الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في استقلاله العلة، فوجب اتباعها وإثبات الحكم حيث ثبتت.
وأما عدم عموم صيغته؛ فلأنه لو كان كذلك لكان قول القائل: «أعتقت غانمًا لسواده» يقتضي عتق جميع سودان عبيده؛ لأنه بمثابة أعتقت كل أسود، واللازم باطل.
فإذًا الفائدة في ذكر العلة معرفة كون الحكم معللًا.
احتج القاضي: بأنه يحتمل أن يكون جزء علة، والجزء الآخر خصوصية المحل، حتى تكون العلة إسكار الخمر لا مجرد الإسكار.
الجواب: أن هذا مجرد احتمال فلا يترك له الظاهر، إذ التعليل ظاهر في الاستقلال كالمنصوصة.
احتج القائل بأنه يعم بالصيغة: بأن «حرمت الخمر لإسكاره» ، مثل:«حرمت المسكر» ، والثاني يعم كل مسكر، فكذا الأول.
الجواب: منع المماثلة؛ لأن الأول خاص بالخمر صيغة، والثاني عدم لكل مسكر، وإن أراد أنه لا فرق في الحكم لم ينفعه؛ لأن ذلك بالشرع ولا يلزم كونه بالصيغة.
قال:
(مسألة: الخلاف في أن المفهوم له عموم لا يتحقق
؛ لأن مفهومي الموافقة والمخالفة عام فيما سوى المنطوق به، ولا يختلفوا فيه.
ومن نفى العموم كالغزالي، أراد أن العموم لم يثبت في المنطوق به، ولا يختلفون فيه أيضًا).
أقول: القائلون بالمفهوم اختلفوا في أن له عمومًا أم لا؟ .
فقال الغزالي: لا عموم له، وقال الأكثرون: له عموم.
وقال الإمام فخر الدين والآمدي: لا يتحقق هذا الخلاف، فإن تحريم الضرب المفهوم من تحريم التأفيف - وإن كان التحريم يشملهما - إلا أنه اختلفت جهة الدلالة، فلا المنطوق عام بالنسبة إلى الصورتين، ولا المفهوم عام بالنسبة إليهما.
والنزاع في عموم المفهوم بالنسبة إلى صور المسكوت آيل إلى اللفظ.
فإن من قال إنه عام بالنسبة إليهما، إنما يريد به / ثبوت الحكم به في جميعها لا بمجرد الدلالة اللفظية، وهو مما لا يخالف فيه، ومن نفى العموم لم يرد أن الحكم لم يثبت في جميع صور المسكوت، وإنما أراد نفي ثبوته مستندًا إلى الدلالة اللفظية من غير واسطة، وإلا فللدلالة اللفظية مدخل.
وقال ابن دقيق العيد في شرح الإلمام: ولقائل أن يقول: محل النطق إن كان إثباتًا فالحكم منتف في جملة صور المخالفة؛ لأنه إن دل على نفي الحكم عن كل فرد من أفراد المخالفة فهو المطلوب، وإلا فهو دال على نفي الحكم
عن مسمى المخالف، والمنفي عن مسمى المخالف منفي عنه جميع أفراد المخالف، أما لو كان محل النطق نفيًا حتى يقتضي انتفاء نفي الحكم عن المخالف حتى يكون الثابت للمخالف إثباتًا، فلا يلزم العموم، فإن العموم له صيغ مخصوصة لا كل صيغة، فإذا كان بعض الألفاظ المنطوق بها في مثل هذا لا تدل على العموم، فلابد له من دليل.
وقول القائل: متى جعلناه حجة لزم انتفاء الحكم في جملة صورة انتفاء الصفة وإلا لم يكن للتخصيص فائدة، فممنوع؛ لأنا إذا عقلنا الحكم بالمسمى المطلق، كانت فائدة المفهوم حاصلة في بعض الصور ضرورة، فلم يخل المفهوم عن فائدة.
