الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذه الصلات تؤيد أن كثيرًا من العناصر الدينية في الشعوب السامية كان يتوقف بعضها على بعض1.
ولعل في تسميتهم: بعبد شمس، وعبد اللات، وعبد الشعرى، ما يفيد عبادتهم للكواكب.
لقد انبثَّت مظاهر في الوثنية العربية فارتفعت من مظاهر مادية في الأرض إلى عبادة النيرات أو أفلاكًا في السماء، فالمذهب الصابئي أثَّر كثيرًا في الوثنية العربية؛ ورضي العربي أن يأخذ منه ما يعدل به وثنيته. ففي وثنيته الكثير من العناصر الصبئية مثل عبادة الأفلاك، والحنيفية مثل عبادة الكعبة، والوثنية اليونانية مثل عبادة التماثيل، فخلطوا بينها وبين وثنيتهم وبينها وبين الحنيفية، لذلك قلنا: وإن ما لديهم من مذاهب الصابئة يعتبر ألوانا شاحبة.
وينقل الرواة -كما نقلوا من قبل- أن عمرو بن لحي هو أول من نصب الأصنام، وينقلون أيضا: أن أبا كبشة هو أول من أتى هو بعبادة النجوم إليهم، ويصبح مفاد الروايتين أن الوثنية العربية قد وفدت إلى العرب من بلاد خارج الجزيرة العربية، كذلك الصابئة أتى بها أبو كبشة.
1 الحضارة السامية القديمة: تأليف سبتينو موسكاني ترجمة: د. السيد يعقوب بدر.
العرب وعبادة الكواكب:
وقد رأى بعض العلماء أن عبادة أهل الجاهلية هي: عبادة الكواكب في الأصل، وأن أسماء الأصنام والآلهة -وإن تعددت وكثرت- إلا أنها ترجع كلها إلى ثالوث سماوي هو: الشمس، والقمر، والزهرة، وهو رمز لعائلة صغيرة تتألف من أب هو: القمر، ومن أم هي الشمس، ومن ابن هو الزهرة، وذهبوا إلى أن أكثر أسماء الآلهة هي في الواقع نعوت لها، وهي من قبيل ما يقال له الأسماء الحسنى في الإسلام1.
1 المفصل جـ6 ص50.
ونجد في حكاية كيفية اهتداء إبراهيم إلى عبادة إله واحد الواردة في سورة الأنعام تفسير لسبب تعبد الإنسان للأجرام السماوية: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} 1 إلخ آية 75 وما بعدها من سورة الأنعام، فقد لفت ذلك الكوكب نظر إبراهيم، وبهره بحسن منظره وبلونه الزاهي الخالب تعبد له، واتخذه ربا -فلما أفل، ورأى كوكبا آخر أكبر حجما وأجمل منظرا منه تركه، وتعبد للكوكب الآخر وهو: القمر، فلما أفل ورأى الشمس بازغة وهي أكبر حجمًا وأظهر أثرا وابين عملا في حياة الإنسان وفي حياة زرعه وحيوانه جوه ومحيطه ترك القمر، وتعبد للشمس، فيكون قد تعبد لثلاثة كواكب قبل أن يهتدي إلى التوحيد هي: القمر، والشمس، والمشترى، أو الزهرة على ما جاء في أقوال المفسرين.
ويشير القرآن: في مواضع أخرى إلى عبادة الجاهلين للأجرام السماوية، ولا سيما الشمس والقمر، ففيه:{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} 2
…
إلخ.
فصلت آية 37. وهذه الأجرام السماوية الثلاثة هي الأجرام البارزة الظاهرة التي بهرت نظر الإنسان، ولا سيما الشمس، والقمر، والزهرة.
واعتبر الجاهليون القمر أبا في هذا الثالوث، وصار هو الإله المقدم فيه، وكبير الآلهة، وصارت له منزلة خاصة في ديانة العرب الجنوبيين، وهذا ما حدا ببعض المستشرقين إلى إطلاق ديانة القمر على ديانة العرب الجنوبيين على سبيل التغليب3.
والإله "القمر" هو الإله "المقه" عند السبئيين، وهو إله سبأ الكبير، وهو:"عم" عند القتبانيين، وهو:"ود" عند المعنيينن، وهو:"سين" عند الحضارمة، واتخذ "الثور" من الحيوانات رمزًا للقمر، ولذلك عد "الثور" من الحيوانات المقدسة التي ترمز إلى الآلهة.
ونجد: هذه الصورة مرسومة في النصوص اللحيانية، والثمودية، وعند غير العرب من الشعوب السامية؛ وقد نص على اسمه في الكتابات؛ إذ قيل: له "ثور". وقد ذكر الألوسي: أن عبدة القمر اتخذوا له صنما على شكل عجل وبيد الصنم جوهر
1 سورة الأنعام آية 74.
2 سورة فصلت آية: 37.
3 السابق ص51، ص52.
