الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثاني والسبعون بعد المائتين
[سورة الرحمن]
مكية، وهي ثمان وسبعون آية
عن جابر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا فقال:«لقد قرأتها على الجنّ ليلة الجنّ فكانوا أحسن مردودًا منكم، كنت كلما أتيت على قوله: {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ، قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذّب فلك الحمد» . رواه الترمذي. وعن عليّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لكل شيء عروس، وعروس القرآن: الرحمن» . رواه البيهقي في شعب الإيمان.
بسم الله الرحمن الرحيم
{الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا
الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ (15) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ
(20)
فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23) وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28) يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45) وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ
قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78) } .
* * *
عن قتادة: أنه قال في تفسير قوله: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ} نعمة والله وعظيمة {خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} قال ابن زيد: البيان: الكلام. {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} قال ابن عباس: يجريان بعدد وحساب ومنازل {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} ، قال مجاهد: النجم هو: الكوكب وهذه الآية كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} .
وقوله تعالى: {وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} ، قال مجاهد: العدل {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} قال قتادة: اعدل يا ابن آدم كما تحبّ أن يعدل عليك، وأوف كما تحبّ أن يوفّى لك، فإن بالعدل صلاح الناس. وكان ابن عباس يقول: يا معشر الموالي، إنكم قد ولّيتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم، هذا المكيال، والميزان، {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} قال ابن زيد: تخسيره نقصه {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} قال مجاهد: للخلائق {فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ
الْأَكْمَامِ} ، قال ابن زيد: هو الطلع قبل أن ينفتق، {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} ، قال مجاهد: العصف الورق من كل شيء، والريحان الرزق؛ وقال الحسن: هو ريحانكم الذي يشمّ. قال البغوي: كلها مدفوعات بالردّ على الفاكهة؛ وقرأ ابن عامر: بنصب الباء والنون و (ذا) بالألف. وقرأ حمزة والكسائي (والريحان) : بالجر عطفًا على (العصف) فذكر قوت الناس والأنعام، ثم خاطب الجن والإنس فقال:{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ، أيها الثقلان؟ يريد من هذه الأشياء المذكورة؛ وكرر هذه الآية في هذه السورة تقريرًا للنعمة وتأكيدًا في التذكير بها على عادة العرب في الإبلاغ والإشباع، يعدّد على الخلق آلاءه ويفصل بين كل نعمتين بما ينبّههم عليها.
عن قتادة: {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} ، قال: من طين له صلصلة كان يابسًا. وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجانّ من مارج من نار، وخلق آدم
مما وصف لكم» . رواه مسلم وغيره. وقال ابن زيد: المارج: اللهب. وعن مجاهد: قوله: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} ، قال: مشرق الشتاء ومغربه، ومشرق الصيف ومغربه.
وعن ابن عباس: قوله: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} ، يقول: أرسل. وقال ابن زيد في قوله: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ} ، قال: منعهما أن يلتقيا بالبرزخ الذي جعل بينهما من الأرض. قال ابن كثير: والمراد بقوله البحرين: الملح والحلو، فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس. قال وقوله تعالى:{يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} أي: من مجموعهما، فإذا وجد ذلك من أحدهما كفى، كما قال تعالى:
…
{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ} ، والرسل إنما كانوا في الإنس خاصة دون الجنّ. وعن ابن عباس قال: إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف في البحر أفواهها، فما وقع فيها -، يعني: من قطر - فهو اللؤلؤ. وعن قتادة: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} ، قال: اللؤلؤ: الكبار من اللؤلؤ، والمرجان: الصغار منه. وعن ابن مسعود قال: المرجان: الخرز الأحمر. وعن قتادة: قوله: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} ، يعني: السفن. وقال مجاهد: ما رفع قطعة من السفن فهي منشآت، وإذا لم يرفع قلعها فليست بمنشآت.
قوله عز وجل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28) يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ (30) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ
إِنسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
…
(45) } .
قال ابن عباس: {ذُو الْجَلَالِ} ، العظمة والكبرياء. وعن قتادة: قوله: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} ، لا يستغني عنه أهل السماء ولا أهل الأرض، يحيي حيًّا ويميت ميتًا، ويربّي صغيرًا ويذلّ كبيرًا، وهو يسأل حاجات الصالحين ومنتهى شكواهم. وروى ابن جرير عن منيب بن عبد الله الأزديّ قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} ، فقلنا يا رسول الله وما ذاك الشأن؟ قال:«من شأنه أن يغفر ذنبًا، ويفرّج كربًا، ويرفع أقوامًا، ويضع آخرين» .
