الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما أنه ينسخ به فلا نزاع فيه، وإنما تركه لظهوره.
قالوا: يجوز النسخ بالقياس المظنون قياسًا على التخصيص به، بجامع أن كلًا منهما تخصيص، وكون أحدهما في الأعيان والآخر في الأذهان لا يصلح فارقًا.
الجواب: النقض بالعقل، والإجماع، وخبر الواحد، فإنها تخصص ولا تنسخ.
وفيه نظر؛ لأن المخصص سند الإجماع، وخبر الواحد قيل: ينسخ.
قال:
(مسألة: المختار جواز نسخ أصل الفحوى
دونه، وامتناع نسخ الفحوى دون أصله، ومنهم من جوزهما، ومنهم من منعهما.
لنا: أن جواز التأفيف بعد تحريمه لا يستلزم جواز الضرب، وبقاء الحرمة يستلزم تحريم الضرب، وإلا لم يكن معلومًا منه.
المجوز: دلالتان يجوز رفع كل منهما.
قلنا: إذا لم يكن استلزام.
المانع: الفحوى تابع فيرتفع بارتفاع متبوعه.
قلنا: تابع الدلالة لا للحكم، والدلالة باقية).
أقول: لا خلاف في جواز النسخ بالفحوى، ولا خلاف في نسخ حكم الفحوى، وإنما الخلاف في جواز نسخ الفحوى دون الأصل، ونسخ الأصل دون الفحوى.
وثالثها المختار: جواز نسخ الأصل دون الفحوى.
لنا: أن تحريم التأفيف ملزوم لتحريم الضرب، وإلا لم يعلم منه من غير عكس للأولوية في الفرع، ونسخ الفحوى دون الأصل معناه بقاء تحريم التأفيف وانتفاء تحريم الضرب، وهو وجود الملزوم مع عدم اللازم وأنه محال، وأما عكسه وهو انتفاء تحريم التأفيف مع بقاء تحريم الضرب، فهو رفع الملزوم مع بقاء اللازم، وليس بممتنع.
قيل عليه: لا منافاة بين الاستلزام بحسب الفهم وعدم الاستلزام بدليل خارجي.
القائلون بالجواز فيهما قالوا: إفادة اللفظ الأصل والفحوى دلالتان متغايرتان، فجاز رفع كل منهما بدون الآخر.
الجواب: لا نسلم دلالة التغاير على جواز رفع كل منهما بدون الآخر، وإنما يصح ذلك إذا لم يكن أحد الغيرين مستلزمًا للآخر.
القائلون بالامتناع فيهما قالوا: أما الفحوى دون الأصل فلما قلتم، وأما الأصل دون الفحوى، فلأن الفحوى تابع للأصل، وإذا ارتفع الأصل لم يمكن بقاء الفحوى، لوجوب ارتفاع التابع بارتفاع متبوعه، وإلا لم يكن تابعًا له.
الجواب: أن دلالة اللفظ على الفحوى تابعة لدلالته على الأصل، وليس حكمها تابعًا لحكمه، فإن فهمنا لتحريم الضرب حصل من فهمنا تحريم
التأفيف؛ لأن الضرب إنما كان حرامًا لأن التأفيف حرام، ولولا حرمة التأفيف لما كان الضرب حرامًا، والذي [هو] يرتفع [هو تحريم التأفيف لا دلالة اللفظ عليه فإنها باقية، إلا أنه لا يعمل بمقتضاها لدليل خاص بالأصل، فالمتبوع لم يرتفع، والمرتفع] ليس بمتبوع.
قال: (مسألة: المختار أن نسخ حكم أصل القياس لا يبقى معه حكم الفرع.
لنا: خرجت العلة من الاعتبار فلا فرع.
قالوا: الفرع تابع للدلالة لا / للحكم كالفحوى.
قلنا: يلزم من زوال الحكم زوال الحكمة المعتبرة، فيزول الحكم مطلقًا لانتفاء الحكمة.
قالوا: حكمتم بالقياس على انتفاء الحكم بغير علة.
قلنا: حكمنا بانتفاء الحكم لانتفاء علته).
أقول: إذا نسخ حكم أصل القياس، فالمختار أنه لا يبقى حكم الفرع، خلافًا لبعض الحنفية، وعلى أنه لا يبقى ففي تسميته نسخًا
نزاع لفظي.
لنا: أنه يستلزم خروج علة الأصل عن كونها معتبرة شرعًا، حيث علم إلغاؤها بعد ثبوت الحكم معها في الأصل، والفرع إنما يثبت بالعلة، فإذا انتفت العلة انتفى الفرع، وإلا لزم ثبوت الحكم بلا دليل.
