الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبيحًا من غير بدل.
قالوا: قال تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} ، ولا يتصور كونه خيرًا أو مثلًا إلا في بدل.
الجواب: المراد نأت بآية خير منها، لا بحكم خير منها، والآية لفظ والخلاف في الحكم لا في اللفظ، ولا دلالة عليه في الآية، والإتيان بالآية وإن استلزم حكمًا لا يستلزم تكليفًا.
وفيه نظر؛ لاستلزامه حرمه مسّه للمحدث.
سلمنا أن المراد نأت بحكم، لكنه عام يقبل التخصيص، فلعله مخصوص بما نسخ لا إلى بدل، كآية النجوى.
سلمنا بقاءه على عمومه، لكن نسخه من غير بدل حكم، ولعله خير للمكلف لمصلحة يعلمها الله ولا نعلمها.
سلمنا: لكن الآية تدل على عدم الوقوع، وأما عدم الجواز فلا، والنزاع في الجواز لا في الوقوع.
قال:
(مسألة: الجمهور: جواز النسخ بأثقل
.
لنا: ما تقدم، وبأنه نسخ التخيير في الصوم والفدية وصوم عاشوراء برمضان، والحبس في البيوت بالحدّ.
قالوا: أبعد في المصلحة.
قلنا: يلزمكم في ابتداء التكليف.
وأيضًا: فقد يكون علم الأصلح في الأثقل، كما يسقمهم بعد الصحة ويضعفهم بعد القوة.
قالوا: {يريد الله بكم اليسر} ، {يريد الله أن يخفف عنكم}. قلنا: إن سلم عمومه، فسياقه للمآل في تخفيف الحساب وتكثير الثواب، أو تسمية الشيء بعاقبته، مثل:«لدوا للموت وابنوا للخراب» وإن سلّم الفور، فمخصص بما ذكرنا، كما خصصت بثقال التكاليف والابتلاء باتفاق.
قالوا: {نأت بخير منها أو مثلها} ، والأشق ليس بخير للمكلف.
وأجيب: بأنه خير باعتبار الثواب).
أقول: يجوز نسخ التكليف بتكليف أخف أو مساو اتفاقًا، واختلفوا في جواز نسخ تكليف بتكليف أثقل منه، والجمهور على جوازه، خلافًا لبعض الشافعية.
لنا: ما تقدم من أنه إن لم تعتبر المصلحة فواضح، وإن اعتبرت فلعل
المصلحة في الأثقل.
وأيضًا: لو لم يجز لم يقع، وقد وقع، ففي الصحيح التخيير بين الصوم والفدية، ثم نسخ بوجوب صوم رمضان عينًا، ولا شك أن إلزام أحد الأمرين عينًا أشق من التخيير بينه وبين غيره.
ومن ذلك: أن صوم يوم عاشوراء كان الواجب، فنسخ بصوم رمضان وصوم شهر أشق من صوم يوم، وفي الصحيح أنه عليه السلام لما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الواجب وترك عاشوراء، وهذا يدل على أن ذلك الأمر كان للوجوب؛ لأن الندب باق.
ومنه: الحبس في البيوت كان هو الواجب على الزاني، فنسخ بالجلد وبالرجم، وأنه أثقل.
قالوا أولًا: نقلهم إلى الأثقل أبعد في المصلحة، لكونه إضرارًا بالمكلفين لأنهم إن فعلوا التزموا المشقة الزائدة وإن تركوا استحقوا العقاب، وهو غير لائق بالحكمة.
الجواب أولًا: النقض بأنه يلزمكم في أصل التكليف، لأنه نقل من البراءة الأصلية إلى ما هو أثقل، فينبغي ألا يجوز.
لا يقال: خرج بالإجماع؛ لأن الكلام في الجواز لا في الوقوع.
وأيضًا: لا نسلم أنه أبعد في المصلحة، وربما علم الله تعالى المصلحة في الأثقل بعد الأخف أكثر، كما ينقلهم من الصحة إلى السقم، ومن القوة إلى الضعف، ومن الشباب إلى الهرم، هذا بعد تسليمهم رعاية المصلحة.
قالوا ثانيًا: قال تعالى: {يريد الله أن يخفف عنكم} ، {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} ، والأثقل غير يسير وغير تخفيف فلا يريده.