وعن ابن عباس: قوله: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} ، قال: وعيد من الله للعباد، وليس بالله شغل. وقال الضحاك بن مزاحم: إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشقّقت بأهلها، ونزل من فيها من الملائكة فأحاطوا بالأرض ومن عليها، ثم بالثانية، ثم بالثالثة، ثم بالرابعة، ثم بالخامسة، ثم بالسادسة، ثم بالسابعة، فصفّوا صفًّا دون صف، ثم ينزل الملك الأعلى على مجنبته اليسرى جهنم، فإذا رآها أهل
الأرض ندّوا، فلا يأتون قطرًا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قول الله:{إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} ، وذلك قوله:{وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} .
وقوله: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} ، وذلك قوله:{وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} . وعن مجاهد: قوله: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ} ، قال: اللهب المنقطع {وَنُحَاسٌ} . قال: يذاب الصفر من فوق رؤوسهم. وعن قتادة في قوله: {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} قال: هي اليوم خضراء ولونها يومئذٍ الحمرة. وعن مجاهد: {كَالدِّهَانِ} قال: كالدهن. وعن قتادة في قوله: {فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ} قال: حفظ الله عز وجل عليهم أعمالهم، {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} قال: زرق العيون سود الوجوه {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي
وَالْأَقْدَامِ} قال ابن عباس: يؤخذ ناصيته وقدميه، فيكسر كما يكسر الحطب في التنور {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} ، قال: الآني: ما اشتدّ غليانه ونضجه.
قوله عز وجل: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاء
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) } .
عن ابن عباس: قوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} قال: وعد الله جلّ ثناؤه المؤمنين الذين خافوا مقامه فأدّوا فرائضه الجنّة قال: والخائف من ركب طاعة الله وترك معصيته. وقال ابن زيد: مقامه حين يقوم العباد يوم القيامة وقرأ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} . وعن مجاهد: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} أغصان. وقال عكرمة: ظلّ الأغصان. وقال الضحاك: ذواتا ألوان من الفاكهة {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} ، قال الحسن: إحداهما التسنيم، والأخرى السلسبيل. وقوله تعالى:{فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: فيهما من
كل نوع من الفاكهة ضربان {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} قال ابن مسعود: قد أُخبرتم بالبطائن، فكيف لو أُخبرتم بالظهائر؟ وعن قتادة: قوله: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} ، ثمارهما دانية لا يردّ أيديهم عنها بعد ولا شوك، ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال:«والذي نفسي بيده، لا يقطع رجل ثمرة من الجنّة فتصل إلى فيه، حتى يبدل الله مكانها خيرًا منها» . وعن مجاهد في قوله: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} ، قال: قصرن طرفهنّ عن الرجال، فلا ينظرن إلا إلى أزواجهنّ {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} ، قال: لم يمسّهنّ. وروى ابن جرير عن ابن مسعود مرفوعًا قال: «إن المرأة من أهل الجنة ليُرى بياض ساقها من وراء سبعين حلّة من حرير وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} أما الياقوت فإنه لو أدخلت فيه سلكًا ثم استصفيته لرأيته من ورائه» . وعن السدي في قوله: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} قال: صفاء وحسن المرجان. وعن قتادة: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ
وَالْمَرْجَانُ} صفاء الياقوت في بياض المرجان {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} ؟ قال: عملوا خيرًا فجوزوا خيرًا.
قوله عز وجل: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي
الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78) } .
قال ابن زيد في قوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} ، جنّتا السابقين، فقرأ:{ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} فقرأ حتى بلغ: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ} ثم رجع إلى أصحاب اليمين فقال: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} ، فذكر فضلهما وما فيهما. وعن عبد الله بن قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
…
«جنّتان من فضّة آنيتهما وما فيهما، وجنّتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربّهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنّة عَدْنٍ» . متفق عليه. وقال ابن زيد في قوله:
…
{وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} ، هما أدنى من هاتين، لأَصحاب اليمين. وعن ابن عباس: قوله {مُدْهَامَّتَانِ} قال: خضراوان من الريّ، {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} بالماء. قال ابن جرير: يعني: فوّارتان. وعن سعيد بن جبير قال: نخل الجنّة جذوعها من ذهب، وعروقها من ذهب، وكرانيفها من زمرّد، وسفعها كسوة لأهل الجنّة، ورطبها
كالدلاء أشدّ بياضًا من اللبن، وألين من الزبد وأحلى من العسل ليس له عجم. وعن قتادة في قوله:{خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} ، قال: خيرات في الأخلاق، حسان في الوجوه، {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} قال الضحاك: الحوراء العيناء الحسناء. وقال مجاهد: {حُورٌ} بيض {مَّقْصُورَاتٌ}
على أزواجهنّ فلا يردن غيرهم {فِي الْخِيَامِ} قال: لا يبرحن الخيام. وقال عمر بن الخطاب: الخيام درّ مجوّف. وعن سعيد بن جبير في قوله: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} ، قال: رياض الجنّة. وقال ابن عباس الرفرف فضول المجالس والبسط {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} ، قال: الزرابيّ. وقال مجاهد: هو الديباج. وعن ابن عباس: قوله: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} ، يقول: ذو العظمة والكبرياء.
* * *