الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سائر الخصوصيات على التعيين تحكمًا.
الجواب: أن العام باق على ظهوره لم يفت بالنصوصية في السبب؛ لأن لفظ العام لم يدل على صورة السبب نصًا، بل ذلك خارجي عن مفهوم اللفظ، وقد علم بقرينة وهي وروده فيه، لا أنه أريد من اللفظ بخصوصه، فهو من حيث هو ظاهر في الجميع، ومن حيث القرينة نص في صورة السبب.
قال:
(مسألة: المشترك يصح إطلاقه على معنييه
مجازًا لا حقيقة، وكذلك مدلولا الحقيقة والمجاز.
وعن القاضي والمعتزلة: يصح حقيقة إن صح الجمع.
وعن الشافعي: ظاهر فيهما عند تجرد القرائن كالعام.
الغزالي والقاضي: يصح أن يراد، لا أنه لغة.
وقيل: لا يصح أن يراد، وقيل: يجوز في النفي لا الإثبات.
والأكثر: أن جمعه باعتبار معنييه مبني عليه.
لنا: في المشترك أنه بسبق أحدهما، فإذا أطلق عليهما كان مجازًا.
النافي للصحة: لو كان للمجموع حقيقة، لكان مريد أحدهما خاصة غير مريد، وهو محال.
وأجيب: بأن المراد المدلولان معًا، لا بقاؤه لكل فرد.
وأما الحقيقة والمجاز، فاستعماله لهما استعمال في غير ما وضع له أولًا وهو معنى المجاز.
النافي للصحة: لو صحّ لهما، لكان مريدًا ما وضع له أولًا غير مريد وهو محال.
وأجيب: بأنه مريد ما وضع له أولًا، وثانيًا بوضع مجازي.
الشافعي: {ألم تر أن الله يسجد له} ، {إن الله وملائكته يصلون على النبي} وهي من الله رحمة، ومن الملائكة استغفار.
وأجيب: بأن السجود والخضوع والصلاة: الاعتناء بإظهار الشرف، أو بتقدير خبر، أو فعل حُذف لدلالة ما يقارنه، أو بأنه مجاز بما تقدم).
أقول: اللفظ المشترك يصح إطلاقه على كل واحد [من معنييه معًا كما يصح إطلاقه على كل واحد] منهما بدلًا عن الآخر، بأن يراد في إطلاق واحد هذا وهذا، فيطلق «القرء» ويراد به حيضًا وطهرًا، ويكون مجازًا.
قيل: وذلك غير إرادة مجموع الأمرين من حيث هو مجموع؛ لأن هذا الإطلاق باتفاق القائلين بجوازه مجاز.
ردّ: بأنه لا فرق بين المجموع هنا وكل واحد؛ لأنه من الأمور التي لا يحصل عند اجتماع الأجزاء شيء غير الاجتماع، كالعشرة الحاصلة من آحادها.
وتحرير البحث: أن معاني اللفظ المشترك إما أن تكون متضادة أو لا؟ .
والأول: إما ألا يمكن الجمع بينها في إطلاق واحد، كما إذا تعلقت بشيء واحد لا يتصور تعلقها به معًا، كما يقول:«أقرأت هند وقت كذا» ،
فلا يجوز إعماله فيها على سبيل الجمع لامتناعه، أو يمكن كما إذا تعلقت بشيء واحد يتصور تعلقها به معًا في إطلاق واحد، كما يقال:«رأيت الجون» ، أو تعلقت بأمور على سبيل التوزيع، كما يقال:«أقرأت الهندان» ، فهذا الإطلاق جائز عقلًا غير معلوم لغة.
والثاني: إما أن يمكن تعلقها بشيء واحد أم لا؟ .
والأول يصح عقلًا إعماله فيها، ويجب لغة عند الشافعي والقاضي عند عدم قرينة تخصيصه بأحد معانيه، كما يقال:«يعجب زيدًا العين» ويراد به جميع معانيه، وإن لم يكن فاختلف العلماء في جواز استعماله / فيها.
