الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نظريات ومذاهب في تحديد موطن الساميين الأصلي:
اختلف المؤرخون حول موطن الساميين الأصل اختلافا كبيرا يدور على عدة مذاهب:
أولا: المذهب الإفريقي
يرى: أن الساميين نشأوا في بلاد أفريقية أول الأمر وأقاموا بها زمنا طويلا، ولما ضاقت بهم هاجروا إلى الأماكن التي استقروا فيها فيما بعد، ويبين أصحاب هذا الرأي رأيهم على أسس جسمانية فيقولون: إن هناك تشابها في الخلقة بين الحاميين، أو سكان أفريقيا، والساميين، وبخاصة من كانوا يسكنون جنوبي بلاد العرب.
وينقسم أصحاب هذا الرأي إلى طائفتين:
فطائفة تقول: إن الساميين كانوا مع الحاميين يسكنون شمالي أفريقيا في مصر وما حولها، وأن هجرتهم إلى آسيا كانت بطريق برزخ السويس.
وطائفة أخرى تقول: إنهم كانا معا في بلاد الحبشة وإن هجرتهم منها إلى بلاد العرب كانت بطريق بوغاز باب المندب، هذا رأي دلت الدلائل على أنه ضعيف مردود؛ لأن التاريخ يذكر لنا أن أول هجرة للساميين كانت من آسيا إلى أفريقيا لا العكس، وأما ما عرف من تشابه بين الحاميين وبعض الساميين في بعض الصفات الجسمانية؛ فسببه أن الساميين سكان جنوب الجزيرة العربية اختلطوا هناك بالكوشيين المنحدرين من أصل الحاميين، لأنكوش من أبناء حام وتصاهروا معهم1.
1 يراجع "الأمم السامية مصادر تاريخها وحضارتها": حامد عبد القادر عضو مجمع اللغة العربية، مراجعة د. عوني عبد الرءوف طبعة دار النهضة.
ثانيا: المذهب الأرميني
يقول: إن المواطن السامي الأصلي هو قاطن ببعض جهات أرمينية، ويرى أصحاب هذا الرأي، وفي مقدمتهم -أرنست- صاحب كتاب تاريخ اللغات السامية، الذي كتبه بالفرنسية؛ يذهب فيه إلى أن الساميين هاجروا أولا من جهات في مقاطعات أرمينية الواقعة حول إقليم أرمينيا الجبلي في شمال الكردستان الحالية، الواقعة شمال العراق، ويستدلون على ذلك بأدلة مستقاة من روايات التوراة، ومما نقل عن بعض أحبار اليهود.
فهذا الرأي يوصف بأنه رأي نقلي؛ لأنه مأخوذ عن الغير، وليس له أي دليل، وهذا الرأي لا يمكن الأخذ به؛ لأنه أصبح من المؤكد الآن، أن مؤلف سفر التكوين، الذي هو مصدر تلك الروايات لم يستند فيما كتب إلى أدلة علمية يقنية، بل كان يأخذ المعلومات من أفواه الرواة والقصاصين، الذين ذهبوا في رواياتهم مذاهب شتى، غير يقينية فيما يتعلق بموطن الساميين الأصلي.
يقول نولدكه المستشرق الألماني: قل أن يوجد عالم محقق الآن يعتقد أن موطن الساميين الأصلي هو الشمال الأقصى من بلاد العراق1.
ثالثًا: الرأي التركستاني
يذهب إلى هذا الرأي طائفة كبيرة، من مستشرقي أوربا، وفي مقدمتهم "فون كريمر"، يقوم هذا الرأي على نتيجة هامة؛ وهي: أن الساميين قبل تفرقهم، وتفرق لغاتهم الأصلية إلى لهجات مختلفة، كانوا يستعملون اسما مشتركًا فيما بينهم، ولكن لم يكن لديهم اسم عام مشترك للنخيل، ولا للتمر، ولا كلمة واحدة تدل على النعامة؛ أي أن الكلمات التي تدل على نخل، وتمر، ونعامة لا
1 راجع مقالًا عن اللغات السامية في دائرة المعارف البريطانية.
