الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالوا ثانيًا: صح إطلاق الاستثناء مع إرادة العود إلى الجميع وإلى الأخيرة فقط، والأصل في الإطلاق الحقيقة، فكان حقيقة لهما ويلزم الاشتراك.
الجواب: الأصل عدم الاشتراك، وقد تقدم أن المجاز خير منه.
قال:
(مسألة: الاستثناء من الإثبات نفي وبالعكس
، خلافًا للحنفية.
لنا: النقل عن أئمة اللغة.
وأيضًا: لو لم يكن، لم يكن «لا إله إلا الله» توحيدًا.
قالوا: لو كان للزم من «لا علم إلا بحياة» ، و «لا صلاة إلا بطهور» ثبوت العلم والصلاة بمجردهما.
قلنا: ليس مخرجًا من العلم والصلاة، فإن اختار تقدير ألا صلاة بطهور اطّرد، وإن اختار تقديرًا ألا صلاة تثبت بوجه إلا بذلك، فلابد من الشرط المشروط، وإنما الإشكال في المنفي الأعم في مثله، وفي مثل:«ما زيد إلا قائم» ، إذ لا يستقيم نفي جميع الصفات.
وأجيب أحدهما: أن الغرض المبالغة بذلك.
والثاني: أنه آكدها، والقول بأنه منقطع بعيد؛ لأنه مفرغ، وكل مفرغ متصل، لأنه من تمامه).
أقول: الاستثناء من الإثبات نفي وبالعكس.
وحكى المصنف عن الحنفية: أن الاستثناء من النفي لا يكون إثباتًا.
لنا: النقل عن أئمة العربية أنه كذلك، وهو المعتمد في مدلولات الألفاظ، وأيضًا: لو لم يكن كذلك؛ لم يكن «لا إله إلا الله» يتم به التوحيد، واللازم باطل إجماعًا، بيان اللزوم، أنه إنما يتم بإثبات الألوهية لله وفيها عما سواه، والمفروض أنه لا يفيد / الإثبات لها وإنما يفيد النفي فقط، فلو تكلم بها دهري منكر لوجود الصانع - وهي لا تفيد إلا نفي الغير - لما نافى معتقده، ولما علم بها إسلامه.
واعلم أنا لحنفية إنما خالفوا في أنه موضوع لذلك لا في الدلالة، وإلا فقد قال صاحب البديع منهم: الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا، فهو بيان معنوي أن المستثنى لم يكن مرادًا، واستخراج صوري، وليس إخراجًا للبعض عما دلّ عليه صدر الجملة بالمعارض حتى يكون تخصيصًا، فمعنى عشرة إلا ثلاثة: سبعة، وعند الشافعية: إلا ثلاثة، فإنها ليست [عليي] ، والجمع أن يجعل استخراجًا وتكلمًا بالباقي بوضعه، ونفيًا وإثباته بإشارته.
وتحقيقه: أن الاستثناء كالغاية من الصدر، لكونه بيانًا أنه ليس بمراد منه، وبالغاية ينتهي الحكم السابق إلى خلافه، فيجب إثبات الغاية ليتم
الصدر، لكن لما لم يكن المقصود إلا الصدر، جعل إثبات الثاني إشارة، وكذلك اختير في كلمة التوحيد لكون المقصود نفي الإلهية عن غير الله نفيًا ينتهي بإثباتها فيه - تعالى -.
احتج الحنفية: بأنه لو كان الاستثناء من النفي إثباتًا، لزم من:«لا علم إلا بحياة» ثبوت العلم بمجرد الحياة، ومن:«لا صلاة إلا بطهور» ثبوت الصلاة بمجرد الطهور، وهو باطل اتفاقًا.
الجواب: أن قولنا: إلا بحياة، وإلا بطهور، ليس إخراجًا للحياة من العلم والطهور من الصلاة، فيثبتان بثبوتهما، إذ لم نقل: لا صلاة إلا الطهور، ولا علم إلا الحياة، بل قلنا: بحياة، وبطهور، فلابد من تقدير متعلق وهو المستثنى في الحقيقة، وهو إما صلاة بطهور تستثنى من حاصلة خبرًا للصلاة، فيكون التقدير: لا صلاة حاصلة إلا صلاة بطهور، وإما وجه من الوجوه التي تقع عليها الصلاة، يستثنى من تثبت بوجه خبرًا له؛ فيكون التقدير: لا صلاة تثبت بوجه من الوجوه إلا باقترانها بالطهور.