فإن أرادوا به، أنه هل يجوز أن يستعمل لفظ مشترك ويراد به بإطلاق واحد كل واحد من معانيه، متعلقا كل واحد منها بما يتصور تعلقه به غير ما تعلق به المعنى الآخر كذلك؟ .
فالظاهر جوازه، وكأن المستدل بالآيتين أراد به هذا المعنى.
وإن أرادوا، هل يجوز استعمال اللفظ المشترك مريدًا به جميع معانيه - متعلقًا المجموع من حيث هو بكل واحد من المذكورين - سواء تصور تعلقه به أم لا؟ . فالظاهر عدم جوازه، وكأن المانع إنما منع هذا.
قال: (وكذلك مدلولا الحقيقة والمجاز) ، كما إذا أطلق الأسد وأريد به السبع والشجاع معًا، فإنه استعمال مجازي.
وذهب القاضي أبو بكر من أصحابنا، والجبائي وعبد الجبار من المعتزلة إلى أنه يصح حقيقة بشرط ألا يمتنع الجمع بينهما، كاستعمال صيغة «افعل» للأمر والتهديد، وهذا مذهب الشافعي، إلا أنه زاد أنه إذا تجرد عن القرائن الصارفة له إلى أحد معنييه، وجب حمله على المعنيين، وهو عام فيهما عند التجرد.
والعام عنده قسمان: قسم متفق الحقيقة، وقسم مختلفها، وكأنه المسوغ لذكر هذه المسألة في باب العموم، ولهذا عدل عن عبارتهم في نقل مذهب الشافعي حيث قالوا: جوز الشافعي إعمال المشترك في جميع مفهوماته الغير المتضادة، فذكر مذهبه في الحمل لا في الاستعمال، على أنه عند الاحتجاج إنما احتج على الاستعمال.
قال أبو الحسين والغزالي: يصح أن يراد ولا مانع من القصد، كما
زعم قوم أن القاطع حمل على امتناعه، بل لولا أن اللغة منعت منه لم يمنعه العقل.
وقيل: لا يصح أن يراد.
وقال قوم: يجوز في النفي لا الإثبات بناء على أن النكرة في النفي تعم.
وهو وهم؛ إذ النفي إنما يرفع مقتضى الإثبات، وهو واحد عند هذا القائل.
واختلف في جمعه باعتبار معنييه نحو: «عيون» ويريد: باصرة، وجارية.
وذهبا والأكثر على أنه مبني على الخلاف في المفرد، فإن جاز جاز، وإلا فلا.
وقيل: يجوز وإن امتنع في المفرد.
المقام الأول: في أن المشترك لمعنييه مجاز.
ولنا فيه: أنه يسبق منه إلى الفهم عند الإطلاق أحد المعنيين على البدل، فلا يكون حقيقة في معنييه معًا، فإذا أطلق على معنييه كان مجازًا، من باب إطلاق اسم الجزء على الكل.
وكأن المصنف احتج على الشق الثاني فقط لظهور الشق الأول، ويرد ما ذكر أول الكتاب من أنه إن تبادر غير المعين لزم أن يكون للمعين مجازًا.
احتج القائل بأنه لا يصح أن يراد: بأنه لو صح لهما معًا لكان حقيقة، وإلا كان مستعملًا في غير ما وضع له، وهو خلاف الفرض، ولو كان حقيقة لكان مريدًا أحدهما خاصة غير مريد له خاصة، وهو محال.
بيان الملازمة؛ أن له حينئذ ثلاثة معان، هذا وحده، وهذا وحده، وهما معًا، والفرض استعماله في جميع معانيه، فيكون مريدًا لهذا وحده، ولهما معًا، وكونه مريدًا لهما معًا ينافي إرادة هذا وحده وهذا وحده، وإنما حملناه على هذا ليوافق الدليل الدعوى؛ إذ لو حمل على ظاهره، كان دليلًا لمختار المصنف.
