الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجوس هجر وهم غير أهل كتاب، فنزلت:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} . [المائدة: 108] .
وذلك قلٌّ من كثر، ذكرناه لبيان لقيمة الكتاب لدى الباحث، الذي يريد رسم منحنى بياني لانتشار اليهودية، والمسيحية، والمجوسية في شبه الجزيرة، وما فتحه المسلمون من البلاد والدول.
يقول المقدسي في معرض ذكره شرائع أهل الجاهلية ومللها: "كان فيهم من كل ملة ودين. وكانت "الزندقة، والتعطيل" في قريش، "والمزدكية والمجوسية" في تميم، واليهودية والنصرانية في غسان، والشرك وعبادة الأوثان في سائرهم.
ونستطيع أن نقول: إن قلب الجزيرة العربية في مكة استقبل تيارات متضاربة من الأفكار، والمذاهب، والديانات؛ مثل المزدكية واليهودية والمسيحية الشرقية، والبوذية، والعقائد السحرية الآتية من بلاد الزنوج، وكلها نجد لها ردود فعل في القرآن الكريم.
لكن السؤال هو: إذا كانت الاتجاهات الدينية وجدت في مكة كلها، أو أكثرها، وفدت إليها من خارج فما هو الاتجاه الديني لمكة؟
نبي الله إبراهيم والجزيرة العربية:
عصر إبراهيم الخليل يرجع تاريخه إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد، وهو عصر عربي بحث قائم بذاته وبلغته، وهى مرتبطة بالجزيرة العربية وبلغتها وبقبائلها التي سميت فيما بعد: بالعرب البائدة لانقراضها.
وقد كانت القبائل العربية المعروفة بالقبائل البائدة آنئذ على قيد الحياة في جزيرتهم في هذا العهد، وقد أدت دورًا مهما في تنمية الحضارة العربية السامية.
وقد نبه "القرآن الكريم" على ذلك بربط صلة إبراهيم الخليل بالجزيرة العربية، وبيت الله العتيق، وليس بفلسطين.
وإن الأثريين ميزوه عن الأدوار التالية، وأطلقوا عليه تسمية:"عصر الجوالين".
ومن المهم ذكره في هذا الصدد أن القرآن الكريم كان أول كاشف لنا عن هذه الحقيقة، وقد جاءت المكتشفات الأثرية حول الهجرات السامية ودراسة علم المقارنة بين اللغات مؤيدة لهذه الحقيقة نفسها التى تربط صلة إبراهيم بجزيرة العرب.
والتوراة ترى أن أرض فلسطين باعتراف التوراة ذاتها كانت أرض غربة بالنسبة إلى آل إبراهيم وآل إسحاق وآل يعقوب؛ إذ كانوا مغتربين في أرض فلسطين بين الكنعانيين سكانها الأصليين، والتوراة تتحدث عنهم بصفتهم غرباء وافدين طارئين على فلسطين1.
أما وطنهم الأصلى فهو "أرام النهرين" أي منطقة حران "حران الحالية" حيث كانت العشائر الآرامية، المنتمية إليها قد استقرت عند منابع نهر البليخ بعد هجرتها من الجزيرة العربية2.
ثم نزحت فروع من هذه القبائل إلى جنوب العراق "منطقة بابل" فكان إبراهيم الخليل من ذريتها، وقد وردت كلمة "اغتراب" كلما ذكر تنقل إبراهيم في فلسطين وفي مصر، فقيل:"تغرب إبراهيم في أرض الفلسطينيين"3.
1 وقال إبراهيم لعبده كبير بيته المستولي على ما كان له: ضع يدك تحت فخذي فأستحلفك بالرب إله السماء وإله الأرض لا تأخذ زوجة لابني من بنات الكنعانيين؛ أنا ساكن بينهم؛ بل إلى أرضي وإلى عشيرتي تذهب وتأخذ زوجة لابني إسحاق "تك 24: 2-4"، "ثم أخذ العبد عشرة جِمال من جِمال مولاه، ومضى وجميع خيرات مولاه في يده، فقام وذهب إلى آرام النهرين إلى مدينة ناحور""تك 40: 2-10"راجع أيضا "تك 24: 33-38".
