الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذهني وإن كان الشخصي يمنع الشركة - والذهني لا يمنعها - كان للبعض المطابق للذهني لاستحالة وجود الماهية في الخارج بدون فرد من أفرادها المطابق لها بعد حذف المشخصات، فحمل على ذلك البعض لضرورة الوجود، فلا استغراق لواحد منها.
قال:
(مسألة: المخصص: متصل، ومنفصل
.
فالمتصل: الاستثناء المتصل، والشرط، والصفة، والغاية، وبدل البعض.
والاستثناء في المنقطع، قيل: حقيقة.
وقيل: مجاز.
وعلى الحقيقة، قيل: متواطئ.
وقيل: مشترك.
ولابد لصحته من مخالفة في نفي الحكم، أو في أن المستثنى حكم آخر له يخالفه بوجه، مثل: ما زاد إلا نقص.
ولأن المتصل أظهر، لم يحمله فقهاء الأمصار على المنقطع إلا عند تعذره، ومن ثم قالوا في له عندي مائة درهم إلا ثوبًا وشبهه: إلا قيمة ثوب).
أقول: المخصص في الحقيقة هو إرادة المتكلم، ويطلق على اللفظ الدال على تلك الإرادة مجازًا.
والمخصص: متصل، ومنفصل؛ لأنه إما أن لا يستقل بنفسه وهو المتصل، أو يستقل وهو المنفصل.
ثم المتصل خمسة أنواع، والاستثناء المنقطع ليس بمخصص؛ إذ لا إخراج فيه، وإنما تكلم عليه استطرادًا، ثم هذه الخمسة منها ما يخرج المذكور به كالاستثناء والغاية، ومنها ما يخرج غير المذكور به كالشرط والصفة والبدل.
ولما كان بدل البعض كالاستثناء عند المصنف، فحكمه كحكمه، ولذلك لم يفرد له فصلًا. واعلم أن المستثنى إن كان بعض المستثنى منع، فالاستثناء متصل، وإلا فمنقطع.
واختلفوا في استعمال الاستثناء في المنقطع، فقيل: حقيقة فيه، وقيل: مجاز، ثم اختلف القائلون بكونه حقيقة فيه.
فقال قوم منهم: إنه مقول عليهما باعتبار أمر مشترك بينهما وهو المخالفة فهو متواطئ، وقيل: بل هو مشترك بينهما بالاشتراك اللفظي.
ثم قال: ولابد لصحة الاستثناء المنقطع من مخالفة بوجه من الوجوه، إما بأن ينفى من المستثنى الحكم الذي يثبت للمستثنى منه، مثل:«جاء القوم إلا حمارًا» ، فقد نفينا المجيء عن الحمار بعدما أثبتناه للقوم.
وإما بأن يكون المستثنى نفسه حكمًا آخر مخالفًا للمستثنى منه بوجه، مثل:«ما زاد إلا نقص» ، فإن النقص حكم مخالف للزيادة، وكذا:«ما نفع إلا ما ضر» .
ولا يقال: «ما جاءني زيد إلا أن العالم حادث» ، إذ لا مخالفة بينهما بأحد الوجهين؛ لأنه مقدر بـ «لكن» ، فكما تجب فيه المخالفة تحقيقًا، مثل:«ما ضربني زيد لكن ضربني عمرو» ، أو تقديرًا مثل:«ما ضربني لكن أكرمني» ، فكذا هنا.
ثم أشار المصنف إلى أنه مجاز في المنقطع، وهو اختيار القاضي عبد الوهاب، محتجًا بأن علماء الأمصار لم يحملوا الاستثناء على المنقطع إلا عند تعذر المتصل، حتى عدلوا للحمل على المتصل عن الظاهر وخالفوه.
فقالوا في قول المقرّ له عندي مائة درهم إلا ثوبًا: إلا قيمة ثوب، فارتكبوا الإضمار وهو على خلاف الأصل ليصير متصلًا، ولو كان ظاهرًا في المنقطع لم يرتكبوا خلاف الظاهر حذرًا عنه.
وهذا الذي ذكر أنه قول علماء الأمصار هو أحد القولين عندنا، وذكر المازري هذا القول وقولًا آخر أنه يؤخذ بالمائة ويعد ذكر الثواب ندمًا.
قال: (وأما حدّه، فعلى التواطؤ: ما دلّ على مخالفة بإلا، غير الصفة وأخواتها وعلى الاشتراك والمجاز لا يجتمعان في حدّ، فيقال في المنقطع: ما دلّ على مخالفة بإلاّ غير الصفة وأخواتها، من غير إخراج.