قال: (مسألة: قالت الحنفية: مثل قول صلى الله عليه وسلم: «لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده» ، معناه: بكافر، فيقتضي العموم إلا بالدليل وهو الصحيح.
لنا: لو لم يقدر شيء لامتنع قتله مطلقًا وهو باطل، فيجب الأول للقرينة.
قالوا: لو كان كذلك، لكان بكافر الأول للحربي فقط فيفسد المعنى، ولكان {وبعولتهن} للرجعية والبائن؛ لأنه ضمير المطلقات.
قلنا: خص الثاني بالدليل.
قالوا: لو كان لكان نحو: «ضربت زيدًا يوم الجمعة وعمرًا» أي يوم الجمعة.
وأجيب: بالتزامه، وبالفرق لأن ضرب عمرو في غير يوم الجمعة لا
يمتنع).
أقول: اختلفوا في العطف على العام هل يوجب العموم في المعطوف؟ .
هكذا وضع المسألة في المستصفى والإحكام، نعم ذكر الإمام في المحصول مسألة أخرى، فقال: عطف الخاص على العام لا يخصصه، خلافًا لأبي حنيفة، ثم ذكر هذا المثال.
قال سيف الدين: مثاله: استدلال أصحابنا أن المسلم لا يقتل بالذمي، بقوله عليه السلام:«ألا لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده» هذا لفظ الحديث عند أبي داود.
وقال الآمدي: وهو عام بالنسبة إلى كل كافر، حربيًا كان أو ذميًا.
فقال الحنفية: لو كان عامًا / لكان المعطوف عليه كذلك، وهو قوله:«ولا ذو عهد في عهده» ، ضرورة الاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم وصفته، وليس كذلك، فإن الذي لا يقتل به المعاهد هو الحربي لا الذمي.
وظاهر كلام الآمدي أن الحنفية لا يسلمون عموم الأول.
وظاهر كلام المصنف أنهم يسلمون ذلك، ويدعون أن ذلك يقتضي كون الكافر المقدر في قوله:«ولا ذو عهد في عهده» بكافر - عامًا أيضًا - حتى لا يقتل المعاهد بحربي ولا ذمي، إلا إذا خص بدليل، وهذا يتمشى له على مذهبه، ويكون المخصص للثاني الإجماع.
وأما الحنفية: فلو عمّ الأول - ولا دليل منفصل مخصص - لزم أن لا يقتل المسلم بالذمي، وهم لا يقولون به، فحمل كلامهم عليه فاسد.
احتج المصنف: بأنه لو لم يقدر شيء في الثاني لامتنع قتل الذمي مطلقًا، واللازم باطل، أما الملازمة؛ فلأنه إذا لم يقدر امتنع قتله حتى بالمسلم، وأنه باطل اتفاقًا، فيجب تقدير ما سبق؛ لقيام القرينة وهو سبقه دون غيره؛ إذ لا قرينة، وإذا قدر كان عامًا صيغة اتفاقًا.
قيل على الملازمة: حرمة القتل معلقة بوصف العهد، فإذا انتفى العهد انتفت حرمة القتل، وأيضًا: لا يلزم امتناع قتله.
نعم يظهر امتناع قتله ويجوز أن يخصص بدليل منفصل، كما يجوز تخصيص «بكافر» على تقدير أن يكون هو المقدر، ولو سلم أنه يجب تقدير شيء فيقدر ما دام في عهده لقرينة «في عهده» ، فإذا قتل لم يبق عهده.
احتج الآخرون بوجهين:
الأول: اخترعه المصنف لهم، تقريره: لو كان معناه: «ولا ذو عهد في عهده» بكافر، لكان «بكافر» الأول للحربي؛ لأنه الذي لا يقتل به المسلم عندكم فيفسد المعنى؛ إذ يصير المعنى: لا يقتل المسلم بكافر حربي ويقتل بالذمي، ولا يقتل ذو عهد في عهده بكافر حربي ولا ذمي، وفساده ظاهر؛
لأن ذلك لا يصلح مقصودًا للشارع؛ لما فيه من حط مرتبة المسلم عن الذمي، فوجب تخصيص الثاني وحمل الكلام عليه دفعًا لهذا الفساد.
