الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(مسألة: جواب السائل غير المستقل
دونه تابع للسؤال في عمومه اتفاقًا.
والعام على سبب خاص بسؤال، كقوله عليه السلام لما سئل عن بئر بضاعة:«خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه شيء، إلا ما غير لونه، أو طعمه أو ريحه» أو بغير سؤال، كما روي أنه مرّ بشاة ميمونة فقال:«أيما إهاب دبغ فقد طهر» ، معتبر عمومه على الأكثر، ونقل عن الشافعي خلافه.
لنا: استدلال الصحابة بمثله، كآية السرقة، وهي في سرقة المجن، أو رداء صفوان، وآية الظهار في سلمة بن صخر، وآية اللعان في هلال بن أمية، وغيره.
وأيضًا: اللفظ عام والتمسك به.
قالوا: لو كان عامًا لجاز تخصيص السبب بالاجتهاد.
أجيب: بأنه اختص بالمنع للقطع بدخوله، على أن أبا حنيفة أخرج الأمة المسفرشة من عموم:«الولد للفراش» ، فلم يلحق ولدها مع وروده في ولد زمعة، وقد قال عبد الله بن زمعة: هو أخي وابن وليدة أبي، وُلِدَ على فراشه.
قالوا: لو عمّ لم يكن في نقل السبب فائدة.
قلنا: فائدته منع تخصيصه، ومعرفة الأسباب.
قالوا: لو قال: «تغدّ عندي» ، فقال:«والله لا تغديت» لم يعم.
قلنا: لعرف خاص.
قالوا: لو عمّ لم يكن مطابقًا.
قلنا: بل طابق وزاد.
قالوا: لو عمّ لكان حكمًا بأحد المجازات بالتحكم؛ لفوات الظهور بالنصوصية.
قلنا: النص خارجي بقرينة).
أقول: الجواب إن لم يكن مستقلًا بدون السؤال، كان في عمومه تابعًا للسؤال اتفاقًا، كقوله عليه السلام لما سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال:«أينقص الرطب إذا جفّ؟ قالوا: نعم، قال: فلا إذًا» .
وفي خصوصه، كما لو سأله سائل وقال: توضأت بماء البحر؟ ، فقال: يجزيك، فهذا خاص، فإنه ثبت إلحاق غيره به، فبالعلة المتعدية لا بالنص.
أما إن كان الجواب بلفظ عام مستقل ورد على سبب خاص، سواء كان ذلك السبب سؤالًا، كقوله عليه السلام لما سئل عن بئر بضاعة:«خلق الماء طهورًا لا ينجسه إلا ما غير لونه، أو طعمه، أو ريحه» لا يثبت بهذا اللفظ، ولفظه عند الدارقطني: «إن الماء لا ينجسه شيء، إلا ما غير
ريحه وطعمه».
أو غير سؤال، كما روي أنه مرّ بشارة ميمونة، فقال:«أيما إهاب دبغ فقد طهر» ، ثبت بهذا اللفظ عند الترمذي.
ففي الصورتين: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند الأكثر.
ونقل عن مالك والشافعي: أنه لا عبرة بعموم اللفظ، إنما المعتبر خصوص السبب، والصحيح عنهما خلافه.
لنا: أن الصحابة عممت أكثر العمومات، مع ابتنائها على أسباب خاصة، فمنها: آية السرقة ونزلت في سرقة المجن، أو رداء صفوان على
خلاف في ذلك، ومنها آية الظهار، ونزلت في سلمة بن صخر، ومنها: آية اللعان ونزلت في هلال بن أمية، وكذلك غيره من العمومات
الواردة على سبب خاص.
والنُسخ التي فيها «أو غيره» على الشك خطأ، وفي المنتهى مصرحًا به:«وغيره من الأدلة» .
ولنا أيضًا: أن اللفظ عام والتمسك به، وخصوص السبب لا يصلح معارضًا؛ إذ لا منافاة قطعًا.
