الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كقولنا: «زيد وعمرو متساويان» ؛ إذ لو لم يفد العموم لم يستقم إخبار بمساواة بين شيئين؛ لأن / المساواة بوجه ما غير مختص بهما، بل كل شيئين كذلك كما تقدم، لكنه إخبار يفيد فائدة زائدة، ليس كقولنا:«السماء فوقنا» .
فإذن قولنا: «يستوي» معناه كل وجه استواء ثابت، وهو كلي موجب، وقولنا:«لا يستوي» نقيضه، [للتكاذب بهما عرفًا، ونقيض الكلي الموجب جزئي سالب، فيكون معنى قولنا: «لا يستوي»] بعض وجوه الاستواء ليس بثابت، وهو المدعى.
الجواب: المعارضة بالمثل، وهو أن المساواة في الإثبات للخصوص، وإلا لم يصدق إثبات مساواة؛ إذ ما من شيئين إلا وبينهما نفي مساواة ولو في تعيينهما الخاص، فيكون قولنا:«يستوي» موجبًا جزئيًا بمعنى: بعض وجوه المساواة ثابت، ونقيضه سالب كلي، فيكون «لا يستوي» بمثابة: لا شيء من وجوه المساواة ثابت، وهو المطلوب.
والتحقيق: أن المساواة لا دلالة لها على العموم، وإنما استفيد العموم من النفي الداخل على المطلق.
قال:
(مسألة: المقتضي
وهو ما احتمل أحد تقديرات لاستقامة الكلام، لا عموم له في الجميع.
أما إذا تعين أحدهما بدليل، كان كظهوره.
ويمثل بقوله عليه الصلاة والسلام: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» .
لنا: لو أضمر الجميع، لأضمر مع الاستغناء.
قالوا: أقرب مجاز إليهما باعتبار رفع المنسوب إليهما، عموم أحكامهما.
أجيب: بأن باب غير الإضمار في المجاز أكثر فكان أولى، فيتعارضان فيسلم الدليل.
قالوا، العرف في مثل:«ليس للبلد سلطان» في جميع الصفات المعتبرة.
قلنا: قياس في العرف.
قالوا: يتعين الجميع لبطلان التحكم إن عين، ولزم الإجمال إن أبهم.
قلنا: ويلزم من التعميم زيادة الإضمار، فتكثر مخالفة الدليل، فكان الإجمال أقرب).
أقول: المقتضي بصيغة الفاعل، وهو ورود الكلام على وجه يحتاج في استقامته من صيانته عن الكذب أو غير ذلك إلى إضمار، وذلك المضمر هو المقتضي، ودلالة الدليل على أن الكلام لا يصح إلا بإضمار، هو المسمى بدلالة الاقتضاء، فإن احتمل تقديرات متعددة يستقيم الكلام بكل واحد منها لم يضمر الجميع، وهو معنى قوله:(لا عموم له في الجميع)، ولم يكتف بقوله: لا عموم له؛ لأن ما أضمر قد يكون عامًا فيقدر واحد معين إن دلّ عليه دليل من عقلٍ، أو شرعٍ، أو عرفٍ، فإن لم يدل دليل على تعين أحدهما، كان مجملًا بينهما.
وإذا تعين أحدهما بدليل كان كالمظهر، حتى لو كان المظهر عامًا كان المقدر عامًا، ولو كان خاصًا كان المقدر خاصًا، إذ لا فرق بين الملفوظ
والمقدر في إفادة المعنى.
وذكر في مثاله قوله عليه السلام: «رفع عن أمتي / الخطأ والنسيان» رواه ابن عدي بهذا اللفظ؛ إذ لا يستقيم بلا تقدير؛ لوقوعهما من الأمة، وثم تقديرات دنيوية كالضمان والعقوبة، وأخروية كالحساب والعقاب.
لنا: لو أضمر مع الجميع لأضمر مع الاستغناء؛ لأن الحاجة تندفع بالبعض، والإضمار لما كان للضرورة وجب أن يقدر بقدرها.
قالوا: أقرب مجاز إلى الخطأ والنسيان باعتبار رفع المنسوب إليها المقتضي رفع ذاتهما عموم أحكامهما، فإن نفي جميع الأحكام يجعلهما كالعدم، فكأن الذات قد ارتفعت، بخلاف نفي البعض، وإذا تعذرت الحقيقة وتعدد المجاز، حمل على الأقرب إلى الحقيقة، وهو معنى إضمار الجميع.
وإنما قال: باعتبار رفع؛ لأنه ربما تساوت نسبة المجازات إلى المعنى الحقيقي بالنظر إلى ذاته.
الجواب: أن باب غير الإضمار في المجاز أكثر من باب الإضمار، فكلما كان الإضمار أقل كانت مخالفة الأصل أقل، فكان إضمار البعض أولى
[فيتعارض كون إضمار الجميع أقرب إلى الحقيقة وكون إضمار البعض أولى] ويسلم دليلنا المثبت.