وأيضًا: لو لزم من عموم الأول عموم الثاني، لزم أن يكون الضمير في {وبعولتهن} للرجعية والبائن؛ لأن ضمير {والمطلقات} العام في الرجعية والبائن، فيكون المطلق أحق برد البائن في العدة، وليس كذلك إجماعًا.
ثم أجاب: بأن الثاني فيهما عام لكن خص بدليل منفصل، فلا يلزم في الأول فساد المعنى، وإنما يفسد لو بقي على عمومه، ولولا الدليل المنفصل لالتزمنا أن المُطَّلق أحق بالرجعية في العدة، واعلم أن الملازمة إن قررت على غير هذا الوجه مما قررها به الشارحون لم تتم، وتقريرها على هذا الوجه يقتضي عدم بقاء الأول على عمومه، وجوابه يقتضي أيضًا أنه سلم تخصيص الأول، وأنه لولا تخصيص الثاني لزم فساد المعنى، وكلامه أول المسألة يقتضي أنهم يرون أن الأول باق على عمومه، فهو متناف.
احتجوا ثانيًا: بأنه لو وجب أن يضمر فيما لا يستقل - ما ذكر في المستقل الذي عطف عليه غير المستقل - لكان نحو: «ضربت زيدًا يوم الجمعة وعمرًا» ، معناه: وضربت عمرًا يوم الجمعة، وليس كذلك.
الجواب: نلتزم ظهوره فيه.
وثانيًا: بالفرق، بإنه إنما قدر بكافر فيما تقدم، فإنه لو لم يقدر لامتنع قتل ذي العهد مطلقًا وهو باطل، ولا ضرورة هنا، فإن ضرب عمرو مطلقًا يوم الجمعة أو في غيره لا مانع يمنع منه.
قال: (مسألة: {يأيها المزمل} ، {لئن أشركت} ليس بعام للأمة إلا بدليل من قياس أو غيره.
وقال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله تعالى: عام إلا بدليل.
لنا: القطع بأن خطاب المفرد لا يتناول غيره لغة.
وأيضًا: يجب أن يكون خروج غيره تخصيصا.
قالوا: إذا قيل لمن له منصب الاقتداء: اركب لمناجزة العدو ونحوه، فهم لغة أنه أمر لأتباعه معه، ولذلك يقال:«فتح» ، و «كسر» ، والمراد مع أتباعه.
قلنا: ممنوع، أو فهم لأن المقصود متوقف على المشاركة بخلاف هذا.
قالوا: {إذا طلقتم} يدل عليه.
قلنا: ذكر النبي عليه السلام أولًا للتشريف، ثم خوطب الجميع.
قالوا: {فلما قضى زيد} ، ولو كان خاصًا لم يتعد.
قلنا: نقطع بأن الإلحاق للقياس.
قالوا: فمثل {خالصة لك} ، و {نافلة لك} لا يفيد.
قلنا: يفيد قطع الإلحاق).
أقول: خطاب الرسول مثل: {يأيها المزمل} ، ومثل: {لئن
أشركت ليحبطن عملك} ، قال الشافعية: ليس بعام للأمة إلا بدليل من قياس أو غيره مما هو خارج عن اللفظ، وعن الحنفية والحنابلة: أنه عام إلا أن يدل دليل على الخصوص.
واختلف فيه قول المالكية، وظاهر قول مالك أنه عام، وقد احتج في المدونة على أن ردة الزوج مزيلة للعصمة بقوله:{لئن أشركت ليحبطن عملك} .
قلت: والحق أنه إن أريد عموم الصيغة فلا عموم، وإن أريد ما هو أعم فمثل المذكور يفهم منه العموم عرفًا.