2 أليست هذه عادة أصيلة لا علاقة لها بالتقاليد اليهودية؟ ثم ألا يستشف منه أن سيدنا إبراهيم الخليل "عليه السلام" كان غريبا وفردا في أرض كنعان؟ أو لم يكن بإمكانه فيما لو كان هناك يهود من عشيرته تزويج ولده من إحدى بناتهم بدلا من إرسال عبده إلى آرام النهرين؛ لِجلبه عروسًا لابنه من هناك فلا يفرح بزواج ولده إسحاق؛ راجع أيضا: 28: 1-2 "تك 47- 9".
3 يحب التمييز هنا بين بنى إسرائيل عند هجرتهم إلى مصر في القرن السابع عشر قبل الميلاد وهم أسرة واحدة لم يتجاوز عدد أفرادها السبعين شخصًا، وبين قوم موسى عندما نزحوا إلى فلسطين في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، لأن أسرة إسرائيل انصهرت وذابت في المجتمع المصرى على مر الزمن بحيث لم يبق لها أي أثر عندما غزا النبي موسى عليه السلام وأتباعه أرض فلسطين بعد خروجهم من مصر بعد مرور حوالي ستمائة عام على زمن دخول أسرة يعقوب إلى مصر. لقد كان هؤلاء يؤلفون حملة مصرية بحثة أكثرها من بقايا الهكسوس ومن الجنود المصريين الفارين كما سنوضح ذلك فيما بعد.
و"انحدرا إبرام إلى مصر للتغرب هناك"1 وانتقل إبراهيم إلى أرض الجنوب وسكن بين قادش وأشور في جرار2
…
ولما اشترى إبراهيم مغارة المكفيلة من الحيثيين في حبرون قال لهم: "أنا غريب ونزيل عندكم، أعطوني ملك قبر معكم لأدفن ميتي"3، ومثل ذلك ورد في التوراة فيما يخص إسحاق ويعقوب:"وسكن يعقوب في أرض غربة أبيه كنعان4" وجاء يعقوب إلى إسحاق أبيه في حبرون؛ حيث تغرب إبراهيم وإسحاق5، "تصرخ وتقول أمام الرب إلهك: أراميا تائها كان أبي فانحدر إلى مصر وتغرب هناك"، وهكذا فلا يمكن أن تكون كلمة "تغرب" بمعنى اتجه نحو الغرب؛ لأن ورود كلمة "أرض الغربة" تنفي هذا الاحتمال.
ثانيًا: إن أنباء إسرائيل الاثني عشر ولدوا كلهم باعتراف التوراة في فران آرام منطقة حران6 حيث مكث يعقوب المسمى إسرائيل عشرين سنة7، ويعني ذلك أن مولدهم ونشأتهم كانا خارج فلسطين، وهؤلاء هم بنو إسرائيل الذين ورد ذكرهم في التوراة.
{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا} 8، "قرآن كريم".
يتضح مما تقدم أن تسمية إبراهيم "إبراهيم الخليل" بالعبرانى كما في التوراة كان يراد بها معنى "العبريين"؛ أي القبائل البدوية العربية، والقبائل الآرامية التي
1 تك:" 32: 1: 10.
2 تك: 20: 1.
3 تك: 23: 4.
4 تك: 37: 1.
5 راجع أيضا: "وظهر الرب لإسحاق وقال: لا تنزل إلى مصر اسكن في الأرض التي أقول لك تغرب في هذه الأرض" تك "26: 1-3".
6 تك "35: 27" راجع أيضا ثم أخذ عيسو نساءه وبنيه وبناته وجميع نفوس بيته من وجه أخيه يعقوب لأن أملاكهما كانت كثيرة على السكن معا ولا تستطيع أرض غربتهما أن تحملهما من أجل مواشيهما. تك 26: 6-7.
