الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثانيًا: أنه موضوع للجمع المشترك بين العموم والخصوص، ولا يلزم من عدم اعتبار قيد العموم اعتبار عدمه.
قال:
(مسألة: أبنية الجمع لاثنين
يصح، وثالثها: مجاز.
الإمام: ولواحد.
ولنا: أنه يسبق الزائد، وهو دليل الحقيقة والصحة، {فإن كان له إخوة} ، والمراد أخوان.
واستدل ابن عباس بها ولم ينكر عليه، وعدل إلى التأويل.
قالوا: {فإن كان له إخوة} والمراد أخوان، والأصل الحقيقة.
ردّ: بقضية ابن عباس.
قالوا: {إنا معكم مستمعون} .
ردَّ: بأن فرعون مراد.
قالوا: «الاثنان فما فوقها جماعة» .
وأجيب: في الفضيلة، فإنه يعرف الشرع لا اللغة.
النافون: قال ابن عباس: «ليس الأخوان إخوة» .
وعورض: بقول زيد: «الأخوان إخوة» .
والتحقيق: أراد أحدهما حقيقة، والآخر مجازًا.
قالوا: لا يقال: «جاءني رجلان عاقلون» ، ولا:«رجال عاقلان» .
وأجيب: بأنهم يراعون صورة اللفظ).
أقول: اختلفوا في أقل الجمع، وليس الخلاف في لفظ جمع، فإن ذلك ضم الشيء إلى الشيء، فيصح للاثنين اتفاقًا، وإنما الخلاف في نحو:
«رجال» ، و «مسلمين» ، وعن مالك، والقاضي، والأستاذ، والغزالي: أنه اثنان.
قلت: الظاهر عندي أن المروي عن مالك محمول على أنه مجاز؛ لأنه نص على أنه إذا قال: «لفلان عليّ دراهم» ، لا يقبل تفسيره بأقل من ثلاثة.
وقال الإمام في البرهان: «إن ثمرة الخلاف أن من قال أقل الجمع اثنان يقبل تفسيره إذا فسر باثنين» .
وروي عن أبي حنيفة والشافعي: أن أقله اثنان.
وقال الإمام: «إنه يصح لواحد أيضًا كما يصح لاثنين، يعني مجازًا» .
ومختار المصنف: أنه يبنى لاثنين مجازًا، وأنه حقيقة في الزائد.
وقال قوم: لا يبنى لاثنين حقيقة ولا مجازًا، ولو قال: وثالثها المختار لكان أولى.
لنا في أنه ليس بحقيقة في الاثنين: سبق الفهم عند إطلاق هذه الصيغ بلا قرينة إلى الزيادة على الاثنين، وهو دليل على أنه حقيقة في الزائد / على الاثنين.
ولنا: في أنه يصح للاثنين مجازًا قوله تعالى: {فإن كان له إخوة} ، والمراد أخوان فما فوقهما، ويدل على الأمرين قول ابن عباس لعثمان:«ليس الأخوان إخوة في لسان قومك» ، فقال عثمان:«لا أنقض أمرًا كان قبلي» ، فاستدل ابن عباس ولم ينكر عثمان، بل عدل إلى التأويل، وهو الحمل على المجاز للإجماع.
وقد يقال: هذا يدل على أن الإخوة في الآية للثلاثة، وأن المفهوم إنما خولف للإجماع.
القائلون بأنها للاثنين حقيقة، احتجوا بقوله تعالى: {فإن كان له
إخوة} ، والمراد أخوان فما فوقهما، والأصل في الإطلاق الحقيقة.
ردّ: بأن قضية ابن عباس تدل على خلافه.
قالوا: قال تعالى: {إنا معكم مستمعون} بخطاب الجماعة، والمراد موسى وهارون عليهما السلام.
أجاب: بأن المراد هما وفرعون.
وفيه نظر؛ لأنه قال في الآية الأخرى: {إنني معكما أسمع وأرى} والقصة واحدة، بل الأولى في الجواب أن يقال: إن مجاز لما تقدم.
قالوا: قال عليه السلام: «الاثنان فما فوقها جماعة» ، رواه الدارقطني وهو صريح في إطلاق لفظ الجماعة على الاثنين، والأصل في الإطلاق الحقيقة.
الجواب: أن اللفظ له محملان: لغوي وهو ما ذكرتم، وشرعي وهو انعقاد الجماعة بهما وحصول الفضيلة، فوجب حمله على الشرعي؛ لأنه عليه السلام بعث ليعلم الشرع دون اللغة، مع أنه ليس محل نزاع؛ إذ لا نزاع في لفظ جمع، إنما النزاع في صيغ الجموع.
احتج القائلون بأن لا يصح لاثنين ولو مجازًا: بأن ابن عباس قال: «ليس الأخوان إخوة» .
والجواب: المعارضة بقول زيد بن ثابت: «الأخوان إخوة» .
