراهيم أحد غيري، وسمع "أمية بن أبي الصلت" يومًا ينشد:

كل دين يوم القيامة عند الـ

ـله إلا دين الحنيفة زور

فقال له: صدقت: وقال زيد أيضا:

فلن تكون لنفس منك واقية

يوم الحساب إذا ما يجمع البشر

ومن كان يعتقد التوحيد، ويؤمن بيوم الحساب "قس بن ساعدة الإيادي"، الذي قال في موعظه: كلا ورب الكعبة ليعودن ما باد، ولئن ذهب ليعودن يوما"، وقال أيضا: "كلا بل هو الله إله واحد، ليس بمولود ولا والد، أعاد وأبدى، وإليه المآب غدا".

وأنشد في معنى الإعادة:

يا باكي الموت والأموات في جدث

عليهمُ من بقايا بزهم خرقُ

دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم

كما ينبه من نوماته الصعق

حتى يجيئوا بحال غير حالهمُ

خلق مضى ثم خلق بعد ذا خلقوا

منهم عراة ومنهم في ثيابهم

منها الجديد ومنها الأزرق الخلقُ

ومنهم: عامر بن الظرب العدواني، وكان من شعراء العرب وخطبائهم، وله وصية طويلة يقول في آخرها:"إني ما رأيت شيئا قط خلق نفسه، ولا رأيت موضوعا إلا مصنوعا، ولا جاثيا إلا ذاهبا، ولو كان يميت الناس الداء لأحياهم الدواء"، ثم قال:"إني أرى أمورا شتى وحتى، قيل له: وما حتى؟ قال: حتى يرجع الميت حيا ويعود لا شيء شيئا، ولذلك خُلقت السموات والأرض، فتولوا عنه ذاهبين"، وقال:"ويل؛ إنها نصيحة ولو كان من يقبلها".

ص: 478

وكان عامر قد حرم الخمر على نفسه فيمن حرمها، وقال فيها:

إن أشرب الخمر أشربها للذتها

وإن أدعها فإني ماقت قالي

لولا اللذاذة والقينات لم أرها

ولا رأتني إلا من مدى عالي

سآلة للفتى ما ليس في يده

ذهابه بعقول القوم والمال

تورث القوم أضغاثا بلا إحن

مزرية بالفتى ذي النجدة الحالي

أقسمت بالله أسقيها وأرويَها

حتى يفرق ترب الأرض أوصالي1

وممن كان قد حرم الخمر في الجاهلية: قيس بن عاصم التميمي، وصفوان ابن أمية بن الحارث الكناني، وعفيف بن معد يكرب الكندي، وقالوا فيها أشعارا.

وقال غيره، وقد حرم الخمر والزنا على نفسه:

سلمت قومي بعد طول مضاضة

والسلم أبقى في الأمور وأعرفُ

تركت شرب الراح وهي أثيرة

والمومسات وترك ذلك أشرفُ

وعففت عنه يا أميم تكرمًا

وكذاك يفعل ذو الحجا المتعففُ

وممن كان يؤمن بالخالق، وبخلق آدم عليه السلام: عبدٌ "لطابخة بن ثعلب بن وبرة" من قضاعة، وقال فيه:

وأدعوك يا ربي بما أنت أهله

دعاء غريق قد تشبث بالعصمْ

لأنك أهل الحمد والخير كله

وذو الطول لم تعجل بسخط ولم تلمْ

وأنت الذي لم يحيه الدهر ثانيًا

ولم ير عبد منك في صالح وجمْ

وأنت القديم الأول الماجد الذي

تبدَّأ خلق الناس في أكثم العدمْ

وأنت الذي أحللتني غيب ظلمة

إلى ظلمة من صلب آدم في ظلمْ

1 الكلام على تقدير "ألا" بتشديد اللام، وتسكين ياء أسقيها ضرورة.

ص: 479

ومن هؤلاء النابغة الذبياني، وقد آمن بيوم الحساب، فقال:

ووجهتهم ذات الإله ودينهم

قويم فما يرجون غير العواقبِ

وأراد بذلك الجزاء بالأعمال.

