الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الرابع والتسعون بعد المائتين
[سورة القيامة]
مكية، وهي أربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25) كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ
الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40) } .
* * *
قوله عز وجل: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ
…
(15) } .
قال أبو هشام الرفاعي: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: قوله: {لَا أُقْسِمُ} توكيد للقسم، كقوله: لا والله. وعن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: ممن أنت؟ فقلت: من أهل العراق، فقال: أيهم؟ فقلت: من بني أسد، فقال: من حريبهم أو ممن أنعم الله عليهم؟ فقلت: لا بل ممن أنعم الله عليهم، فقال لي: سل، فقلت:{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} فقال: يقسم ربك بما شاء من خلقه. وعن قتادة: قوله: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} ، قال: أقسم بهما جميعًا. وعن سعيد بن حبير في قوله: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} ، قال: تلوم على الخير والشر. وقال مجاهد: تندم على ما فات من الخير وتلوم عليه. وقال الحسن: أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة. قال مقاتل: هي النفس الكافرة تلوم نفسها في الآخرة على ما فرطت في أمر الله في الدنيا.
{أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ} ، قال البغوي: نزلت في عدي بن ربيعة حليف بني زهرة ختن الأخنس بن شويق الثقفي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«اللهم اكفني جاري السوء» ، يعني: عديًا، والأخنس، وذلك أن عدي بن ربيعة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد حدثني عن القيامة، متى تكون وكيف حالها وأمرها؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أؤمن بك، أو يجمع الله العظام؟ فأنزل الله عز وجل:{أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ} ، يعني: الكافر {أَلَّن نَجْمَعَ
عِظَامَهُ} بعد التفرق والبلى فنحييه، {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} ، قال الزجاج وابن قتيبة: معناه ظن الكافر أن لا نقدر على جمع عظامه، بلى نقدر على أن نعيد السلاميات على صغرها فنؤلف بينها حتى نسوي البنان، فمن قدر على جمع صغار العظام فهو على جمع كبارها أقدر. وعن ابن عباس: قوله: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} ، قال: نجعله خفًا أو حافرًا. وقال الضحاك: البنان: الأصابع. وعن عكرمة: {بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} ، قال: قدمًا لا ينزع عن فجور. وقال ابن عباس يقول: الكافر يكذب بالحساب يسأل أيان يوم القيامة. وقال قتادة يقول: متى يوم القيامة؟ {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} ، قال مجاهد: عند الموت. وقال قتادة: شخص البصر: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} ، قال: ذهب ضوءه فلا ضوء له {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} قال مجاهد: كورًا يوم القيامة: {يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} أي: المهرب. وعن ابن عباس قوله: {كَلَّا لَا وَزَرَ} يعني: لا حصن ولا ملجأ {إِلَى
رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} قال قتادة: أي: المنتهي. وقال ابن زيد: استقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار. {يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} ، قال مجاهد: بأول عمله وآخره. وعن ابن عباس قوله: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} ، يقول: سمعه وبصره ويداه ورجلاه. وقال قتادة: شاهد عليها بعملها. وعن سعيد بن جبير: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} ، قال: شاهد على نفسه ولو اعتذر.
عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه القرآن تعجل، يريد حفظه، فقال الله تعالى ذكره:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} ، وقال ابن عباس: هكذا، وحرك شفتيه. {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} ، قال: في صدرك، {وَقُرْآنَهُ} ، قال: تقرؤه بعد. {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} أنزلناه إليك. {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} ، قال:
فاستمع قرآنه. {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ، قال: تبيانه بلسانك، فكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله عز وجل .
عن قتادة: قوله: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ} اختار أكثر الناس العاجلة إلا من رحم الله وعصم. {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} ، قال ابن زيد: الناضرة: الناعمة. وقال الحسن: حسنة. وقال مجاهد: مسرورة. {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، قال الحسن: تنظر إلى الخالق، وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق. وقال عطية العوفي: هم ينظرون إلى الله، لا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره محيط بهم؛ فذلك قوله:{لَاّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} . وفي الصحيحين عن جرير قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال: «إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، ولا قبل غروبها فافعلوا» . وفي الصحيحين أيضًا عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن» . وروى مسلم عن جابر في حديثه: «إن الله يتجلى للمؤمنين، يضحك - يعني: في عرصات يوم القيامة -» . قال ابن كثير: ففي هذه الأحاديث أن المؤمنين ينظرون إلى ربهم عز وجل في العرصات، وفي روضات الجنات.
عن مجاهد: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} ، قال: كاشرة. وقال قتادة: كالحة. وقال ابن زيد: عابسة. {تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} ، قال مجاهد: واهية. وقال قتادة: شر. وقال ابن زيد: تظن أنها ستدخل
النار، قال: تلك الفاقرة. وقال البغوي: الفاقرة الداهية العظيمة، والأمر الشديد يكسر فقار الظهر.
قال البغوي: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ} ، يعني: النفس، كناية عن غير مذكور، {التَّرَاقِيَ} تحشرج بها عند الموت {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} ، قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: وقال أهله: من ذا يرقيه ليشفيه مما قد نزل به؟ وطلبوا له الأطباء والمداوين، فلم يغنوا عنه من أمر الله الذي قد نزل شيئًا. وعن قتادة:{وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} ، أي: استيقن. وقال ابن زيد: ليس أحد من خلق الله يدفع الموت ولا ينكره، ولكن لا يدري يموت من ذلك المرض أو من غيره، فالظن كما ها هنا هذا. {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} ، قال الحسن: لفهما أمر الله. وقال أبو مالك: هما ساقاه إذا ضمت إحدهما بالأخرى. وقال قتادة: ماتت رجلاه فلا يحملانه إلى شيء، فقد كان عليهما جوالاً. وعن ابن عباس قوله:
{وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} يقول: آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة، فتلتقي الشدة بالشدة إلا من رحم الله. وقال مجاهد: هو أمر الدنيا والآخرة عند الموت.
{إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} قال البغوي: أي: مرجع العباد إلى الله يساقون إليه. وعن قتادة: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} لا صدق لكتاب الله، ولا صلى لله. {وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} كذب بكتاب الله، وتولى عن طاعة الله. {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} ، أي: يتبختر، وهو أبو جهل بن هشام كانت مشيته. قال ابن جرير: ومنه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مشت أمتي المطيطاء» ، وذلك أن يلقي الرجل بيديه ويتكفأ. وقال سعيد عن قتادة:{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} وعيد على وعيد كما تسمعون، زعم أن هذا أنزل في عدو الله أبي جهل، ذكر لنا: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ بمجامع ثيابه فقال: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} فقال عدو الله أبو جهل: أيوعدني محمد؟ والله ما تستطيع لي أنت ولا ربك شيئًا، والله لأنا أعز من مشى بين جبليها. قال: فلما كان يوم بدر أشرف عليهم فقال: لا يصد الله بعد هذا اليوم؛ وضرب الله عنقه وقتله شر قتلة.
وعن ابن عباس: قوله: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} ؟ قال: هملاً. وقال مجاهد: لا يؤمر ولا ينهى؟ {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى} ، قال البغوي: فجعل فيه الروح وسوى خلقه، {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ}
الذي فعل هذا {بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} ؟ وعن ابن عباس: أنه مر بهذه الآية: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} ؟ قال: سبحانك فبلى.
* * *