احتج على مختار بوجهين:
الأول: أنّا استقرينا كلام العرب فوجدنا خطاب المفرد لا يتناول غيره لغة، وهذا خطاب مفرد.
الثاني: أن خطاب المفرد لو تناول غيره لغة، لكان إخراج غير المذكور والنص على أن المراد هو المذكور دون غيره تخصيصًا للعموم، ولا قائل به.
ولنا في الرد عليهم: أن التناول في مثله عرفًا لا يقال، فهو لدليل خارجي وهو المدعي، لأنّا نقول: المراد عند الشافعية من الدليل هو الشرعي
لا القرائن الحالية المنضمة إلى اللفظ، وإلا عاد النزاع لفظيًا.
وعلى الثاني: لا نسلم بطلان التالي فإن التخصيص يقع في العام عرفًا، كـ {حرمت عليكم / أمهاتكم} فإنه لغة يفيد حرمة جميع الأمهات، وفي عرف الشرع يفيد حرمة جميع الاستمتاعات وقد خص من ذلك أشياء.
احتج الآخرون بوجوه أربعة:
قالوا أولًا: إذا قيل لمن يقتدى به كالأمير: «اركب لمناجزة العدو» ، و «اذهب لفتح بلاد كذا» ، فهِمَ منه أنه أمر له ولأتباعه معه لغة، وكذلك يقال:«فتح المدينة، وكسر العدو» والمراد مع أتباعه، لا أنه فتح وكسر وحده، والنبي عليه السلام مقتدى به، فالأمر له أمر للأمة.
والجواب: لا نسلم فهم ذلك من الخطاب؛ ولذلك يقال: «أمر السلطان الأمير، ولم يأمر الجند» ، ولو سلّم فإنما فُهِمَ لدليل، وهو أن المقصود - وهو المناجزة أو الفتح - موقوف على مشاركته له، بخلاف هذه الصورة، فإن قيام الرسول ونحوه لا يتوقف على مشاركة الأمة له.
قالوا ثانيًا: قال تعالى: {يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} ، فأفرده بالخطاب، وأمر بصيغة الجمع والعموم، فدل على أن مثله عام خطابًا له وللأمة.
الجواب: أن ذكره للنبي عليه السلام بالنداء أولًا للتشريف، والخطاب بالأمر للجميع؛ لأن النداء للجميع، ولا يمتنع أن يقال: «يا فلان افعل أنت
وأتباعك كذا» ، وإنما النزاع إذا لم يتعرض للأتباع، بل لو كان خطابًا للأمة لكفى:«إذا طلقت فطلقوهن لعدتهن» .
قالوا ثالثًا: قال تعالى: {فلما قضى زيد منها وطرًا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج} ، أخبر تعالى أنه أباحه له ليكون شاملًا للأمة، ولو خص ولم يتعد لم يحصل الغرض.
الجواب: منع الملازمة، وأن تعدي الحكم إليهم بالقياس، وإباحة زينب له خاصة، ولا يدل على إباحتها للغير، بل رفع الحرج عن النبي كان لمقصود رفع الحرج عن المؤمنين، فيكون إلحاق الأمة به بقياسهم عليه بواسطة نفي الحرج.
قالوا رابعًا: لو لم يعمّ، لم يكن لمثل {خالصة لك} و {نافلة} فائدة؛ لدلالته على اختصاص الخطاب به، وهو مستفاد من نفس الخطاب واللازم باطل؛ لامتناع للغو في كلامه تعالى.
الجواب: منع عدم الفائدة، فإن الخطاب - وإن لم يدل على العموم فلا يدل على عدم العموم - فهو محتمل، وهذا يقطع احتمال العموم، وفائدته لا
تلحق الأمة به بالقياس كما تلحق لو لم يرد ذلك.
قال: (مسألة: خطابه لواحد ليس بعام، خلافًا للحنابلة.
لنا: ما تقدم من القطع، ولزوم التخصيص، ومن عدم فائدة:«حكمي على الواحد حكمي على الجماعة» .
