الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(الأمر
حقيقة في القول المخصوص اتفاقًا، وفي الفعل مجاز.
وقيل: مشترك، وقيل: متواطئ.
لنا: سبقه إلى الفهم، ولو كان متواطئًا لم يفهم الأخص، كحيوان في إنسان.
واستدل: لو كان حقيقة لزم الاشتراك، فيخل بالتفاهم.
وعورض: بأن المجاز خلاف الأصل فيخل بالتفاهم، وقد تقدم مثله.
التواطؤ: مشتركان في عام، فيجعل اللفظ له دفعًا للمحذورين.
وأجيب: بأنه يؤدي إلى رفعهما أبدًا، فإن مثله لا يتعذر، وإلى صحة دلالة الأعم للأخص، وأيضًا فإنه قول حادث هنا).
أقول: لما فرغ مما يشترك فيه الكتاب والسنة والإجماع من السند، شرع فيما يشترك فيه من المتن.
فمنه الأمر:
ولفظ الأمر، وهو «أم ر» حقيقة في القول المخصوص، الذي هو الصيغة الدالة على الطلب اتفاقًا، وسُمي هذا اللفظ لفظًا، كقولهم:«قام» فعل ماض، و «في» حرف جر، وليس كقولنا: الأسد حقيقة في الحيوان المفترس.
والأمر قسم من أقسام الكلام، سواء قلنا: الكلام هو المعنى القائم بالنفس، أو بالعبارة الدالة بالوضع، ويطلق الأمر على الفعل، ومنه: {وما
أمر فرعون برشيد} ، والأكثر على أنه فيه مجاز، وقيل: مشترك بين القول المخصوص والفعل، وقيل: للقدر المشترك بين القول المخصوص والفعل.
قلت: وهذا القول غير موجود، وأيضًا يبطل اتفاقه الذي صدر به؛ لأنه إذا كان حقيقة للقدر المشترك، كان مجازًا في الخصوصيات، إلا إذا أطلق على الخصوصيات باعتبار ذلك المعنى.
وقد يُجاب عن الثاني: بجواز أن يكون مشتركًا بالاشتراك اللفظي بين القدر المشترك بين القول المخصوص والفعل وبين القول المخصوص، لكن دليله وهو أنه يسبق القول إلى الفهم يرده، على أنه يبطل من ناحية أخرى لوجود الخلاف في الأمر، أهو حقيقة في النفسي مجاز في اللفظي، أو
بالعكس، أو بالقدر المشترك بينهما؟ .
لنا: سبق القول المخصوص إلى الفهم عند الإطلاق من غير قرينة، فكان فيه حقيقة غير مشترك بينهما، وإلا لما تبادر شيء منهما، وغير متواطئ، وإلا لكان أعم في القول المخصوص، فلم يفهم منه القول المخصوص؛ لأن الأعم لا يفهم منه الأخص، كما أن الحيوان لا يتبادر منه عند الإطلاق فهم الإنسان، فمعنى كلامه: كحيوان في فهم إنسان منه.
واستدل: لو كان حقيقة في الفعل لكان مشتركًا؛ إذ لا شك أنه حقيقة في القول المخصوص، واللازم باطل لإخلاله بالتفاهم.
الجواب: لو لم يكن حقيقة لزم المجاز، واللازم باطل لإخلاله بالتفاهم.
واعلم أن عدم منع المصنف الملازمة مستند إلى جواز التواطؤ يحقق بطلان الاتفاق الذي ذكر، لأنه رآه إذا كان حقيقة في الفعل لا يكون حقيقة في المشترك، وكذلك يلزمه هناك.
ولا يقال: إنما لم يمنعه / مستندًا إلى ما ذكر؛ لأنه لا يدفع الاشتراك اللفظي؛ لأنه حقيقة في القول أيضًا، فلو كان حقيقة في القدر المشترك لزم الاشتراك.
لأنا نقول: إنما لا يندفع لو لم يكن كون الأمر حقيقة في القول
المخصوص باعتبار الشأن والشيء، وهو ممنوع.
ثم اعلم أن هذه المعارضة ضعيفة على ما سبق له من أن المجاز خير.
احتج القائل بالتواطؤ: بأن القول المخصوص والفعل مشتركان في معنى عام، وهو الشيء والشأن، فيجعل اللفظ للمشترك دفعًا لمحذور المجاز والاشتراك.
