الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء فقد كانت قريش تأكل كل شيء من ميتة ومختنقة ومن نطيحة، وما أكل السبع، وما أهل به للصنم.
فنزل تحريم ذلك في الإسلام1.
1 المفصل جـ6 ص223، ص224، تفسير الطبري جـ8 ص12 وما بعدها.
المقدس وغير المقدس:
قد تعرض اليعقوبي لموضوع أديان العرب، وشعائرها فقال: كانت أديان العرب مختلفة بالمجاورات لأهل الملل، والانتقال إلى البلدان والانتجاعات؛ فكانت قريش وعامة ولد معد بن عدنان على بعض دين إبراهيم، يحجون البيت ويقيمون المناسك، ويقرون الضيف، ويعظمون الأشهر الحرم، وينكرون الفواحش، والتقاطع، والتظالم، ويعاقبون على الجرائم، فأدخل في الدين أمورًا نعدها اليوم من الأعراف وقواعد الأخلاق والسلوك وجعلها من سنة إبراهيم: أي دين العرب القديم قبل إفساده بالتعبد للأصنام.
وذكر "السكري" أن العرب كانت دون من سواها من الأمم تصنع عشرة أشياء منها في الرأس خمسة وهي: "المضمضة، والاستنشاق، والسواك، والفرق، وقص الشارب".
وفي الجسد خمسة وهي: الختان، وحلق العانة، ونتف الإبطين وتقليم الأظافر والاستنجاء".
خصت بهذا العرب دون الأمم1.
الحيوانات المقدسة:
ومن النذور والقرابين ما يكون حيوانات حية.
وقد أشير في القرآن الكريم: إلى البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام في قوله تعالى:{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَة}
…
إلخ2.
فأما البحيرة:
فالناقة، أو الشاة تترك فلا ينتفع من لبنها، ولا تحمل، ولا تركب وترعى، وترد الماء فلا تُرَدُّ؛ فإذا ماتت حرموا لحمها على النساء، وأباحوه على الرجال، ذلك بعد أن تنتج خمسة أبطن أو عشرة أو ما بين ذلك.
1 المفصل جـ6 ص345، ص346، المحبر ص329.
2 سورة المائدة آية 103، وانظر المفصل جـ6 ص203.
وقيل أيضا: الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن نظروا في البطن الخامس، فإذا كان ذكرا نحروه فأكله الرجال والنساء جميعا، وإن كانت أنثى شقوا أذنها فتلك "البحيرة".
وقيل "البحيرة": هي التي يمنع درها للطواغيت، فلا يحتلبها أحد من الناس.
وقال بعض العلماء: "البحيرة" هي ابنة السائبة1.
وورد في الأخبار: أن أول من بحر البحائر، رجل من بني مدلج، كانت له ناقتان فجدع آذانهما وحرم ألبانهما، وظهورهما، وقال: هاتان "لله"؛ ثم احتاج إليهما، فشرب ألبانهما وركب ظهورهما.
كما نسب التبحير: إلى "عمرو بن لحي"؛ إذ قيل إنه كان أول من بحر البحيرة2.
السائبة:
أما السائبة فهي: الناقة، أو البعير، أو الدابة تترك لنذر، أو بعد بلوغ نتاجها حدا معلوما. فلا تركب، ولا يحمل عليها، ولا تمنع من ماء وكلأ، وتترك سائبة لا يحل لأحد كائنا من كان مخالفة ذلك.
وكان الرجل في الجاهلية: إذا قدم من سفر بعيد، أو برئ من علة قال: ناقتي سائبة؛ أي: تسيب فلا ينتفع بظهرها، ولا تركب، وأغير على رجل من العرب فلم يجد دابة يركبها؛ فركب سائبة فقيل: أتركب حراما؟ فقال: يركب الحرام من لا حلال له، فذهبت مثلا، ويذكر أهل الأخبار: إن أول من سيب السوائب؛ عمرو بن عامر الخزاعي؛ أي عمرو بن لحي أخو بني كعب، وهو أول من غيَّر دين إبراهيم3.
