الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
فرفوريوس: توفي 305، وهو الذي شرح نظريات أفلوطين وأشاعها، فيكون بذلك المؤسس الأول لنظام فلسفي ظل قرونا يستأثر بالفكر الأوروبي الفلسفي.
4-
يمبلنجوس توفي: سنة 333، تلميذ بارز لفرفريوس سوري المولد، ولم يسر "يمبلنجوس" على خطى الفلاسفة من قبله الذين كانوا يشدون الرحال سعيا وراء العلم، بل بقي يعلِّم في موطنه أتباعه الفلسفة الفيثاغوريسية، أخذ "يمبلنجوس" يعزو إلى الأعداد معنى أسمى من المعنى الذي لها في علم الرياضيات، كما أنه عدَّل كثيرا في آراء معلمه بالنسبة للصوفية، هذه الأفكار والأراء المجموعة بعضها مهلهل لقيت في مدينة الإسكندرية من يأخذ بها وينظمها كي تصبح نظاما فلسفيا تبعا لميول هذه المدرسة في جعل الفكر الإغريقي على أنواعه فكرا شرقيا، لقد اصطحبت هذه المدرسة في هذه الفلسفة كثيرا من الآراء التي تعزى إلى "فيثاغورس" وإلى أتباعه، وأضفت عليها تفسيرا صوفيا، وإلى "فيثاغورس" يعزى مذهب التقمص، والمذهب القائل بأن الحياة الأرضية ليست سوى وسيلة لتطهير النفس.
"
فيلو الإسكندري" ونشأة الفلسفة الدينية والأصول العرفانية:
إن تفاعل الهودية مع الفلسفة الإغريقية يجسدها "فيلو" اليهودي الإسكندراني حوالي 20 ق. م إلى 40 بعد الميلاد، الذي كان من أوائل وأعظم الفلاسفة اللاهوتية اليهود، كان يضع نصب عينيه الدفاع أمام فلاسفة الإغريق عن الوحي الإلهي، وأن كتب التوراة الخمسة كتب موحى بها من الله؛ وكان هذا المبدأ مجهولا لدى فلاسفة الإغريق، كذلك كان "فيلو" يقول بثنائية الإنسان أي "أنه مادة وروح" التي نادى بها أفلاطون؛ وأن الجسد هو سجن الروح، التي تتوق أبدا إلى الخلاص منه والرجوع إلى الله؛ والله في نظر "فيلو": لا يحده عقل، وهو أسمى من كل معرفة؛ أما المادة فلها حدود ولها نهاية؛ ولذا وجب أن يكون هناك وسيط بين المحدود واللامتناهي، وهذا الوسيط بين الله وبين العالم هو:"الكلمة" التي وصفها بأنها أول مولود لله: إنها الإله الثاني، لقد كان "لفيلو" أثر عميق في "اللاهوت" المسيحي والفكر المسيحي. وعلى منهج "فيلو" الإسكندري هيأت مدرسة الإسكندرية الذهن البشري لتقبل النظام الفلسفي الجديد وانصرافه عن نظام الفلسفة الإغريقية
القديم، الذي كان يعتمد على العقل وحده، وكان سببا من أسباب خذلانه؛ وعلمت المدرسة الإنسان بأنه: لا يستطيع أن يعيش بالعقل وحده، ومن هنا أقبل الإنسان على النظام الفلسفي الجديد الذي كان يعتمد على احتضان الديانات الشرقية التي تكتنفها الأسرار والروحانيات؛ ومن أهم هذه الديانات الشرقية:
- عبادة سبيل؛ وهي أصلا: الإلهة الأم لفريجيا.
- وعبادة إيزيس في مصر.
- ومترا في فارس.
مثل هذه الديانات تنطوي على أسرار لا يمكن تفسيرها ولا تعليلها، فقد اقتضى الأمر أن يكون أتباع هذه الديانات من الخلص الذين كرسوا أنفسهم لدخول حظيرة الأسرار؛ والمبدأ الأساسي الذي ترتكز عليه الديانات الروحية هي: أن التوصل إلى معرفة الله لا يتم عن طريق العقل ولا عن طريق الحواس العادية بل عن طريق الإيحاء والتأمل والإحساس؛ والغاية القصوى التي تسعى إليها هذه الديانات هي: الاتحاد بالله المخلص.
وتعد جميع الأديان الروحية الغيبية أتباعها بنيل السعادة على الأرض، كما تضمن لهم دخول الجنة في الحياة الأخرى.
وتختلف المسيحية عن الأديان الروحانية في أن تلك الديانات كانت وقفا على فئة خاصة مؤهلة للاطلاع على أسرارها؛ لكنها غير مأذونة بالبوح بأسرارها، وكان دخول التابع إلى حظيرة الأسرار يقتضي إعداده إعدادا دينيا خاصا؛ لأن الممارسة الدينية كانت سرًّا، فمن العسير أن تعرف شيئا عن الطقوس والشعائر التي كانوا يتبعونها عندما يدخلون عضوا جديدا إلى حظيرة الأسرار، فقد كان الكهنة يحتفظون بتلك الأسرار ويغالون في الحفاظ عليها. ونذكر على سبيل المثال: كان الدخول في ديانة "مترا" يتم على سبع مراحل: فكان على طالب الدخول إلى دين الجماعة: أن يمر في دور تطهير، إما بالماء أو الدم، وهذا له ما يقابله بالمسيحية وهو: العمادة، ثم يتلو هذا الاتحاد بالإله في إشراك المريد في حفلة طعام دينية، يتبع ذلك
تزويد المريد ببعض أسرار المعرفة، التي كانت تقوده إلى الرؤيا؛ كانت "إيزيس" تظهر للعباد وتتكلم معهم، وكان الإغريق يقومون بطقوس العربدة التي كانوا يمارسونها على شرف الإلهة الأم "سبيل" وعشيقها. كما أخذوا عن الفينيقيين أعباءهم الصافية التي كانوا بها؛ تكريما "لعشتروت" وعشيقها "أدونيس"، ثم أصبحت هذه الإلهات وعشاقها إلهات إغريقية رومانية؛ فحنان الأمومة الذي كان يتجسد في "إيزيس" جعل من هذه الإلهة إلهة محببة إلى نفوس الناس رجالا ونساء على السواء.
