الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الخامس بعد الثلاثمائة
[سورة الشمس]
مكية، وهي خمس عشر آية
في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: «هلا صليت بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ؟» ، يعني: في العشاء الآخرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
…
* * *
عن قتادة: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} قال: هذا النهار {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} يتلوها صبيحة الهلال فإذا سقطت الشمس رؤي الهلال {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} قال: إذا غشيها النهار. قال البغوي: يعني: إذا جلى الظلمة، كناية عن غير مذكور. {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} قال قتادة: إذا غشاها الليل {وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا} وبناؤها: خلقها. وعن مجاهد: {وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا} قال: الله بنى السماء {وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} قال: دحاها، وقال ابن زيد: بسطها {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} قال مجاهد: عرفها. وقال ابن عباس: علمها الطاعة والمعصية.
{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} يقول: قد أفلح من زكى الله نفسه {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} يقول: وقد خاب من دسى الله نفسه فأضله. وقال قتادة: من عمل خيرًا زكاها بطاعة الله؛ قال: قد وقع القسم ها هنا: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} . وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: « {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} » . قال: «اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها
ومولاها» . وقال قتادة: {قَدْ أَفْلَحَ} من زكى نفسه بعمل صالح
…
{وَقَدْ خَابَ مَن
دَسَّاهَا} قال: آثمها وأفجرها. وقال الحسن: أهلكها وأضلها وحملها على المعصية.
قال ابن القيم: (وهذا يستلزم القول الأول، فإن العبد إذا زكى نفسه ودساها، فإنما يزكيها بعد تزكية الله لها بتوفيقه وإعانته، وإنما يدسيها بعد تدسية الله لها بخذلانه والتخلية بينه وبين نفسه، فتضمنت الآيتان الرد على القدرية والجبرية) . انتهى ملخصًا.
قوله عز وجل: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا
…
(15) } .
قال ابن زيد في قوله: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} قال: بطغيانهم وبمعصيتهم. {إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا} قدار بن سالف. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
…
«انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة» . رواه ابن جرير وغيره. وعن قتادة في قوله: {إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا} ، يعنى: أحيمر ثمود. {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} قسم الله الذي قسم لها من هذا الماء، {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا} أي: فجعل العقوبة نازلة عليهم على السواء.
{وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} قال الحسن: لا يخاف الله من أحد تبعة في إهلاكهم وعن أبي الطفيل قال: (قالت ثمود لصالح: ائتنا بآية إن كنت
من الصادقين، فقال لهم صالح: اخرجوا إلى هضبة من الأرض، فخرجوا فإذا هي تمتخض كما
تمتخض الحامل، ثم إنها انفرجت فخرجت من وسطها الناقة، فقال صالح:{هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، {لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} فلما ملوها عقروها؛ فقال لهم:{تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} .
وعن جابر قال: لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: «لا تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالح فكانت - يعني: الناقة - ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها، وكانت تشرب ماءهم يومًا ويشربون لبنها يومًا، فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله من تحت أديم السماء منهم، إلا رجلاً واحدًا كان في حرم الله» فقالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: «أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه» . رواه أحمد. وعن قتادة: (أن صالحًا قال لهم حين عقروا الناقة: تمتعوا ثلاثة أيام؛ قال لهم: آية هلاككم أن تصبح وجوهكم مصفرة، ثم تصبح اليوم الثاني محمرة، ثم تصبح اليوم الثالث مسودة، فأصبحت كذلك) .
قال ابن كثير: وأصبح ثمود يوم الخميس، وهو اليوم الأول من أيام النظرة، ووجوههم مصفرة كما وعدهم صالح عليه السلام، وأصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل وهو يوم الجمعة ووجوههم محمرة، وأصبحوا في اليوم الثالث من
أيام المتاع وهو يوم السبت ووجوههم
مسودة، فلما أصبحوا من يوم الأحد وقد تحنطوا، وقعدوا ينتظرون نقمة الله وعذابه - عياذًا بالله من ذلك - لا يدرون ماذا يفعل بهم، ولا كيف يأتيهم العذاب، وأشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس في ساعة واحدة، فأصبحوا في دارهم جاثمين.
* * *