وأما المتصل، فقال الغزالي: قول ذو صيغ مخصوصة محصورة دال على أن المذكور لي يرد بالقول الأول.
وأورد على طرده: التخصيص بالشرط، والوصف بالذي، والغاية، ومثل:«قام القوم ولم يقم زيد» ، ولا يرد الأولان.
وعلى عكسه: «جاء القوم إلا زيد» ، فإنه ليس بذي صيغ.
وقيل: لفظ متصل بجملة لا يستقل بنفسه، دال على أن مدلوله غير مراد بما اتصل به، ليس بشرط، ولا صفة، ولا غاية.
وأورد على طرده: «قام القوم إلا زيدًا» .
وعلى عكسه: «ما جاء إلا زيد» ، فإنه لم يتصل بجملة.
وأن مدلول كل استثناء مراد بالأول.
والاحتراز من الشرط والصفة وهم، والأولى إخراج بإلا وأخواتها).
أقول: اعلم أن الاستثناء إن كان متواطئًا في المتصل والمنقطع، أمكن أن يحدّ بحدّ واحد باعتبار المشترك بينهما، وهو مجرد المخالفة، الأعم من الإخراج / وعدمه، فيقال: ما دلّ على مخالفة بإلا غير الصفة وأخواتها، فما دلّ على مخالفة يتناول أنواع التخصيص.
وقوله: (بإلا غير الصفة) يخرج سائر أنواعه، وإنما قيد «إلا» بغير الصفة، ليخرج نحو:{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} ؛ لأنهما بمعنى «غير» ، فهي صفة لا استثناء.
وقوله: (وأخواتها) أراد بقية حروف الاستثناء وهي معلومة،
فيخرج ما دلّ على مخالفة [لا بها] ، أو إحدى أخواتها، نحو:«قام القوم ولم يقم زيد» .
وفيه مناقشة؛ لأن «إلا» هو الدال على المخالفة، فالأولى أن يقال: الاستثناء الإشعار بمخالفة بإلا أو إحدى أخواتها.
أما إذا قلنا: إنه مشترك بينهما اشتراكًا لفظيًا، أو هو مجاز في المنقطع، فلا يجمعان في حدّ واحد من حيث المعنى لاختلاف مفهوميهما، إما بحسب اللفظ، فممكن أن يقال: هو المذكور بعد إلا، غير الصفة أو إحدى أخواتها، فيكون لفظيًا.
قيل: لو زِيدَ في التعريف مخرجًا أو غير مخرج، لكن معويًا.
ردّ: بأن مخرجًا أو غير مخرج لا مدخل له في التعريف، لأن حينئذ لبيان الأنواع، ولو سلّم لم يكن معنويًا؛ لأنه مركب من لفظي ومعنوي، فإذا لم يجتمعا في حدّ واحد، يزاد عن الحدّ المذكور قيد «من غير إخراج» ، فيكون حدًّا للمنقطع يمتاز به عن المتصل؛ لأن المتصل فيه إخراج.
وأما المتصل: فعرّفه الغزالي: بأنه قول ذو صيغ مخصوصة محصورة، دال على أن المذكور به لم يرد بالقول الأول.
واعترض طرده وعكسه.
أما طرده: فالتخصيص بالشرط، نحو:«أكرم الناس إن دخلوا» ،
و
الوصف بالذي [] والتي وأخواتها، لأنها [الصيغ] المخصوصة دون الوصف بغيرها.
وقيل: إنما قيد بما ذكره؛ لأن الوصف بغيره لم يذكر بعده شيء، ولا يخفى ضعفه، لأن الآخر ما ذكر بعده إلا الصلة، والمخصص الموصول لا الصلة، نحو:«الناس الذين علموا» ، والغاية نحو:«أكرم الناس إلا أن يدخلوا» ، ومثل:«جاء القوم ولم يجئ زيد» .
قال المصنف: (ولا يرد الأولان) يعني التخصيص بالشرط والوصف بالذي؛ لأنهما لا يخرجان المذكور به، بل غير المذكور.
والحق: أن لا يرد الرابع؛ لأن المراد في قولنا أي الوضع، وقوله:(ولم يجئ زيد) لم يوضع إلا لنفي المجيء عن زيد، ولم يوضع للإعلام بأن زيدًا لم يرد بالأول، وإنما يلزم من ذكره بعد الإثبات لزومًا عقليًا لا وضعيًا، بخلاف:«جاء القوم إلا زيدًا» ، فإنه لم يوضع إلا لذلك.
ثم أورد على عكسه: «جاء القوم إلا زيدًا» ، فإنه استثناء وليس ذا صيغ، بل ذو صيغة واحدة.