قالوا: {وما أرسلناك إلا كافة للناس} ، «بعثت إلى الأسود والأحمر» يدل عليه.
أجيب: بأن المعنى تعريف كل ما يختص به ولا يلزم اشتراك الجميع.
قالوا: «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة» يأبى ذلك.
قلنا: إنه محمول على أنه على الجماعة بالقياس، أو بهذا الدليل، لا أن خطاب الواحد للجميع.
قالوا: نقطع بأن الصحابة حكمت على الأمة بذلك، كحكمهم بحكم ماعز في الزنى وغيره.
قلنا: إن كانوا حكموا للتساوي في المعنى فهو القياس، وإلا فخلاف الإجماع.
قالوا: لو كان خاصًا لكان: «يجزيك ولا يجزي أحدًا بعدك» ، وتخصيصه عليه السلام خزيمة بقبوله شهادته وحده، زيادة من غير فائدة.
قلنا: فائدته قطع الإلحاق كما تقدم).
أقول: خطاب الشارع لواحد من الأمة لا يعم جميع الأمة بصيغته.
نعم قد يعم الحكم بقياس أو نص يدل على مساواة الجميع، خلافًا
للحنابلة.
لنا: ما تقدم من القطع أن خطاب المفرد لا يتناول غيره لغة، ومن لزوم إخراج غير المذكور تخصيصًا، وأيضًا: يلزم عدم فائدة قوله عليه السلام: «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة» ؛ لتضمن مدلول الخطاب ذلك، وقد سبق ما على الأولين، وأما الحديث فلم يثبت، والذي روي:«إنما حكمي على امرأة واحدة كحكمي على مائة امرأة» ، وروي:«ما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة» ، ومع ذلك يكون الخطاب لواحد ظاهر في الجميع، والحديث يفيد التنصيص على العموم.
احتج الحنابلة بوجوه أربعة:
الأول: أن النصوص دالة على تعميم الأحكام، مثل قوله تعالى {وما أرسلناك إلا كافة للناس} ، وفي الصحيح: «بعثت إلى الأحمر
والأسود» ، فدل على أنحكمه لا يخص واحدًا دون آخر.
الجواب: إنما يلزم ذلك لو دلَّت على تعميم كل حكم لك مكلف، ولا يدل عليه، وإنما معناه: أنه بعث ليعرف كل أحد من الناس من مقيم ومسافر، وحر وعبد، وطاهر وحائض، ما يختص به من الأحكام؛ لا أن الكل لكل واحد. قلت: مع أن الآية لا حجة فيها؛ لأن المعنى: وما أرسلناك إلا لتكف الناس، وإنما تكون للتأكيد إذا تأخرت.
قالوا ثانيًا: «حكمي على الواحد» يأبى ما ذكرتم من عدم تناول خطاب الواحد للجميع بصيغته.
[الجواب: أن نقول: يأبى أن يكون خطاب الواحد للجميع صيغة، ولا يأبى أن يكون خطاب الواحد للجميع بالقياس] أو بهذا الدليل، وليس النزاع فيه بل في الأول، مع أنه لو سلم إنما يأبى كون حكمه على الواحد غير عام، ولا يأبى كون خطابه لواحد غير عام. سلمنا أنه يدل على أن خطابه لواحد خطاب للجميع إذا كان فيما هو حكم عليه، أما إذا كان فيما هو حكم له فمن أين ذلك وأنتم ادعيتم العموم؟ .
قالوا ثالثًا: القطع بأن الصحابة كانوا يحكمون في الحوادث على الأمة بما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم على الواحد، كحكمهم برجم كل زان، لرجمه عليه
السلام ماعزًا، وغير ذلك ما شاع وذاع ولم ينكر، فكان إجماعًا، ولولا فهمهم العموم من الخطاب لما حكموا.