ومن هؤلاء زهير بن أبي سلمى المزني، وكان يمر بالعضاه1، وقد أورقت بعد يبس فيقول: لولا أن تسبني العرب لآمنت أن الذي أحياك بعد يبس سيحيي العظام وهي رميم، ثم آمن بعد ذلك وقال في قصيدته التي أولها:

أمن أم أوفى دمنة لم تكلمِ

يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر

ليوم الحساب أو يعجل فينقمِ

ومنهم علاف بن شهاب التيمي، كان يؤمن بالله تعالى وبيوم الحساب وفيه قال:

ولقد شهدت الخصم يوم رفاعة

أخذت منه خطة المقتال

وعلمت أن الله جاز عبده

يوم الحساب بأحسن الأعمال

وكان بعض العرب إذا حضره الموت يقول لولده: ادفنوا معي راحلتي حتى أحشر عليها فإن لم تفعلوا حشرت على رجلي. قال جريبة بن الأشيم الأسدي في الجاهلية وقد حضره الموت - يوصي ابنه سعدا:

يا سعد أما أهلكنَّ فإنني

أوصيك إن أخا الوصاة الأقربُ

لا تتركنَّ أباك يعثر راجلا

في الحشر يصرع لليدين وينكبُ

واحمل أباك على بعير صالح

والغ المطية، إنه هو أصوبُ

ولعل لي مما تركت مطية

في الحشر أركبها إذا قيل اركبوا

وقال عمرو بن زيد بن المتمني يوصي ابنه عند موته:

أبني زودني إذا فارقتني

في القبر راحلة برحل قاتر2

1 العضاهة بالكسر: أعظم الشجر، ذات الشوك جمعه عضاه بالكسر.

2 يقال: رحل قاتر إذا كان قدر الإيموج فيعقر. اهـ أساس البلاغة "قتر".

ص: 480

للبعث أركبها إذا قيل اظعنوا

متساوقين معا لحشر الحاشر

من لا يوافيه على عيرانه

فالخلق بين مدافع أو عاثر

وكانوا يربطون الناقة معكوسة الرأس إلى مؤخرها مما يلي ظهرها أو مما يلي كلها وبطنها ويأخذون وليه، فيشدون وسطها ويقلدونها عنق الناقة ويتركونها حتى تموت عند القبر ويسمون الناقة "بلية"، والخيط الذي تشد به "ولية"، وقال بعضهم يشبه رجلا في "بلية": كالبلايا في أعناقها الولايا.

وإذا تصفحنا الشعر الذي ذكره ابن هشام في سيرته عن حادثة الفيل وجيش أبرهة -لو تصفحناه جميعا وأردنا تحليله من ناحية عاطفتهم الدينية، ثم أردنا أن نصل إلى ظواهر دينهم العام لما ترددنا في الحكم عليهم بأنهم مؤمنون موحدون، لا يشوب إيمانهم شوائب الوثنية أو سذاجة الشرك فما رأينا في شعرهم اسما لوثن أو صنم.

فعندما تقرأ شعر عبد المطلب يطالعك قوله:

لاهُمَّ أن العبد يمنـ

ـع رحله فامنع رحالكْ

وانصر على آل الصليـ

ـب وعابديه اليوم آلكْ

لا يغلبنَّ صليبُهم

ومَحالُهم أبدا مَحالَكْ

لاهم: أي يا الله

فقابل بين الله والصليب.

فهذا منه يعني إدراكًا موضوعيًّا حين قابل بينهما؛ أي بين الله والصليب، وأن الله حقيقة والصليب زائف.

كذلك شعر عبد الله بن الزبعرى:

فهو يذكره في شعره:

والله من فوق العباد يقيمها

فلم يذكر وثنا ولا صنما وهو العنيد في جداله مع الرسول.

وأمية بن أبي الصلت الذي يبدأ قصيدته بقوله:

إن آيات ربنا ثاقباتٍ

لا يماري فيهن إلا الكفورُ

ص: 481

ثم ختمها بقوله:

كل دين يوم القيامة عند الـ

ـله إلا دين الحنيفة زورُ

فالشعر الذي ساقه ابن هشام يذكرنا بأمرين؛ إما أنهم موحدون وإما أنه شعر منتحل.

ولعل مثل هذه الملاحظات جعلت بعض المستشرقين يزعم أن الرواة الإسلاميين هم الذين وضعوا لفظ الجلالة في شعر الجاهليين بدلا من كلمة اللات التي تتفق معها في الوزن.

يقول كارل فنيللينو: "بالغ الأب شيخو في كتابه المسمى بشعراء النصرانية من شعراء الجاهلية.

بالغ في ظنه هذا الرأي أي مبالغة كأنه زعم نصرانيا كل شاعر جاهلي ورد في شعره شيء مما يقرب من اعتقاده وحدانية الله أو من التأملات والاعتبارات الدينية فعد من النصارى امرؤ القيس والنابغة وطرفة".

يقول فنيللينو: لا شك عند كل منصف في إنهم من أصحاب الوثنية، أما المؤكد المثبت فإنما هو أن دين النصرانية ذاع في القرن السابق للهجرة في شمال جزيرة العرب فاعتنق بعض القبائل مثل بني تغلب، وقسم غير صغير من بني تميم فضلا عن أكثر المقمين بمملكة بني غسان وأكثر سكان مدينة الحيرة1.