الوصيلة:
أما الوصيلة: فالناقة التي وصلت بين عشرة أبطن، أو الشاة التي وصلت سبعة أبطن.
وفي رواية: إن الشاة إذا ولدت ستة أبطن نظروا: فإن كان السابع ذكرا ذبح، وأكل منه الرجال، والنساء.
1 تاج العروس مادة بحر 3/ 28.
2 المفصل جـ6 ص205، الطبري ص59.
3 المفصل جـ6 ص206 الكشاف جـ1 ص368.
وإن كان أنثى تركت في الغنم.
وإن كان ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها، ولم يذبح، وكان لحمه حرامًا على النساء.
وفي رواية: إن لبن الوصيلة حلال على الرجال دون النساء، قالوا: الوصيلة: الشاة إذا أتمت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن، ليس بينهن ذكر، فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور دون الإناث، إلا أن يموت شيء منها فيشترك في أكله ذكورهم وإناثهم1.
الحام:
وأما "الحام": فالبعير إذا نتج عشرة أبطن من صلبه.
قالوا: قد حمى ظهره؛ فلا يركب، ولا يحمل عليه، ولا يمنع من مرعى.
وقالوا: "الحام" من الإبل؛ كان الفحل إذا انقضى ضرابه جعلوا عليه من ريش الطواويس وسيبوه.
وقالوا: "بل الحام" إن الفحل إذا نتج له عشر إناث متتابعات ليس بينهم أنثى حمى ظهره، ولم يركب، ولم يجز وبره، ويخلى في إبله يضرب فيها، لا ينتفع به بغير ذلك.
وذكروا: أن أول من حمى الحامي: هو عمرو بن لحي، وذلك في سنن أخرى سنها لأهل الجاهلية2.
السدنة:
"السدنة" قومه لأصنام، متولو أمرها.
و"السدانة" تنتقل بالإرث من الآباء إلى أكابر الأبناء، وتحصر في الأسرة فتكون من حقها، ومن نصيبها، لا يمكن انتزاعها منها إلا بالقوة.
ومن واجب العشيرة التي تنتمي هذه الأسرة إليها الدفاع عنها إن حاول غريب انتزاع هذا الشرف منها.
1 المفصل جـ6 ص206، الكشاف جـ12 ص368.
2 المفصل جـ6 ص206، تاج العروس جـ8 ص155، الكشاف جـ1 ص368.
لقد كانت سدانة الكعبة: في بني عبد الدار، وكانت حجابة "ود" في دومة الجندل إلى بني عامر بن الأحوص من كلب، وكانت سدنة "العزى" من بني صرمة بن مرة.
وكانت سدنة "جهار" من آل عوف من بني نضر.
وكان سدنة "سواع" بنو صاهلة من هذيل.
وكان سدنة بيت الربة؛ أي الشمس من بني أوس بن مخاش.
وكان سدنة "مناة" الغطاريف، وسدنة "ذو الخلصة" بنو هلال بن عامر، وسدنة "المحرق" آل الأسود.
ولا بد من إدخال: النسأة في رجال الدين، فقد كان الناسئ هو الذي ينسئ النسيء؛ يعين موسم الحج ويثبته للناس.
فهو -إذن- فقيه القوم، وعالمهم ومفتيهم في أمر الحج.
وقد أشار السكري إلى أئمة العرب، فذكر أنهم الذي تولوا أمر المواسم، وأمر القضاء بعكاظ، والذين كانوا سدنتهم على دينهم وأمناءهم على قبيلتهم؛ وكانوا من قريش، والذين تولوا الإفتاء في دينهم؛ وهم من بني مالك بن كنانة.
ولما تحدث عن النسأة قال: نسأة الشهور من كنانة، وهم القلامسة، واحدهم قلمس، وكانوا فقهاء العرب، والمفتين لهم في دينهم1.
ومن الصعب تصور وجود طبقة خاصة كبيرة لرجال الدين على نحو ما كان عند المصريين مثلا أو الأشوريين أو البابليين، أو اليونان أو الرومان، أو في الكنيسة؛ بسبب النظام القبلي الذي كان غالبًا على جزيرة العرب، وصغر المجتمعات الحضرية؟ فالأصنام هي أصنام محلية، أصنام قبيلة، لذلك كان عبدتها هم عبدة القبيلة أو القبائل المتعبدة لها2.