قالوا: إذا قيل: «ليس للبلد سلطان» ، فُهم نفي جميع الصفات المعتبرة من العدل، والسياسة، ونفاد الحكم، وغيرها.
الجواب: أنه قياس في العرف ولا جامع.
قالوا: ليس إضمار بعض أولى من إضمار بعض آخر فيجب إضمار الكل؛ لأنا لو أضمرنا بعضًا معينًا لزم التحكم، أو مبهمًا فيلزم الإجمال.
الجواب: المقدر بعض غير معين، والإجمال - وإن كان خلاف الأصل - يجب المصير إليه لأنه واحد، فيقدم على كثرة الإضمار، وإن كان الإضمار الواحد أولى من الإجمال، والمثال المذكور مما تعين فيه المضمر بدليل، على ما ذكر في باب الإجمال، ولا ينافي ما ذكر هنا.
قال: (مسألة: «لا أكلت» ، و «إن أكلت» عام في مفعولاته، فيقبل تخصيصه.
وقال أبو حنيفة: لا يقبل.
لنا: أن «لا آكل» لنفي حقيقة الأكل بالنسبة إلى كل مأكول، هو معنى العموم.
قالوا: لو عمّ، لعمّ في الزمان واالمكان.
أجيب: بالتزامه، وبالفرق بأن «أكلت» لا يعقل إلا بمأكول، بخلاف ما ذكر.
قالوا: إنّ «أكلت» ، و «لا آكل» مطلق، فلا يصح تفسيره بمخصص لأنه غيره.
قلنا: المراد المقيد المطابق للمطلق؛ لاستحالة وجود الكلي في الخارج وإلا لم يحنث بالمقيد).
أقول: الفعل المتعدي إذا وقع في سياق النفي / مثل: «لا آكل» وما في معناه، مثل:«إن أكلت فإنت طالق» من غير ذكر المصدر، عام في مفعولاته، فيقبل تخصيصه، حتى لو قال: أردت مأكولًا خاصًا، قبل منه عند المالكية والشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يقبل تخصيصًا.
لنا: أن «لا آكل» لنفي حقيقة الأكل، وإنما يتحقق بنفيه بالنسبة إلى كل مأكول وهو معنى العموم، فيجب قبوله للتخصيص، وكما لو قال:«لا آكل أكلًا» ؛ إذ لا فرق، وقد وافقوا فيه.
قالوا: لو عمّ في المفعولات، عمّ في سائر المتعلقات من ظرف الزمان والمكان، وكان قابلًا للتخصيص فيها، واللازم باطل.
الجواب أولًا: نلتزمه؛ لأن نفي حقيقة الأكل بنفيه في كل زمان وكل
مكان.
وثانيًا: بالفرق، فإنّ «أكلت» لا يعقل معناه إلا بمأكول؛ لأنه من لوازم ماهيته في الذهن ومقدمات وجوده في الخارج، بخلاف ظرف الزمان والمكان، لجواز أن لا يخطر بالبال، وإن كان لا ينفك عنهما في الواقع.
وقول من قال: إنه ينفك عنه في الواقع، بدليل «خلق الله الزمان» مردود إذ المنفك المصدر، وهو فعل الله تعالى، والإخبار عنه غير منفك، فإذا المفعول كالمذكور، ولو قال:«لا آكل شيئًا» عمّ وقبل تخصيصه.
وحاصل الجواب: أن المفعول عندنا مقدر فهو كالملفوظ؛ لوجوب تعلقه - يلحظ عند الذكر - فربما يراد به بعض دون بعض، وعندهم كالمحذوف لا يلحظ عند الذكر، وإنما يلزم من نفي الحقيقة.
وقد يقال: الزمان أيضًا داخل في مفهوم العموم.
ويجاب عنه: بأن الداخل في مفهوم الفعل الزمان، واللازم العموم بالنسبة إلى ظرف الزمان والمكان، وظرف الزمان وظرف المكان يعقل الفعل بدونهما، ولا يعقل بدون المفعول، كما لا يعقل دون الزمان.
قالوا: «لا آكل» ، و «إن أكلت» يدلان على أكل مطلق، فلا يصح تفسيره بمقيد لأنه غيره، والمطابقة بين المفسر والمفسر به واجب.
الجواب: أنه مقيد بمطابق للمطلق؛ لاستحالة وجود المطلق في الخارج؛ إذ كل ما فيه مشخص، ولو كان «لا آكل» للمطلق لم يحنث بالمقيد.
وفيه ما تقدم، والحنث إنما وقع بالمطلق الذي في ضمن المقيد.
بل الأولى في الجواب: أن نفي المطلق إنما يكون بنفي جميع المقيدات،