فإن اختار التقدير الأول اطرد، إذ كل صلاة بطهور حاصلة قطعًا، ولا يلزم صحتها.
وإن اختار في تقديره: لا صلاة تثبت بوجه إلا بطهور، فإنها إنما تثبت بهذا الوجه ولا تخلوا عنه، كقولك:«كتبت بالقلم» ، فإنه لا يقتضي عِلَّية القلم باستقلاله للكتابة، بل كونه آلة لا تحصل إلا به، فهو صريح بأن الطهور شرط، ولا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط لزومًا كليًا يحصل بمجرده، بل يحصل بحصوله في الجملة، والأمر كذلك هنا، فاندفع الإشكال في الإثبات، وإنما الإشكال في مثل هذا التركيب في المنفي الأعم الذي يقتضيه الاستثناء المفرغ، وهو ألا تكون الصلاة بلا طهور صلاة، وألا صفة للصلاة من الصفات المعتبرة من استقبال وستر العورة وغيرهما إلا صفة الطهارة، وكذلك في قولنا:«ما زيد إلا عالم» ، فإنه يلزم ألا يكون إنسانًا ولا موجودًا إلى غير ذلك، والضمير في مثله / يعود إلى المثال الأخير فقط، إذ عند نفي الحياة، لا يبقى للعلم من الصفات المعتبرة في كونه عالمًا، لانتفاء العلم بانتفاء الحياة.
الجواب بأمرين:
أحدهما: المبالغة في تحقيق العلم لزيد، وكأن قائلًا قال:«ما زيد عالمًا» فقال: «ما زيد إلا عالمًا» ، نفيًا لما توهمه المخاطب من نفي العلم، وأهل البيان يجعلونه نفيًا للصفة المناقضة للصفة المستثناة.
والآخر: أن ذلك آكد صفاته فكان سائر الصفات بالنسبة إليه غير معتبر.
واعلم أن هذا الإشكال على الحنفية أيضًا، وقد قيل: إن هذا الاستثناء منقطع، إذ لم يدخل العلم في الحياة، والطهور في الصلاة؛ فلا إخراج حقيقة، قال المصنف: وهو بعيد لأنه مفرغ، وكل استثناء مفرغ متصل،
لأنه من تمام الأول، فيقدر بقدر الضرورة عام يناسبه ويتناوله كما قدرنا.
قال: (التخصيص بالشرط.
الغزالي: الشرط مما لا يوجد المشروط دونه ولا يلزم أن يوجد عنده.
وأورد: أنه دور، وعلى طرده: جزء السبب.
وقيل: ما يقف تأثير المؤثر عليه.
وأورد على عكسه: الحياة في العلم القديم.
والأولى: ما يستلزم نفيه نفي أمر على غير جهة السببية.
وهو عقلي كالحياة للعلم، وشرعي كالطهارة للصلاة، ولغوي:«أنت طالق إن دخلت الدار» .
وإنما استعمل في الشرط الذي لم يبق للمسبب سواه، فلذلك يخرج به ما لولاه لدخل لغة، مثل:«أكرم بني تميم إن دخلوا» ، فيقصره الشرط على الداخلين، وقد يتحد الشرط ويتعدد على الجمع وعلى البدل، فهذه ثلاثة كل منها مع الجزاء كذلك، فتكون تسعة، والشرط كالاستثناء في الاتصال وفي تعقبه الجمل.
وعن أبي حنيفة: الجميع، ففرق.
وقولهم في مثل: «أكرمك إن دخلت» ما تقدم خبر، والجزاء محدود مراعاة لتقدمه، كالاستفهام والقسم.
فإن عنوا ليس بجزاء في اللفظ، فمسلم.
وإن عنوا: إلا في المعنى فعناد.
والحق: أنه لما كان جملة، روعيت الشائبتان).
أقول: لما فرغ من الاستثناء، شرع في المخصص الثاني من المخصصات المتصلة، وهو الشرط.
وعرّفه الغزالي: بأنه ما لا يوجد المشروط دونه ولا يلزم أن يوجد عنده.
وأورد عليه: أنه دور، لأنه أخذ في تعريف الشرط المشروط، وهو مشتق منه، فيتوقف تعلقه على تعلقه.
وثانيًا: أنه غير مطرد؛ لأنه جزء السبب كذلك.