الجواب: أن نقول: إن كان حكمهم بذلك بعد علم كل من حكم بتساوي الأمة في المعنى المعلل به ذلك الحكم كالزنى للرجم، فهو معنى القياس، والإلحاق بهذا الوجه لا نزاع فيه، وإن كان لا مع علم جميعهم بذلك، فليس / بموضع إجماع، فلا يصح دعوى الإجماع فيه؛ إذ قد يكون بعضهم قد حكم للتساوي في المعنى، وبعضهم حكم لكون خطاب الواحد للجميع، وهذا أقرب من تقرير الشراح هذا الشق بأنهم إن لم يحكموا مع التساوي لم يجز الحكم عليهم بذلك الحكم؛ لأن الإلحاق بدون العلة الجامعة خطأ إجماعًا، ولا يجتمعون على الخطأ.
إذ للخصم أن يقول: نمنع أنه إذا لم يحكموا مع التساوي لا يجوز الحكم عليهم بذلك الحكم؛ لجواز أن يكون مستندهم أن خطاب الواحد للجميع.
قالوا رابعًا: لو كان خطاب الواحد خاصًا، لكان قوله عليه السلام لأبي بردة بن نيار في العناق في الأضحية:«تجزيك ولن تجزي عن أحد بعدك» ، أخرجه مسلم.
وتخصيصه خزيمة بن ثابت بقبول شهادته وحده، روى أبو داود أنه عليه السلام «جعل شهادته شهادة رجلين» ، زيادة من غير فائدة.
الجواب: فائدته قطع الإلحاق، فلا يلحق غير به بالقياس عليه، ولولا ذلك لألحق غير من عند المساواة في المعنى كما تقدم في المسألة التي قبل هذا.
قال: (مسألة: جمع المذكر السالم كـ «المسلمين» ، ونحو «فعلوا» مما يغلب في المذكر، لا يدخل فيه النساء ظاهرًا، خلافًا للحنابلة.
لنا: {إن المسلمين والمسلمات} لو كن داخلات لما حسن، فإن قدر مجيئه للنصوصية، ففائدة التأسيس أولى.
وأيضًا: قالت أم سلمة رضي الله عنها: يا رسول الله! إن النساء قلن: ما نرى الله ذكر إلا الرجال، فأنزل الله:{إن المسلمين والمسلمات} ، ولو كن داخلات لم يصح تقريره النفي.
وأيضًا: فإجماع العربية على أنه جمع المذكر.
قالوا: المعروف تغليب الذكور.
قلنا: صحيح إذا قصد الجميع، ويكون مجازًا.
فإن قيل: الأصل الحقيقة.
قلنا: يلزم الاشتراك، وقد تقدم مثله.
قالوا: لو لم يدخلن، لما شاركن المُذّكرين في الأحكام.
قلنا: بدليل من خارج؛ ولذلك لم يدخلن في خطاب الجهاد، والجمعة، وغيرهما.
قالوا: لو أوصى لرجال ونساء بشيء، ثم قال:«أوصيت لهم بكذا» دخل النساء بغير قرينة، وهو معنى الحقيقة.
قلنا: بقرينة الإيصاء الأول).
أقول: لا خلاف أن الجمع المختص بأحد الصنفين لا يدخل فيه الآخر كالرجال والنساء، ولا خلاف في دخول الكل فيما لا علامة للمذكر ولا للمؤنث فيه كالناس، والخلاف فيما فيه علامة تذكير كالمؤمنين، هذا المذكور في الإحكام.
ولا معنى عندي لقول المصنف: (ونحو فعلوا)؛ لأن الضمير إن عاد على نحو المؤمنين، فدخولهن فيه بدخولهن في المؤمنين، وإن عاد على مثل
الرجال فلا يدخلن اتفاقًا، وإن عاد على مثل الناس دخلن اتفاقًا، إلا أن يرد مثل: المؤمنين والمؤمنات فعلوا.
ومذهب القاضي: أنهن لا يدخلن، واختاره الغزالي، وأكثر الأصوليين.