الجواب: متى يجب جعل اللفظ للقدر المشترك مع وجود ما يدل على المجاز أو الاشتراك أو لا، الأول ممنوع وإلا أدى إلى رفع المجاز والاشتراك، فإنه لا يتعذر وجود معنى عام في شيء من مواضع الاشتراك والمجاز، والثاني مسلّم ولكن لا نسلّم عدم ما يدل على أحدهما، فإن ما ذكرنا من سبق الفهم يدل عليه.
والمجاز والاشتراك وإن كانا خلاف الأصل، لكن إذا دلّ عليهما دليل صارا موافقين للأصل، وإلى هذا المعنى أشار في المنتهى، حيث قال: وأجيب: بأن ذلك إنما يستقيم لو لم يدل دليل على خلافه، وإلا وجب رفعهما أصلًا، فإنه لا يتعذر في كل موضع.
وثانيًا: بأنه يؤدي إلى صحة دلالة الأعم على الأخص.
وثالثًا: بأنه قول حادث يرفع كونه حقيقة بالقول المخصوص بخصوصه،
وأنه مجمع عليه، فوجب ردّه، وصاحب الإحكام لم يورده مذهبًا، بل على سبيل الإيراد بأن قال: لم لا يجوز أن يكون متواطئًا؟ ثم أتى بالأجوبة.
قال: (حدّ الأمر: اقتضاء فعل غير كف على جهة الاستعلاء.
وقال القاضي والإمام: القول المقتضى طاعة المأمور بفعل المأمور به.
وردّ: بأن المأمور مشتق منه، وأن الطاعة موافقة الأمر، فيجيء الدور فيهما.
وقيل: خبر عن الثواب على الفعل.
وقيل: عن استحقاق الثواب.
وردَّ: بأن الخبر يستلزم الصدق أو الكذب، والأمر يأباها).
أقول: لما ذكر أن «أم ر» يُطلق على القول المخصوص حقيقة فيسمى أمرًا، والأمر أحد أقسام الكلام، سواء قلنا: الكلام هو المعنى القائم بالنفس، أو هو العبارة الدالة بالوضع، عرّفه باعتبار أنه قسم من الأول، ثم نقل تعاريف منكري النفساني القائلين إنه قسم من الثاني.
ولما كان رأي الأشعري هو الأول بدأ به، وكان الأولى أن يحدّه بالاعتبار الثاني فقط كما فعل في تعريف القرآن؛ لأنه حظ الأصولي، وذلك حظ المتكلم.
وأيضًا إذا كان حقيقة في القول المخصوص وهو صيغة كما تقدم،
فالمناسب / حدّه باعتبارها، وهذا الذي حدّه إنما هو لمدلول القول المخصوص فهو لمدلول الأمر، فالاقتضاء جنس.
وقوله: (غير كفّ) يخرج النهي؛ لأنه عنده فعل، وهو كف.
وقوله: (على جهة الاستعلاء) يخرج الدعاء والالتماس، والأشعري لا يشترط الاستعلاء، واشترطه أبو الحسين البصري، والحق عدم اشتراطه؛ لقوله تعالى حكاية عن فرعون:{ماذا تأمرون} .
لا يقال: فيكون السؤال والالتماس للوجوب، ويكون التارك مستحقًا للعقاب؛ لأن الأمر للوجوب كما سيأتي.
لأنا نقول: ذلك يقتضي إيجاب السؤال وإلا أنه لا يتقرر الوجوب؛ إذ لا يلزم المسئول القبول، ولا يكون سببًا إلا بعد تقرر الوجوب.
وعرّفه القاضي - وتابعه جماعة - بأنه: القول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به.
وردّه المصنف: بأنه يشتمل على الدور من وجهين:
أحدهما: أن المأمور - وهو واقع في الحدَّ مرتين - مشتق من الأمر، فتتوقف معرفته على معرفته.
وثانيهما: أن الطاعة موافقة الأمر، والمضاف من حيث هو مضاف لا
يُعرَّف إلا بمعرفة المضاف إليه.
وقد يُدفع الدور: بأن تميز الأمر غير تصور حقيقته، فتميزه كافٍ في تصور هذه الأمور، والمطلوب تصور حقيقته.
ودفعه بعضهم: بأنهما يتوقفان على الأمر اللغوي، والحدّ للأمر الاصطلاحي.
وعرَّفه بعض الأشاعرة: بأنه خبر عن الثواب على الفعل، وقال آخرون منهم: خبر عن استحقاق الثواب على الفعل؛ لئلا يلزم الخلف في الخبر عند عدم الثواب إذا أحبط عمله.