وقد انتشرت عبادة "إيزيس" و"أوزيريس" في العهد الروماني، وراقت للناس أكثر مما انتشرت في العصر الهليني ففي أثناء القرنين الأولين للميلاد كان للإلهة "إيزيس" مزارات وهياكل منتشرة في صقلية وسردينيا وإيطاليا؛ ومنذ القرن الثاني للميلاد وما بعده كانت ملة "إيزيس وأوزيريس" من ألد خصام المسيحية، وفي الفترة القصيرة التي انتعشت فيها الوثنية في روما 394، كانت "إيزيس" أم الآلهة، و"ميترا" يحتلان المرتبة الأولى.
يقول حتى: وفي النهاية أصبحت "إيزيس" بمثابة "مريم العذراء" كما صار "هورس" قرين "المسيح"، فكانت عملية دمج أكثر منها عملية تنحية وإزاحة، وفي القرن الثالث كان الناس يتأرجحون في إيمانهم بين الإلهة "ميترا" والسيد "المسيح".
ولكن المسيحية ما فتئت أن انتصرت في القرن الرابع انتصارا حاسما على دين "ميترا"، ونجمل فيما يلي خصائص الفكر الإسكندري ما دام هو الذي كان يغذي المراكز الثقافية، وهو فيما يلي:
أولا: تتميز هذه الخصائص بالاتساع الفكري، واتساعها الفكري وإن كان ميزة أبعدت عنها تهمة التعصب لثقافة دون أخرى جعلها لا تتعمق في القضايا بقدر ما حملت عبء التوفيق بين القضايا المتنازعة.
ثانيا: ركزت على المنهج التوفيقي أو التلفيقي: فربط أولا: بين المدارس الفلسفية القديمة، ثم ثانيا: بين أفكار الفلفسة القديمة وفكرها الحديث، هذا من جانب موقفها الفلسفي، ثم من ناحية موقفها من الدين حاول بعضهم -مثل فيلون الإسكندري- أن يوفق بين توحيده الديني، واتجاه الفلسفة، ثم غالى في اتجاهه عندما
أخذ يؤكد اتجاه الفلسفة اللاهوتي وحملها على تأكيد قضايا الدين الذي كان يعتنقه وهو الدين اليهودي1.
ثالثا: أبرزت ثنائية الوجود إبرازا منطقيا، وجهتها إليه الروحية الشرقية من جانب، والمادية الهلينية من جانب آخر، فعندما كانت تحاول المزاوجة بين تراث يتميز بالروحية، وتراث يتميز بالمادية صادفتها هذه الثنائية فأبرزتها.
رابعا: التأكيد على الحقيقة المطلقة التي وافقت ميلها إلى الطابع اللاهوتي، فحولت الفكر إلى تلك الغاية.
خامسا: الملاءمة بين اليهودية والفلسفة التي حمل عبئها فيلون.
سادسا: الملاءمة بين المسيحية والفلسفة وقد حمل عبئها أفلوطين ورجال الكنيسة، وكانت تلك المحاولة بدء الانشقاقات الحقيقية في المسيحية.
هذه الخصائص -وإن كانت تبين المسئولية الجديدة التي حملتها مدرسة الإسكندرية- كانت تتسم بسعة الأفق، غير أن منهجها هذا -وهو المنهج التوفيقي- شغلها بقضايا عسيرة الحل، وحقيقة الأمر: أنها شاركت وأعطت الكثير من الحلول التي تتسم بالطرافة والمتعة العقلية، غير أنها لم تكن على درجة عقلية مقبولة، لا من جهة الدين ولا من جهة الفلسفة.
وعلى الرغم من هذه المهمات نراها بدت عاجزة مقعدة عن نواحٍ أخرى: وذلك عندما صرفتها تلك القضايا عن مشاكل واقعها، وعن تحمل مسئولية وطنها، وقضايا تاريخها، وأصبحت مع هذا الازدهار التاريخي: توصم بالعزلة وهي حاضرة الفكر والثقافة.
وما انتهت مدرسة الإسكندرية إلا بعد أن خطت منهج خلط الدين بالفلسفة، أي المقدس بغيره، وكانت المسيحية باستسلامها لهذه الخطة نموذج هذا الخلط، وتقبلها الرومان على أنها أقرب الصور لوجهة نظر "أنطيوخوس" عندما أراد أن يحكم الشرق بسياسة واحدة، ودين واحد، ودين واحد؛ حيث تبنت مدرسة الإسكندرية وجهة نظره هذه
1 تدهور الإمبراطورية الرومانية وسقوطها في الفصل الثالث عشر من الأفلاطونية المحدثة وللاستزادة راجع: "الفكر العربي ومكانته في التاريخ": دالاس أولير في ترجمة تمام حسان، و"الفكر العربي": للأستاذ إسماعيل مظهر وهو يعتبر ترجمة لديلاس أوليري ترجمة فيها تصرف أدبي كذلك، "الآراء الدينية والفلسفية": لفيلون الإسكندري تأليف إميل برتبة ترجمة د. محمد يوسف، ود. عبد الحليم النجار.