توجد بصورة واحدة، ولا بصورة متقاربة في جميع اللهجات السامية، أما الكلمات التي تدل على جمل، فهي كلمة واحدة تقريبا في جميع اللهجات، واستنبط فون كريمر من هذه الظاهرة حقيقة جغرافية هامة، وهي: أن موطن الساميين الأصلي، لا بد أن يكون بيئة قد استوطنها الجمل منذ أقدم العصور؛ وفي الوقت نفسه لا تعيش فيها النعامة، ولا يوجد فيها نخل.
ويوصف هذا الرأي بأنه رأى لغوي؛ لأنه يقوم على أساس لغوي بحت، ومن ثم يصعب على الباحث، المحقق أن يجعله القول الفصل في هذا البحث المشكل؛ فإن هناك أسبابا قوية تدعونا إلى الشك فيه، وتحول دون قبوله، وعده نهائيًّا في حل المشكلة.
ومن بين هذه الأسباب: ما ذكره نولدكه شيخ المستشرقين، وهو: أن من الممكن أن نجمع عدة ألفاظ، تعد من الألفاظ العامة المشتركة، التي ورثتها جميع اللهجات السامية، والتي لا تنطبق مدلولاتها على أشياء واحدة في البلاد، التي يقول أصحابها هذا الرأي، أنها كانت موطن الساميين الأول، ولا في بلاد بابل، والتي يقال إنها موطن الساميين الأول.
رابعا: الرأي العربي
يتلخص هذا الرأي: في أن جزيرة العرب هي الموطن الأصلي للساميين؛ أول من قال بهذا الرأي هو: سايك الإنجليزي Sayce فقد ذكر في كتاب ألفه في قواعد اللغة الآشورية، وظهر في سنة 1862 العبارة التالية:"إن جميع التقاليد السامية تدل على أن جزيرة العرب هي موطن الساميين الأول؛ فإنها البلاد الوحيدة التي تدل على أن جزيرة العرب هي موطن الساميين الأول؛ فإنها البلاد الوحيدة التي بقيت؛ أي لم يؤثر فيها نفوذ أجنبي يخرجها عن طبيعتها، وأن مميزات الجنس السامي؛ التي منها: القوة في العقيدة الدينية، والشجاعة الخلقية، وقوة الخيال؛ لا بد أن يكون مصدرها الصحراء، وفي سنة 1873 أعلن شريدر الألماني الرأي نفسه في مجلة "تاس أو سلاند" بحث فيه العلائق الدينية، والجغرافية، والتاريخية، واللغوية، التي كانت تربط الأمم السامية بعضها ببعض، ثم وصل إلى النتيجة نفسها، وهي: أن بلاد العرب كانت مهد هؤلاء جميعًا قبل أن يتفرقوا، وفي سنة 1875 نشر
سبرنجر الألماني Sprnger جغرافية بلاد العرب القديمة، يذهب إلى نفس الرأي.
ولقد أيد "رايتر" الرأي القائل: بأن الهجرات السامية خرجت من قلب الجزيرة العربية إلى ما جاورها؛ فقد هاجرت جموع من العرب إلى سوريا، وما بين النهرين، واستولوا عليها؛ وقد حدث في القرون المسيحية الأولى أن استولى فريق من تجار العرب على مملكة "تدمر" غرب بلاد العرب، وأخضعوها لسلطانهم؛ وكذلك اقتسمت سهول سوريا الجنوبية ثلاث دويلات عربية هي: دويلات الغسانيين، والحيريين؛ وفي إبان الصراع مع الفرس، والروم كان الأكاسرة، والقياصرة يعتمدون على العرب المناذرة، حكام الحيرة، والغساسنة حكام الشام.
ولهذه الهجرات يذهب المؤرخون إلى تمييز الساميين إلى:
- الساميين الجنوبيين: بلاد العرب وأثوبيا.
