الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قيل: نمنع الملازمة، إذ قد ينضم إلى ذلك قرائن توجب القطع، أو عند النظر في الأدلة يفيض الله عليهم الجزم بموجبه.
قالوا: إن كانت المسألة مما كثر البحث فيها ولم يطلع على تخصيص، فالعادة قاضية بالقطع بانتفائه، إذ لو كان لوُجد مع كثرة البحث قطعًا، وإن لم يكن مما كثر البحث فيه، فبحث المجتهد يوجب القطع بانتفائه، لأنه لو أريد بالعام الخاص لاطّلع عليه، لاستحالة ألا يُنَصَّب عليه دليلًا، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق، وألا يبلغه إلى المكلف وإلا كان نصب الدليل عليه عبثًا إذ الحكم مع عدم اطلاعه على المخصص هو العموم قطعًا.
الجواب: منع المقدمتين، وهو العلم عادة عند كثرة البحث، والعلم عند بحث المجتهد، وأسند بأنه كثير ما يبحث / فيحكم، ثم يجد ما يرجع به عن حكمه، ولو حصل القطع لما رجع.
قال:
(الظاهر والمؤول
.
الظاهر: الواضح.
وفي الاصطلاح: ما دلّ دلالة ظنية، إما بالوضع كالأسد، أو بالعرف كالغائط.
والتأويل: من آل يؤول، أي رجع.
وفي الاصطلاح: حمل الظاهر على المحتمل المرجوح.
وإن أردت الصحيح زدت: بدليل يصيره راجحًا.
الغزالي: احتمال يعضده دليل يصير به أغلب على الظن من الظاهر.
ويرد: أن الاحتمال ليس بتأويل بل شرط، وعلى عكسه: التأويل المقطوع به).
أقول: من أقسام المتن: الظاهر، والمؤول.
والظاهر لغة: الواضح، ومنه الظهور.
وفي الاصطلاح: ما دلّ دلالة ظنية، فيخرج النص لأن دلالته قطعية، ويخرج المجمل والمؤول، إذ لا ظن في المجمل، ودلالة المؤول موهومة.
ثم الدلالة الظنية إما بالوضع كالأسد للحيوان المفترس، وإما بالعرف كالغائط للخارج المستقذر، إذا غُلّب فيه بعد أن كان للمكان المطمأن من الأرض، فيكون الترديد في أنواع المحدود، فيخرج المجاز مع القرينة لأنه وإن دلّ دلالة ظنية، لكن لا بالوضع ولا بالعرف فليس بظاهر.
وقد يقال: المراد ما دل بنفسه، فلا يكون المجاز مع القرينة داخلًا، فينتهي الحدّ عند دلالة ظنية.
ثم المشترك بين النص والظاهر هو المحكم، لاستغنائهما عن البيان.
والتأويل: من آل الأمر إلى كذا أي رجع، ومآل الأمر مرجعه.
وفي الاصطلاح: حمل الظاهر على المعنى المحتمل المرجوح، فيتناول التأويل الصحيح والفاسد، فإن أردت الصحيح فقط، زدت في الحدّ: بدليل يصيره راجحًا، فما كان لا بدليل، أو بدليل يصيره مساويًا، لا يكون تأويلًا صحيحًا، وسواء كان الدليل قطعيًا أو ظنيًا، فالمؤول على هذا
الظاهر: المحمول على المعنى المحتمل المرجوح.
وعرّف الغزالي التأويل بأنه: احتمال يعضده دليل يصير به أغلب عن الظن من المعنى الذي دلّ عليه الظاهر.
ويرد عليه: أن الاحتمال ليس بتأويل بل شرط خارج والتأويل الحمل.
ويرد على عكسه: التأويل المقطوع به، فإنه يعضده دليل يفيد القطع، وهو ضد الظن.
ولما كان الظاهر أكثر استعمالًا من الظهور، والتأويل أكثر استعمالًا من المؤول، تعرض المصنف لهما فقط.
والمشترك بين المجمل والمؤول المتشابه، لاحتياجهما إلى البيان، لأن كلًا منهما غير / راجح الدلالة، لكن المؤول دلالته مرجوحة.
قال: (يكون قريبًا، فيترجح بأدنى مرجح.
وقد يكون بعيدًا، فيحتاج إلى الأقوى.
وقد يكون متعذرًا فيُرد.
فمن البعيدة: تأويل الحنفية قوله عليه السلام لابن غيلان وقد أسلم على عشرة نسوة: «امسك أربعًا وفارق سائرهن» ، أي ابتدئ النكاح، أو أمسك الأوائل، فأنه يبعد أن يخاطب بمثله [يتجدد] في الإسلام من غير تحديد بيان، ومع أنه لم ينقل تحديد قط.
وأما تأويلهم قوله عليه السلام لفيروز الديلمي وقد أسلم على أختين:
«أمسك أتيهما شئت» ، فأبعد لقوله: أيتهما).
أقول: التأويل على ثلاثة أقسام: قريب، وبعيد، ومتعذر.
