المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الدرس الخامس والتسعون بعد المائتين ‌ ‌[سورة الإنسان] مدنية، وهي إحدى وثلاثون آية   بسم - توفيق الرحمن في دروس القرآن - جـ ٤

[فيصل آل مبارك]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس الخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الشورى]

- ‌الدرس الحادي والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس الثاني والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الزخرف]

- ‌الدرس الثالث والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس الرابع والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الدخان]

- ‌الدرس السادس والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الجاثية]

- ‌الدرس الثامن والخمسون بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع والخمسون بعد المائتين

- ‌[سورة الأحقاف]

- ‌الدرس الستون بعد المائتين

- ‌الدرس الحادي والستون بعد المائتين

- ‌[سورة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌الدرس الثاني والستون بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الفتح]

- ‌الدرس الرابع والستون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الحجرات]

- ‌الدرس السادس والستون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والستون بعد المائتين

- ‌[سورة ق]

- ‌الدرس الثامن والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الذاريات]

- ‌الدرس التاسع والستون بعد المائتين

- ‌[سورة الطور]

- ‌الدرس السبعون بعد المائتين

- ‌[سورة النجم]

- ‌الدرس الحادي والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة القمر]

- ‌الدرس الثاني والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الرحمن]

- ‌الدرس الثالث والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الواقعة]

- ‌الدرس الرابع والسبعون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الحديد]

- ‌الدرس السادس والسبعون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة المجادلة]

- ‌الدرس الثامن والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الحشر]

- ‌الدرس التاسع والسبعون بعد المائتين

- ‌[سورة الممتحنة]

- ‌الدرس الثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الصف]

- ‌الدرس الحادي والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الجمعة]

- ‌الدرس الثاني والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة المنافقون]

- ‌الدرس الثالث والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة التغابن]

- ‌الدرس الرابع والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الطلاق]

- ‌الدرس الخامس والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة التحريم]

- ‌الدرس السادس والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الملك]

- ‌الدرس السابع والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة نون]

- ‌الدرس الثامن والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة الحاقة]

- ‌الدرس التاسع والثمانون بعد المائتين

- ‌[سورة المعارج]

- ‌الدرس التسعون بعد المائتين

- ‌[سورة نوح]

- ‌الدرس الحادي والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة الجن]

- ‌الدرس الثاني والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة المزمل]

- ‌الدرس الثالث والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة المدثر]

- ‌الدرس الرابع والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة القيامة]

- ‌الدرس الخامس والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة الإنسان]

- ‌الدرس السادس والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة الْمُرْسَلَاتِ]

- ‌الدرس السابع والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة النبأ]

- ‌الدرس الثامن والتسعون بعد المائتين

- ‌[سورة النازعات]

- ‌الدرس التاسع والتسعين بعد المائتين

- ‌[سورة عبس]

- ‌الدرس الثلاثمائة

- ‌[سورة التكوير]

- ‌[سورة الانفطار]

- ‌الدرس الواحد بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة المطففين]

- ‌[سورة الانشقاق]

- ‌الدرس الثاني بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة البروج]

- ‌[سورة الطارق]

- ‌الدرس الثالث بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الأعلى]

- ‌[سورة الغاشية]

- ‌الدرس الرابع بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الفجر]

- ‌[سورة البلد]

- ‌الدرس الخامس بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الشمس]

- ‌[سورة الليل]

- ‌الدرس السادس بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الضحى]

- ‌[سورة الشرح]

- ‌[سورة التين]

- ‌الدرس السابع بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة العلق]

- ‌[سورة القدر]

- ‌الدرس الثامن بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة البينة]

- ‌[سورة الزلزلة]

- ‌الدرس التاسع بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة العاديات]

- ‌[سورة القارعة]

- ‌[سورة التكاثر]

- ‌[سورة العصر]

- ‌[سورة الهمزة]

- ‌الدرس العاشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الفيل]

- ‌[سورة قريش]

- ‌الدرس الحادي عشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الماعون]

- ‌[سورة الكوثر]

- ‌[سورة الكافرون]

- ‌[سورة النصر]

- ‌[سورة المسد]

- ‌الدرس الثاني عشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الإخلاص]

- ‌الدرس الثالث عشر بعد الثلاثمائة

- ‌[سورة الفلق]

- ‌[سورة الناس]

الفصل: ‌ ‌الدرس الخامس والتسعون بعد المائتين ‌ ‌[سورة الإنسان] مدنية، وهي إحدى وثلاثون آية   بسم

‌الدرس الخامس والتسعون بعد المائتين

[سورة الإنسان]

مدنية، وهي إحدى وثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً

وَمُلْكاً كَبِيراً (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ

ص: 403

وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً (22) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26) إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (29) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (31) } .

* * *

ص: 404

قوله عز وجل: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) } .

عن قتادة: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} آدم أتى عليه. {حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً} ؟ قال: كان آدم صلى الله عليه وسلم آخر ما خلق من الخلق. {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} ، قال مجاهد: خلق الله الولد من ماء الرجل وماء المرأة. وقال الربيع: إذا اجتمع ماء الرجل وماء المرأة فهو أمشاج. وقال ابن جرير: وقوله: {نَّبْتَلِيهِ} نختبره.

{فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} قال ابن كثير: أي: جعلنا له سمعًا وبصرًا يتمكن بهما من الطاعة والمعصية. وقوله جل وعلا: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} أي: بيناه له ووضحناه وبصرناه به، كقوله جل وعلا:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} وكقوله جل وعلا: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} أي: بينا له طريق الخير وطريق الشر.

وقوله تعالى: {إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} منصوب على الحال من الهاء في قوله: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} تقديره: فهو في ذلك إما شقي وإما سعيد، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل

ص: 405

الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» .