الجواب: لا نسلم عموم التخفيف واليسر / في الآيتين، أما {يريد الله أن يخفف عنكم} فظاهر أنه مطلق، وأما {يريد الله بكم اليسر} ففي المذكور، وهو إباحة الفطر للمريض والمسافر.
سلمنا العموم، لكن سياق الآيتين يدل على إرادة ذلك في المآل بالتخفيف في الحساب، واليسر تكثير الثواب، أو في الحال لكن مجاز، تسميةً للشيء باسم عاقبته، مثل:«لدوا للدود وابنوا للخراب» ، سمي
التكليف تخفيفًا ويسرًا باعتبار تخفيف الحساب وتكثير الثواب.
ولو سلّم أنه للعموم وأنه للفور لا للمآل - ولا مجاز باعتبار المآل - فهو مخصوص بما ذكرناه من النسخ بالأثقل، كما هو مخصوص بخروج أنواع التكليف الثقيل وأنواع الابتلاء مما هو واقع اتفاقًا.
قالوا ثالثًا: قال تعالى: {مما نسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} ، فيجب الأخف لأنه الخير، أو يجب المساوي لأنه المثل، والأشق ليس بخير ولا مثل.
الجواب: أنه خير باعتبار الثواب؛ لأن ثوابه أكثر، لقوله عليه السلام:«أجرك على قدر نصبك» .
وأيضًا: لا يلزم من عدم الوقوع عدم الجواز.
قال: (يجوز نسخ التلاوة دون الحكم وبالعكس، ونسخهما معًا، خلافًا لبعض المعتزلة.
لنا: القطع بالجواز.
وأيضًا: الوقوع، عن عمر:«كان في ما أنزل: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» ، ونسخ الاعتداد بالحول، وعن عائشة:«كان فيما أنزل عشر رضعات محرمات» ، والأشبه جواز مس المحدث المنسوخ لفظه.
قالوا: التلاوة مع حكمها كالعلم مع العالمية والمنطوق مع المفهوم، فلا ينفكان.
وأجيب: بمنع العالمية والمفهوم، ولو سلّم، فالتلاوة أمارة الحكم ابتداء لا دوامًا، فإذا نسخ لم ينتف المدلول، وكذلك العكس.
قالوا: بقاء التلاوة يوهم بقاء الحكم، فيوقع في الجهل وتزول فائدة القرآن.
قلنا: مبني على التحسين، ولو سلّم فلا جهل مع الدليل؛ لأن المجتهد يعلم والمقلد يرجع إليه، وفائدته كونه معجزًا وقرآنًا يتلى).
أقول: يجوز نسخ التلاوة دون الحكم، ويجوز نسخ الحكم دون التلاوة ويجوز نسخهما معًا، وخالف بعض المعتزلة في الأولين.
لنا القطع بالجواز، فإن تلاوة الآيات حكم من أحكامها يثاب عليه، وما تدل عليه من الأحكام حكم آخر لها ولا تلازم بينهما، وإذا ثبت ذلك جاز نسخهما ونسخ أحدهما، كسائر الأحكام المتباينة.
وأيضًا: لو لم يجز لم يقع، لكنه وقع.
أما التلاوة فقط، فما روي في الصحيح عن عمر:«الشيخ والشيخة / إذا زنيا فارجموهما» ، وحكمه ثابت.
وأما نسخ الحكم، فما روى البخاري من نسخ الاعتداد بالحول، واللفظ مقروء.
وأما نسخهما، ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها:«كان فيما أنزل: عشر رضعات معلومات يرحمن، فنسخن بخمس» .
لا يقال: لا نسلم أن هذا قرآن، إذ لا يثبت القرآن بأخبار الآحاد.
لأنا نقول: الاحتجاج أن هذا قرآن، إذ لا يثبت القرآن بأخبار الآحاد.
لأنا نقول: الاحتجاج بقول عمر وإخباره إن كان كذا كان، يتلى ونسخ، ولم ينكر عليه، فدلّ على أنهم كانوا يعلمون ذلك، لأن ما شأنه كذلك لا ينفرد عمر ولا عائشة بعلمه وليس الكلام في إثبات كونه الآن قرآنًا حتى يقال: لا يثبت بالآحاد.