7 وكان بنو يعقوب اثني عشر أخا، بنو ابنه: روابين وشمعون ولاوي ويهوذا وعساكر وزبولون، وابنا راحيل: يوسف وبنيامين، وابنا بلهة جارية راحيل: دان ونفتالى وابنا زلقة جارية ليئة وأشير وهؤلاء بنو يعقوب الذين ولدوا في فران أرام "تك 15: 23-26".
8 الآية 67 من سورة آل عمران.
ينتمي إليها الخليل نفسه. وبهذا المعنى جاءت كلمة "عبيرو" التي عثر عليها في النصوص المصرية والتي تعود إلى القرنين الخامس عشر والرابع عشر قبل الميلاد، ويعترف جورج بوست في مصنفه "قاموس الكتاب المقدس" بأن لقب إبرام بالعبراني لم يقصد به الإسرائيلي وإنما يمكن تأويله على تعبيره بإبرام السائح أو المهاجر1؛ فقد عثر في تل العمارنة بمصر على ست رسائل من أحد ملوك منطقة أورشليم الكنعانية اسمه "عبد خيبا" موجهة إلى فرعون مصر أمنوفيس الرابع يتكلم فيها عن "العبيرو" الذين اجتاحوا بلاده. ولما كانت أرض فلسطين في هذا الدور محمية مصرية فإن "عبد خيبا" يقول في رسائله: لم يبق في أرض مولاي الملك شيء.. نهب "العبيرو" كل البلاد من سيد الملك.. البلاد وقعا في أيدى "العبيرو". ومن الواضح هنا أنه يمكن أن يكون "العبيرو" الذين ورد ذكرهم في هذه الرسائل هم اليهود. وهكذا في التوراة حين تصف إبراهيم الخليل بالعبراني تساير واقع الحال باعتباره من قبائل الخبيرو "العبيرو" التي ينتمى إليها، أي القبائل الأرامية، قبل أن يكون لليهود وجود بعد. ويؤيد ذلك المستشرق توردارسون، أستاذ اللاهوت في جامعة أيسلندا، فيرى أن إبراهام شبه بدوي ينتمي إلى القبائل القديمة المسماة بالعبيرو ولعله ينحدر من هذا العرق القبائلي نفسه2، فقد عاش إبراهيم في القرن التاسع عشر قبل الميلاد، أي في زمن يسبق عهد موسى بسبعمائة عام. وقد ظلت هذه التسمية، أي تسمية عبري وعبراني، تطلق على الجماعات من القبائل النازحة من البادية ومن جهة فلسطين إلى مصر وعلى هذا الأساس صار المصريون يسمون الإسرائليين بالعبرانيين باعتبارهم من تلك الجماعات البدوية3.
1 يلاحظ أن هذه العبارة قد حذفت من الطبعة الجديدة لقاموس الكتاب المقدس لعام 1971، بل وأكثر من ذلك حذفت جميع الدراسات العملية التي قام بها العلامة جورج بوست ليوضع مكانها، خلافا لما جاء في المقدمة -ما يؤكد ربط اليهود بعصر إبراهيم الخليل واعتبار كلمة عبرانيين شاملة لكل أدوار اليهود التاريخية التي تبدأ بإبراهيم الخليل وفقا للتقاليد اليهودية التي تعتبره جد اليهود، ويلاحظ أيضا أن هذا القاموس الجديد يدعم النظرية الصهيونية الحديثة التي تعتبر جميع الأسماء الواردة في التوراة من أسماء أشخاص وأماكن عبرية أي يهودية بقصد إرجاعها إلى عهد العبريين "العبيرو" عن طريق الاستغلال في ذلك الخلط بين العبري واليهودية الذى سار عليه في وقت متأخر للتمويه. إن العبرية القديمة هي في الحقيقة لغة عهد "العبيرو" أي الكنعانيين؛ لأن العبرية بمعنى اليهودية متأخرة ولم تكن قد وجدت في ذلك العهد القديم. من ملاحظات -د. سوسة في كتابه السابق.
2 انظر ما تقدم عن الأخلامو والخبيرو في بحث الآراميين في الفصل الأول.
3 دائرة المعارف البريطانية 1925، م1، ص45.