والحق: أنه لا يرد؛ لظهور أن المراد أن جنس الاستثناء ذو صيغ، وكل استثناء ذو صيغة، والحق ورود الغاية.
فإن أجيب: بأن المراد من قولنا: «ذو صيغ» أدوات الاستثناء، لزم
الدور، وأيضًا: لا يكون حدًا لاستثناء، وإنما هو حدّ لأدوات الاستثناء، وقيد «محصورة» زائد لا يحتاج إليه.
وعرّفه بعض النحاة: بأنه لفظ متصل بجملة لا يستقل بنفسه، دال على أن مدلوله غير مراد بما اتصل به، واحترز «بمتصل» عن المنفصل من لفظ أو عقل، و «بلا يستقل» عن اللفظي المتصل المستقل.
(وبدال
…
آخره) المتصلات غير المخصصة، وبقوله (ليس بشرط
…
إلى آخره) عنها.
ثم أورد على طرده وعلى عكسه، أما على طرده: فـ «قام القوم إلا زيد» ، يصدق عليه الحدّ وليس باستثناء.
وأما العكس: فالاستثناء المفرغ، نحو:«ما جاء إلا زيد» ، هو استثناء ولم يتصل بجملة، لأنه هو الفاعل، والفعل وحده مفرد.
وثانيها: أنّا سنبين أن مدلول كل استثناء متصل مراد بالأول، ولا يخفى أنه إن ورد ورد على الغزالي أيضًا.
وأورد أيضًا: أن قوله: (ليس بشرط ولا صفة) لا حاجة إليه؛ لأنهما لا يدلان على أن مدلولهما غير مراد، بل على أن المراد مدلولهما لا غير، وقد يقال على الأول: إن «إلا زيد» وضع لنفي لا لإعلام عدم الإرادة، كقولنا:«جاءني عمرو لا زيد» .
وعن الثاني: أن المراد الجملة أو ما يقدر به وما اتصل به المفرغ.
قيل: يقدر معه عام يتناوله، فيكون جملة معنى، ويكون زيد بدلًا من
ذلك المقدر.
وعن الثالث: أن المستثنى غير مراد في الجملة، حيث لم يرد الإسناد إليه.
وعن الرابع: أنه لا يريد إخراج كل شرط وصفة، بل نحو:{لو كان فيهما آلهة إلا الله} ، و «أكرم الناس إن لم يكونوا جهالًا» .
والحق: أن هذا أيضًا تعريف لأدوات الاستثناء، والضمير في مدلوله ليس على ظاهره، بل مدلول جزئه وهو زيد في قولنا:«إلا زيدًا» ، لا مدلول إلا زيدًا.
ثم قال المصنف: والأولى في تعريفه: إخراج بإلا، يعني غير الصفة أو إحدى أخواتها، يعني بقية الأدوات، والظاهر أنه تعريف لفظي.
قال: (وقد اختلف في تقرير الدلالة في الاستثناء.
فالأكثر: المراد بعشرة في قولك: «عشرة إلا ثلاثة» سبعة، و «إلا» قرينة لذلك، كالتخصيص بغيره.
وقال القاضي: عشرة إلا ثلاثة بإزاء سبعة، كاسمين مركب ومفرد.
وقيل: المراد بعشرة، عشرة باعتبار الأفراد، ثم أخرجت ثلاثة، والإسناد بعد الإخراج، فلم يسند إلا إلى سبعة، وهو الصحيح.
لنا: أن الأول غير مستقيم، للقطع بأن من قال:«اشتريت الجارية إلا نصفها» أو نحوه، لم يرد استثناء نصفها من نصفها، ولأنه كان بتسلسل، ولأنا نقطع بأن الضمير للجارية بأكملها، ولإجماع العربية على أنه إخراج بعض من كل، ولإبطال النصوص، وللعم بأنا نسقط الخارج، فيعلم أن
المسند إليه ما بقي.
والثاني كذلك، للعلم بأنه خارج عن قانون اللغة، إذ لا تركيب من ثلاثة، ولا يعرب الأول، وهو غير مضاف، ولامتناع إعادة الضمير على جزء الاسم في «إلا نصفها» ، ولإجماع العربية
…
إلى آخره.
قال الأولون: لا / يستقيم أن يراد عشرة بكمالها، للعم بأنه ما أقرّ إلا بسبعة، فيتعين.
وأجيب: بأن الحكم بالإقرار باعتبار الإسناد، ولم يسند إلا بعد الإخراج.