وقال القاضي عبد الوهاب: إنهن يدخلن، وبه قال الحنابلة، والخلاف في ظهور التناول / لا في صحة التناول؛ لقوله تعالى:{لتكون من المؤمنين} ، وقوله تعالى:{وكانت من القانتين} .
احتج على مختاره بوجوه ثلاثة:
الأول: قال تعالى: {إن المسلمين والمسلمات} ولو كن داخلات لما حسن عطفه عليه؛ لعدم فائدته.
فإن قيل: فائدته كونه نصًا في النساء فلا يقبل التخصيص.
قلنا: فيكون تأكيدًا، وفائدة التأسيس أولى من فائدة التأكيد الذي هو على خلاف الأصل.
قلت: مع أنه لا يتوجه؛ لأنهن وغيرهن سواء، ولم ينص على الرجال
حتى يطلبن أن ينص عليهن، إلا أن يقال: ظاهر في الجميع واختلفت مراتب الظهور، فظهوره في الرجال أشد، كالعام الوارد على سبب خاص ظهوره في السبب أشد، مع أنه لفظ يستعمل للرجال وحدهم، فطلبن لفظًا يستعمل للنساء فقط، لكن يبعد قولهن:«ما نرى الله ذكر إلا الرجال» .
الثاني: ما رواه النسائي عن أم سلمة أنها قالت: قلت يا رسول الله! ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟ ، فأنزل الله تعالى:{إن المسلمين والمسلمات} ، ولو كن داخلات لما صح سؤالها، ولا تقريره عليه السلام.
الثالث: إجماع أهل العربية أن هذه الصيغ جمع مذكر وهو تضعيف المفرد، والمفرد مذكر، وإجماع أهل العربية حجة في مباحث الألفاظ.
احتج الآخرون بوجوه ثلاثة:
قالوا أولًا: المعروف من العرب تغليب المذكر على المؤنث عند الاجتماع، قال تعالى:{وادخلوا الباب سجدًا} ، والمراد رجالهم ونساؤهم، وقال:{اهبطوا بعضكم لبعض عدو} ، والمراد آدم وحواء وإبليس، وهذا إنما يتصور بدخول النساء فيه، وقد غلبوا المتكلم على الحاضر والحاضر على الغائب في الضمائر، والعقلاء على غيرهم.
الجواب: أنه إنما دلّ على أن الإطلاق صحيح إذا قصد الجميع، ونحن نقول به لكن يكون مجازًا، ولا يلزم أن يكون ظاهرًا فيه، وفيه النزاع.
فإن قيل: الأصل في الإطلاق الحقيقة، فلا يصار إلى المجاز إلا بدليل.
قلنا: لا نزاع في أنه موضوع للرجال وحدهم، فلو كان للكل حقيقة أيضًا لزم الاشتراك، وقد تقدم أن المجاز خير منه.
قيل: إنما يلزم الاشتراك لو لم يكن للقدر المشترك بين جمع محض الذكور وجمع الذكور والإناث.
ردَّ: بأن ذلك لا يدفع الاشتراك؛ لأنهم اتفقوا على أنه وضع لجمع المذكر بخصوصه، فلو كان للمشترك لزم الاشتراك بين الكل والجزء.
قيل: فلو كان مجازًا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد، لدخول المسمى الحقيقي فيه وهو الذكور، وهو ممتنع.
ردَّ: بأنه إنما يكون حقيقة في الذكور مع الاقتصار عليهم، أما إذا كانوا مع الإناث فلا، مع أنا لا نسلم امتناع الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ.
قالوا ثانيًا: لو لم يدخل النساء في هذه الصيغ، لما شاركن المُذّكرين في الأحكام الثابتة بهذه الصيغ / واللازم باطل، أما الملازمة؛ فلأن أكثر أحكام الصلاة والزكاة والصوم بهذه، كـ {أقيموا الصلاة} ، {آتوا الزكاة} ، و {كتب عليكم الصيام} .