يعبدونه ويسجدون له، ويصومون له أياما معلومة في كل شهر؛ ثم يأتون إليه بالطعام والشراب، والفرح والسرور، فإذا فرغوا من الأكل أخذوا في الرقص، والغناء، وأصوات المعازف بين يديه؛ ولم يشر إلى اسم الجاهليين الذين فعلوا ذلك فعلَّه قصد عبدة القمر بصورة عامة من العرب وغيرهم1.
وقد تعبد العرب للشمس في مواضع مختلفة في جزيرة العرب، وترجح عبادتها إلى ما قبل الميلاد، وفي زمن لا نستطيع تحديده؛ لعدم وجود نصوص لدينا يمكن أن تكشف لنا عن وقت ظهور عبادة الشمس عند العرب؛ وعبدها أقوام آخرون من غير العرب من الساميين، مثل البابليين، والكنعانيين والعبرانيين؛ وقد أشير في مواضع عديدة من العهد القديم إلى عبادة الشمس بين العبرانيين، وجعل الموت عقوبة لمن يعبد الشمس، ومع ذلك عبدت في مدن يهوذا.
وقد اتخذت جملة مواضع لعبادة الشمس، فيها عرفت بـ "بيت الشمس" والشمس أنثى في العربية، فهي إلهة، أما في كتابات "تدمر" فهي مذكر، ولذلك فهي إله ذَكَر عند التدمريين.
ويرى "ولهوزن": أن ذلك حدث بمؤثرات خارجية، وكانت عبادة الشمس شائعة بين التدمريين، وورد في الكتابات التي عثر عليها في "حوران" أسماء أشخاص مركبة من "شمس" وكلمة أخرى؛ ويدل على ذلك شيوع عبادتها عند أهل تلك المنطقة2.
وذكر "سترابو" أن: helios أي الشمس هي: الإله الأكبر عند النبط، ولكن الكتابات النبطية، لا تؤيد هذا الرأي. والإله الكبر فيها هي:"اللات" فلعل "سترابو" قصد: اللات؛ وإذا كان هذا صحيحًا فتكون "اللات هي الشمس" والشمس من الأصنام التي تسمى بها عدد من الأشخاص، فعرفوا بـ "عبد شمس".
وقد ذكر الإخباريون: أن أول من تسمى به "سبأ" الأكبر؛ لأنه: أول من عبد الشمس، فدعي بـ "عبد شمس".
1 المفصل جـ6 ص54.
2 السابق ص55.
وقد ذكر أن بني تميم تعبدت له، وكان له بيت وكانت تعبده بنو "اد" كلها، وكانت سدنته من "بني أوس بن مخاش" بن معاوية، فكره هند ابن أبي أهالة، وصفوان بن أوس بن مخاش. وذكر أن عبد "شمس" اسم أضيف إلى "شمس المساء"؛ لأنهم كانوا يعبدونها، والنسبة عبشمي1 ويلي الشمس والقمر الزهرة، وقد ذكرت في النصوص العربية الجنوبية، وتسمى "عشتر" وهو بمثابة الابن للشمس والقمر؛ وهذا الثالوث الكوكبي يدل في رأي الباحثين في أديان العرب الجنوبيين على أن عبادة العرب الجنوبية هي عبادة نجوم، وهو يمثل في نظرهم عائلة إلهية مكونة من ثلاثة أرباب هي: الأب: وهو القمر، والابن: وهو الزهرة، والأم: وهي الشمس2.
وعبد بعض أهل الجاهلية أجراما سماوية أخرى، وتقربوا إليها بالنذور والصلوات، ففي كتب الإخباريين أن طائفة من تميم عبدت "الدبران" وفي كتبهم أيضا: أن بعض قبائل لخم، وخزاعة، وحمير، وقريش عبدوا "الشعرى". وأن أول من سن ذلك لهم، وأدخل تلك العبادة إليهم:"أبو كبشة" وهو من خزاعة أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم من قبل أمهاته. خالف قريشا في عبادة الأصنام، وعبد "الشعرى العبور" وكان يقول: إن الشعرى تقطع السماء عرضا، فلا أرى في السماء شيئا شمسا ولا قمرا، ولا نجما يقطع السماء عرضا3.
وذكر القرطبي: أن أول من عبد "الشعرى": "أبو كبشة"؛ ولذلك كان: مشركو قريش يسمون النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبي كبشة حين دعا إلى الله تعالى وخالف أديانهم، وقالوا: ما لقينا من ابن أبي كبشة، وكان الحارث -وهو غبشان ابن عمرو بن ملكان- ويكنى أبا كبشة ممن يعبد الشعرى.
والشعرى: هي المقصودة في الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} [النجم آية 49] وكان ناس في الجاهلية يعبدون هذا النجم الذي يقال له:
1 المفصل جـ6 ص55، ص56.
2 السابق ص57.
3 السابق ص58، 87