قوله عز وجل: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا

عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً (22) } .

قال ابن كثير: يخبر تعالى عما أرصده للكافرين - من السلاسل والأغلال والسعير، وهو اللهب والحريق - في نار جهنم، كما قال تعالى:{إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} . ولما ذكر ما أعده لهؤلاء الأشقياء من السعير، قال بعده:{إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} وقد علم ما في الكافور من التبريد والرائحة الطيبة، مع ما يضاف

ص: 406

إلى ذلك من

اللذاذة في الجنة. قال الحسن: برد الكافور في طيب الزنجبيل، ولهذا قال:{عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} أي: هذا الذي مزج لهؤلاء الأبرار من الكافور، هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفًا بلا مزج.

وعن قتادة: {يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} ، قال: مستقيد ماؤها لهم، يفجرونها حيث شاءوا.

{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} قال: كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والزكاة والحج والعمرة وما افترض عليهم، فسماهم الله بذلك:{الْأَبْرَارَ} ، فقال:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} استطار والله شر ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض. وفي الحديث الصحيح:

«من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» . وعن مجاهد: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} ، قال: وهم يشتهونه: {مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} ، قال قتادة: كان أسراهم يومئذٍ المشرك، وأخوك المسلم أحق أن تطعمه. وقال مجاهد: الأسير هو: المحبوس. {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً} ، قال: أما أنهم ما تكلموا به، ولكن الله علمه من قلوبهم فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك راغب.

{إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} ، قال ابن عباس: طويلاً. وقال قتادة: عبست فيه الوجوه وقبضت ما بين أعينها كراهية ذلك اليوم. {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً}

نضرة في وجهوهم وسرورًا في قلوبهم. {وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} ، يقول:{وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا} على طاعة الله وصبروا عن معصيته ومحارمه. {جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ} كنا نحدث أنها الحجال فيها الأسرة. قال الله: {لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً} يعلم الله أن شدة الحر تؤذي، وشدة القر تؤذي، فوقاهم الله أذاهما. {قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ} ، قال: هي من فضة وصفاؤها صفاء القوارير وبياض الفضة، {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} قال: لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك.

ص: 407

{وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا} ، أي: صفاء القوارير في بياض الفضة. {قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً} قدرت على ري القوم. {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً} ، قال ابن كثير، أي: يسقون - يعني: الأبرار أيضًا - في هذه الأكواب، {كَأْساً} ، أي: خمرًا. {كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً} فتارة يمزج لهم الشراب بالكافور وهو بارد، وتارة بالزنجبيل وهو حار ليعتدل الأمر، وهؤلاء يمزج لهم من هذا تارة، ومن هذا تارة، وأما المقربون فإنهم يشربون من كل منهما صرفًا. وعن قتادة: قوله: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً} رفيعة، يشربها المقربون صرفًا، وتمزج لسائر أهل الجنة، وعن مجاهد:{عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً} قال: سلسة الجرية. وعن قتادة: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ} أي: لا يموتون.

{إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً} ، قال: من كثرتهم وحسنهم. {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} ، قال البغوي، أي: إذا رأيت ببصرك ونظرت به: {ثَمَّ} ، يعني: في الجنة: {رَأَيْتَ نَعِيماً} لا يوصف {وَمُلْكاً كَبِيراً} ، قال ابن كثير: وثبت في الصحيح: أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجًا، وآخر أهل الجنة دخولاً إليها:(إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها) . {عَالِيَهُمْ} ، أي: فوقهم {ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} ، قال ابن كثير، أي: لباس أهل الجنة فيها الحرير، ومنه سندس وهو رفيع الحرير، كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم، والإستبرق منه ما فيه بريق

ص: 408

ولمعان، وهو مما يلي الظاهر، كما هو المعهود في اللباس {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ} وهذه صفة الأبرار، وأما المقربون فكما قال تعالى:{يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} .

ولما ذكر تعالى زينة الظاهر بالحرير والحلي قال بعده: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} ، أي: طهر بواطنهم من الحسد والحقد والغل والأذى، وسائر الأخلاق الرديئة؛ كما روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:(إذا انتهى أهل الجنة إلى باب الجنة وجدوا هناك عينين، فكأنما ألهموا ذلك، فشربوا من إحداهما فأذهب الله ما في بطونهم من أذى، ثم اغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم) ؛ فأخبر سبحانه وتعالى بحالهم الظاهر وجمالهم الباطن. وعن قتادة: قوله: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً} غفر لهم الذنب وشكر لهم السعي؛ وقال: لقد شكر الله سعيًا قليلاً.

قوله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26) إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (29) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (31) } .

قال البغوي: قوله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً} قال ابن

ص: 409

عباس: متفرقًا آية بعد آية، ولم ينزل جملة واحدة. {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} ، قال ابن كثير: فالآثم هو الفاجر في أفعاله، والكفور هو الكافر قلبه. {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} إلى أول النهار وآخره:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً} ، كقوله تعالى:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً} .

{إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً} ، يعني: يوم القيامة، {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} ، قال ابن عباس: خلقهم. وقال الحسن: يعني: أوصالهم، شددنا بعضهما إلى بعض بالعروق والعصب {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً} كقوله تعالى:{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيراً} .

وعن قتادة في قوله: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ} قال: إن هذه السورة تذكرة، {فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} قال البغوي: وسيلة للطاعة. {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} أي: لستم تشاءون إلا بمشيئة الله عز وجل، لأن الأمر إليه {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} ، قال ابن كثير، أي: عليم بمن يستحق الهداية فيسرها له ويقيض له أسبابها، ومن يستحق الغواية فيصرفه عن الهدى، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة، {يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} .

* * *

ص: 410