وقد يجاب عن الثاني: بأن جزء السبب قد يوجد المسبب دونه إذا وجد سبب آخر، ولا يندفع الدور بأن يقال: المأخوذ في التعريف هو اللغوي والمعرّف الاصطلاحي؛ لأن المعرف أعم من الشرعي والعقلي واللغوي، ولذلك قسمه إليها.
وعرّفه قوم: بأنه ما يقف تأثير المؤثر عليه، ويفهم منه أنه لا يتوقف ذات المؤثر عليه، فيخرج جزء السبب.
واعترض: بأنه غير منعكس، لأن الحياة شرط / في العلم القديم ولا يتصور تأثير ومؤثرًا، إذ المحوج إلى المؤثر هو الحدوث.
ومنه يعلم فساد قول من قال: القدرة مؤثرة ويتوقف تأثيرها على الحياة.
لأنا نقول: ذاته تعالى كافية في تأثير قدرته، وإن كانت ذاته لا تنفك عن الحياة.
ولما بطل التعريفان.
عرّفه المصنف: بأنه ما يستلزم نفيه نفي أمر على غير جهة السببية، فيخرج السبب وجزاؤه، وفيه تعريف بالمساوي [في الخفاء] لأن الفرق بين السبب والشرط متوقف على فهم المعنى المميز بينهما.
قلت: ولا ينعكس؛ لأن اللازم من نفيه نفي الملزوم على غير جهة السببية؛ لأن السبب: وصف ظاهر منضبط دلّ الدليل السمعي على كونه معرفًا للحكم الشرعي.
ثم اعلم أن الشرط ينقسم إلى: عقلي، وشرعي، ولغوي.
فالعقلي: كالحياة للعلم، فإن العقل هو الذي يحكم بأن العلم لا يوجد إلا بحياة.
وأما الشرعي: فكالطهارة للصلاة، فإن الشرع هو الحاكم بذلك.
وأما اللغوي: فمثل: «إن دخلت الدار فأنت طالق» ، فإن أهل اللغة وضعوا هذا التركيب ليدل على أن ما دخلت عليه «إن» هو الشرط، والآخر المعلق به هو الجزاء، ثم الشرط اللغوي استعملوه في السببية غالبًا، يقال:«إن دخلت الدار فأنت طالق» والمراد أن الدخول سبب للطلاق، فيلزم من وجوده وجوده، لا مجرد كون عدمه مستلزمًا لعدمه من غير سببية.
ويستعمل في شرط شبيه بالسبب من حيث إنه يستتبع الوجود، وهو الشرط الذي لم يبق للمسبب أمر يتوقف عليه سواه، فإذا وجد ذلك الشرط فقد وجدت الأسباب والشروط كلها، فيوجد المشروط.
فإذا قيل: «إن طلعت الشمس ضاء البيت» ، فهم منه أنه لا تتوقف إضاءته إلا على طلوعها، ولأنه يستعمل فيما لم يبق للمسبب سواه، يخرج ما لولاه لدخل لغة، فإذا قيل:«أكرم بني تميم إن دخلوا» ، فلولا الشرط عمّ وجوب الإكرام جميعهم المقتضي، فإذا ذكر الشرط علم أنه بقي شرط لولاه لكان المقتضي [تمامًا] واستتبع مقتضاه، فيقتضي الوجود لوجود الشرط والعدم لولاه، فيقصر الإكرام على الداخلين ويخرج غير الداخلين، ولولاه ما خرجوا.
واعلم أن الشرط إما أن يتحد أو يتعدد، وإذا تعدد فإما أن يكون كل واحد شرطًا على الجمع حتى يتوقف المشروط على حصولهما جميعًا، أو على البدل حتى يحصل بحصول أيهما كان، فهذه ثلاثة.
والجزاء أيضًا كذلك؛ لأنه إما أن يتحد أو يتعدد، وإذا تعدد فإما على الجمع حتى يلزم حصول هذا وذاك معًا، وإما على البدل حتى يلزم حصول أحدهما مبهمًا، فهذه أيضًا ثلاثة، فإذا اعتبر التركيب صارت ثلاثة من الشرط وثلاثة من الجزاء بتسع صور، فلو قال:«إن دخلتما الدار فأنتما طالقتان» فدخلت إحداهما، فقيل: تطلقان معًا، وقيل: الداخلة فقط، وقيل: لا تطلق واحدة منهما نظرًا إلى أنه علق على الجمع، أو على البدل.