واعترض عليهما: بأن الخبر يستلزم إما الصدق وإما الكذب؛ إذ لا يخلو عن أحدهما قطعًا، والأمر ينافيه، فإنه لا يكون صدقًا ولا كذبًا، وتنافي اللازمين دليل تنافي الملزومين، فلا يجعل الخبر جنسًا للأمر.
قال: (المعتزلة لما أنكروا الكلام النفسي قالوا: قول القائل لمن دونه «افعل» ونحوه، ويرد التهديد وغيره، والمبلغ والحاكي والأدنى.
وقال قوم: صيغة «افعل» بتجردها عن القرائن الصارفة عن الأمر.
وفيه: تعريف الأمر بالأمر، وإن أسقطه بقية صيغة «افعل» مجردة.
وقال قوم: صيغة «افعل» بإرادات ثلاث: وجود اللفظ، ودلالته على الأمر، والامتثال، فالأول عن النائم، والثاني عن التهديد ونحوه، والثالث عن المبلغ.
وفيه تهافت؛ لأن المراد إن كان اللفظ فسد؛ لقوله: إرادة دلالته على الأمر، وإن كان المعنى فسد؛ لقوله: الأمر صيغة «افعل» .
وقيل: إرادة الفعل.
وردّ: بأن السلطان لو أنكر متوعدًا بالهلاك ضرب سيدٍ لعبد، فادعى مخالفته، وطلب تمهيد عذره لمشاهدته، فإنه يأمر ولا يريد؛ لأن العاقل لا يريد هلاك نفسه، وأورد مثله على الطلب؛ لأن العاقل لا يطلب هلاك نفسه، وهو لازم.
والأولى / لو كانت إرادة لوقعت المأمورات كلها؛ لأن معنى الإرادة تخصيصه بحال حدوثه، فإذا لم يوجد لم يتخصص).
أقول: أما المعتزلة لما أنكروا الكلام النفسي، وكان الطلب نوعًا منه لم يمكنهم تعريفه به، فعرّفوا تارة باعتبار اللفظ، وتارة باعتباره مقترنًا بصفة الإرادة، ومن قال بأنه نفس الإرادة، فإنما قال حين انسدت عنه طرق التعريف، وتبين له أن الأمر غير الصيغة، التعريف الأول للبلخي، وأكثرهم أنه قول القائل لمن دونه:«افعل» ونحوها، في الدلالة على مدلوله من العربي وغيره.
ويرد على طرده قول القائل لمن دونه: «افعل» تهديدًا وتعجيزًا، أو إباحة
أو غير ذلك، فإنها ترد لستة عشر معنى، وقول القائل لمن دونه:«افعل» إذا بَلَّغ إليه أمر الغير إياه، وكذا الحاكي.
ويرد على عكسه: «افعل» إذا صدر من الأدنى على سبيل الاستعلاء، فإنه أمر، ولذلك يدفع بأنه أمر من هو أ‘لى منه.
وعرّفه قوم منهم: بأنه صيغة «افعل» مجردة عن القرائن الصارفة عن الأمر إلى تهديد وغيره.
واعترض: بأنه فيه تعريف الأمر بالأمر، فإن أسقط هذا القيد بقيت صيغة «افعل» مجردة، فيرد ما تقدم.
أما من عرّفه باعتبار اللفظ مقترنًا بصيغة الإرادة فقال: صيغة «افعل» بإرادات ثلاثة: إرادة وجود اللفظ، وإرادة دلالتها على الأمر، وإرادة الامتثال، واحترز بالأول عن النائم، وبالتالي عن التهديد ونحوه، وبالثالث عن المبلغ والحاكي.
واعترضه المصنف: بأن فيه تهافتًا؛ لأن المراد بالأمر المذكور في الحدّ إن كان اللفظ فسد؛ لقوله: وإرادة دلالتها على الأمر؛ إذ الصيغة لم يرد دلالتها على اللفظ، وإن كان المعنى فسد؛ لقوله: الأمر صيغة «افعل» ، والمعنى ليس صيغة.
وقد يجاب عنه: بأن الأمر المذكور في الحدّ المراد به المعنى، والمعرف
المراد به اللفظ، لكن يلزم استعمال اللفظ المشترك في التعريف من غير قرينة، وبقيد أيضًا بلزوم الدور؛ لأن الامتثال فعل المأمور به على الوجه الذي أمر به، فيتوقف عليه [بمرتبتين].
