الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونرى أن عشيرة "الدولة" وعشائر أخرى تقسم سكان الجزيرة إلى قسمين حضر وعرب، ونقصد بالعرب أصحاب الخيام أي المتنقلين؛ وتقسم العرب -أي البدو- إلى:"عرب القبيلة"، "عرب الديرة" وهم العرب المقيمون على حافات البوادي والأرياف؛ أي في معنى "عرب الضاحية" وعرب الضواحي في اصطلاح القدماء -"القدامى"1.
وخلاصة ما تقدم أن لفظة "ع. ر. ب"، "عرب" هي بمعنى البداوة والأعرابية في كل اللغات السامية، ولم تكن تفهم إلا بهذا المعنى في أقدم النصوص التاريخية التي وصلت إلينا؛ وهي النصوص الآشورية وقد عنت بها البدو عامة مهما كان سيدهم أو رئيسهم، وبهذا المعنى استعملت عند غيرهم، ولما توسعت مدارك الأعاجم وزاد اتصالهم واحتكاكهم بالعرب وبجزيرة العرب توسعوا في استعمال اللفظة حتى صارت تشمل أكثر العرب على اعتبار أنهم أهل البادية وأن حياتهم حياة أعراب، ومن هنا غلبت عليهم وعلى بلادهم فصارت علمية عند أولئك الأعاجم على بلاد العرب وعلى سكانها، وأطلق لذلك كتبة اللاتين واليونان على بلاد العرب لفظة "Arabae"؛ أي العربية بمعنى البلاد العربية بلاد العرب2.
1 المفصل جـ1 ص24، ص25.
2 المفصل جـ ص25، ص26.
الجاهلية:
اصطلاح مستحدث ظهر بظهور الإسلام، وقد أطلق على حال
العرب قبل الإسلام تمييزًا وتفريقًا لهذا عن الحالة التي صار عليها العرب بظهور الرسالة على النحو الذي يحدث عندنا وعند غيرنا من الأمم من إطلاق تسميات جديدة للعهود القائمة، والكيانات الموجودة بعد ظهور أحداث تزلزلها وتتمكن منها؛ وذلك لتمييزها وتفريقها عن العهود التي قد تسميها أيضا بتسميات جديدة، وفي التسميات التي تطلق على العهود السابقة مما يدل ضمنًا على شيء من الازدراء والاستهجان للأوضاع السابقة في غالب الأحيان1.
1 السابق جـ1 ص37، المزهر ص176.
"الجاهلية" أي أيام الجاهلية أو "زمان الجاهلية"؛ استهجانًا لأمر تلك الأيام الذي هو ضد الحلم، الأنفة والخفة والغضب، وما إلى ذلك من معانٍ، وهي أمور كانت جد واضحة في حياة الجاهليين، ويقابلها الإسلام الذي هو مصطلح "مستحدث أيضا ظهر بظهور الإسلام"، وعماده الخضوع لله والانقياد له، ونبذ التفاخر بالأحساب والأنساب والكبر وما إلى ذلك من صفات نهى عنها القرآن والحديث1.
وقد وردت الكلمة في القرآن الكريم في مواضع منه، منها آية سورة الفرقان قوله تعالى:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان: 63]، وآية سورة البقرة:{قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة: 67]، وآية الأعراف قوله تعالى:{وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين} [الأعراف: 198] .
وفي كل هذه المواضع ما ينم على أخلاق الجاهلية؛ وقد ورد في الحديث: "إذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل" 2، وورد أيضا:"إنك امرؤ فيك جاهلية" 3 وبهذا المعنى تقريبًا وردت الكلمة في قول عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا
…
فنجهل فوق جهل الجاهلينا4
وازدراء بجهل أصحابها لحالة الوثنية التي كانوا عليها، ولجهالة الناس إذ ذاك وارتكابهم الخطايا التي أبعدتهم في نظر النصرانية عن العلم وعن ملكوت الله، "وقد أعفى الله عن أزمنة هذا الجهل، فيبشر الآن جميع الناس في كل مكان إلى أن يتوبوا"5.
وقد وردت لفظة الجاهلية في القرآن الكريم، وردت في السور المدنية دون السور المكية؛ فدل ذلك على أن ظهورها كان بعد هجرة الرسول إلى المدينة؛ وأن إطلاقها بهذا المعنى كان بعد الهجرة، وأن المسلمين استعملوها منذ هذا العهد فما بعده6.
1 المفصل جـ1 ص38، ص39.
2 بلوغ الأرب جـ1 ص16.
3 ذيل أقرب الموارد جـ3 ص115، فجر الإسلام جـ1 ص16.
4 بلوغ الأرب جـ1 ص16، محيط المحيط ص309، أساس البلاغة جـ1 ص145.
5 المفصل جـ1 ص37، ص38 وأعمال الرسل والإصحاح السابع عشر آية 30.
6 المفصل جـ1 ص38.
وقد فهم جمهور من الناس أن الجاهلية من الجهل الذي هو ضد العلم، أو عدم اتباع العلم، ومن الجهل بالقراءة والكتابة، ولهذا ترجمت اللفظة في الإنكليزية بـ The time of igmorace، وفهمها آخرون أنها من الجهل بالله وبرسوله وبشرائع الدين وباتباع الوثنية، والتعبد لغير الله، وذهب آخرون إلى أنها من المفاخرة بالأنساب والتباهي بالأحساب والكبر والتجبر وغير ذلك من الخلال التي كانت من أبرز صفات الجاهليين، ويرى المستشرق "جولدزيهر" أن المقصود الأول من الكلمة "السفه" أي لا يسفه قوم علينا فنسفه عليهم فوق سفههم؛ أي: نجازيهم جزاء يربى عليه، واستعمال هذا اللفظ بهذا المعنى كثير1.
وجاء في سورة المائدة: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُون} [المائدة: 50] ؛ أي أحكام الملة الجاهلية وما كانوا عليه من الضلال والجور في الأحكام والتفريق بين الناس في المنزلة والمعاملة2.
وأطلقوا على "الجاهلية الجهلاء" والجهلاء صفة للأولى يراد بها التوكيد وتعني "الجاهلية القديمة"3 وكانوا إذا عابوا شيئا واسبشعوه قالوا: "كان ذلك في الجاهلية الجهلاء"4 وهي: الوثنية التي حاربها الإسلام، وقد أنب القرآن المشركين على حميتهم الوثنية فقال:{إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} 5 [الفتح: 26] .
يقول جواد علي: والرأي عندي أن الجاهلية من السفه والحمق والخفة والغضب، وعدم الانقياد لحكم وشريعة وإرادة إلهية، وما إلى ذلك من حالات انتقصها الإسلام6.
1 بلوغ الأرب جـ1 ص16.
2 المفصل جـ1 ص40، تفسير الخازن جـ1 ص516.
3 محيط المحيط ص309.
4 أقرب الموارد ص147.
5 عن الجاهلية والجهل وما ورد بهذا المعنى في القرآن الكريم، راجع تفصيل آيات القرآن الحكيم: تأليف جون لابوم ونقله إلى العربقية محمد فؤاد عبد الباقي ص621.
6 المفصل جـ1 ص40.