- الساميين الأواسط: يسكنون كنعان.
- الساميين الشماليين: الآراميين في سوريا.
- الساميين الشرقيين: في بابل وآشور.
ولكن كلهم على السواء كانوا أولاد بيت عربي واحد وأواصرهم المتبادلة تبرز في وضوح في اللغة والدين، والثقافة1.
وخرجت هذه الهجرات بسبب تصدع سد مأرب في الركن الجنوبي من الجزيرة العربية، الذي ترتب على تصدعه إغراق جميع الأراضي الجنوبية، وهجرة كثير من القبائل القحطانية إلى الشمال في العراق، والحجاز، والشام، وكان منهم المناذرة والغساسنة، والأوس، والخزرج. يقول فيليب حتى: والحجة الجغرافية بالنسبة للجزيرة العربية تقوم على أن البلاد صحراوية يحيط بها البحر من ثلاث جهات؛ ولذلك فإنه عندما يزيد السكان عن قدرة الأرض المأهولة الضيقة لإعاشتهم؛ فإنهم
1 تراث العالم القديم ص45.
يميلون إلى البحث عن مجال حيوي متيسر فقط في الأراضي الشمالية الخصبية التي تجاورهم؛ ويؤدي ذلك إلى الحجة الاقتصادية التي تقول: إن أهل الجزيرة الرحل كانوا دومًا يعيشون على ما يقرب من الجوع، وإن الهلال الخصيب كان أقرب مكان يزودهم بما يحتاجون إليه1.
خامسًا: الرأي الديني
يذهب المؤرخون القدماء إلى تقسيم الأجناس البشرية إلى ثلاثة أجناس:
1-
الجنس السامي.
2-
الجنس الحامي.
3-
الجنس اليافثي.
وذلك نسبة في رأيهم إلى أبناء نوح عليه السلام الثلاثة، سام، حام، يافث على حسب ما ورد في الفصل العاشر من سفر التكوين، وقد قرروا أن أي جنس آخر لا بد أن يكون متفرعا من أحد هذه الأجناس الثلاثة؛ يقصدون بذلك أن جميع سكان الكرة الأرضية هم من نسل نوح؛ وقد بنوا رأيهم هذا على ما يستفاد من التوراة، من أن الطوفان الذي حدث في عهد نوح كان طوفانا عاما، شمل الأرض جميعا.
وهذا الرأي الذي يستند إلى مصدر ديني؛ يتضمن حقيقتين؛ هما:
أولا: أن جميع لغات العالم انحدرت من لغة واحدة، هي اللغة التي كان يتكلم بها أبناء نوح بعد الطوفان.
ثانيا: أن جميع الشعوب البشرية، التي تسكن جميع أنحاء الأرض، قد انحدرت من أصل واحد، هو نوح عليه السلام وقد ظل هذا الرأي سائدا حتى عصر النهضة الأوربية.
سادسا: الرأي المتطرف
وجاء عصر إحياء العلوم، والمعارف في مستهل العصور الحديثة، التي تقدمت فيها العلوم الطبيعية، وانتشرت المباحث البيولوجية، وتعددت المصادر التاريخية بالنقوش وغيرها من الآثار التي خلفها القدماء، فتغيرت وجهة الباحثين في هذا الموضوع، وكان من نتائج تلك البحوث أن أنكر فريق من العلماء هذه القصة من أولها إلى آخرها، وعدوها من الأساطير الموضوعة، والأحاديث المختلفة، التي وضعها قدماء
1 تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين ص67.
القصاص من الأمم السامية، وخاصة بني إسرائيل؛ ثم أخذوا يعلنون آراءهم، التي تخالف ما ورد في تلك القصة النقلية في جملتها وتفصيلها.