ثم اعلم أن حكم الشرط حكم الاستثناء في الاتصال، إلا لتنفس سعال، وأنه إذا تعقب جملًا أهو للجميع أم إلى الأخيرة فقط؟ .
وعن أبي حنيفة: أنه للجميع، ففرق بين الشرط والاستثناء، حيث جعل الشرط للجميع، والاستثناء إلى الأخيرة، فإن نظر إلى أنه مقدم تقديرًا فهو مقدم على ما يرجع إليه فقط.
ولما كان الشرط له صدر الجملتين؛ لأن الشرط قسم من الكلام، فحقه أن يصدر به ليعلم نوعه، كما فعلوا في الاستفهام، والقسم، والنهي، والنفي.
قيل في نحو: «أكرمك إن دخلت الدار» ما تقدم جملة خبرية والجزاء محذوف تقديره: «أكرمك إن دخلت الدار أكرمك» ، لدلالة الخبر - وهو أكرمك الأول - عليه، وإنما صير إليه مراعاة [لتعدية] الواجب كما وجب في الاستفهام والقسم، وقولهم هذا إن عنوا به أنه ليس بجزاء في اللفظ فمسلّم، وإلا لا نجزم، وإن عنوا ليس بجزاء في المعنى فعناد، إذ يعلم قطعًا أنه لا يدل إلا على إكرامٍ مقيد بقيد دخول الدار، ولذلك لو لم يدخل ولم يكرم، لم يعدّ كاذبًا، والتعليق ثانيًا لا ينافي الإطلاق أولًا، نعم يدل على التقييد ثانيًا وأن المراد بالمطلق هو المقيد، وهو المراد بقولنا: جزءًا في المعنى.
والحق: أنه لما كان المتقدم جملة مستقلة، عومل معاملة المستقل لفظًا فلم يجزم، وأريد به الجزاء معنى، فقدر الجزاء دالًا على أنه مراد تعليقه بالشرط، وإن استقلت لفظًا فروعيت فيه الشائبتان، ولذلك قال بكل منهما قائل، وجاز الإطلاق بالاعتبارين.
قال: (التخصيص بالصفة، مثل: «أكرم بني تميم الطوال» ، وهي كالاستثناء في العود، وعلى متعدد).
أقول: الثالث من المخصصات المتصلة الصفة، نحو:«أكرم بني تميم الطوال» ، فتقصر الصفة - وهي الطوال العام - وهو بني تميم - على بعض أفراده وهو الطوال، وهو عند العود على متعدد، مثل:«أكرم بني تميم، ومضر وربيعة الطوال» مختلف فيه، أهو عائد إلى الجميع أم إلى الأخير كالاستثناء بعد الجمل؟ ، والمختار المختار.
قال: (التخصيص بالغاية، مثل: «أكرم بني تميم إلى أن يدخلوا» ، فيقصر على غير الداخلين، لا لصفة، وقد تكون هي والمقيد بها متحدين ومتعددين كالشرط، وهي كالاستثناء في العود على متعدد).
أقول: الرابع من المخصصات المتصلة الغاية، نحو:«أكرم بني تميم إلى أن يدخلوا» ، فالغاية وهو إلى أن / يدخلوا - قصر العام - وهو بني تميم - على غير الداخلين، ثم كل واحد من الغاية وما قيد بها قد يكون متحدًا ومتعددًا على الجمع أو على البدل، فتأتي الأقسام التسعة كما في الشرط، ثم الغاية بعد المتعدد كالاستثناء في العود إلى الجميع أو إلى الأخيرة.
والمذاهب المذاهب، والمختار المختار.
قال: (التخصيص بالمنفصل، يجوز التخصيص بالعقل.
لنا: {الله خالق كل شيء} .
وأيضًا: {ولله على الناس حج البيت} ، وفي خروج الأطفال بالعقل.
قالوا: لو كان مخصصًا لكان متأخرًا؛ لأنه بيان.
قلنا: لكان متأخرًا بيانه، لا ذاته.
قالوا: لو جاز به، لجاز النسخ.
قلنا: النسخ على التفسيرين محجوب عن العقل.
قالوا: تعارضا.
قلنا: فيجب المحتمل).
أقول: لما فرغ من التخصيص بالمتصل، شرع في التخصيص بالمنفصل، وهو الدليل العقلي والنقلي، سواء كان النقلي قطعيًا أو ظنيًا، وفيه مسائل: الأولى في التخصيص بالعقل: ذهب مالك والجمهور إلى جواز التخصيص بالعقل، ومنعه قوم.