والتحقيق: أن ابن عباس أراد بقوله: «ليس الأخوان إخوة» أي حقيقة، وأراد زيد بقوله:«الأخوان إخوة» أي مجاز، جمعًا بين الكلامين.
قالوا ثانيًا: لو صح لاثنين، لجاز أن يقال:«جاءني رجلان عالمون» ، و «رجال عالمان» ، فيجعل «عالمون» في الأول، و «رجال» في الثاني لاثنين.
الجواب: لا نسلم الملازمة؛ لأنهم يراعون صورة اللفظ، بأن يكون كلامهم جمعًا أو مثنى.
وفيه نظر؛ فإنه يقال: جاءني زيد وعمرو وبكر العالمون، ولا يقال: العلمان، ولا يقال: جاءني زيد وعمرو العالمون.
قال: (مسألة: إذا خص العام كان في الباقي مجازًا.
الحنابلة: حقيقة.
الرازي: إن بقي غير منحصر.
أبو الحسين: إن خص بما لا يستقل من شرط، أو صفة، أو استثناء.
عبد الجبار: إن خص بشرط، أو صفة.
القاضي: إن خص بشرط، أو استثناء.
وقيل: إن خص بدليل لفظي.
الإمام: حقيقة في تناوله، مجاز في الاقتصار عليه.
لنا: لو كان حقيقة لكان مشتركًا؛ لأن الفرض أنه حقيقة في الاستغراق.
وأيضًا: الخصوص بقرينة، كسائر المجاز.
الحنابلة: التناول باق فكان حقيقة.
أجيب: بأنه كان مع غيره.
قالوا: يسبق، وهو دليل الحقيقة.
قلنا: بقرينة، وهو دليل المجاز).
أقول: العام إذا خص وأريد به الباقي، فهو مجاز.
وقالت الحنابلة: حقيقة.
وقال أبو بكر الرازي: حقيقة إذا كان الباقي غير منحصر، وإلا فهو مجاز.
وقال أبو الحسين البصري: حقيقة إن خص بمخصص لا يستقل بنفسه من شرطٍ أو صفةٍ أو غايةٍ أو استثناءٍ، وإن خص بمستقل من سمعٍ أو عقلٍ فهو مجاز.
وقال القاضي: حقيقة إن خص بشرط أو استثناء، لا بصفة أو غيرها.
وقال القاضي عبد الجبار: حقيقة إن خص بشرط أو صفة، لا باستثناء أو غيره.
وقيل: حقيقة إن خص بدليل لفظي متصل أو منفصل.
وقال الإمام: حقيقة في تناوله لما لو كان مستعملًا في موضوعه لتناوله مجاز في الاقتصار عليه.
والمغايرة بين هذا القول والمختار: أن التناول بعد التخصيص حقيقة عند الإمام، والتناول على المختار بعد التخصيص مجاز.
لنا: أنه لو كان حقيقة في الباقي كما هو حقيقة في الكل، لكان مشتركًا بين الكل والبعض؛ لأن الفرض أنه موضوع للكل.
وأيضًا: لو كان حقيقة في الباقي لم يحتج عند إطلاقه عليه إلى قرينة؛ لأن إطلاق اللفظ يفهم منه المفهوم الحقيقي بغير قرينة، لكن هذا يحتاج كسائر
المجاز.
وقد يقال: الاحتياج إلى القرينة لأجل الاقتصار لا لأجل التناول، فلا ينهضان على الإمام.
احتج القائل بأنه حقيقة: بأن اللفظ كان متناولًا له قبل التخصيص، والتناول باقٍ، وإنما طرأ عدم تناول الغير.
الجواب: أنه كان يتناوله مع غيره، والآن يتناوله وحده، وهما متغايران، فقد استعمل في غير ما وضع له، والظاهر أن تناوله للغير وعدم تناوله إياه لا يغير صفة تناوله لما يتناوله، لكنهم إن أرادوا أنه مجاز في الاقتصار، فهو مذهب الإمام، وإلا لزم الاشتراك.
قالوا: بسبق الباقي بعد التخصيص إلى الفهم عند الإطلاق، وهو دليل الحقيقة.
الجواب: إنما يتبادر مع القرينة؛ لأنه بدونها إنما يتبادر العموم، وذلك دليل المجاز.
وقد يقال: المحتاج إلى القرينة عدم إرادة / المخرج، أما إرادة الباقي فمعلوم بدون القرينة.
قال: (مسألة: الرازي: إذا بقي غير منحصر، فهو معنى العموم.
أجيب: بأنه كان للجميع.
أبو الحسين: لو كان ما لا يستقل يوجب تجوزًا في نحو: «الرجال المسلمون» ، و «أكرم بني تميم إن دخلوا» ، لكان نحو:«مسلمون»
للجماعة مجازًا، ولكان نحو:«المسلم» [للخبر] أو للعهد مجازًا، ونحو {ألف سنة إلا خمسين عامًا} مجاز.
