الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثامن والتسعون بعد المائتين
[سورة النازعات]
مكية، وهي ست وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ (14) هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى (26) أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ
الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى (36) فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) } .
* * *
عن ابن مسعود: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} ، قال: الملائكة، قال ابن عباس: تنزع الأنفس.
قال البغوي: يعني: الملائكة تنزع أرواح الكفار من أجسادهم، كما يغرق النازع في القوس فيبلغ بها غاية المدى. وقال سعيد بن جبير: نزعت أرواحهم ثم غرقت ثم قذف بها في النار. وعن ابن عباس:
…
{وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً} ، قال: الملائكة حين تنشط نفسه. قال البغوي: هي الملائكة تنشط نفس المؤمن، أي: تحل حلاً رفيقًا فتقبضها كما ينشط العقال من يد البعير، وقال ابن القيّم: النازعات التي تنزع الأرواح من الأجساد، والنزع: اجتذاب النفس بقوة؛ والناشطات التي تنشطها، أي: تخرجها بسرعة وخفّة؛ والنزع مشترك بين نفوس بني آدم والإغراق يختصّ بالكافر.
وعن مجاهد: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً} ، قال: الملائكة ينزلون من السماء مسرعين. وعن مجاهد: {فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً} ، قال: الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح، {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً} ، قال ابن
عباس: هم الملائكة وكّلوا بأمور عرّفهم الله عز وجل العمل بها. قال البغوي: وجواب هذه الأقسام محذوف على تقدير: لتبعثن ولتحاسبنّ. وعن ابن عباس: قوله: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} ، يقول:
النفخة الأولى، وقوله:{تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} ، يقول: النفخة الثانية. قال الحسن: أما الأولى: فتميت الأحياء، وأما الثانية: فتحي الموتى، ثم تلا:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} . وعن قتادة: {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} ، يقول: خائفة، وجفت مما عاينت يومئذٍ، {أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} ، يقول: ذليلة.
وقوله تعالى: {يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً} ، قال البغوي: يقولون - يعني: المنكرين للبعث، إذا قيل لهم إنكم مبعوثون من بعد الموت -؟ :{أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} ؟ قال ابن عباس يقول: ائنا لنحيا بعد موتتنا، ونبعث من مكاننا هذا؟ وقال قتادة: أي: مردودون خلقاً جديداً؟ وقال البغوي: {أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} ، أي: إلى أول الحال وابتداء الأمر، فنصير أحياء بعد الموت كما كنا؟ تقول العرب: راجع فلان في حافرته، أي: رجع من حيث جاء، والحافرة عندهم اسم لابتداء الشيء وأول الشيء. وعن ابن عباس:{أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً} فالنخرة: الفانية البالية. وعن قتادة: {أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً} تكذيباً بالبعث ناخرة بالية {قَالُوا
تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} ، أي: راجعة خاسرة. قال ابن زيد: وأي كرّة أخسر منها؟ أُحْيُوا ثم صاروا إلى النار فكانت كرّة سوء.
{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} قال: الزجرة: النفخة في الصور {فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ} قال: ظهر الأرض فوق بطنها. قال قتادة: لما تباعد البعث في أعين القوم قال الله: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ} يقول: فإذا هم على الأرض بعد ما كانوا في جوفها. قال البغوي: والعرب تسمي الفلاة ووجه الأرض: ساهرة، قال بعض أهل اللغة: تراهم سمّوها ساهرة لأن فيها نوم الحيوان وسهرها.
قال ابن كثير: قوله تعالى: {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} ، أي: هل سمعت بخبره، {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ} ، أي: كلّمه نداء، {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} ، أي: المطهّر، {طُوًى} وهو اسم الوادي. قال قتادة: كنا نحدّث أنه قدّس مرتين، {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى} ، قال ابن زيد: إلى أن تسلم؛ قال: والتزكّي في القرآن كلّه الإسلام.
{وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} ، قال البغوي: أدعوك إلى عبادة ربك وتوحيده، فتخشى عقابه، {فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى} ، قال مجاهد: عصاه ويده {فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} ، قال مجاهد: يعمل بالفساد {فَحَشَرَ فَنَادَى} قال ابن زيد: صرخ وحشر قومه فنادى فيهم، فلما اجتموا قال:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} ، قال قتادة: عقوبة الدنيا والآخرة {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى} . قال ابن كثير: أي: لمن يتّعظ وينزجر.
قال ابن كثير: يقول تعالى محتجًّا على منكري البعث في إعادة الخلق بعد بدئه {أَأَنتُمْ} أيها الناس {أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء} ؟ يعني: بل السماء أشد خلقاً منكم، كما قال تعالى:{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} . قال البغوي: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء} ، يعني: أخلقكم بعد الموت أشدّ عندكم وفي تقديركم أم السماء؟ وهما في قدرة الله واحد.
قال ابن كثير: وقوله تعالى: {بَنَاهَا} فسّره بقوله: {رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} قال مجاهد: رفع بناءها بغير عمد {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} قال ابن عباس: أظلم ليلها، {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} ، قال مجاهد:
نورها. {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} ، قال ابن عباس: وذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء، ثم استوى إلى السماء فسوّاهنّ سبع سموات، ثم دحى الأرض بعد ذلك، {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} .
قال ابن كثير: وقوله تعالى: {مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} ، أي: دحى الأرض، فأنبع عيونها، وأظهر مكنونها، وأخرج أنهارها، وأنبت زروعها وأشجارها وثمارها، وثبّت جبالها لتستقرّ بأهلها ويقرّ قرارها، كلّ ذلك متاعاً لخلقه، ولما يحتاجون إليه من الأنعام التي يأكلونها ويركبونها مدّة احتياجهم إليها في هذه الدار إلى أن ينتهي الأمد وينقضي الأجل.
قوله عز وجل: {فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى (36) فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ
الْمَأْوَى (41) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) } .
عن ابن عباس: قوله: {فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} من أسماء يوم القيامة، عظّمه الله وحذّره عباده. قال البغوي: والطامّة عند العرب الداهية التي لا تستطاع، {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى} ما عمل في
الدنيا من خير وشرّ، {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى} ، قال مقاتل: يكشف عنها الغطاء فينظر إليها الخلق، {فَأَمَّا مَن طَغَى} ، قال مجاهد: عصى وآثر الحياة الدنيا، {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} ، قال مقاتل: هو الرجل يهمّ بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها، {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} .
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} ، قال البغوي: متى ظهورها وثبوتها {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} لست في شيء من علمها وذكرها: أي: لا تعلمها {إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا} أي: منتهى علمها عند الله
…
{إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا} أي: إنما ينفع إنذارك من يخافها
…
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} ، قال قتادة: وقت الدنيا في أعين القوم حين عاينوا الآخرة.
* * *