قالوا: لو كان المراد عشرة، امتنع من الصادق، مثل قوله تعالى:{إلا خمسين عامًا} .
وأجيب: بما تقدم.
القاضي: إذا بطل أن يكون عشرة، وبطل أن يكون سبعة، تعين أن يكون الجميع لسبعة.
وأجيب: بما تقدم.
فيتبين أن الاستثناء على قول القاضي ليس بتخصيص.
وعلى الأكثر تخصيص.
وعلى المختار محتمل).
أقول: يتبادر إلى الذهن في الاستثناء أنه تناقض، لأن قولك:«عليّ عشرة إلا ثلاثة» إثبات للثلاثة في ضمن العشرة، ونفي للثلاثة صريحًا، ولا شك أنهما لا يصدقان معًا، فاضطروا إلى تقرير دلالته على وجه يدفع
التناقض.
فقال الأكثر: المراد بعشرة في قولنا: «عشرة إلا ثلاثة» سبعة، و «إلا ثلاثة» قرينة لإرادة السبعة في العشرة، إرادة للجزء باسم الكل، كالتخصيص بغير الاستثناء.
وقال القاضي: «عشرة إلا ثلاثة» بإزاء سبعة، كأنه وضع له اسمان، مفرد وهو سبعة، ومركب وهو عشرة إلا ثلاثة.
وقيل: المراد بعشرة في هذا التركيب مفهوم العشرة، ثم أخرجت منه ثلاثة، ثم أسند إلى سبعة، لأن المركب التقييدي مقدم على المركب الإسنادي، فعشرة مراد معناها باعتبار آحادها لم تغير، فتتناول السبعة والثلاثة معًا، ثم أخرجت عنها الثلاثة بقوله:«إلا ثلاثة» ، فدل «إلا» على الإخراج، و «الثلاثة» على العدد المسمى بها حتى بقي سبعة، ثم أسند إليه، فلم يسند إلا إلى سبعة، فليس «إلا» إثباتًا فقط، ولا نفي أصلًا، فلا تناقض إذ لم يتعارض نفي وإثبات، قال:(وهو الصحيح).
واكتفى المصنف في إثبات مختاره بإبطال القولين فتعين مختاره؛ لأنه لابد في دفع التناقض من أحد التقديرات الثلاث، لأنه لو أريد عشرة وأسند إليه فالتناقض ظاهر، فانتفاؤه بألا تراد العشرة، أو تراد ولا يسند إليها، فإن لم ترد العشرة، فإن أريد السبعة فهو الأول، وإن لم ترد بها السعة وهي مرادة
قطعًا، كانت مرادة بالمركب وهو الثاني، وإن أريد بالعشرة ولم يسند إليها فهو الثالث، وإذا تعين أحد الثلاثة وبطل قسمان، تعين الثالث عينًا.
احتج المصنف على بطلان الأول بوجوه ستة:
الأول: أنا نقطع أن من قال: «اشتريت الجارية إلا نصفها» لم يرد بالجارية نصفها، وإلا لزم استثناء نصفها وهو لم يرده قطعًا، وإلا كان استثناء مستغرقًا.
الثاني: لو كان المراد بالمستثنى منه / ما بقي بعد الاستثناء لزم التسلسل، لأنه إن كان المراد بالجارية نصفها، وقد أخرج الاستثناء من المستثنى منه نصفه، فيكون نصف النصف مخرجًا بالاستثناء، فيكون المراد بالنصف الذي هو المستثنى منه نصف النصف، لأنه الباقي بعد استثناء النصف عنه، وقد أخرج عن المستثنى منه الذي هو نصف النصف، وهلمّ جرا.
الثالث: أنا نقطع بأن الضمير عائد إلى الجارية بكمالها، فلو كان المراد بالمستثنى منه ما بقي بعد الاستثناء، لزم أن يكون الضمير في «إلا نصفها» عائدًا إلى نصف الجارية، وكان يلزم تذكيره.
الرابع: إجماع أهل العربية على أن الاستثناء المتصل إخراج بعض من كل، ولو أريد الباقي من الجارية لم يكن ثم كل ولا بعض ولا إخراج.
الخامس: أنه يبطل النصوص؛ إذ ما من لفظ إلا ويمكن الاستثناء لبعض مدلوله، فيكون المراد هو الباقي، فلا يبقى نصًا في الكل، ونحن نعلم أن عشرة نص في مدلوله.
السادس: أنا نعلم أنا نسقط الخارج في العشرة عنها، وأن المسند إليه
ما بقي، فهذا المعنى معقول، واللفظ دال عليه، فوجب تقريره عليه، إذ يجب إبقاء الألفاظ المفردة على وضعها ما أمكن.