ولو قال: لو صح لهما - كما قال في دليل نافي صحة إطلاق اللفظ على معنييه المجازي والحقيقي معًا - كان أولى.
الجواب: أنه مناقشة لفظية؛ إذ المراد نفس المدلولين معًا، لا بقاؤه لكل واحد منفردًا.
وحاصله: دعوى أن مفهوميه هما منفردان، فإذا استعمل في المجموع لم يكن مستعملًا في مفهوميه، فيكون النزاع عائدًا إلى تسمية ذلك استعمالًا في مفهوميه، لا في إبطال ذلك.
المقدم الثاني: في أن اللفظ المستعمل في الحقيقة والمجاز مجاز فيهما.
ولنا فيه: أن استعماله لهما استعمال له في غير ما وضع له أولًا؛ لأن ذلك لم يكن المعنى المجازي داخلًا فيه، وهو داخل الآن، فكان مجازًا؛ إذ لا معنى للمجاز إلا ذلك.
النافي للصحة قال: لو صح اللفظ لهما لكان مريدًا لما وضع له لمكان المعنى الحقيقي، غير مريد لما وضع له المكان المعنى المجازي، وذلك محال.
الجواب: منع الملازمة، فإنه لم يرد ما وضع له بالوضع الأول، بل ذلك داخل في المراد، حيث أراد المجموع [مما وضع له أولًا، وما لم يوضع له أولًا بوضع ثان مجازي لهذا المعنى الثالث أعني المجموع] وقد هجر الحقيقة والمجاز الأول، وخرجا عن الإرادة بخصوصها، ودخلا تحت مراد ثالث.
احتج الشافعي على جواز الاستعمال: بالوقوع في الآيتين.
الأولى: قوله تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدوآب} ، والسجود من الناس وضع الجبهة على الأرض، وإلا لم يكن لتخصيصه بكثير من الناس فائدة، وهو من غيرهم الانقياد.
الثانية: قوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} ، والصلاة من الله مغفرة، ومن الملائكة استغفار، وهما متغايران / والأصل في
الإطلاق الحقيقة، فقد استعمل المشترك في مفهوميه معًا.
الجواب أولًا: أن معنى السجود في الكل واحد وهو الخضوع، ونعني به الإذعان والانقياد لا القلبي؛ إذ لا يتصور من بعض المذكورين، غير أنه متصور من كل الناس، فتضيع فائدة التقييد بكثير من الناس.
وكذا الصلاة، الاعتناء بإظهار الشرف، فيكون متواطئًا.
وفيه نظر؛ لأن حقيقة السجود وضع الجبهة على الأرض وغيره مجاز، وكذا حقيقة الصلاة إنما هي الدعاء.
الجواب الثاني: أن الآية الأولى يقدر فيها فعل، كأنه قال: ويسجد له كثير من الناس، وفي الثاني خبر، كأنه قال: إن الله يصلي، وإنما جاز ذلك لأن {يسجد له من في السموات} ، و {يصلون على النبي} مقارن له فكان مثل المحذوف، مثل:«نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف» ، والمقدر في حكم المذكور، فكرر اللفظ مرادًا به كل مرة معنى غير الأول.
وفيه أيضًا نظر؛ لأن اللفظ واحد مرادًا به معان مختلفة، وهو المدعى.
الجواب الثالث: أنه وإن ثبت الاستعمال فلا يتعين كونه حقيقة، بل نقول: إنه مجاز، وإن كان خلاف الأصل، دلّ عليه الدليل الذي ذكرنا.
قيل: يحتمل وضع لفظ الصلاة والسجود في الآيتين لمجموع معنى كل منهما، كما وضع لكل واحد من معنى كل منهما، فيكون إعمال كل منهما في كلا مفهوميه إعمالًا للفظ المشترك في بعض معانيه لا في كلها.
والجواب: أنه يلزم أن يكون مفهوما الصلاة مسندًا إلى كل واحد