شعائرهم الدينية:
ذكر اليعقوبي: أن العرب كانت إذا أرادت حج البيت الحرام وقفت كل قبيلة عند صنمها وصلوا عنده ثم تلبوا.
1 المفصل جـ6 ص213، ص214، ص215، ص216.
2 المفصل جـ6 ص220.
وقد أشير إلى سجود الناس للشمس والقمر في القرآن الكريم، في قوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَار} 1 إلخ الآية.
كما أشير إلى سجود أهل سبأ إلى الشمس في قوله تعالى: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} 2 إلخ الآية.
الصوم:
قد ذكر الصوم في السور المدنية، أما في السور المكية فقد ذكر مرة واحدة في سورة مريم في قوله تعالى:{فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} 3 الآية.
وقد حددت السور المدنية أصول الصيام في الإسلام.
والصوم المعروف عند اليهود، والنصارى: معروف عند أهل الجاهلية الذين كان لهم اتصال واحتكاك بأهل الكتاب؛ فقد كان أهل يثرب مثلا على علم بصوم اليهود؛ بسبب وجودهم بينهم.
وكان عرب العراق، وبلاد الشام على علم بصوم النصارى؛ بسبب وجود قبائل عربية متنصرة بينهم.
وكان أهل مكة، ولا سيما الأحناف منهم، والتجار على معرفة بصيام أهل الكتاب والرهبان المتمثل في السكوت والتأمل والجلوس في خلوة للتفكير في ملكوت السماوات والأرض.
ويظهر من أخبار أهل الأخبار أن من الجاهليين من اقتدى بهم، وسلك مسلكهم. فكان يصوم صوم السكوت والتأمل والامتناع عن الكلام، والانزواء في غار حراء وفي شعاب جبال مكة.
1 سورة فصلت آية 37 وما بعدها.
2 سورة النمل آية 24.
3 سورة مريم آية 26.
وذكر بعضهم: كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية اقتداء بشرع سابق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية فلما قدم المدينة صامه على عادته وأمر أصحابه بصيامه في أول السنة الثانية؛ فلما نزل رمضان: كان من شاء صام يوم عاشوراء، ومن شاء لا يصومه، وعللوا سبب صيام قريش هذا اليوم: أنه كان أصابهم قحط؛ ثم رفع عنهم فصاموه شكرًا1.
ورواية: أن قريشا كانت تصوم في يوم عاشوراء لا تتفق مع الروايات الأخرى في كيفية فرض صيام شهر رمضان.
ففي هذه الرواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة رأى يهود تصوم يوم عاشوراء، فسألهم فأخبروه أنه اليوم الذي غرق "الله" فيه في آل فرعون، ونجي موسى ومن معه منهم؛ فقال: نحن أحق بموسى منهم فصامه، وأمر الناس بصومه؛ فلما فرض صوم شهر رمضان لم يأمرهم بصوم يوم عاشوراء، ولم ينههم عنه2.
التحنث:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء من كل سنة شهرا وكان مما تحنث به قريش في الجاهلية.
والتحنث: التبرر فكان رسول الله يجاور ذلك الشهر من كل سنة يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى رسول الله جوارا من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به الكعبة قبل أن يدخل بيته فيطوف بها سبعة، ثم يرجع إلى بيته.
وذكر: أن ذلك الشهر هو شهر رمضان.
وكانوا إذا تقربوا إلى صنم، أو دعوا ربهم، أو أدوا مناسك حجهم فلا يسألون ربهم إلا متاع الدنيا؛ فمن الناس من يقول: ربنا آتنا في الدنيا، هب لنا غنما، هب لنا إبلا، وفي هؤلاء نزل قوله تعالى:{فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا}
…
إلخ الآية3.
1 المفصل جـ6 ص339.
2 السابق جـ6 ص340، الطبري جـ2 ص265.
3 سورة البقرة آية 200.