أما من عرّفه بأنه: إرادة الفعل، فاعترض عليه بأنه غير منعكس؛ إذ لو ضرب رجل عبده فأنكر السطان على السيد وتوعده بالهلاك، فادعى السيد مخالفة العبد لأوامره؛ ليدفع عن نفسه ما توعد به، فإنه يأمر عبده بحضرة السلطان ليعصيه، ويشاهد السلطان عصيانه، فيزول إنكاره ويخلص من الهلاك! فهو قد أمر، وإلا لم يظهر عذره وهو مخالفة الأمر، ولا يريد منه الفعل؛ لأنه لا يريد ما يفضي إلى هلاك نفسه.
وهذا وارد على الذي / قبله؛ لعدم إرادة الامتثال، وأورد المعتزلة هذا الإيراد على تعريف الأشاعرة الأمر بأنه طلب فعل غير كفّ على جهة الاستعلاء، فإن السيد في الصورة المذكورة آمر، فلو كان الأمر هو الطلب، لزم أن يكون العاقل طالبًا هلاك نفسه، واعترف المصنف بوروده. والحق الفرق بأن العاقل يطلب ما يختار وما يكره إذا علم أنه لا يقع، ولا يريد إلا ما يختار.
ولما كان هذا الرد يستلزم عند المصنف ردّ تعريف أصحابنا، قال المصنف: الأولى في ردّ كون الأمر إرادة فعل العبد، أنه لو كان كذلك
لوقعت المأمورات كلها، أما الملازمة؛ فلأنه لا معنى لتعلق الإرادة بالشيء سوى تخصيصها للشيء المراد بوقت حدوثه، وتخصيص الفعل بحال حدوثه لا يكون من غير حدوث الفعل ووقوعه؛ إذ كلما لم يوجد لم يتخصص، وينعكس بعكس النقيض، كلما تخصص الفعل بحال حدوثه كان موجودًا، فلو كانت المأمورات كلها مرادة، لزم أن تكون واقعة.
وأما بطلان التالي؛ فلأن الكافر الذي يموت على كفره مأمور بالإيمان إجماعًا، والمصنف وصاحب الإحكام اعتمدا به الردّ على هذا الدليل، وهو مبني على أن العبد غير مختار وهم يمنعونه، فلا تكون إرادة الله تعالى لفعل العبد مخصصة له بحال حدوثه عندهم.
قال: (القائلون بالنفسي اختلفوا في كون الأمر له صيغة تخصه، والخلاف عند المحققين في صيغة «افعل» .
والجمهور: حقيقة في الوجوب.
وأبو هاشم: في الندب.
وقيل: للطلب المشترك.
وقيل: مشترك.
الأشعري والقاضي: بالوقف فيهما.
وقيل: مشترك فيهما وفي الإباحة.
وقيل: للإذن المشترك في الثلاثة، والتهديد).
أقول: القائلون بالكلام النفسي اختلفوا في الأمر - بمعنى الاقتضاء - هل له صيغة تخصه؟ . فقال الأشعري: لا، وقال آخرون: نعم.
قال الإمام والغزالي: والذي نراه أن هذه الترجمة عن الأشعري خطأ، فإن قول القائل لغيره:«أمرتك» ، و «أنت مأمور» ، صيغة خاصة بالأمر بلا شك، إنما الخلاف في صيغة «افعل» ، هل هي مختصة بالأمر أم لا؟ لكونها مترددة بين ستة عشر معنى.
وقد يقال: «أمرتك» ، و «أنت مأمور» لا يدل بصيغته على الاقتضاء المذكور بل بمادته، ثم «أمرتك» ، و «أنت مأمور» يطلق على الصيغة الدالة
عليه، فلا يكون مختصًا بالاقتضاء.
وقال صحاب الإحكام: «وما قالاه لا يرفع الخلاف؛ إذ الخلاف في أن الأمر له صيغة إنشائية تخصه أم لا؟ وما ذكره إخبار عن الأمر لا إنشاء، وإن استعمل في الإنشاء كصيغ العقود» .
قال: والجمهور وهو مذهب مالك والشافعي، أن صيغة الأمر - ونعني به صيغة «افعل» - حقيقة في الوجوب إذا عريت عن القرائن، واستعمالها في غيره بطريق المجاز، وهذا ينافي اختياره قبل هذا أن المندوب مأمور به.
وقال أبو هاشم: إنه حقيقة في الندب.
وقيل: حقيقة في الطلب المشترك بين الوجوب والندب.