لا يقال: آية الاعتداد بالحول لم تنسخ، بل خصصت لبقاء حكمها في المرتابة.
لأنا نقول: لا خلاف أن الاعتداد كان بالحول - مرتابة كانت أم لا - حتى نزلت الآية الأخرى، وما رواه البخاري يرشد إليه.
لا يقال: لم ينسخ عشر رضعات يحرمن لبقاء حكمه، نعم مفهومه ليس
معمولًا به، ولعله لكون مفهوم العدد ليس بحجة.
لأنا نقول: الاحتجاج إنما هو بقول عائشة: «فنسخن بخمس» ، أعلمت أن مفهومه كان معمولًا به، ثم نسخ اللفظ والحكم الناشئ عن المفهوم.
قال المصنف: والأشبه جواز مس المحدث المنسوخ لفظه، وعند الآمدي: الأشبه منع مسه له.
والحق الأول، إذ لم يبق قرآنًا ومتلوًا، وليس من المصحف، وتضمنه للحكم لا يوجب ذلك، كالأخبار الإلهية الواقعة في الأحاديث.
احتج الآخرون بوجهين:
الأول: أن التلاوة مع حكمها في دلالتها عليه كالعلم مع العالمية والمنطوق مع المفهوم، فكما لا انفكاك بين العلم والعالمية، وبين المنطوق والمفهوم، كذلك التلاوة مع الحكم، ولو قال «المتلو» كان أولى.
الجواب: منع ثبوت العالمية، فإنها فرع ثبوت الحال ولا نقول به، إذ ليست العالمية أمرًا وراء قيام العلم بالذات، وكذا نقول في المفهوم: لا نسلم لزومه للمنطوق، هكذا صرح به الآمدي.
سلمنا أن العالمية مغايرة، وأن المفهوم ملازم للمنطوق، ولا نسلم أن التلاوة لا تنفك عن الحكم، إذ التلاوة أمارة الحكم ابتداء لا دوامًا، أي يدل ثبوت التلاوة على ثبوت الحكم، ولا يدل دوامها على دوامه، ولذلك قد
يثبت الحكم مرة واحدة وهي متكررة أبدًا، فنسخ التلاوة وحدها نسخ لدوامها، فإذا عرفت الحكم ابتداء - دائمًا أو غير دائم - لم يحتج إلى التلاوة.
ثانيًا: ليعرف، ولا تحتاج التلاوة إليه، فإذا لم يحتج أحدهما إلى الآخر في دوامه، لم ينتف المدلول - الذي هو الحكم - بنسخ التلاوة، ولم ينتف الدال - الذي هو التلاوة - بنسخ الحكم.
قالوا ثانيًا: بقاء التلاوة يوهم بقاء الحكم لأنها دليله، وبقاء الدليل يشعر ببقاء المدلول، فلو جاز نسخه مع بقائه كان إيقاعًا في الجهل، وهو على الله قبيح، وأيضًا: تزول فائدة القرآن؛ لأن فائدة اللفظ إفادة مدلوله، وإذا لم يقصد به ذلك، فقد بطلت فائدته، والقرآن منزه عما لا فائدة فيه.
الجواب: أنه مبني على التقبيح العقلي وقد أبطلناه.
ولو سلّم، فلا يكون إيقاعًا في الجهل، وإنما يكون كذلك لو لم ينصب عليه دليل، وأما إذا نصب عليه دليل فلا، والمجتهد يعلم ذلك بدليل، والمقلد يعلم ذلك بالرجوع إلى المجتهد فينتفي الجهل.
قوله: (تزول فائدة القرآن) ، إنما يلزم ذلك لو انحصرت فائدته فيما ذكرتم، ومن فوائده: كونه معجزًا بفصاحة لفظه، وقرآنًا يتلى للثواب.
قال: (مسألة: يجوز نسخ التكليف بالإخبار بالإخبار بنقيضه، خلافًا للمعتزلة.
وأما نسخ مدلول خبر لا يتغير فباطل، والمتغير كإيمان زيد، وكفر مثله، خلافًا لبعض المعتزلة.
واستدلالهم بمثل: «أنتم مأمورون بكذا» ، ثم ينسخ برفع الخلاف).
أقول: النسخ في الخبر إما أن يكون للفظه، أو للتكليف بالإخبار بمدلوله، وإما أن يكون لنفس مدلوله.