قالوا أولًا: لو عمّ صورة السبب وغيرها، لجاز تخصيص السبب عنه بالاجتهاد، حتى يجوز الحكم بعدم طهورية ماء بئر بضاعة، ونجاسة جلد شاة ميمونة بعد دبغه، وبطلانه قطعي، أما الملازمة؛ فلأنه فرد من أفراد العام فكما جاز إخراج غيره بالاجتهاد فكذلك هو.
الجواب: منع الملازمة، فإن صورة السبب اختصت عن سائر الأفراد بالمنع عن الإخراج، للقطع بدخولها في الإرادة ولا بُعد في أن يدلّ دليل على إرادة خاص، فيصير كالنص فيه والظاهر في غيره، فيمكن إخراج غيره بالاجتهاد دونه.
ثم أشار إلى منع بطلان اللازم: بأن أبا حنيفة أخرج صورة السبب بالاجتهاد، لأن قوله عليه السلام:«الولد للفراش» عام في كل مستفرشة
من أمة أو زوجة، مع أنه ورد في مستفرشة زعة، وقال عبد بن زمعة - هكذا هو في المنتهى وهو الصواب، وليس اسمه عبد الله -:«هو أخي وابن وليدة أبي، ولد على فراشه» ، فالسبب هو الأمة المستفرشة ومع ذلك فإن أبا حنيفة أخرجها عن العموم بالاجتهاد، فلم يلحق ولدها بسيدها، بل حكم بكونه عبدًا لعبد بن زمعة، على وفق قوله عليه السلام:«هو لك يا عبد» .
قلت: وفي المنع الثاني نظر؛ لأن الأمة إنما تكون فراشًا عند أبي حنيفة إذا ولدت / ولدًا فاستلحقه، فما جاءت به بعد ذلك من ولد فهو ولده إلا أن ينفيه، فلم يخرج ولد أمة ثبت أنها فراش فضلًا عن إخراجه ولد مستفرشة زمعه؛ إذ لم يثبت كونها فراشًا عندهم، وإنما سيق الحديث للرد على مدعيه وهو سعد، فقال عليه السلام:«الولد للفراش، ولا فراش لأخيك» ، فلا ولد له، فيبقى ملكًا لمالك الأمة، إذ ليس ولدًا شرعيًا لأحد.
قالوا ثانيًا: لو عمّ صورة السبب وغيرها، لم يكن لنقل السبب فائدة؛ لأن خصوصية السبب لما لم يقتض خصوصية الخطاب [الوارد عليها، فتناول الخطاب] له ولغيره على السواء، فنقله دون غيره لا فائدة فيه، ولو لم يكن لتركه فائدة لم ينقل، ولم يبالغ في تدوينه وحفظه.
الجواب: لا نسلم انتفاء الفائدة، ومن فوائده منع تخصيص صورة السبب بالاجتهاد، ومن فوائده معرفة الأسباب.
قالوا ثالثًا: لو قال: «تغدّ عندي» ، فقال:«والله لا تغديت» ، لم يعم كل تغد، حتى لو تغدى عند غيره لم يحنث.
الجواب: خرج ذلك عن عموم دليلنا لعرف خاص، والتخلف لمانع لا يقدح في الدليل، ولا يصرفه عما لا يتحقق فيه المانع.
قالوا رابعًا: لو عمّ المسؤول عنه وغيره لم يكن الجواب مطابقًا للسؤال، يعني حيث يكون السبب بسؤال، وعدم المطابقة مما يجب نفيه عن الشارع.
الجواب: منع الملازمة؛ إذ الجواب مطابق وزائد، وذكر الزيادة لا يخرجه عن المطابقة.
قالوا خامسًا: لو عمّ لكان حكمًا لأحد المجازات بالتحكم، واللازم باطل، بيان اللزوم، أن ظهوره في العموم قد فات بنصوصيته في صورة السبب، فصار مصروفًا عما وضع له وهو الظهور في جميعها، إلى غير ما وضع له وهو الظهور في بعض والنصوصية في بعض، والسبب وحده ومع سائر الخصوصيات ومع بعضها مجازات له، فكان الحمل على السبب مع