وقرر السادس بتقريرين آخرين:
الأول: أنا نعلم بالضرورة أنا نسقط الخارج، يعني المستثنى من المستثنى منه، فيعلم أن المسند إليه ما بقي بعد الإسقاط، وهنا إذا كان المراد سبعة، ثم أخرجت ثلاثة فكان المراد أربعة، فلا يعلم أن المسند إليه سبعة.
الثاني: لو كان المراد بالمستثنى منه هو الباقي، لم يكن الإسقاط موجبًا للعلم بكون الباقي مسندًا إليه، لأن إسقاط الخارج يتوقف على حصول خارج، وعلى تقدير أن يكون المستثنى منه هو الباقي لم يحصل خارج.
وكل هذه الأدلة ضعيفة.
أما الأول: فلأنه إنما يلزم لو كان الاستثناء من المراد، وليس كذلك، بل من الظاهر ليبين أن المراد بالجارية نصفها.
وأما الثاني: فإنما يلزم التسلسل لو احتيج إلى إخراج بعد إخراج، لكن الاستثناء بيّن أن المراد بالمستثنى منه الذي هو الكل - بحسب الظاهر - النصف فلم يحتج إلى شيء آخر.
وأما الثالث: فلأنه إنما يلزم إعادة الضمير إلى النصف لو لم يعتبر اللفظ المذكور الظاهر في الكل.
وأما الرابع: فلأنه إنما يلزم أن لا يكون المتصل مخرجًا لو لم يكن الإخراج من الكل بحسب الظاهر.
وأما خامسًا: فلأن النص هو الذي لا يحتمل إلا معنى واحدًا عند عدم
القرينة، والعشرة إذا لم تكن قرينة الاستثناء هي كذلك، مع أنه مشترك الإلزام.
أما السادس: فعلى التقرير / الأول قوي.
وعلى التقرير الثاني، لا نسلم أن الباقي بعد إسقاط الثلاثة من المستثنى منه الذي هو عشرة بحسب الظاهر أربعة، بل الباقي سبعة.
وعلى التقرير الثالث، لم لا يجوز أن يكون إسقاط الخارج بحسب ظاهر المستثنى فيه، لا بحسب مراد المتكلم.
ثم احتج لبطلان مذهب القاضي بوجوه:
الأول: أنه خارج عن قانون اللغة، إذ ليس في لغتهم مركب من ثلاثة ألفاظ.
ثانيًا: لا يعرب الجزء الأول من المركب وهو غير مضاف، كل ذلك معلوم بالاستقراء.
وأيضًا: لو كان كذلك لزم إعادة الضمير في «إلا نصفها» إلى جزء الاسم.
وأيضًا: إجماع أهل العربية على أن الاستثناء المتصل إخراج بعض من كل، إلى آخر الأدلة السابقة.
احتج الأكثرون بوجيهن:
الأول: لا يخلو أن يراد بعشرة كمالها أو سبعة، والأول باطل؛ لأنا
نعلم أنه ما أقرّ إلا بسبعة، فتعين الثاني.
الجواب: الإقرار إنما يحكم به باعتبار الإسناد، ولا إسناد إلا بعد الإخراج؛ فيكون إقرارًا بالباقي بعد الإخراج وهو سبعة.
قالوا ثانيًا: لأو كان المراد بعشرة كمالها، امتنع من الصادق، مثل:{فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا} لما يلزم من إثبات لبث الخمسين ونفيه، وهو تناقض.
الجواب: ما تقدم، وهو أن الحكم باللبث إنما هو بعد إخراج الخمسين فلم يسند إلا إلى الباقي.
ثم احتج القاضي بأنه: إذا بطل أن يكون عشرة لما ذكره الأولون وأن يكون سبعة لما ذكره الآخرون، تعين أن يكون المجموع لسبعة؛ لما تقدم من أنه لابد من أحد الثلاثة.
ثم قال: فتبين مما ذكرنا أن الاستثناء على قول القاضي ليس بتخصيص؛ إذ التخصيص قصر العام على بعض مسمياته، وهنا لم يرد بالعام بعض مسمياته، بل أريد بالمجموع نفس مسماه.
وعلى قول الأكثر تخصيص، لأنه قصر العام على بعض مسمياته.
وعلى المختار يحتمل أن يقال: تخصيص، نظرًا إلى الحكم، وأنه للعام في الظاهر والمراد الخصوص، وأن يقال: ليس بتخصيص؛ إذ المفرد يرد به إلا العموم، كما كان عند الانفراد ولم يغير.