لنا: {الله خالق كل شيء} ، والدليل العقلي يمنع أن يكون تعالى مخلوقًا، وقد تقدم ما فيه.
ولنا أيضًا: {ولله على الناس حج البيت} ، والعقل قاض بخروج من لا يفهم الخطاب، كالأطفال والمجانين.
قلت: لقائل أن يقول: خصّ بمتصل، وهو بدل البعض؛ لأن من لا يفهم الخطاب غير مستطيع، أو بمنفصل وهو قوله عليه السلام: «رفع القلم عن ثلاث
…
الحديث».
احتج الأقلون بوجوه:
الأول: لو كان خروج الواجب في الأولى، وخروج الأطفال والمجانين في الثانية تخصيصًا، لصح إرادة الواجب من قوله:{الله خالق كل شيء} ، ولصح إرادة الصبي من:{ولله على الناس حج البيت} لغة.
أما الملازمة؛ فلأن تلك مسمياته لغة، وإطلاق اللفظ على مسمياته لغة صحيح [لغة] قطعًا.
وأما بطلان التالي؛ فلأنه إذا قلنا: هذا خالق كل شيء، فهم لغة أنا أردنا غير نفسه، ولو أراد فيه نفسه لكان مخطئًا لغة.
الجواب: أن التخصيص للمفرد وهو كل شيء، ويصح إرادة الجميع به لغة، فإذا وقع في التركيب فما نسب نفيه إليه - وهو المخلوقية - هو المانع من إرادة الجميع والقاضي بذلك هو العقل، ولا معنى للتخصيص إلا ذلك.
ولقائل أن يقول: يصلح في التركيب للجميع لغة، ولو أريد لم يخطئ لغة إنما يكذب في المعنى، والخطأ لغة غير الكذب في الخبر.
قالوا ثانيًا: لو كان العقل مخصصًا لكان متأخرًا، أما الملازمة؛ فلأن تخصيص الشيء بيان للمراد منه، والبيان متأخر عن المبين، لامتناع البيان ولا مبين، وأما انتفاء التالي؛ فلتقدم العقل على ورود الخطاب ضرورة.
الجواب: أن ذات العقل هو المتقدم، أما كونه بيانًا فمتأخر.
قالوا ثالثًا: لو جاز التخصيص بالعقل لجاز النسخ بالعقل، وأما الملازمة فلأن النسخ بيان كالتخصيص، وأما بطلان التالي فبالاتفاق.
الجواب: منع الملازمة، والفرق: أن النسخ رفع الحكم الشرعي، أو بيان انتهاء أمد الحكم الشرعي، وكلاهما محجوب عن العقل، بخلاف التخصيص فإن خروج البعض عن الخطاب يدركه العقل، كما في الصور المذكورة.
قالوا رابعًا: تعارض دليل الشرع ودليل العقل، فترجيح أحدهما بلا مرجح تحكم.
الجواب: منع التحكم؛ لأنهما لما تعارضا - ودليل العقل لا يحتمل التأويل لكونه قاطعًا، ودليل الشرع يحتمل إذ الدلالة ظنية - وجب تأويل المحتمل جمعًا بين الأدلة، ولا كذلك التعارض لأنه إبطال لهما.
قال: (مسألة: يجوز التخصيص للكتاب بالكتاب.
أبو حنيفة، والقاضي، والإمام: إن كان الخاص متأخرًا، وإلا فالعام ناسخ، تساقطا.
لنا: {وألات الأحمال} ، مخصص لقوله تعالى:{والذين يتوفون منكم} ، وكذلك {والمحصنات من الذين} ، مخصص لقوله تعالى:{ولا تنكحوا المشركات} .
وأيضًا: لا يبطل القاطع بالمحتمل.
وقالوا: إذا قال: «اقتل زيدًا» ، ثم قال:«لا تقتلوا المشركين» ، فكأنه: لا تقتل زيدًا، فالثاني ناسخ.
قلنا: التخصيص أولى لأنه أغلب ولا رفع فيه، كما لو تأخر الخاص.
قالوا: على خلاف قوله تعالى: {لتبين للناس} .
قلنا: {تبيانًا لكل شيء} .
والحق: أنه المبين بالكتاب وبالسنة.