فنيللينو: يرد على مبالغة شيخو قائلا: "أنه ربما تكون الأفكار التي تقترب من التوحيد نتيجة -تأملات وليست نتيجة النصرانية ولا سيما أن النصرانية -من الناحية التاريخية- تأخرت عن معاصرة هؤلاء الشعراء"2.

ورأينا ما يؤيد فنيللينو في رواية مسلم عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر: يا ابن أخي صليت سنتين قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قال: قلت: فأين كنت توجه؟

1 يراجع: رسالة الجاحظ في الرد على النصارى ضمن مجموعة رسائل الجاحظ تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون وهي ملحقة بالكتاب أثبتناها؛ لنبين مدى انتشارها في الجزيرة العربية.

2 تاريخ الآداب العربية وهي محاضراته التي ألقاها في الجامعة المصرية 1910-1911 طبع دار المعارف.

ص: 482

قال: حيث وجهني الله، يقول رسول الله:"غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها 1 الله".

فإن أبا ذر لم يبين أثر المسيحية أو اليهودية في توجهه إلى الله، وربما كان ذلك أثرا من الحنيفية ما زال موجودا بين العرب، وهذا ما نميل إليه، وعبادة الرسول قبل البعثة كانت على دين ابراهيم وكان يدفعهم إلى البحث عن اتجاهات عقلية تميل نحو البحث عن حقيقة الدين، ووجدنا مثل ذلك قد ظهر مع الحنفاء.

يقول الشيخ مصطفى عبد الرازق:2 كل ذلك يدل على أن العرب عند ظهور الإسلام كانوا يتشبثون بأنواع من النظر العقلي.

ويقول: وكان يعد العرب للجدل الديني ويحفزهم إليه إما الدفاع عن أديانهم الموروثة ضد الأديان الدخيلة عليهم، وإما المهاجمة لهذه الأديان جميعا من أجل ما يلتسمون من الدين الحنيف دين إبراهيم".

"على أنه ينبغي ألا نبالغ في تصور من تنصروا من العرب قبل الإسلام، ونظن أنهم قاموا بتعاليم النصرانية قيامًا دقيقًا، فقد عرفوا الكنائس والبيع والرهبان والأساقفة والصوامع، ولكنهم ظلوا لا يتعمقون في هذا الدين الجديد، وظلوا يخلطونه بغير قليل من وثنيتهم وربما كان مما يوضح ذلك خير توضيح قول عدي بن زيد العبادي:

سعى الأعداء لا يألون شرا

عليه ورب مكة والصليب

فهو يجمع بقسمه بين رب مكة ورب الصليب.

والحق أن نصارى العرب في الجاهلية إنما عرفوا ظاهرا من دينهم وقلما عرفوا حدوده، وقد سقطت إلى أشعارهم وأشعار الوثنيين أنفسهم كلمات ومصطلحات كثير منه ومن شخوصه وطقوسه فمنذ قول امرئ القيس:

يضيء سناه أو مصابيح راهب

أهان السليط في الذبال المفتل

1 فتح الباري إسلام أبي ذر جـ8.

2 تمهيد في الفلسفة الإسلامية ص111.

ص: 483

والشعراء يرددون ذكر الربان ومحاريب كنائسهم؛ يقول الأعشى:

كدمية صور محرابها

بمذهبٍ في مرمر مائر

وطالما تحدثوا عن نواقيسهم وقراعهم في أواخر الليل.

يقول المرقش الأكبر في بعض شعره:

وتسمع تزقاء من البوم حولنا

كما ضربت بعد الهدوء النواقس1

وفي ذلك ما يدل -ولا سيما قول الأعشى وهو وثني- على أنه كان لديهم بعض معارف عن المسيحية أدخلوها في قصائدهم في بعض وجوه التشبيه أيا كان نوع هذا التشبيه كقول المرقش في جمعه بين البوم والنواقيس، وذلك يبعدها عن مظهر التقديس، وخاصة أن البوم مما يتشاءم منه العرب.

وعلى أي حال يتضح أن معارفهم عن المسيحية تناهت إليهم فاسعملوا مصطلحاتها دون نظر إلى اتخاذها عقيدة كما هو واضح من أشعارهم.

وظهرت بوادر لمذهب الجبر والاختيار، يروي صاحب الأغاني2 ما نصه:

قال لي يحيى بن متى راوية الأعشى وكان نصرانيا عباديا وكان معمرا قال:

- كان الأعشى قدريا.

- وكان لبيد مثبتا.

قال لبيد:

من هداه سبل الخير اهتدى

ناعم البال ومن شاء أضل

وقال الأعشى:

استأثروا الله بالوفاء وبالـ

ـفضل وولى الملامة الرجلا

قلت: فمن أين أخذ الأعشى مذهبه؟

1 العصر الجاهلي ص100-101 دكتور شوقي ضيف دار المعارف.

ص: 484