قيل: العلة أمارة الحكم لا موجبة له، والأمارة إنما يحتاج إليها ابتداء لا دوامًا، كما مرّ في نسخ الحكم دون التلاوة.
قيل: وفيه نظر؛ لأن العلة باعثة لا أمارة، والباعث يحتاج إليه دائمًا.
وردّ: بأن مراده من الأمارة المعرفة، أعم من أن يكون باعثًا أو مجرد أمارة لأنه جعله قسيم الموجب، ولو سلم فلا نسلم أن الباعث يحتاج إليه دائمًا، بل يحتاج إليه عند تأثير الفاعل في حصول المعلول فقط.
قالوا أولًا: الفرع تابع لدلالة حكم الأصل على علة الأصل لا الحكم الأصل، فلا يلزم من انتفاء الحكم انتفاء الدلالة، ولم يحدث شيء إلا انتفاء الحكم والدلالة باقية، فيبقى حكم الفرع، وهو بعينه الذي صرتم إليه في جواز نسخ الأصل دون الفحوى.
الجواب: أنا لا نسلم أنه لم يحدث شيء إلا انتفاء الحكم، بل ثبت انتفاء الحكمة المعتبرة شرعًا، وهو ملزوم لانتفاء الحكم، لاستحالة بقائه بغير حكمة معتبرة فينتفي الحكم، ولا كذلك في المفهوم، إذ لا يلزم من انتفاء الحكمة المحرمة للتأفيف انتفاء الحكمة المحرمة للضرب، إذ لا يلزم من ارتفاع الأضعف ارتفاع الأقوى، ويلزم من ارتفاع الأقوى ارتفاع الأضعف.
قالوا: هذا حكم يرفع حكم الفرع، قياسًا على رفع حكم الأصل من غير علة جامعة بينهما موجبة للرفع، والقياس بلا جامع فاسد، ولو سلم الجامع فالقياس المظنون لا يكون ناسخًا.
الجواب: ليس حكمًا بالقياس، بل بانتفاء الحكم لانتفاء علته، وهو نوع من الاستدلال لا يحتاج إلى أصل، وفرع، وعلة.
نعم، علمنا عدم اعتبار العلة ببطلان حكم الأصل، لا أنا قسنا الفرع في عدم الحكم على الأصل بجامع عدم العلة.
قال: (مسألة: المختار أن الناسخ قبل تبليغه عليه السلام لا يثبت حكمه.
لنا: لو ثبت لأدى إلى وجوب وتحريم، للقطع بأنه لو ترك الأول أثم.
وأيضًا: لو / عمل بالثاني عصى اتفاقًا.
وأيضًا: يلزم قبل تبليغ جبريل، وهو اتفاق.
قالوا: حكم، فلا يعتبر علم المكلف.
قلنا: لابد من اعتبار التمكن، وهو منتف).
أقول: ذهب أصحابنا، والحنفية، والحنابلة، وبعض الشافعية إلى أن الناسخ لا يثبت حكمه في حق من لم يبلغه، خلافًا لبعض الشافعية.
والمصنف تابع للآمدي، وفرضها فيما إذا بلغ الخطاب النبي عليه السلام فقبل تبليغه إلى المكلفين هل يثبت حكمه في حقهم أم لا؟ .
قال القاضي عياض: منهم من قال يثبت النسخ في حقه، لكن يشترط أن يبلغه، وهو خلاف في عبارة، وكلهم مجمعون على بقائه على الحكم الأول وإجزائه؛ إذ الجاهل لا يثبت التكليف في حقه بما جهله، وهذا مما يستحيل، وإنما ذهب إلى ثبوت النسخ في حقه طائفة من الفقهاء الذين لم يقووا في الأصول.
وقال الإمام في البرهان: «النزاع لفظي» .
لنا: لو ثبت حكمه لأدى إلى وجوب وتحريم في محل واحد وهو محال، أما الملازمة؛ فلأنه لو ترك العمل بالأول قبل بلوغ الثاني إليه لأثم بتركه، قال الآمدي:«إجماعًا» ، وهو ظاهر كلام الغزالي، وكلام عياض المتقدم.
ولو أثبته بالإجماع لكان أولى من إثباته بالقطع، فلو كان الحكم الثاني ثابتًا - وكان حظرًا - لكان ذلك الفعل قبل بلوغ الناسخ واجبًا حرامًا.
ولنا أيضًا: أنه لو عمل بالثاني - وهو معتقد عدم نسخه - لأثم قطعًا، ولو ثبت حكمه لما أثم بالعمل به، لا يقال: لو لم يكن مخاطبًا لما لزمه القضاء. وقد قال مالك والشافعي فيما حكى عياض: إن من أسلم في دار الحرب ولم يحد من يسأل عن الواجبات، ثم إنه وجد بعد ذلك من أخبره، أنه يقضي