قالوا: البيان يستدعي التأخير.
قلنا: استبعاد.
قالوا: قال ابن عباس: «كنا نأخذ بالأحدث» .
قلنا: يحمل على غير المخصص جمعًا بين الأدلة).
أقول: ذهب الشافعي وكثير من أصحابه ومعظم أصحابنا، والدبوسي وجمع من الحنفية إلى جواز تخصيص الكتاب بالكتاب.
وحكى الآمدي عن أبي حنفية، والقاضي، والإمام، أن العام إن تأخر فهو ناسخ، وإن تقدم فالخاص مبين له، وإن جهل تساقطا، ولا يثبت هذا والله أعلم عن أبي حنيفة.
قال: لنا: إن قوله تعالى: {وألات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} ، مخصص لقوله تعالى:{والذين يتوفون منكم} الآية.
وفي التمسك بها نظر؛ لأن كل منهما عام من وجه، خاص من وجه فليس تخصيص إحداهما بالأخرى بأولى من العكس، وقد تقدم له في الإجماع أن ابن عباس يقول بأبعد الأجلين، وقال به سحنون من أصحابنا.
ومن لا يقول بأبعد الأجلين، قد يكون المخصص عنده السنة، هذا مع
جواز أن يكون {وألات} متأخرًا، فلا ينهض على المخالف.
واحتج أيضًا: بأن {ولا تنكحوا المشركات} عام، وقد خصَّ بقوله تعالى:{والمحصنات من الذين أتوا الكتاب من قبلكم} .
وفي التمسك بهذا النظر؛ إذ المشرك من جعل لله شركاء وهم عبدة الأصنام، لا أهل الكتاب. سلمنا، ويكون التخصيص بها لتأخرها.
واحتج أيضًا من جهة العقل: بأنه لو لم يخص به لبطل القاطع بالمحتمل؛ لأن دلالة الخاص على مدلوله قطعية، ودلالة العام على جميع الأفراد محتملة؛ لجواز أن يرد به الخاص، فلو لم يخص به العام المتأخر بل أبطل الخاص العام، كنا أبطلنا القاطع بالمحتمل.
احتج الآخرون بوجوه أربعة:
الأول: إذا قال: «اقتل زيدًا» ، ثم قال:«لا تقتلوا المشركين» ، فكأنه قال: لا تقتل زيدًا ولا عمرًا
…
إلى آخر الأفراد، وإنما اختصر، ولو قال:«لا تقتل زيدًا» لكان نسخًا، فكذلك هذا.
«لا تقتل زيدًا» لكان نسخًا، فكذلك هذا.
الجواب: لا نسلم أنه مثل قولنا: «لا تقتل زيدًا» ، إذ لا يمكن في هذا التخصيص، بل يتعين النسخ.
أما إذا ذكر بلفظ العموم، فالتخصيص ممكن، فلا يصار إلى النسخ
لوجهين:
الأول: أن التخصيص أغلب، حتى قيل: لا عام إلا وهو مخصص.
الثاني: أن النسخ وهو رفع والتخصيص بيان لا رفع فكان أولى، كما لو تأخر الخاص، فإن العلم يخص به وإن كان النسخ محتملًا، بأن يقرر حكم العام ثم يرفع، والنقض أقوى من الترجيح المذكور لأن للآخر أن يقول: النسخ إعمال للدليلين في زمنين، والتخصيص إبطال في بعض أفراده.
قالوا ثانيًا: تخصيص الكتاب بالكتاب على خلاف قوله: {لتبين للناس ما نزل إليهم} ، إذ التخصيص تبيين، فيكون المبين الكتاب لا الرسول، فيلزم وقوع نقيض ما أخبر الله تعالى به.
الجواب: المعارضة بأنه تعالى وصف القرآن بأنه {تبيانًا لكل شيء} والكتاب شيء، فيكون تبيانًا له.
ولما كان الجواب بالمعارضة جدليًا.
أجاب: بأن الكل ورد على لسان النبي عليه السلام، فهو المبين تارة بالكتاب وتارة بالسنة، فلا مخالفة ولا تعارض، ومع أنه لو صح لم يكن الخاص المتأخر مخصصًا.
قالوا ثالثًا: البيان يستدعي التأخير، فلا يبين المتقدم المتأخر، بل يكون المتأخر رافعًا له.
الجواب: لا نسلم أن البيان يستدعي التأخير، بل يستبعد عدم تأخيره،