وقيل: مشترك بين الوجوب والندب اشتراكًا لفظيًا.
وقال الأشعري والقاضي: بالوقف فيهما، أي لا نعرف أهو حقيقة في الوجوب، أو في الندب، أو مشترك بينهما؟ .
وقيل: مشترك بين الوجوب، والندب، والإباحة.
وقيل: للإذن المشترك بين الثلاثة، وهو الإذن.
الشيعة: مشترك بين الثلاثة والتهديد أيضًا.
قال: (لنا: ثبوت الاستدلال بمطلقها على الوجوب شائعًا متكررًا من غير نكير، كالعمل بالأخبار.
واعترض: بأنه ظن.
وأجيب: بالمنع، ولو سلّم فيكفي الظهور في مدلول اللفظ، وإلا لتعذر العمل بأكثر الظواهر.
وأيضًا: {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} ، والمراد قوله:{اسجدوا} .
وأيضًا: {إذا قيل لهم اركعوا} ، ذم على مخالفة أمره.
وأيضًا: تارك المأمور به عاص، بدليل:{أفعصيت أمري} .
وأيضًا: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} ، والتهديد دليل الوجوب.
واعترضت: بأن المخالفة حملت على مخالفة من إيجاب وندب، وهو بعيد.
قولهم: مطلق.
قلنا: بل عام.
وأيضًا: نقطع بأن السيد إذا قال لعبده: خِط هذا الثوب ولو بكتابة أو إشارة، فلم يفعل، عُدّ عاصيًا.
واستدل: بأن الاشتراك خلاف الأصل، فثبت ظهوره في أحد الأربعة، والتهديد والإباحة بعيد.
والقطع بالفرق بين: «ندبتك إلى أن تسقيني» ، وبين «اسقني» ولا فرق إلا اللوم، وهو ضعيف؛ لأنهم إن سلّموا الفرق؛ فلأن «ندبتك» نص، و «استقني» محتمل).
أقول: احتج على مذهب الجمهور: بأن الأئمة الماضين في كل عصر كانوا يستدلون بصيغة الأمر - المجردة عن القرائن - على الوجوب، وشاع وذاع ولم ينكره أحد، كما في العمل بالأخبار بعينه تقريرًا، أو اعتراضًا، أو جوابًا.
واعترض: بأنه ظن، فلا يجري في مسائل الأصول.
أجيب: بالمنع؛ لأن الإجماع قطعي.
سلمنا: ويكفي الظهور؛ ولذا اكتفى بنقل الآحاد في مدلولات الألفاظ وإلا لتعذر العمل بأكثر / الظواهر؛ إذ المقدور عليه فيها إنما هو غلبة الظن، وأما القطع فغير مقدور عليه.
ولنا أيضًا من الكتاب: قوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} والمراد به قوله تعالى: {اسجدوا لآدم} ، والسؤال للإنكار لا للاستفهام، ولولا أن صيغة «افعل» للوجوب وإلا لو توجه الذم، وكان يقال: ما أوجبت عليّ، والذم على الترك وإن كان متأخرًا عن الوجوب إلا أنا لم نثبت الوجوب به، نعم أثبتنا به العلم بالوجوب، ثم الظاهر أن الوجوب من قرينة {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي} ، والذم على الإباية والاستكبار.
وأيضًا: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} ، ذموا على مخالفة الأمر.
وأيضًا: تارك الأمر عاص، وكل عاص مستحق للعقاب، أما الأولى فلقوله تعالى:{أفعصيت أمري} ، وأما الثانية فلقوله تعالى:{ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم} ، فالأمر للوجوب وإلا لم يستحق تاركه العقاب.
وأيضًا: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} ، هدد على مخالفة
الأمر، والتهديد دليل الوجوب.
واعترض هذا الدليل من وجهين:
أحدهما: لا نسلم أن مخالفة الأمر ترك المأمور به، بل حمله على غير المراد بأن يكون للوجوب، فيحمل على الندب، وبالعكس.
أجاب: بأنه بعيد؛ إذ المتبادر إلى الفهم من قولهم: «خالف أمر سيده» أنه ترك المأمور به، فلا يصرف عنه إلا لدليل.
الثاني: اعتراضهم بأن {عن أمره} مطلق، فلا يعم كل أمر.
الجواب: أنه مصدر مضاف فيعم، مع أنه رتب الأمر بالحذر على مخالفة [الأمر] ، وهو وصف مناسب، فحيث وجدت مخالفة الأمر وجد الأمر بالحذر، فيكون عامًا.