فالقريب: يترجح الطرف المرجوح بأدنى مرجح لقربه، مثل:{إذا قمتم إلى الصلاة} أي إذا أردتم.
والبعيد: ما احتاج الطرف المرجوح في ترجيحه على المعنى الراجح - لولا الدليل - إلى دليل أقوى.
والمتعذر: ما لا يحتمله اللفظ، فيجب ردّه.
وعدّ المصنف تأويلات وحكم ببعدها، وحكم الغزالي بردّ أكثرها.
فمن ذلك: تأويل ما أخرجه الترمذي، أن غيلان - لا كما قال المصنف ابن غيلان - أسلم على عشرة نسوة، فأمره عليه السلام أن يتخير أربعًا منهن.
هذا لفظ الترمذي، ورواه الشافعي بلفظ:«أمسك أربعًا وفارق سائرهن» .
قال الحنفية: مؤول إما في «أمسك» أي ابتدئ نكاح أربع، «وفارق سائرهن» أي اتركهن، وإما في «أربع» أي الأوائل من العشر، «وفارق سائرهن» أي اترك الأواخر، ولذلك يرون وجوب تجديد النكاح إن تزوجهن
معًا، وإمساك الأربع الأوائل إن تزوجهن مترتبات.
ووجه بعده: أن غيلان كان متجد الإسلام لا يعرف شيئًا من الأحكام فكيف يخاطب بأمسك ويكون المراد به ابتداء النكاح؟ .
ولا شك أنه يبعد خطاب متجدد في الإسلام بمثله، مع أنه لم ينقل تجديد قط لا منه ولا من غيره، مع كثرة إسلام المتزوجين، ولو كان لنقل قطعًا.
ومنها: تأويلهم ما خرّجه الترمذي، أن فيروز الديلمي أسلم على أختين، فقال له عليه السلام:«اختر أيتهما شئت» ، تأولوه بمثل ما مرّ، وهو أبعد مما تقدم، غذ فيه ما تقدم، ويختص بأن فيه التصريح بقوله:«أيتهما شئت» ، فدل على أن الترتيب غير معتبر.
قال: (ومنها: قولهم في {فإطعام ستين مسكينًا} ، أي إطعام طعام ستين مسكينًا، لأن المقصود دفع الحاجة، وحاجة ستين كحاجة واحدة في ستين يومًا، فجعلوا المذكور معدومًا والمعدوم مذكورًا، مع إمكان قصده لفضل الجماعة وبركتهم، وتضافر قلوبهم على الدعاء للمحسن.
ومنها: قولهم في ربعين شاة شاة، أن قيمة الشاة، لما تقدم.
وهو أبعد، إذ يلزم منه: أن لا تجب الشاة.
وكل معنى إذا استنبط من حكم أبطله، باطل).
أقول: ومن تأويلهم البعيد قوله تعالى: {فإطعام ستين مسكينًا} ، قالوا: المراد إطعام طعام ستين مسكينًا؛ لأن المقصود دفع الحاجة، وحاجة ستين شخصًا كحاجة واحد في ستين يومًا، لا فرق بينهما عقلًا.
ووجه بعده: أنه جعل المعدوم - وهو طعام ستين - مذكورًا بحسب الإرادة، [والموجود - وهو ستين - معدومًا بحسب الإرادة] ، حيث لم يجعلوه مفعولًا للطعام مع رجحان أن المذكور هو المراد؛ لأنه يقصد إطعام ستين عينًا ولا يخير فيه في واحد في ستين يومًا، لفضل الجماعة وبركتهم وتضافر قلوبهم على الدعاء للمحسن، فيكون إلى الإجابة أقرب.
ومنها: تأويلهم ما خرّجه أبو داود، أنه عليه السلام قال:«من أربعين شاة شاة» . قالوا: المراد قيمة الشاة، لما تقدم أن المقصود دفع الحاجة، والحاجة إلى قيمة الشاة كالحاجة إليها، قال: وهو أبعد من الذي قبله؛ لأنه إذا وجبت قيمة الشاة لا تجب الشاة بخلاف الأول، إذ لا منافاة بين إيجاب إطعام طعام ستين مسكينًا وبين إطعام ستين مسكينًا، فيرجع المعنى - المستنبط من الحكم - وهو دفع الحاجة المستنبطة من إيجاب الشاة على الحكم وهو
وجوب الشاة بالإبطال، وكل معنى استنبط من حكم فأبطله فهو باطل؛ لأنه يوجب بطلان أصله المستلزم لبطلانه، فيلزم من صحته اجتماع صحته وبطلانه وأنه محال، فتنتفي صحته فيكون باطلًا.
والثابت عن الحنفية أنهم قالوا: أو قيمة الشاة، وكذا قال جماعة من أصحابنا، فلا يلزمهم شيء مما ألزمهم، ولا يكون تأويلًا بعيدًا.
قال: (ومنها: حمل «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل باطل باطل» على الصغيرة، والأمة، والمكاتبة.