والأول: متفق عليه عند القائلين بالنسخ، ماضيًا كان أو مستقبلًا.
وكذا اتفقوا على جواز نسخ تكليفنا بالإخبار عن شيء، عقليًا كان أو شرعيًا، كان مما لا يتغير مدلوله كالإخبار بوجود الإله وحدوث العالم، أو يتغير كالإخبار بكفر زيد وإيمانه؛ لأن ذلك حكم من الأحكام الشرعية فجاز أن يكون مصلحة في وقت مفسدة في آخر.
واختلفوا، هل يجوز نسخه بالإخبار بنقيضه، أي يكلفنا الإخبار بنقيض ما كلفنا الإخبار له؟ .
فجوزه بعض أصحابنا.
ومنعه المعتزلة، بناء على أنه كذب، والتكليف بالكذب قبيح، وهو مبني على التحسين العقلي.
وأما نسخ مدلول الخبر، فإن كان مما لا يتغير كوجود الصانع وحدوث
العالم، فلا يجوز اتفاقًا، لاستحالة الكذب عليه تعالى.
وإن كان مدلوله مما يتغير، سواء كان ماضيًا كالإخبار بما وجد من إيمان زيد وكفره، أو مستقبلًا وسوءا كان وعدًا، أو وعيدًا، أو حكمًا شرعيًا.
فقال القاضي أبو بكر، والجبائي، وأبو هاشم، وكثير من الفقهاء والمتكلمين: يمتنع رفعه، وذهب عبد الجبار، والبصري، وأبو الحسين إلى جوازه، ومنهم من منع في الخبر الماضي، وجوّز في الخبر المستقبل.
واختار الآمدي الجواز إذا كان ما دلّ عليه الخبر متكررًا، فيكون الخبر عامّاً فيه، فأمكن أن يكون الناسخ مبينًا لإخراج بعض ما تناوله اللفظ، كما في الأوامر.
وقريب منه في المحصول، قال الإمام:«الخبر إذا كان عن ماض كقوله: عمرت نوحًا ألف / سنة، جاز أن يبين من بعد أنه ألف سنة إلا خمسين عامًا» .
وفيه نظر؛ إذ هو كذب إن كان مدلول الأول مرادًا، وإلا كان تخصيصًا.
احتج المانعون: بأن نسخ مدلول الخبر يؤذن بكونه كذبًا، ولذلك لو قال:«أهلك الله زيدًا» ثم قال: «ما أهلك الله زيدًا» كان كذبًا بخلاف الأمر.
سلمنا إمكان نسخ مدلول الخبر، لكن إذا كان المدلول حكمًا شرعيًا تكليفيًا، حتى يكون الخبر في معنى الأمر، والأمر يجوز نسخه، وهذا كما لو قال:«أمرتكم، ونهيتكم، وأوجبت عليكم» .
قال الآمدي: والجواب: أن ذلك إنما يفضي إلى الكذب أن لو لم يكن حَمْلُ الناسخ على غير ما أريد من الخبر، وأما إذا قال:«أهلك الله زيدًا» ، فإهلاكه إنما لم يدخله النسخ، لأنه لم يتكرر حتى يمكن رفعه بعضه وتبقية بعضه، بل يقع دَفعة، فلو أخبر عن عدمه مع اتحاده كان كذبًا.
قال: وقولهم: الخبر بالحكم الشرعي في معنى الأمر، إن أرادوا أن صيغته كصيغته فخلاف الحسّ، وإن أرادوا أنه يفيد إيجاب الفعل كما في الأمر، فمسلّم، ولا يلزم أن يكون هو هو، إذ لا يلزم من اشتراك شيئين في لازمٍ اتحادهما، وغايته تسليم نسخ مدلول بعض الأخبار، وليس فيه ما يدل على امتناع نسخ غيرها.
قلت: وقد أشار المصنف في المنتهى إلى دفع ما ذكر، بأن المدلول المنسوخ إن ناقض مدلول الناسخ كان أحدهما كذبًا، وهو مستحيل على الله وإن لم يناقضه تعين أن يكون الثاني تخصيصًا، فعلى كل تقدير لا نسخ.
قوله: إن أرادوا أنه يفيد إيجاب الفعل
…
إلى آخره، ترديد ضعيف، إذ