الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن كثير: يرشد تعالى خلقه إلى التفكر في آلائه ونعمه وقدرته العظيمة التي خلق بها السموات والأرض وما فيها من المخلوقات المختلفة والأجناس والأنواع من: الملائكة، والجن، والإنس، والدواب، والطيور، والوحوش، والسباع، والحشرات، وما في البحر من الأصناف المتنوعة. {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} في تعاقبهما دائبين لا يفتران، هذا بظلامه وهذا بضيائه، {وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ} تبارك وتعالى من السحاب من المطر في وقت الحاجة إليه، وسماه رزقًا لأن به يحصل الرزق {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} أي: بعد ما كانت هامدة لا نبات فيها ولا شيء.
وقوله عز وجل: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} أي: جنوبًا وشمالاً ودبورًا وصبًا برية وبحرية، ليلية ونهارية، ومنها ما هو للمطر، ومنها ما هو للقاح، ومنها ما هو غذاء للأرواح، ومنها ما هو عقيم لا ينتج وقال سبحانه وتعالى أولاً {لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ} ثم {يُوقِنُونَ} ثم {يَعْقِلُونَ} وهو ترق من حال شريف إلى ما هو أشرف منه وأعلى، وهذه الايات شبيهة بآية البقرة، وهو قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا
يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .
قال ابن كثير: يقول تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ} يعني: القرآن، بما فيه من الحجج والبينات:{نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} أي: متضمنة الحق من الحق، فإذا كانوا لا يؤمنون بها ولا ينقادون لها، {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} ؟ ثم قال تعالى:{وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} ، أي: أفاك في قوله، كذاب حلاف مهين، {أَثِيمٍ} في فعله وقلبه، كفر بآيات الله؛ ولهذا قال:{يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ} أي: تقرأ عليه {ثُمَّ يُصِرُّ} أي: على كفره وجحوده استكبارًا وعنادًا: {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} أي: كأنه ما سمعها، {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فأخبره أن له عند الله تعالى يوم القيامة عذابًا أليمًا موجعًا، {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً
اتَّخَذَهَا هُزُواً} ، أي: إذا حفظ شيئًا من القرآن كفر به واتخذه سخريًا وهزوًا {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} ، أي: في مقابلة ما استهان بالقرآن واستهزأ به؛ ثم فسر العذاب الحاصل له يوم معاده فقال: {مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} ، أي: كل من اتصف بذلك سيصيرون إلى جهنم يوم القيامة، {وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئاً} أي: لا تنفعهم أموالهم ولا أولادهم
{وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء} أي: ولا تغني عنهم الآلهة التي عبدوها من دون الله شيئًا {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} . ثم قال تبارك وتعالى: {هَذَا هُدًى} يعني: القرآن {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ} .
قال ابن كثير: يذكر تعالى نعمه على عبيده فيما سخر لهم من البحر {لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ} وهي السفن {فِيهِ بِأَمْرِهِ} تعالى، فإنه هو الذي أمر البحر بحملها {وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ} ، أي: في المتاجر والمكاسب، {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ، أي: على حصول المنافع المجلوبة إليكم من الأقاليم النائية والآفاق القاصية، ثم قال عز وجل: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} ، أي: من الكواكب والجبال والبحار والأنهار، وجميع ما تنتفعون به، أي: الجميع من فضله وإحسانه ولهذا قال: {جَمِيعاً مِّنْهُ} ، أي: من عنده وحده لا شريك له في ذلك، كما قال تبارك وتعالى:{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} .
وقوله تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ} ، أي: ليصفحوا عنهم ويتحملوا الأذى منهم، وكان هذا في ابتداء الإسلام، أمروا أن يصبروا على أذى المشركين وأهل الكتاب ليكون ذلك كالتأليف لهم، ثم لما أصروا
على العناد شرع الله للمؤمنين الجلاد والجهاد. وقال البغوي: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ} أي: لا يخافون وقائع الله ولا يبالون نقمته. قال ابن كثير: وقوله تبارك وتعالى: {لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ} ، أي: إذا صفحوا عنهم في الدنيا، فإن الله عز وجل مجازيهم بأعمالكم السيئة في الاخرة، ولهذا قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} أي: تعودون إليه يوم القيامة، فتعرضون بأعمالكم عليه فيجزيكم بأعمالكم خيرها وشرها. والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * *