الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكانت أمراء الغساسنة يبالغون في تعظيمه والاحتفاء به ويقصدونه؛ للتبرك به على عكس نصارى الحيرة الذين امتهنوا القبر في حروبهم مع الغساسنة واعتدوا على المدينة.
وقد كان نصارى الحيرة على مذهب نسطور في الأغلب كما كانوا من الوثنيين، ولذلك لم تكن لسرجيوس في نفوسهم منزلة ومكانة، وذكر أهل الأخبار أن من بين فرق النصرانية أو الفرق التي هي بين بين -بين النصرانية والصابئة دين يقال له الركوسية، وذكروا أن الرسول قال لحاتم الطائي:"إنك من أهل دين يقال له الركوسية"، ولكني أشك في صحة هذا الحديث؛ إذ كانت وفاة حاتم قبل مبعث الرسول، ولم يثبت أنه التقى به1.
1 المفصل جـ6 ص633، ص634 وأيضا أسد الغابة جـ3 ص392، اللسان جـ7 ص405، تاج العروس جـ4 ص163.
2-
المسيحية والرسول:
وبعد ذلك فنستطيع القول عن الأثر المسيحي، وزعم القول به على الرسول من خلال ما سبق أن نزعة التبشير في المسيحية إلى الاضطهاد الذي تعرضت له من الدولة الرومانية، هذه النزعة ظهرت للمرة الأولى بعد استشهاد القديس أسطفانوس، وما تلاه من اضطهاد، ولم يكن الاضطهاد هو السبب الوحيد في انتشار المسيحية، ولكنه كان سببًا من أسباب انتشارها ولعله كان من أهم الأسباب:
وكان من نتائج هذا الاضطهاد لجوء بعض المسيحيين -على أثره- إلى بلاد ما بين النهرين خارج الإمبراطورية الرومانية، وبذلك استطاعوا أن ينشئوا كنيسة ما بين النهرين، خصوصًا فيما حول "الرها" في هذه الكنيسة ظهرت المسيحية: بآدابها وبلغتها السريانية، والترجمة للكتاب المقدس إلى السريانية كانت عن النص العبري، وليست عن النص اليوناني.
وأصبحت "الرها" بتمايزها السرياني: كنيسة، ومدرسة، مركزًا مشعا وطيد الأركان، ذا شهرة واسعة بين سكان ما بين النهرين، وفارس وممن يتكلمون السريانية باعتبارها مركزا كنسيًّا للشعوب المتكلمة بالسريانية، فإنها مثلت الجانب السرياني من الحياة العقلية، وضارعت به الإسكندرية، وانتشرت اللغة السريانية تدريسًا وتعليقًا في الرها، ونصيبين، وحران.
ومن هنا ظهر تمايز بين كنيستين في الشرق من حيث الوسائل التعليمية:
- كنيسة الإسكندرية: وهي يونانية ذات شكل مسيحي.
- كنيسة سريانية: مسيحية في تقاليدها1.
وقد أدى هذا التمايز في الأسلوب إلى حساسية مفرطة، أخذت تزداد بفضل النعرة العنصرية، بين السريان، والهلينيين: ثقافة أو جنسًا أدى إلى تأليب الإسكندرية "الكنيسة الجامعة"، والسياسة الإمبراطورية على الكنيسة السريانية، ورأت الإمبراطورية -من وجهتها السياسية- أن في هذا تمردًا على السلطان: سلطانها السياسي من جهة، وعلى الكنيسة الجامعة من جهة أخرى، ومن هنا راحت تقضي بعنف على تلك الكنائس المحلية، ذوات الصبغة القومية، أو المنزع الاستقلالي لغة ودينا.
هذا من حيث الموقف السياسي.
وأما من الناحية الدينية -وهي التي تكمن وراء هذا الاختلاف بين أنطاكية والإسكندرية وما بينهما من منافسة وميول متعارضة- فإن الكنيسة السريانية كانت تنزع إلى تناول اللاهوت بما يمكن أن نسميه تناولا عقليا -مشوبا بالحذر- بقدر ما يحتاج إليه النص المقدس: من حيث الفهم، أو التأويل.
وأما الإسكندرية: فكانت تميل إلى تناوله تناولا فلسفيا يوافق القوعد اليونانية، أو تناولا رمزيا، وفق رمزية الهند وفارس، وقد تعدى الخلاف الشكلي إلى انقسام حقيقي في العقيدة.
فأصبحت الكنيسة السريانية تذهب إلى إنكار إمكان إطلاق لقب والدة الإله على العذراء مريم، ذاهبة إلى أنها لم تكن إلا أُمًّا لعيسى؛ باعتباره بشرًا آدميًّا، وطرد في سبيل ذلك نسطورس بقرار من مجمع أفسوس سنة 431 بزعامة كرلس، بطريرك الإسكندرية، ولكن السريان لم يقبلوا هذا القرار، ورفضوا قرارات المجمع، وانفصلوا، وعرفوا باسم النساطرة، وانبرت الرها تعضد نستوريوس2 بوجه عام، واقترن النساطرة بالرها والمنطقة العربية عموما.
1 يراجع: ما كتبناه عن أنطاكية في هذا الكتاب.
2 رجع نستوريوس إلى الدير الذي جاء منه بالقرب من أنطاكية، ثم نُفي إلى البتراء في بلاد العرب وتوفي بعد عام 439 بقليل، ولعل معلومات الشهرستاني عن نسطورا غير دقيقة فيقول: النسطورية أصحاب نسطور الحكيم، الذي ظهر زمان المأمون، وتصرف في الأناجيل بحكم رأيه.