سابعا: يتوسط بينهما
غير أن فريقا من العلماء الذين يحرصون على القديم، هبوا يقولون: إن كل أسطورة لا بد أن يكون لها أصل تاريخي تستنند إليه، وإن قصة خلق العالم كما ذكرت في سفر التكوين، وفي بعض آثار بابل القديمة على فرض أنها غير مقبولة في تفصيلها، لا بد أن تنطوي على شيء من الحقيقة، وعلى هذا الأساس أخذوا يوفقون بين المذهبين: الديني والعلمي، وأقبلوا يؤولون ما يقبل التأويل من النصوص المدونة في الكتب المقدسة خاصة بهذا الموضوع؛ كان تفسيرهم لحادثة الطوفان، المروية في سفر التكوين أنها حصلت بالفعل؛ ولكنها كانت حادثة محلية، ويرجح أن منشأها هو فيضان دجلة والفرات، وما يتصل بهما من نهيرات فيضانا خارقا للعادة؛ وكانت حادثة مروعة لم يعهد لها التاريخ نظيرا من قبل.
نظريات حديثة في تقسيم الأجناس:
لقد ظهرت آراء كثيرة مستنبطة من العلوم، التي تبحث في شئون الإنسان، يستفاد منها أن النوع الإنساني ينقسم على أساس اختلاف بنيته؛ واختلاف ألوان بشرته إلى أربعة أقسام:
أولا: الجنس الأبيض: الذي يوصف أحيانا بأنه الجنس القوقازي؛ وقد انتشرت منذ آلاف السنين في أوربا؛ ثم في حوض البحر المتوسط الشمالي، والجنوبي، وغرب آسيا.
ثانيا: الجنس الأصفر: الذي يوصف بأنه الجنس المغولي أو الطوراني، وقد انتشر في شرق آسيا، وبعض جهات أمريكا1.
ثالثا: الجنس الأسود: الذي يوصف بأنه الجنس النوبي، وقد انتشر في أفريقيا، واستراليا.
1 الأمم السامية ص61.
رابعا: جنس رابع: ليست له مميزات خاصة، بارزة، كان يسكن بعض جهات استراليا، وغينيا الجديدة.
وهذا التقسيم تقريبي؛ وليس معناه أن هذه الأجناس عاشت مستقلة بعضها عن بعض، بعيدة عن الاختلاط بغيرها.
ويرى العلماء أن الجنس الأبيض القوقازي ينقسم إلى ثلاثة أقسام فرعية:
1-
الجنس الأصهب الشمالي.
2-
الجنس الأسمر الجنوبي.
3-
جنس بين هذين الجنسين.
ومن بين هذه الشعوب التي تنتمي إلى الجنس الأسمر الجنوبي، المنتشر حتى الآن في جنوب آسيا الغربي، وعلى سواحل البحر الأبيض المتوسط الجنوبية، شعوب خاصة اصطلح المؤرخون من القدم أن يسموها الشعوب السامية1.
كذلك نرى أن الجنس العربي أو السامي الأصلي قد فقد شخصيته، ومميزاته بالاختلاط بالأجناس والشعوب الأخرى؛ وذلك لأن الإسلام لم يمنع من اختلاط العرب بالعجم، والمصاهرة بين الجنسين، ومن ثم نرى أن القبائل العربية التي تركت الجزيرة العربية، وانتشرت في بقاع الأرض بانتشار الإسلام امتزجت بالشعوب المختلفة، وأصبح من الصعب في كثير من الأحيان تمييزهم من الأجانب2.
ويرى فيليب حتى: أن هذه التسمية من وجهة علمية هي تسمية لغوية، وتطلق على الذين يتكلمون أو تكلموا لغة سامية، واللغات السامية كما هو معترف بها اليوم هي مجموعة لغوية خاصة تضم اللغة الآشورية، والبابلية، الأكادية، والكنعانية "الفينيقية"، والآرامية، والعبرية، والعربية، والحبشية، وأهم خواص التشابه ضمن هذه المجموعة اللغوية؛ هي وجود فعل ثلاثي كمصدر
1 الأمم السامية ص63.
2 الأمم السامية ص63.