ولنا من جهة العرف: القطع بأن السيد إذا قال لعبده: «خِطْ هذا الثوب» ولو بكناية أو إشارة - فضلًا عن صريح القول - فلم يفعل، عدَّ عاصيًا، ولا معنى للوجوب إلا ذلك.
وقد استدل: بأن الاشتراك خلاف الأصل، فيكون حقيقة في أحد الأربعة فقط مجازًا في الباقي، وليس حقيقة في الإباحة والتهديد؛ لأنه بعيد ولم يقل به أحد، ولاقتضاء الصيغة رجحان الفعل، وليس الندب أيضًا؛ لأنا نفرق بين:«ندبتك إلى أن تسقيني» ، وبين:«اسقني» ، ولو كان للندب لم يكن فرق، فتعين أنه للوجوب، ثم لا فرق بينهما إلا اللوم على الترك وهو معنى الوجوب، وهذا ضعيف؛ لأنهم يمنعون الفرق، وإن سلّموه فلا
يسلمون أنه لا فرق إلا اللوم، بل لأن «ندبتك» نص في الندب، و «اسقني» يحتملهما معًا.
قال: (الندَّب: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ، فرده إلى مشيئتنا.
وردّ: بأنه إنما ردّ إلى استطاعتنا، وهو معنى الوجوب.
مطلق الطلب يثبت الرجحان، ولا دليل مفيد، فوجب جعله للمشترك دفعًا للاشتراك.
قلنا: بل يثبت التقيد، ثم فيه إثبات اللغة بلوازم الماهيات [وهو غير جائز].
الاشتراك يثبت الإطلاق، والأصل الحقيقة.
القاضي: لو ثبت لثبت بدليل
…
إلى آخره.
قلت: بالاستقراءات المتقدمة.
الإذن المشترك كمطلق الطلب).
أقول: احتج القائلون / بأن صيغة «افعل» حقيقة في الندب مجاز في غيره: بما في الصحيحين: «ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم» ، فردّه
إلى مشيئتنا، وهو معنى الندب.
الجواب: لا نسلم أنه ردّه إلى مشيئتنا، بل ردّه إلى استطاعتنا، وهو لازم معنى الوجوب؛ لقوله تعالى:{لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} .
القائل بأنها للقدر المشترك احتج: بأنه ثبت لغةً رجحان جانب الفعل عند الإطلاق، فجعله لأحدهما تقييد من غير دليل، فوجب جعله للمشترك بين الوجوب والندب وهو مطلق الطلب، دفعًا لمحذور المجاز والاشتراك.
الجواب: نمنع أنه لا دليل على التقييد؛ لأن الأدلة السابقة دلَّت عليه.
وثانيهما: أنكم أثبتم اللغة بما يلزم الماهية؛ لأن الرجحان لازم الوجوب والندب لأنه جزء كل منهما، فجعلتم الصيغة له وهو لا يجوز؛ لأن طريق اللغة النقل، أو لأنه يؤدي إلى رفع الاشتراك والمجاز؛ إذ ما من شيئين إلا ويشتركان في لازم، فيجعل اللفظ له.
والاعتراض عليهما: أن العقل إذا كانت معه مقدمة نقلية تثبت به اللغة، وصحة هذا الاستدلال مشروط بعدم ما يدل من المواضع على الاشتراك والمجاز، فلا يلزم رفعه.
احتج القائل بالاشتراك -[وهي ثلاث مذاهب]-: بأنه ثبت إطلاق صيغة «افعل» في الوجوب والندب، والأصل في الإطلاق الحقيقة، فيكون مشتركًا.
ولم يجب المصنف عنه لظهوره؛ لأن المجاز أولى من الاشتراك.
احتج القاضي على الوقف: بأنه لو ثبت كون الأمر للوجوب أو الندب لثبت بدليل، ثم الدليل إما عقلي ولا تثبت اللغة به، وإما نقلي إما آحاد ولا يفيد العلم، وإما متواتر وهو يوجب استقراء طبقات الباحثين، فلا يختلف فيه.
الجواب: منع الحصر لثبوته بالأدلة الاستقرائية المتقدمة، ومرجعها تتبع مظان استعمال اللفظ، ويكفي الظهور في مدلول اللفظ.
احتج القائل بأنه للإذن - وهو القدر المشترك بين الوجوب والندب والإباحة -: بالدليل الذي تقدم للقائل بأنه للقدر المشترك بين الوجوب والندب [والإباحة].
وجوابه كجوابه.