وأجيب: بأن الواو في «مسلمون» كألف «ضارب» ، وواو «مضروب» والألف واللام في «المسلم» .
ولو كانت كلمة حرفًا أو اسمًا، فالمجموع الدال، والاستثناء سيأتي.
القاضي: مثله، إلا أن الصفة عنده كأنها مستقلة.
عبد الجبار: كذلك، إلا أن الاستثناء عنده ليس بتخصيص.
المخصص باللفظية: لو كانت القرائن اللفظية توجب تجوزًا
…
إلى آخره، وهو أضعف.
الإمام: العام كتكرر الآحاد وإنما اختصر، فإذا أخرج بعضها بقي الباقي حقيقة.
وأجيب: بالمنع، فإن العام ظاهر في الجميع، فإذا خص خرج قطعًا، والمتكرر نص).
أقول: احتج القائل بأنه حقيقة إن كان الباقي بعد التخصيص غير منحصر: بأن معنى العموم حقيقة كون اللفظ دالًا على أمر غير منحصر في عدد، وإذا كان الباقي غير منحصر كان عامًا.
الجواب: منع كون معناه ذلك، بل معناه تناوله للجميع، وقد كان ثم صار لغيره فهو مجاز، وليس النزاع في لفظ العام الذي هو شمول أمر لمتعدد،
بل النزاع في الصيغ.
احتج أبو الحسين: بأنه لو كان ما لا يستقل يوجب تجوزًا في نحو: «الرجال المسلمون» من المقيد بصفة، و «أكرم بني تميم إن دخلوا» من المقيد بشرط، لكان نحو:«مسلمون» للجماعة مجازًا، ولكان نحو:«المسلم» للجنس أو للعهد مجازًا، ولكان نحو:{ألف سنة إلا خمسين عامًا} مجازًا، واللوازم الثلاثة باطلة اتفاقًا؛ إذ كل واحد من الثلاثة تقيد بقيد هو كالجزء له، وقد صار به لمعنى غير ما وضع له، وكل منهما غير مستقل، ويفيد معنى زائدًا فالفرق تحكم.
الجواب: ما ذكرتم ليس فيه عام مقيد، إذ الواو في «مسلمون» كألف «ضارب» ، واو «مضروب» ، مما هو جزء الكلمة، والمجموع لفظ واحد، والألف واللام في «المسلم» وإن كان كلمة اسمًا كالموصول أو حرفًا كغيره، فالمجموع هو الدال على الجنس أو العهد، ومفرداته بعد التركيب مستعملة فيما وضعت له فكان حقيقة، كزيد قائم، بخلاف الشرط والصفة فإنه إذا قيد بهما كالعام، لم يبق العام دالًا على ما وضع له قبل التقييد، فلا يكون كالعام بعد التقييد به حقيقة، والاستثناء سيأتي الكلام عليه.
احتج القاضي: بمثل ما احتج به أبو الحسين، إلا أن الصفة عنده كأنها مستقلة؛ لجواز إقامتها مقام الموصوف.
القاضي عبد الجبار قال مثلما قالاه، إلا أن الاستثناء عنده ليس
بتخصيص؛ لما ستعلم أن المستثنى منه باق على عمومه في الإرادة، والتخصيص إنما هو في الإسناد، لكن الذي لعبد الجبار في العمد: أن الاستثناء تخصيص.
احتج القائل بأن المخصص إذا كان بالدلائل اللفظية فهو حقيقة: بأنه لو كانت الدلائل اللفظية توجب تجوزًا، لكان نحو «مسلمون»
…
إلى آخره.
الجواب: أن هذا أضعف؛ لأن المتصل كالجزء وهو يصلح جامعًا، وتعميه في المنفصل مع ظهور الفرق لا وجه له.
احتج الإمام: بأن العام كتكرر الآحاد [المتعددة، فمعنى الرجال لغة: فلان وفلان إلى أن يستوعب، وإنما وضع الرجال اختصارًا، وتكرر لآحاد] إذا بطل بعضها لا يصير الباقي مجازًا.
الجواب: منع كونه كتكرر الآحاد، وإنما يقول أهل العربية ذلك لبيان الحكمة في وضعه، لا لأنه مثله في جميع أحكامه؛ إذ العام ظاهر في الجمع، فإذا خرج البعض لم يبق على ظاهره قطعًا، وهو معنى المجاز، والمتكرر استعمل كل واحد في كل واحد نصًا، فإذا خرج بعض عن الإرادة، بقي الباقي نصًا فيما تناوله ولم يتغير عن وضعه.
وقد يقال: النص لا يمنع كون اللفظ بعد إخراج شيء مجازًا، كعشرة إلا ثلاثة، مع أن الخصم قد يقول قولك، فإذا خص خرج قطعًا [تريد]