الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم يقول: وتظهر أعظم قوة لها في أنه قد عرض المادة القديمة في شكل جديد جدة تامة، فهنا مثلا أي تشابه بين اليهودية والإسلام، أو المسيحية والإسلام في هذا المقام الذى عرضناه.
ثم نقول أخيرًا: أي تشابه بينه وبين الهلينية، التي قررت الوثنية منذ أن بدأ الإنسان اليوناني يفكر من خلال مدارسه الطبعية عندما أجاب على سؤال: مم يتكون العالم؟ أمن الماء أم من التراب، أم من النار؟، حصر فكره فيها، ومن هنا تأسست الوثنية التي قررت أن مظاهر الطبيعة صالحة للعبادة حينما أسندت لها قدرة الكون والفساد أو التدبير.
الوساطة بين الإنسان والله
مدخل
…
الوساطة بين الإنسان والله:
المشكلة الثانية: أن الاتصال بالله لا يحتاج إلى وساطة الوحي:
إن اتخاذ وسيط بين الله والروح الإنسانية سمة كل الأديان والمذاهب الروحية القديمة من صابئة ومجوسية ووثنية وشرك، والوساطة قد تتنوع بتنوع المذاهب المختلفة:
- ففي الدين السماوى: تظهر في الوحي الإلهي في الإسلام، أو "الكلمة" في المسيحية، أو اليهودية، وهذه الوساطة لا شرك معها ولا تأثيم؛ لأنها توجه صاحبها إلى عبادة الله وتوحيده. فالوساطة هنا ليست معبودة، وإنما لها مظهر من مظاهر العبادة: وهو التقديس.
- وفي الفلسفة: تظهر في العقل الفعال، وبوساطته كان الفيض الإلهي، وهذه فكرة فلسفية ترجع إلى التراث اليوناني، وهذا أول ميل فكري نحو الشرك المنزه عن المادة.
- والديانات الوضعية في الشرق: تميل إلى فكرة الوساطة المجسدة، إما في شكل نار، أو حيوان، أو جمادات، ويشترك مع نزعة الشرق الفلاسفة الطبعيون الأول في اليونان وذلك حينما اعتبروا العناصر من ماء وهواء ونار وتراب أصل العالم.
فالمظاهر المادية التي رافقت الإنسان في تفسيره لله وشابت علاقته به كانت أصلا لنشأة الوثنية؛ لأنها اعتبرت مبادئ مدبرة وإلهية لا مادة للعالم.
فالوساطة: إما أن تكون موجهة إلى التوحيد، وإلى السلوك الطبعي للعبادة، وذلك: كالوحي أو الكلمة فلا شرك فيها ولا ميل إلى الشرك.
أما أن تكون الوساطة شركا، أو داعية إلى الشرك، وذلك إذا كان الوسيط يقوم مقام الله أو يشترك مع الله، ويقوم الإنسان بعبادته أو يعتقد فيه في حاجة إلى وسيط.
واضح أن فكرة الوساطة "الشريك" نشأت بعيدا عن الدين السماوي، وليس ذلك فحسب بل إن الدين السماوي نبذها وحاربها بمختلف وسائل المحاربة.
فالوساطة التي أنشأها الإنسان؛ ليعبدها تجدها نشأت إما في مجتمع خالٍ من الدين فابتدعها الإنسان تعبيرا عن ميله الفطري للعبادة، وإما أنها نشأت في مجتمع حافل بالفكر الذى يكثر القول عن السبب الاسمى، فإن استطاع الفيلسوف تصور قيمة هذه الفكرة، فإن عوام المجتمع سوف يهربون من تلك التصورات المنطقية الجافة ثم يقعون وهم يفرون من فكرة العقل الفعال في نظر الفلاسفة في حوزة الوسيط المجسد؛ لأن الوصول إليه عسير.
والكائنات التي رشحها الإنسان للعبادة ليست وسطاء بين الله والعالم فقط بل بين الله والنفس الإنسانية المتعطشة للدين حتى إنها؛ لاستحالة صعودها إلى أعلى وانبهار بصرها من التأمل لا يسعها إلا الوقوف عند درجة أدنى.
فمذهب الوسطاء ليس مؤداه استحالة خلق الله للعالم بل استحالة وصول النفس مباشرة إلى الله.
وما نستخلصه من وراء مذاهب عبادة الوسطاء وجود الروح الدينية العميقة المتغلغلة في النفس الإنسانية وأنها سلكت الإنسان طريق العبادة وطريق الفكر الميتافيزيقي.
وإذا كان فراغ المجتمع الإغريقي من الدين لم يستطع أن يلغي الإحساس بضرورة الحاجة إلى العبادة، وذلك باستحداثه أنماطا من الوساطات الدينية؛ ليدين لها.
وإذا كان الفكر الفلسفي لم يستطع أن يقدم للإنسان شيئا عن الله وعن علاقته به