وباطل: أي يؤول إليه غالبًا لاعتراض الأولياء؛ لأنها مالكة لبضعها فكان كبيع سلعة، واعترض الأولياء لدفع نقيصة - إن كانت - فأبطل ظهور قصد التعميم بتمهيد أصل مع ظهور «أي» مؤكدة بـ «ما» ، وتكرير لفظ البطلان وحمله على نادر بعبيد كاللغز، مع إمكان قصده لمنع استقلالها فيما يليق بمحاسن العادات).
أقول: ومنها: تأويلهم ما خرّجه أبو دود عنه عليه السلم، أنه قال:«أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل» .
فتارة تأولوا «أيما» فحملوه على الصغيرة والأمة والمكاتبة، وأجروا لفظ «باطل» على ظاهره، وتارة أوّلوا لفظ «باطل» أي يؤُول إلى البطلان غالبًا لاعتراض الولي إذا تزوجت بغير كفٍ، وحملوا «أيما امرأة» على غير المذكورات، وإنما أولوه بما ذكر لأن المرأة - غير من ذكر – مالكة لبضعها فرضاها / هو المعتبر، فيصح نكاحها كبيع سلعة تملكها.
فإن قيل: فكان ينبغي ألا يجوز للولي الاعتراض كما في بيع سلعتها؟ .
قلنا: اعتراض الأولياء لدفع نقيضة - إن كانت - فإن الشهوة مع قصور النظر مظنة الوقوع فيها، فإذا عدمها بعدم اعتراض الولي فقد حصل المقصود، ولا يتأتى مثله في السلعة.
ووجه بعده: أنه أبطل ظهور قصد النبي عليه السلام التعميم في كل امرأة، بتمهيد أصل من الأصول، فإنّ واضعي القواعد إذا ذكروا حكمًا بلا تفصيل يفهم منه قصدهم العموم، وجعل ذلك قاعدة كلية وإن لم يكن اللفظ صريحًا في العموم، فكيف واللفظ صريح في العموم، وهو «أي» لأنها من صيغ العموم، لا سيما مؤكدة بـ «ما» ، فحمله على نادر - وهي الصغيرة والأمة والمكاتبة - ثَمّ حمل باطل، مع تكرير لفظ ثلاث مرات تأكيدًا يؤتى به نفيًا لاحتمال السهو، والتجوز على نادر أيضًا وهومصيره إلى البطلان عند اعتراض الولي لنقيصة - إن كانت - لا شك أنه بعيد يتنزل منزلة اللغز، هذا مع إمكان قصده منع استقلال المرأة عن نهوضها بنفسها [بما لا
يليق بمحاسن العادات، فهو خاص به بنفسها] ، ولا شك أن نكاحها بنفسها من هذا القبيل، يشهد به العرف ولا يمكن إنكاره.
وجعل بعض الشراح (بتمهيد أصل) يتعلق بقوله: (فأبطل) أي أبطل ظهور قصد التعميم بسبب تمهيد أصل، وهو العلة المذكورة لتأويلهم.
قال: (ومنها: حملهم «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل» على القضاء والنذر، لما ثبت عندهم من صحة الصوم بنيته من النهار، وجعلوه كاللغز، فإن صح المانع من الظهور فليطلب أقرب التأويل.
ومنها: حملهم القربى على الفقراء منهم؛ لأن المقصود سد الخلة، ولا خلة مع الغنى، فعطلوا لفظ العموم مع ظهور أن القرابة سبب للاستحقاق مع الغنى).
أقول: ومنها: تأويلهم ما رواه النسائي عنه عليه السلام أنه قال: «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له» ، قالوا: يحمل على قضاء الصوم ونذره، وإنما حملوه على ذلك لما ثبت عندهم من صحة الصيام بنية من النهار.
ووجه بُعْده: أنهم حملوه على صورة نادرة بالنسبة إلى الصوم، مع ظهور العموم بالنكرة في سياق النفي، فصار كاللغز، فإن صح المانع من حمله على العموم كما هو مذهب الشافعي القائل بصحة صوم التطوع بنية من النهار، فيصار إلى الأقرب إليه وهو القضاء، والنذر، والواجب.
وإن لم يصح - كما هو مذهب مالك - حُمل على عمومه.
وإنما قال: (إن صح المانع من الظهور) مع أن الحقيقة منتفية إجماعًا بناء على / ما قدم من أن العرف في مثله نفي الفائدة، فهو ظاهر عنده في العرفية. ومنها: حملهم قوله تعالى: {ولذي القربى} على الفقراء منهم، قالوا: لأن المقصود سد الخلة، ولا خلة مع الغنى.
ووجه بُعْده: أنهم عطلوا لفظ العموم مع ظهور أن القرابة سبب مناسب للاستحقاق، وكان تعطيلًا للعام لذكر المساكين بعد، لا كما قال بعض الشراح: إنه تخصيص للعام فلا بُعْد.
وعدّ بعض الشافعية حمل مالك آية الزكاة على أن اللام لبيان المصرف، لا أنها للتشريك، من التأويلات البعيدة.